أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - خليل عيسى - رحلة كيم الى البنك الكبير















المزيد.....

رحلة كيم الى البنك الكبير


خليل عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 4481 - 2014 / 6 / 13 - 02:02
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ولد جيم جونغ كيم في مدينة سيول خلال الخمسينات من القرن الماضي. كان جيم ليكون مثل أيّ كوريّ جنوبيّ آخر لولا أنّ اباه لم يقرر الهجرة المبكرة الى الولايات المتحدة الأميركيّة عندما كان ابنه في الخامسة من عمره. هناك، إنكبّ كيم على الدراسة بإجتهاد كبير فكان متفوّقًا على اقرانه، رغم أنّه يمكن القول وبأمانة أنّه ترعرع كأيّ شاب أميركي آخر من الطبقة الوسطى البيضاء الوثيرة. أهّله تفوّقه الدراسي للدخول الى جامعة "هارفرد" لدراسة الطبّ فاختبر شتى أوجه الحياة الجامعية والسياسية بصخبها الشديد خلال السبعينيات. خرج في مظاهرات الطلاب ضدّ حرب فييتنام وساند مارتن لوثر كينغ وحركة الحقوق المدنية. كان كيم حينها ’راديكاليًّا‘ أميركيًا بكل جوارحه.
بقيّ الأمر كذلك الى أن كان لزامًا عليه في أحد الصفوف قراءة رواية "كيم" المشهورة للكاتب البريطاني رُديارد كِبلِنغ. ما لم يعرفه كيم هو أنّ تلك الرواية التي جذبه اليها في البداية وجود اسم عائلته فيها كعنوان، كان مقدّرًا لها أن تشقلب افكاره عن العالم رأسًا على عقب، لا بل يمكننا أن ندّعي وبكلّ ثقة، أنّ شخصية ’كيم اوهارا‘ في رواية كِبلِنغ شكّلت مثالًا أعلى بالنسبة له. تخبرنا الرواية الشيّقة عن كيم أوهارا اليتيم الذي عاش في شبه الجزيرة الهندية إبان الإستعمار البريطاني. كان كيم ذات الأصول الايرلندية والذي ترعرع معدمًا في شوارع مدينة "لاهور" يبدو للآخرين هنديّا بإقناع. سيتعرّف هذا الأخيرعلى اللاما، المعلّم الذي سيتبناه ويسافر معه من أجل خلاص روحي من أوّل الهند الى آخرها. لكن ما سيحدث خلال الطريق هو أنه سيتمّ تجنيده من قبل المخابرات البريطانيّة في حربها مع مثيلتها الروسيّة بعد معرفتهم بأصوله الايرلندية. يقوم كيم حينها برحلة مزدوجة موازية لذاته المزدوجة: هويّة ’هندية‘ ستعيش رحلة ’خلاص روحي‘ مع اللاما وهويّة أخرى تتبع المركز الأمبريالي وتخدم المشروع السياسي البريطاني في حروبه الجاسوسيّة. ورغم أنّ كيم يبقى صديقًا لمعلّمه اللاما إلّا أنه يختار في النهاية الوفاء لهويته الامبريالية البريطانيّة قائلًا لمعلّمه " أنا لست "بصاحب" (أيّ هندي) لكنني سابقى دائما "تشيلا" لديك (أي سأبقى تلميذ دائمًا).".
فُتن جيم يونغ كيم لدى قرائته الرواية بكيم أُوهارا الى درجة أنّه قرّر بعد الإنتهاء منها مباشرة أن يكفّ من معارضته لسياسة حكومته ليصبح أكثر واقعية. فهو يستطيع أن يحتفظ بهويتين معًا، تمامًا كما فعل كيم اوهارا: أن يبقي على ’خلاص روحي‘ عبر هويّته المشكّلة من أصولٍ كورية و في نفس الوقت أن يبقي على هويّة أميركيّة فاعلةً في المشروع الأميركي. هكذا،ما لبث أن تخرّج كيم من جامعة هارفرد كطبيب خلال أوائل التسعينات الا أنّه حاز أيضا على الدكتوراه في الأنتربولوجيا. ولمن لا يعرف فإنّ الانتربولوجيين متخصصين في فهم ودراسة المجتمعات الأخرى والتي تكون عادة مٌستعمرة. هؤلاء كانوا وما زالوا أداةً تقليدية للمساعي الامبريالية الأوروبية ثمّ الاميركيّة لإنتاج المعرفة حول الآخر والتلاعب بثقافته بهدف تقويض أيّة مقاومة لها. بعد ذلك، تبوّأ كيم عدة مناصب مهمة بصفته أنتربولوجي ومنها مؤخرا أن يكون الرئيس الثاني عشر للبنك الدولي باختيار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما نفسه.
منذ بضعة أيّام قام كيم بزيارة لبنان وهي أوّل زيارة لرئيس للبنك الدولي الى هذه البلد الصغيرة منذ 14 سنة. عرف الرجل بصفته رئيسا المؤسسة المركزية لضبط هيمنة رأس المال في العالم أن مهمّة اعطاء وصفات نيوليبرالية لن تكون صعبة. فهو ومن خلال خبرته الانتربولوجية الواسعة فهم بسرعة أنّ لبنان تمرّ بأزمة قاتلة تتحلّل فيها كل مظاهر الدولة وفكرة القانون والحقّ والعدل. فالمجتمع الذي زاره لا يملك مجلسًا نيابيا ممدّدا له بشكل دستوري ولا حتّى رئيس جمهورية ولم تقام له أية موازنة مالية عامّة منذ سبع سنوات. والأنكى أنّ سكان البلاد لا يبدو أنهم يقاومون بفاعلية. وكم بُهت كيم لعلمه أن هذا البلد ليس فيه اقتصاد حقيقي منتج عدا بنوك و سوق عقارات! وأن الامر عبارة عن دائرة مقفلة قائمة على تصدير بشر واستيراد كلّ شيء آخر مع أعلى نسبة إستهلاك في العالم. فكّر كيم بنفسه أنّ لبنان ليس سوى بلد بحجم بنكٍ كبير، تسيطر عليه طبقة حاكمة موروثة من أمراء حرب أهليّة ورجال ميليشيات سابقين مرتهنين لقرارات دول أجنبية مختلفة، يريدون نهب كلّ شيء عبر الخصخصة من كهرباء ومياه وصولًا الى الهواء لو استطاعوا. دُهش مستر كيم من كلّ ذلك وشعر بالحزن على ما سيحلّ باللبنانيين قريبًا إذ أنّ حكامهم متفقون ضمنيّا على تمرير كلّ ذلك رغم مسرحيات الخلافات العابرة فيما بينهم وفهم بأنّهم يلتمسون مساعدته في تحقيق مرادهم. لكنّه وعلى الرغم من حزنه التقط كلمة السرّ من حكّام البلاد والتي كانت "كيفية معالجة خطر النازحين السوريين".
وبالفعل هلّلت الطبقة الحاكمة في لبنان لكيم في إعلامها، وصورته بصورة الرجل الذي يمتلك العصا السحرية من أجل "تخليص" الناس من " خطر النازحين السوريين". وفيما كان الجميع يسأل عن كيفية معالجة البِطالة التي قال بنفسه أنّها باتت تفوق نسبة 20% ، دأب كيم على ترداد رقمٍ أفزع اللبنانيين جدًّا وهو أنّ النازحين "أضاعوا على البلاد مبلغ 7.5 مليار دولار". لكنّه وبمعاونة التلامذة اللبنانيين للبنك الدولي طمأن كيم الجميع أنّ الحل إنّما سيكون بتنفيذ وصفاته التي لا تخطأ أيّ: بيعوا كلّ شيء! دمروا آخر معلم من معالم وجود بلدكم لتحصلوا على "تنمية مستدامة" لان تنتهي لأنّ بضعة من المصرفيين ومترسملي العقارات سوف يستولون على آخر ما تبقى من حقوق لكم في "قطاعات الطاقة والنقل والمواصلات".
أما الأدهى من ذلك كلّه أن كيم لم يكن يهتم فعلًا بمسألة النازحين السوريين وهو في الحقيقة لم يعرف لماذا اعتبره الجميع في لبنان مختصا بذلك. فبوصفه انتربولوجيّا محترفًا في عمله الجديد كان يهمه فقط تنفيذ مهمة البنك لحلّ أيّة مقاومة تعترض وحش النيوليبرالية حتى لو تمّ الأمر عبر كذبة (’بيضاء!‘) أساسها التلاعب بمخاوف وهواجس شعوب تباد وتهجّر بأكملها. صحيح أنّه ابن مهاجر كوري وبأنه زعم بأنّ ذلك جعله "يفهم معاناة النازحين السوريين" كما قال عندما لعب لبضع دقائق مع أطفال نازحين سوريين على التلفاز- مع أنّه يصعب علينا وصف طفولته في الولايات المتحدة بأنها كانت ’معاناة‘- لكنّه وهو يزور هذا البلد بحجم البنك، لم ينفك يتذكر بطله كيم اوهارا المنقوشة في وجدانه. " أنا لست "بصاحب"، لكنني سابقى دائما "تشيلا" لديك." قد يحزن الأنتربولوجي لمصير مجتمع مستعمر لكن ولاءاته لا يمكن أن تتغيّر.



#خليل_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرس العنصريّات الديموقراطي
- سورية : من الصراع الطبقي المقدس الى واقع الطبقات المدنس
- اليسار اللبناني يسقط في سوريا


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - خليل عيسى - رحلة كيم الى البنك الكبير