أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - توفيق الحكيم وبهرام بيضاني في محكمة العدل















المزيد.....

توفيق الحكيم وبهرام بيضاني في محكمة العدل


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 4900 - 2015 / 8 / 18 - 18:15
المحور: الادب والفن
    


محكمة العدل بين توفيق الحكيم وبهرام بيضانى
د. أبو الحسن سلام
شغل المسرح بقضية العدل فنسج كتابه الأحداث حولها ورسموا الشخصيات رموزا للعدل و رموزا للظلم فى مواجهات صراع درامى ما بين حاكم ومحكوم ، مما صبغ نصوصهم بصبغة سياسية تستهدف نقد المجتمع ونقد الحاكم فى بيئة تغرق فى بحر الرشوة والجور والتعسف والإجحاف وانتهاك الأعراض.
ومن بين كتاب المسرح الذى تناولوا شخصية القاضى رمزا للحكم وعنوانا لعدله أو جوره يبرز إسم (برتولت بريشت) فى رسمه لدور ( أزدك) قاضيا فى (دائرى الطباشير القوقازية)1 فهو لا يحكم وفق قانون سائد فى الدولة ، ولا وفق العرف الإجتماعى فى البلاد ، ولا وفق الوقائع والشهود ، ولكنه يحكم وفقا لمعتقده السياسى حيث الأرض لمن يفلحها لا لمن ورثها والإبن لمن رباه وليس ولده !!
ولعل غرابة أحكام قاضى بريشت قد أغرت كتابا ترسموا خلل العلاقة بين الحاكم والمحكوم بتشخيص صورة القاضى فجاء تشخيصهم لها مقاربا لصورة أزدك فى ( دائرة الطباشير القوقازية) فقد وجدنا عند قاضى (برهام بيضانى ) فى مسرحيته (محكمة العدل فى بلخ)2 *ظلا لقاضى بريشت ، كما وجدنا ذلك أيضا عند قاضى (توفيق الحكيم ) فى (مجلس العدل**)3
وهكذا خرجت صورة القاضى عند بهرام وعند الحكيم من عباءة (أزدك) قاضى بريشن فى دائرته الطباشيرية؟
غير أن المشكلة تتبدى فى معرفة أى من الإقتباسين كان الأسبق من الآخر.
خاصة إذا وجدنا بعض المواقف المتشابهة فى أحكام القاضى فى (مجلس العدل) مع أحكام القاضى فى (محكمة العدل فى بلخ) وهو تشابه يكاد يكون متطابقا ، ففى مسرحية (بهرام بيضانى ) يلجأ القاضى المنحرف إلى كشف فساد دعوى الإتهام المقامة من رجل ضد آخر رغب القاضى لمصلحة له عند المتهم أن ينقذه لعلمه بكذب المدعى فقضى بحكم مستحيل التنفيذ:
" جعفر : أنا جزار ياسيدى .. منذ أيام ، وبينما كانت زوجتى عائدة من الحمام ، وهى فى شهرها الآخير ، دفعها هذا الرجل الخليع .. وقعت زوجتى على الأرض فأجهضت.
سلمان : (يقفز من مكانه) كله كذب وبهتان.
جعفر : (باكياً) سيدى .. تعبت أربع سنوات حتى جاءنا هذا الطفل
القاضى : معك الحق .. يجب تعويض هذا.
جعفر : (سروراً) روحى فداك .. لك الشكر .
القاضى : الجنين الذى تقول إنه أجهض كان صبيا أو بنتا؟
جعفر : صبياً
القاضى : حسناً .. تأخذ هذا الفتى إلى بيتك ، وتحسن ضيافته .. وبعد ان تشفى زوجتك تدفعها إلى الفتى ليعّد لك صبياً.
جعفر : ماذا تفضلت؟!
القاضى : إن أنجبت صبياً فهو المطلوب .. وإن كان المولود بنتا فعلى زوجتك أن تحمل ثانية.
جعفر : (بغضب) لم أفهم ما قلت.
القاضى : فإذا كان الثانى صبيا فقد بلغت المقصود.
وإن كان بنتاً فقد بلغت المقصود أيضاً ، فحسب الشرح الأنثيان تعادلان ذكراً
جعفر : لقد ثارت ثائرتى .. ما هذا الكلام؟
القاضى : هذا لصالحك!
(يضحك الحضور.. يخرج كبير العرس مغتاظاً)
جعفر : سأفتح فاهى الآن وأقول ما يجرى على لسانى .. لقد تراجعت عن حقى
القاضى : ولكن الشاب لن يتراجع عن حقه .
جعفر : دعونى أذهب .. أنا أصلا لا زوج لى ولا دار ولا طفل.
القاضى : فقد كان ما قلت كذباً ..خمسون ديناراً غرامة الكذب." 4
هذا الموقف نفسه صوّره توفيق الحكيم فى مثول (الصرماتى) و زوجه التى أسقط الفران حملها ، ومثولهما شاكيين أمام القاضى فى مجلسه غير العادل حيث قضى بما قضى به قاضى (محكمة العدل فى بلخ):
الزوج : ياسيدى القاضى انا و زوجتى هذه كنا نسير أمام الفرن
القاضى : انتما أيضاً
الزوج : و زوجتى حامل
القاضى : وما دخل الحمل فى الفرن
الزوج : لا دخل
القاضى : استمر
الزوج : وجدنا المشاجرة على أشدها بين هذا الفران وبين صاحب الاوزة
القاضى : قلنا لكم اتركوا الاوزة
الزوج : لم أتدخل فى العراك نظراً لوجود حريم معى وهى حامل فى شهرين . حمل كنت انتظره بفروغ صبر ياسيدى القاضى لأنى لم أرزق بعد . وهذه اول خلفة
القاضى: ما دمت لم تشترك فى العراك وتنتظر الخلفة فلماذا أشرفت لتبلغنا الخبر السعيد ونهنئك بالمولود!!
الزوج : لا ياسيدى القاضى مع الأسف الشديد . فرحة ما تمت ، لن يكون هناك مولود
القاضى : سبحان الله . السبب؟
الزوج : السبب هذا الفران
القاضى : ماله أيضاً فى هذا؟
الزوج : كان يتشاجر فى الطريق ، يلطم هنا بيده ، ويركل ذاك بقدمه . فقلت له حاسب ياعم . معنا حريم . فما كان منه إلا أن ضرب بقدمه بطن زوجتى فأسقط حملها (وهو يبكى) نعم ياسيدى القاضى . المولود المنتظر .ذريتى . خليفتى.
القاضى : خليفتك؟ ماهى مهنتك؟
الزوج : صَرّام
القاضى : يعنى صرماتى
الزوج : نعم
القاضى: وكنت تنتظر خليفة؟
الزوج: نعم
القاضى: خليفة على عرش الصرم!
الزوج : ابنى على كل حال ومن دمى وصلبى.
القاضى : هل رأيته؟
الزوج : كيف اراه ياسيدى ؟ وهو لم يزل فى بطن أمه
القاضى : إذن أنت تتكلم عن شئ لم تره بعينك
الزوج: وهل يمكن رؤية الحمل
القاضى:ولا خبر عندك عن نوعه : ولد أو بنت؟
الزوج: لا ادرى هذا علم الله
القاضى: انت لا تدرى شيئاً ايها الرجل
الزوج: طبعا لا يمكن ان ادرى
القاضى: اذن كيف تقول ان هذا المولود المنتظر هو ابنك؟
الزوج: ماذا ياسيدى
القاضى: مادمت لا تعلم انه ولد . فكيف تقول انه خليفتك؟
الزوج : من باب الأمل والعشم
[ لأهمية هذا النص وعلاقته من جانب بالنص الإيرانى الذى أتناوله هنا ، وعلاقته من جانب آخر بما يحدث الآن من انتهاك لحرمات الدول والشعوب تحت غطاء قانونى من مجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة (وهذا ما ذكره توفيق الحكيم فى توطئته لمسرحية : مجلس العدل .. لهذه الأهمية أرى نشر هذه المسرحية –وهى قصيرة- فى نهاية قرائتى هذه ]
وتظهر المقاربة الثقافية بين (محكمة العدل فى بلخ) و (دائرة الطباشير القوقازية) حيث تستلهم المسرحيتان أسطورة الملك سليمان الحكيم الذى قضى بوضع طفل تدعى أمرأتان انه إبن لها ، بوضعه فى دائرة طباشيرية وأن يشقه بسيفه نصفين طوليين تحصل كل إمرأة منهما على النصف الذى يواجهها . غير أن الأم الحقيقية تصرخ متنازلة عن حقها فى أمومة الطفل ليحكم سليمان الحكيم لها بالطفل.
أما استلهام (دائرة الطباشير القوقازية) فقد استهدف تجسيد فكرة الإشتراكية العليا التى تقول ( إن الأرض لمن يزرعها وليس لمن يرثها والمصنع للعمال وليس لصاحب رأس المال والولد لمن يريبه وليس لمن يلده .)
وإذا كان استلهام بريشت للحكاية الشعبية من منظور حداثى يرفض المسكوكات الفكرية وثقافة الإذعان ، الأمر الذى يجعله يفرغ الحكاية الشعبية او الأسطورة أو الحادثة التاريخية من مضمونها التراثى أو التاريخى المرسّخ للفكر الإذعائى ليشحذ المضمون بحيثيات يعيد فيها المتلقى الدلالات معروضة على وعيه لا على حسه ، بما لا ينفى عن العرض المسرحى قدرته على الإمتاع مدخلا لدوره فى الإقناع مدعوما بمبدأ السببية .
وفى ظنى أن كل استلهام من التراث ؛ وإن انطلق من منابع تراثية إلا أنه لا بد وأن يستهدف خدمة حاضر مجتمع الكاتب أو المبدع سواء توقف عند ذلك الحد أو تجاوزه إلى استشفاف مستقبل مأمول يتعدى حدود مجتمعه ليرقى إلى مصاق إنسانى أكثر عمقاً وثراء.
والحكم حيث اقتبس شخصية القاضى المنحرف* إسقاطاً على فكرة الحكم الفاسد ، إنما أراد بها نقد فكرة التحالف بوصفها فكرة تلفيقية ، كما أراد بها نقد فكرة التأميم بوصفها فكرة أريد بها سرقة الآخر ، لأنها لم تكن تأميما لمصلحة الجماهير
• بغض النظر عن أسلوب التقية الذى حاول به حماية نفسه من الرقابة الرسمية إذ زعم فى مقدمة نظرية لنصه أنه قصد به مجلس الأمن وما يدور فيه من اعوجاج ينصر من خلاله الدول الكبرى المتسلطة على الدول الصغرى.
وإنما هى تأميم يستولى فيه الحاكم (القاضى) بوساطة مؤتمن من قبل صاحب رأس المال ( الإوزة) على ماله ، فى الوقت الذى كان مطلوباً منه إنضاجه لا اختلاسه وتقديمه طعاماً ما سائغاً للحاكم /القاضى . فالفران يختلس الأوزة بعد إنضاجه لها ويقدمها إلى القاضى وعندما يطالب صاحبها بها يهرع المؤتمن (الفران) إلى الحاكم (القاضى) مذعورا فما كان من القاضى إلاّ أن يطمئنه ويرشده إلى الرد المناسب على صاحب الإوزة ( قل له طارت !! ودعه يحضر إلىّ !! ) وعندما يقف صاحب الإوزة فى حضره القاضى ويستمع إلى دهشته مما أدعاه الفران حول (طيران الإوزة بعد نضوجها فى الفرن) يباغته القاضى بسؤال يشككه فى عقيدته الدينية : (هل تؤمن بأن الله يحيي العظام وهى رميم؟ ) فما يستطيع صاحب الإوزة إلا أن يجيب : (بل أؤمن) وهنا يمسك القاضى (الحاكم بأمره) بتلابيبه : (فلماذا لا تصدق ما قاله لك الفران؟!) وكن صاحب الإوزة الذى يؤمن بالله تصيبه الدهشة ولا يبدو عليه التصديق بطيران الإوزة المذبوحة المطبوخة !!
- المدعى عليها – غير أن القاضى قد لف حول عنقه حبل العقيدة وأحكمه فما يستطيع أن يتململ من الإقرار بصدق الإستشهاد القرآنى ولا يستطيع الإقتناع بملاءمة توظيفه أو الرجوع إليه فى ذلك الموقف ، لكن الغريب أن القاضى لا يمهله لحظة واحدة للتفكير أو التدبر ، إذ يعاجله بالحكم بتغريمه غرامة مالية رمزية.
ولكن الأمر لا ينتهى عند ذلك الحد ، وإنما يعقّد الحكيم الحدث ويفّرغه مع أن مسرحيته تقع فى فصل واحد ، فيخرج بذلك عن تقاليد البناء الدرامى للمسرحية ذات الفصل الواحد ، حيث تلتزم فى غير مسرحيته تلك بحدث درامى واحد لا تفريغ فيه ، إذ يترتب على مطاردة صاحب الإوزة للفران فى سبيل إسترداد ماله (إوزته المحمّرة) إرتكاب الفران فى فراره عبر الأزقة والحوارى عددا من الجرائم ، إذ يصطدم بزوجة مرفع الأحذية (الصرماتى )فيسقط حملها ، ويقفز من أعلى مئذنة المسجد فيدق عنق رجل جالس بأسفل الحائط الخارجى للمسجد ويصيب حمار أحد الفلاحين المارين بالأذى . وهؤلاء جميعهم يقفون أمام القاضى مدعين على الفران بالحق ، طلبا للإقتصاص واقتضاء العدل ، غير ان القاضى يرد الاتهامات إلى أعناق المدعين ويلزم كلا منهم بالغرامة المالية الرمزية التى يحكم بها على كل واحد منهم ، بما يهدم أركان العدالة فى الدولة ويثبت فساد الحكم فيها وخلل العلاقة بين أركان التحالف . وفى ذلك إسقاط على فكرة تحالف قوى الشعب التى سادت فكر دولة ( رأسمالية الدولة ) فى الستينيات وشعاراتها التلفيقية حيث جمعت تحت شعار التحالف نماذج طبقية : ( الرأسمالية " الوطنية" –المثقفين- العمال- الفلاحين ) وفى مسرحية (مجلس العدل) تلك يجتمع فى إطارها الدرامى : صاحب رأس المال هو صاحب الإوزة التى تم تأميمها لصاحب الحاكم الفرد وعامل هو الصرماتى مع انه من حثالة الطبقة العاملة – وفلاح ، ومؤذن المسجد وهو رمز للمثقف وفوق هذه النماذج المؤطرة تأطير تحالف تلفيقى فى الحدث – اسقاطا على الواقع السياسى للنظام فى ستينيات الحكم فى مصر حاكم ومتصرف فى رأس المال المؤمم والتلفيق يخترم فكرة أى تحالف ، إذا لم يبن على كيانات لكل منها استقلالها وبرنامجها وهويتها الطبقية، لذلك فإن التحالف فى الواقع السياسى الستينى فى مصر كان تلفيقيا لأنه لم يكن بين أحزاب لكل منها استقلاله وهويته الطبقية وبرنامجه وحواراته النقدية مع الأحزاب الأخرى المشاركة أو التى هى بصدد التحالف وصولا إلى برنامج مؤقت لتحقيق هدف قومى محدد ، وذلك لو كان قد تم لأصبح ذلك التحالف توفيقياً. ولقد تأسس الإطار الدرامى للحدث فى مسرحية (مجلس العدل) على التلفيق الدرامى لا على التوفيق الدرامى . ولا أرى فى ذلك خللا فى البناء الدرامى للمسرحية لأن خلل العدالة وخلل النظام وخلخلة أركانه تتضافر شكلا لتوكيد مصداقية التعبير عن المعنى الكلى للمسرحية . ولعل أوفر مثال على خلل البناء الدرامى فى مسرحية (مجلس العدل) هو مناقشة القاضى لصاحب الإوزة – المدعى بالحق المدنى- فى حيثيات إتهامه للفران بعد أن أصدر القاضى نفسه وفى نفس الجلسة حكمه بتغريم صاحب الأوزة ، وليس فى الواقع الحياتى المعيش ما يطابق ذلك ، لأن مناقشة أركان الإدعاء وردها سابق فى مجلس القضاء على إصدار الحكم وليس العكس . ولكن فساد القضاء لا يتأكد بالحكم الفاسد فحسب ولكن فى آليات الوصول إليه ، كما ان وضع الحكيم للحكم أمام حوارية الإتهام والدفاع شبيه بوضع العربة أمام الحصان وذلك خطأ ما بعد خطأ وذلك ما يثبت فساد القاضى لأنه يصدر الحكم ثم يناقش الإدعاء ويرد هو نيابة عن المدعى عليه (الفران) مؤمم رأس مال الغير.
غير ان نص "توفيق الحكيم" أكثر إحكاماً من نص "بهرام بيضانى" ليس لكون من فصل واحد ، فى حين تنقسم مسرحية بهرام إلى قسمين يعنونها المؤلف بالمشهدين الأول والثانى غير أن كل مشهد من المشهدين حسبما نص الكاتب يقع فيما يزيد على مائة صفحة وذلك مناقض للمتعارف عليه فى أصول تقسيم الفصول والمناظر والمشاهد المسرحية فى النص .
ومع أن نص الحكيم أكثر إحكاماً من نص بيضانى ، إلان أن النظرة النقدية الأولية لبنائه الدرامى تحكم بخلل فى البناء قياسا على الحقيقة الحياثية ففى الحقائق الخارجية نجد أن القاضى على أى مستوى لا يصدر حكما قضائياً على طرف من أطراف قضية ما عرضت عليه ، إلاّ بعد أن يقتلها مخصا وتمحيصا للشواهد والأدلة الثبوتية والقرائن ومقارنتها ببعضها بعضها ومناقشة الإدعاء والإنصات للدفاع واستخلاص الحقائق ثم الحكم بعد هذه الرحلة الشاقة , غير أن قاضى الحكيم يحكم أولا قبل أن يقضى وهنا تكون الحقائق الداخلية لنص الحكيم غير مساوية للحقائق الداخلية فيه ، وبذلك يجوز لنا أن نقول نص مجلس العدل لا معادل موضوعى فيه.
غير أن الجملة الأولى من حوار المسرحية تردنا عن هذه الرأى ، إذ يلقى القاضى الفران المذعور فيبادره بالقول " مالك ياصديقى الفران؟!"
ولأن هذا التعبير لا يطابق واقع العلاقة السوية بين قاضى وفران فلذلك دلالة على خلل فى العلاقة فالقاضى لا يخاطب الفران واقعنا الحياتى بالصديق ، ولكن فى نص الحكيم يعلن عن صداقته له وبناء الحدث على النحو الذى أشرنا إليه بما يكشف عن غياب المعادل الموضوعى هو توكيد لخلل العلاقة بين قاضى وفران (وفق الحقيقة الخارجية) غير أن الخلل فى البناء الدرامى هنا مقصود وفيه وضح تلك العلاقة فى مركز إهتمام المتفرج بقصد إدهاشه بغرابة تلك العلاقة كما أن نظرة نقدية لفساد القضاء ونظام الحكم لذلك يحكم قاضى الحكيم على صاحب الأوزة وبعد ذلك يناقشه وهذا خلل كخلل صداقته للفران أما البناء الدرامى لنص: (محكمة العدل فى بلخ) فيقوم على تداخل الزمان وأسلوب القطع التلفزيونى وفق لقطات متلاحمة تسقط منطق الزمان فيما هو أقرب إلى (الكولاج الدرامى) كذلك يلجأ إلى تقنية (التمثيل داخل التمثيل) :
"محرر العرائض : طبعا .. قل لنا
خدابخش : حسناً .. فلنفترض أنى أنا القاضى فى التمثيلية.
بائع الملابس : (لمحرر العرائض) قدم له كرسيك.
خدابخش : ونأخذ تيمور وأحمدك على أنهما الشاهدان لذلك .
تيمور : ماذا تقصد؟
محرر العرائض : يريد محاكاة التمثيلية.
تيمور : لأنى وأحمد شهدنا بالأمس أيضاً
خدابخش : هذه لا علاقة لها بالأمس.. إنها محاكاة كما قلت.
بائع الملابس : نعم .. إنها لعبة مسلية.
تيمور : ولماذا نحن.؟ ..فليتقدم غيرنا "
إن صاحب المحكمة خدابخش الذى لم يعد يرضى بظلم القاضى وحاشيته السلطة من قائد الشرطة ومعاونيه وفحش أفعالهم ومؤمراتهم يدير تمثيلية يقلد فيها دور القاضى ويقنع بعض أعوان الفساد الملتفين حول القاضى الفاسد الذى كان حاجباً من قبل لقاض عادل أقصى ونفى ليحل محل حاجبه الذى تآمر وشهد ضده زورا ، واستخدم عددا من شهود الزور فى كل قضية تعرض عليه ليعود منها بالكسب أو بمحاباة الحاكم أو رئيس المخفر أو الوالى ، لذلك يصطنع خدابخش الحاجب تمثيلية يستخدم فيها شهود زور فى قضية عرضت بالأمس على القاضى الفاسد يعرض فيها هو نفسه بتاجر شريف وبأخته الجميلة التى رفضت الزواج من رئيس المخفر أولا ومن القاضى ثانيا فطعن فى شرفها وحرض زبانيه الزور المحيطين به وبرئيس المخفر عليها وعلى أخيها بعد أن احرقوا له منزله وأجبروه على التخفى والهروب . والحاجب خدابخش الذى أخفى فى منزله الفتاة حماية لها يدبر التمثيلية ويوزع أدوار شهود الزور على الأشخاص الحقيقين الذين استخدموا فى شهادات زور سابقة وذلك للإيقاع بهم أمام الناس فى ميدان عام والغريب أن شهود الزور يقدمون على تلك التمثيلية لأنهم يعرفون أو مازالوا يرون فى خدابخش الشخص الساذج السلبى.
إن مسرحية بهرام بيضانى (محكمة العدل فى بلخ) إذ قرأتها او شاهدتها – إن قدر لها أن تعرض- سترى مصر و صورة الفساد بكل تفاصيلها الحادثة الآن . الرشوة ، الجور ، السرقة ، الإختلاس ، الخنا ، المؤامرات ، الجرائم ولكن فى قالب ملهاوى مأساوى يرد ذاكرتك إلى بيت المتنبى ( وكم ذا بمصر من المضحكات ولكن ضحك كالبكا)
ولو كان ما صوره بهرام فى مسرحيته تشخيص للواقع الإيرانى فليس أمامنا إلاّ أن نردد قول حافظ إبراهيم
"..... كلنا فى الهم شرق"

د.أبو الحسن سلام
































الهوامش

1- برتولت بريشت ، دائرة الطباشير القوقازية ، ترجمة د. عبد الرحمن بدوى، سلسلة من ورائع المسرح العالمى ع 30 القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة والترجمة والنشر.
2- بهرام بيضانى ، محكمة العدل فى بلخ ، ترجمة د.محمد التوبخى ، سلسلة ابداعات عالمية ع 330 ، الكويت المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب . يوليو 2001
3- توفيق الحكيم ، مجلس العدل، القاهرة ، مكتبة الآداب ومطبقها بالجماميز
*كتبها فى الخمسينيات
**كتبها فى السبعينيات
4- بهرام بيضانى ، محكمة العدل فى بلخ ، المصدر نفسه، ص ص107-108
*بغض النظر عن أسلوب التقيه الذى حاول به حماية نفسه من الرقابة الرسمية إذ زعم فى مقدمة نظرية لنصه أنه قصد به مجلس الأمن وما يدور فيه من أعوجاج ينصر من خلاله الدول الكبرى المتسلطة على الدول الصغرى.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدراماتورجية بين الإخرج الحداثى الاستعادي ل (مارا – صاد) وم ...
- ما الأدب ؟ قراءة ليست للجميع !!
- فاطمة وماريكا وراشيل - جنسية الغناء -
- قضية فنية للمناقشة الطاقة التعبيرية بين الكلمات والألحان
- الممثل بين المحاكاة والتعبير وإعادة التصوير
- النيل ينسي !!
- غواية الكذب في حديث الترللي
- فساد الكتابة
- اللحن المسرحي بين الاقتباس وحرفية النقل
- المونودراما والفرجة المسرحية
- التفاعل الاتصالي المسرحي بين التوظيف الإبداعي والتوظيف العلم ...
- كتابات الدكتور أبو الحسن سلام بين أسئلة المنهج وفعاليات قراء ...
- ذاكرة المسرح في الأقاليم الثقافية
- الذكاء الصناعي بين الرخاء السلبي والرخاء الاختكاري
- حيوات النص المسرحي في مفترق قراءات بن زيدان النقدية
- المسرح وصورة الوصايا السبع بين الوعي التراثي والوعي الحداثي
- المسرح المقارن والكتابة الدراماتورجية
- نهار اليقظة في المسرح المصري
- القراءة الطفولية لشهرزاد
- النموذج الصراعي والنموذج المقاوم في الشخصية المسرحية


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - توفيق الحكيم وبهرام بيضاني في محكمة العدل