أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل عيسى - وحدة لبنانية -افتراضية- في ساعة














المزيد.....

وحدة لبنانية -افتراضية- في ساعة


خليل عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 4522 - 2014 / 7 / 24 - 22:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لقد وصل الحلم اللبناني "الافتراضي" إلى ذروته بالفعل، وذلك في توحيد نشرات الأخبار السياسية من "أجل غزة"، مجسّدًا التناقضات الأشدّ هولاً في حقّ بعضها البعض وهي مصطفة جنباً إلى جنب. كانوا كلّهم على المستوى نفسه من أجل عزّة: السارق والقاتل وأمير الحرب والملياردير والزعيم. الإمضاء: الفرادة اللبنانية. أصبح بوسعك أن ترسل جنودك إلى سورية، والتي قَتَلت فيها البراميل والمجاعة حوالي 2000 فلسطيني حتى الآن، وتقول إنك تفعل ذلك من أجل فلسطين. يمكن لك، أيضاً، أن ترفع شعار "مكافحة الإرهاب" على مذبح ما يسمى "الوحدة الوطنية" فتتحالف سياسياً في حكومة واحدة مع من كنت تعتبره "يجرّ لبنان إلى الويلات" في قتاله في سورية، وتقول إنّك تفعل ذلك من أجل فلسطين. يمكن لك أن تكره الفلسطينيين من كلّ قلبك، وأن تتمنى لهم الإبادة الجماعية، في أحاديثك اليومية، بينما تشعر بالزهو حينما ترى "زعيمك المسيحي" يدبج قصائد الحب والثورة من أجل فلسطين. فتطمئنّ: "زعيمي ذكي. يشتغل السياسة صح!". يمكن لك أن تتمنى اختفاء كلّ لاجئ سوري في لبنان من الوجود، وأن تهجس بمحو هذا "الفائض" البشري الذي "طعن المقاومة في الظهر"، ولم يقدّر "تضحيات المقاومة". وهناك يصبح في عينيك حينها أقل جدارة بالحياة من المستعمر الصهيوني لفلسطين، بينما تقول إنّ موقفك هذا نابع، تحديداً، من "التزامك بفلسطين".
فعلاً، كم أصبح هنالك الكثير من "الملتزمين" بكِ يا فلسطين، على حين غرّة!

لقد أشار حسن نصر الله إلى استعداد "المقاومة" لدعم غزة، بينما كانت جثث مقاتليه تأتي تباعاً من سورية. افترض اللبنانيون، يوماً، أن هؤلاء سيقاتلون "إسرائيل" فقط، بينما يموت هؤلاء اليوم في جرود جبال القلمون. خبراتٌ عربية في القتال مع الصهاينة تذهب، وتقتل عرباً آخرين بمشيئة التصرف الإيراني المطلقة. هنالك أيضاً ميشال عون في المضمار الذي يصرّ على تحقيق حلمه "العصاميّ" كأيّ لبناني ماروني من الطبقة البورجوازية الصغيرة، بالوصول إلى "رئاسة الجمهورية" فتعلك شاشته الحبَّ لفلسطين، مستعملة تعابير شاشة غريمه التقليدي سمير جعجع. اشتهر ذاك كثيراً بحبّه لفلسطين ولعروبة لبنان، إلى درجة أن الأمر كلّفنا بضعة مجازر في التاريخ القريب جداً، مجازر لم يعد من أصول العادات اللبنانية المستجدّة التكلّم عنها. التهذيب الفائق في مقاربة هذا الأمر الأخير تجده هذه الأيام خصوصاً عند تيار "المستقبل"، الحليف لجعجع، والذي هيكلت سياسته النيوليبرالية الاقتصاد اللبناني بعد انتهاء "الحرب الأهلية"، مما أدى إلى هجرة ملايين اللبنانيين الى الخارج. "المستقبل"، أيضاً، بثت شاشته قصائد الحب لفلسطين: لقد وحّدتْ، أخيراً، قصائد الحب لفلسطين بين حسن نصر الله وسعد الحريري، في هذا الظرف التاريخي الصعب "الذي نمرّ فيه"! يا لحظّنا التاريخي الهائل!

أليست هذه هي الديموقراطية المتحقّقة في نهاية المطاف؟ أليس الأمر عبارة عن توفّر كل أنواع الخيارات للزبائن في السوبرماركت اللبناني، ولو كان كلٌّ منها يدمّر بدلاً ومجتمعاً عدة مرات متتالية؟
لا بل إنه الدليل الساطع على أنّ التجار اللبنانيين متساوون في البراعة. هم أساتذة في تقنيات التسويق: الدعاية المستمرة للبضاعة، تخفيض الأسعار عند اللزوم للتصريف المستمر، الحرص على عدم حدوث كساد، و"التميّز" بروح الريادة في الأعمال. لقد أخذ "منطق السوق" الجميع في لبنان إلى جمهورية لبنانية "جديدة"، لم يعد فيها مواطن عربي ولبناني على الشاشات. لقد طُرد هذا المشرّد الفقير من مملكة الحيّز العام، ليحلّ مكانه "السنّي" أو "الشيعي" أو "المسيحيّ". لكن، لا بأس، فالعدوان الإسرائيلي على غزة وحّد مجدّداً بين "السنّة" و"الشيعة" و"المسيحيين".
وللحقيقة، كان للفلسطينيين دوماً المكانة المقدّسة في السرد التاريخي اللبناني، وتبيّن مجدّداً أن الأمر ما زال على حاله. فقد عزا بعضهم إلى الثورة الفلسطينية، في سبعينيّات القرن الماضي، منع حلم لبنان "سويسرا الشرق" من التحقق، فما كان إلا لأحفاد الثوار شرف تحقيق "الوحدة الوطنية"، ولو افتراضيّاً، بين اللبنانيين، بجثثهم المتفحمة، مدة ساعة في نشرة أخبار. هكذا تكون دماء أطفال غزة التي تقتلهم الأباتشي الإسرائيلية صابوناً يغسل به بعضهم يديه من دماء أطفال سورية والعراق. لكن هذا مجرّد تفصيل صغير. تفصيل مزعج بعض الشيء للمستمع باستمرار للنشرة الموحّدة، لكنه لا يقترب من مقارعة صوت التلفاز والموسيقى التصويرية في الخلفيّة.
إنّ جحيم غزة هو الجحيم "الجيّد" المسموح أن نغضب بشأنه، أما الجحيم السوري، أو العراقي، فهو جحيم "سيء"، لا يجوز حتى البكاء لأجله.

لقد كانت الحرب الإسرائيلية على غزة الفرصة الذهبيّة لتتويج الشطارة اللبنانية: قصائد الحب من أجل أطفال غزة تأتي من طبقةٍ حاكمةٍ على النمط النيوليبرالي تمارس كوابيسها الساديّة على فلسطينيي المخيّمات في لبنان. حقا، إنّ "المجتمع الجديد" على شاشات "من أجل غزة" هو تجسيد لكانتونات نفسية عند اللبنانيين، تحققت بتحقق مصالح زعمائهم. أما مجتمع "تعدّد الطوائف الديموقراطي"، فقد صُدّرت لغته المذهبية إلى باقي الوطن العربي. وهذا، بالطبع، دليل آخر على ندرة الفرادة اللبنانية، وما يمكن لذلك أن يفعل "بحركة التاريخ" من حولنا. وحدهم الفقراء لا يظهرون معظم الوقت على الشاشات. هؤلاء يحوّلون إلى مقاتلين في مدينة طرابلس، ليُستعملوا ويموتوا من أجل لا شيء. الفقراء ملح الأرض العربية، ملح غزة وسورية والعراق والعالم، لكنهم، لأنهم كذلك، هم مجرد تفصيل "صغير" غير مرغوب به.

في الحقيقة، لم تكن نشراتنا موحّدة، لا البارحة ولن تكون كذلك غداً. الليلة هو العرض الوحيد، فدعونا نشاهد نشرة الأخبار. هنالك صراخ أطفال ونساء وشيوخ يُقتَلون، آتية من خارج المنزل...يا للإزعاج! علِّ صوت التلفاز يا عزيزي. حسناً. لقد حلّت المشكلة.
[كان عنوان المقالة في الأصل "جحيم بسمنة وجحيم بزيت"] (العربي الجديد)



#خليل_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدالة واحدة و’غيرُعادلين‘ متعدّدون
- الاستعمار الأميركي-الإيراني: ’إعلان‘ إمبراطوريّة الشرّ
- رحلة كيم الى البنك الكبير
- عرس العنصريّات الديموقراطي
- سورية : من الصراع الطبقي المقدس الى واقع الطبقات المدنس
- اليسار اللبناني يسقط في سوريا


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل عيسى - وحدة لبنانية -افتراضية- في ساعة