أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - خضير فليح الزيدي - قمل السجون عن الحركة والسكون في الذهاب والمجيء














المزيد.....

قمل السجون عن الحركة والسكون في الذهاب والمجيء


خضير فليح الزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1349 - 2005 / 10 / 16 - 11:24
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


في التشخيص السريري لأحياء متحركة في الزنزانة العامة أو المحجر الانفرادي :
هكذا من غير مقدمة تتهرأ الجلود من فرط الحك والهرش بأظافر طالت كمخالب القطط ،لتحك شقوق الجلد المتيبس وتخرج فراخ القمل من ثغور الجلود الحمر .. وحتى تدمى آخر الليل يقفون في طوابير كوة أشعة الشمس الداخلة من النافذة الوحيدة ، لينساب فيلق القمل الى الحواشي الرطبة المظلمة ، منتظرا ظلام الليل ليعاود هجومه البربري متسلحا بمواضعه الشقية بين طيات الوسائد المتهرئة..
بعد أن جف عرق الأجساد .. نضب آخره لينز الملح من زغابات الجسد الممدد او المتكأ على جدار المحجر يحصي ما تخلف من مسيرة الحيوات الدائبة على الجلد .. القمل الأبيض يمشي الهوينة على البطانية المقلمة والشر اشف الرمادية المتشربة بملح الأجساد.. وديعا في سكونه، ،في حركته ،في تناسله ، الا في قرصته ،و موته المتشظي بين كماشة الإبهامين .. أما دمه الرمادي فيترك آثاره على بياضات الملابس المتيبسة .. القمل الأسود اكثر حركة ولؤما من سابقه..ومنطقته المفضلة عند الشعور والرقبة وتحت الأذن وفي ظلام الإبط وفي شعر العانة وفي مشرط الردفين .. انه اللعين ومساعد السجان في ظلمه وامتصاص ما تبقى من الدماء .. يتناسل ويبيض في مفرق الهامة ويتنزه في آخر هزيع من الليل عند الوسادة او المفاصل المحرجة ، ويطلق صرخته الأخيرة عند وضع الذكر ( الصول ) بين اضفري الإبهامين ليطق وينفجر بدم اقرب الى السواد .. إلا انه لا يتجاوز أبدا على منطقة القمل الأبيض ولا يعجبه التنزه خارج محميته السوداء في غابة الشعر وملاجئ الإبطين .. انه يتغذى اكثر من السجين في دورة يومه الواحد .. ينام اقل من السجين في يومه .. وهناك منطقة وسطى بين النوعين ما يسمى جزافا بالبغل الرمادي ( نوع من أنواع القراد يقطن بين أصابع القدم وفي مؤخرات الخيل )، وهو نوع غريب من أنواع القمل بشكله المبالغ فيه ولونه الذي يشبه نوع البغل يقطن المحاجر الانفرادية ويزور الأجساد لمرة واحدة إذ يزرع سمومه بقرصة واحدة محدثا ثقبا فاغر ألفاه ليندمل بعد عشرة أيام وتاركا ندبة في المكان كوشم يضيء ما تبقى من العمر ..قال آخر النزلاء بعد تفكير عميق :
- أرى انهم يستوردون القمل بأنواعه من اصطبلات الخيل في موزمبيق او الصومال .. بعدما يضعونه في شعر مستعار كبيئة ملائمة للعيش المؤقت ..انهم يستوردونه خصيصا لنا ضمن مذكرة تعاون مشتركة .
في مسابقة حصلت في الزنزانة الأخيرة بين فريقين من السود والبيض وكان ما رثونا هلاميا مساحته وسادة السجين الذي غادر ه ميتا بفعل فقر الدم ..ليترك وسادته تمرح عليها أنواع القمل الأبيض والأسود ، ليفوز بنهاية المطاف الأبيض الرشيق بالنسبة الى الأسود صاحب الزيادة الوزنية وحمولة الدماء البشرية الثقيلة .. كانت المنافسة شديدة تتقطع الأرجل فيها مع مناداة المتراهنين بالإسراع .. فالقمل الأبيض أخف وزنا ورشاقة من غيره ليصل خط النهاية قاطعا المسافة برقم قياسي متجدد كل يوم .
في صداقة جرذ المحجر :
لم تكن جرذانا عادية كما التي نراها خلف زوايا أثاثنا او قرب القمامة .. في المحجر الوسطي ثمة جرذ وديع يأتي كل مساء قبل صلاة المغرب بقليل.. يقترب من السجين شيئا فشيئا ليجلس في حضنه باحثا عن الحنان الذي افتقده أيام الطفولة .. يمسكه السجين بين يديه ليمسد على ظهره بخفة وحنان ويطعمه من بقايا الصمون وفضلات طعام الغداء ، ثم يودعه الى اليوم التالي .. ليسجل السجين بمجيئه في اليوم الآخر فقدان يوم آخر من حياة المحاجر ( رز نامة العد اليومي لما تبقى من الحياة في ظل القمل الأسود ).. ثمة عناكب تعيش في زاوية الجدار يطعمها بعض ذبابات يقتلها بكبسها بالوسادة ليجهز طعام العناكب الجائعة .
التبول القسري في الصفيحة :
صفيحة المحجر الانفرادي اكثر أناقة واقل انبعاثا لروائح اليوريا بوصفها خصصت لينفرد بها ساكن المحجر وحيدا في حجره المتري .. لذلك فهو يستطيع في الصيف ان يقلل من شرب الماء ليقل التبول ( من مدرسة المحاجر الانفرادية ) .. ومراحيضه عبارة عن صفيحة زيت الراعي او البنت مفتوحة من فوهتها لتستقبل ما يلقى بها يوميا .. إلا إن مراحيض الزنزانة ( أم الخمسين ) فهي عبارة عن صفيحتين من زيت الراعي تملئ يوميا وتخرج فضلاتها خارج الصفائح لتصل في أيام الصيف نحو حافة البطانية الأخيرة وينقطع الوصف بعده ….. .
من صحافة المحاجر المحررة بدم القمل :
الصحافة اليومية للمحاجر الانفرادية هي الوحيدة المسموح بها بعد صدور قرارا بمنع صحافة القاعات ، وطلاء الجدران استعدادا لمواسم الحصاد الكبرى .. فيما ظلت صحافة المحاجر محبوسة ضمن جدار الكلمات .. وتداخلت المعاني فوق هامات المعاني والكلمات فوق مرادفاتها لتصرخ الحروف مبتسرة مقطعة الأوصال وهاكم النماذج ( الله نور السموات – يا خالقي من عدم تجلى – أولادي شموع ينورون الطريق – تمر الساعات بثقل دوران الجبال حول نفسها – أغثني يارب – أحضرني يا علي ) .
خارج الزنزانة عند الشجرة البعيدة :
عند غروب شمس آخر النهار يستمع الاخوة المتزنزنين بسمفونية العزف الكوني تهديه كل مساء مجموعة اليمامات المقابلة للنافذة العليا ( 20 × 20 ) والتي فرضتها قسريا لجنة حقوق الإنسان ، كمتنفس أخير للسجناء .. اليمامات تطلق نواحها الأخرس لتشذ ذاكرتهم بحياة أخرى خارج النطاق .. حياة الطفولة والصبا والزوجة والأولاد والاخوة والأصدقاء والشوارع الترابية .. ثمة نواح مكتوم تطلقه اليمامات من الشجرة المقابلة للنافذة الوحيدة .. ياكوكتي أين أنتي ؟
ياكوكتي أما حان وقت العودة ؟
ياكوكتي هل المساءات كلها متشابه خارج النطاق ؟



#خضير_فليح_الزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات الكاتب محسن الخفاجي في المعتقل
- الوطن.. في حقيبة سوق الهرج
- الضاد ليست دائما اخت الصاد يااودنيس الشعر
- ..طريبيل ..الخارجون والداخلون الى دراما الوطن
- حيرة الكتابة ..وقلق الكتاب
- (رسالة من القاص الاب محسن الخفاجي الى القاص جورج بوش الابن ( ...


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - خضير فليح الزيدي - قمل السجون عن الحركة والسكون في الذهاب والمجيء