عاطف الدرابسة
الحوار المتمدن-العدد: 4891 - 2015 / 8 / 9 - 01:15
المحور:
الادب والفن
في ذكرى رحيل الشّاعر الكبير محمود درويش :
رحلتَ وحرفُكَ ما زالَ يتسلّقُ الشبابيكَ العتيقة ، يرسمُ أبراجَ الحَمام ، وينتظرُ مولدَ النّهار ليُعيدَ للطُفولةِ عُرسَها ، ويفتح للشّمسِ نوافذَ العُبور .
رحلتَ وأحلامُكَ الصّغيرة بلا نوافذَ ؛ فالزّيتونُ ما زالَ يُباعُ بالخيانةِ ، وأسوارُ تاريخكَ المُستحيلِ تصدّعت وبنت العناكبُ في شُقوقها بيوتاً واهنةً لا يسكُنها إلّا الارهاب .
رحلتَ وسلّةُ التّينِ قفصُ اتّهام ، ورائحةُ اللوزِ ما زالتْ على عهدك ،َ تُشعلُ أحزانَ ليالينا الطّويلة ، وأكياسُ الطّحينِ كما تركتها فارغةً كعُقولهم ، ونحنُ كما نحنُ ما زلنا نحسبُ البدرَ رغيفاً ، ونحلمُ بالحلوى وحبّات الزّبيب في دكاكينِ الصّليبِ الأحمرِ والأسودِ .
رحلتَ وورقةُ التّوتِ قد يَبستْ فتعرّى الجّميع إلّا من الخيانة ، واتّسعَ السّياجُ ، وضاقتْ تفاصيلُ الأمل ، وأصبحَ كلُّ الوطن قابلاً للاحتراق من المُحيطِ إلى الخليج .
رحلتَ والرّاوي ما زالَ يكتبُ على بابِ المدينة : من هُنا مرّ الخريفُ في ثيابِ القَتلى .
رحلتَ والهزائمُ ما زالت تتجدّدُ فينا كالفُصول ، وأُفقُ البدايةِ مُوصدٌ كشرايينِ مرضى القلب .
رحلتَ ومن ليسَ منّا صارَ منّا ، تُرى هل ما زالَ لديكَ أملٌ لتبتكرَ لنا البداية ، ونحنُ في جحيمِ الهاوية .
أيُّها الرّاحلُ العظيم : يبدو أنّنا سننسى الطريقَ إلى دمشقَ ، وننسى الطّريقَ إلى بغدادَ كما نسينا الطّريقَ إلى القُدسْ .
ماتَ المُغنّي ، والمُحاربُ استراح كما يستريحُ السّيفُ في جسدِ الضّحيّة ، تغيّرتْ وجهةُ البُندُقيّة فقد مزّقوا الوصيّة .
الآنَ يا سيّدي عرفتُ لمَ لم تكتب الوصيّة ، والآنَ عرفتُ لمَ لم تشرح لنا أسبابَ انتحارِ أصدقائكَ ، يبدو أنّنا قد وقعنا عن جميعِ الأحصنة ، وفتحنا النّوافذَ للظّلامِ فخسرنا الأمكنة .. كلُّ الأمكنة حتّى الصّور .
د.عاطف الدرابسة
#عاطف_الدرابسة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟