أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - تفروت لحسن - حياة المغاربة ومعضلة - التدبير المفوض -















المزيد.....

حياة المغاربة ومعضلة - التدبير المفوض -


تفروت لحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4874 - 2015 / 7 / 22 - 09:43
المحور: المجتمع المدني
    


إذا كانت الفلسفة كحياة، أو على الأقل الفلسفة كمنهج للحياة تدعو إلى الإنهمام بالذات والاهتمام بها، بل واستثمار أشكال الولع بها، وممارستها كفن، فإن الحياة عند غالبية المغاربة تحيد عن هذا التوجه. حيث أن هؤلاء يفوضون أمر تدبير عيشهم وحياتهم العامة والخاصة للغير، حتى في الأمور الأكثر محايثة، للحياة في أدق تفاصيلها. ورغم أن الناس لا يلتفتون إلى هذا المغطى المفترض، فإن مقصدنا من هذا القول هو الكشف عن بعض مظاهر التخلي عن الحياة عند المغاربة في بعديها، الفردي والجماعي، من خلال بعض الحالات. وقبل ذلك يبدو أن اللزوم يقتضي تحديد دلالة " التدبير المفوض "، تم تبيان انعكاساته على الحياة، سلبا أو إيجابا.
صحيح أن مفهوم " التدبير المفوض " حديث التداول في الوسط المغربي. ورغم كونه من المفاهيم الشائعة، التي تستعمل دون الحسم في معناها، فإن مجال تجواله وتداوله يبقى محصورا على مجال الأعمال والمقاولة. إنه ينتمي إلى مجال قانون " العقود والالتزامات ". فالمفهوم اقتحم الساحة المغربية في تسعينيات القرن الماضي، حيث استخدم في مجال تسيير الشأن العام المحلي. إذ أن مجموعة من المصالح تم تفويت تسييرها إلى الخواص، كالنقل والنظافة والماء والكهرباء ... وإذا كان اللفظ يقابل في اللغة الفرنسية كلمة " gestion déléguée la "، فإنه أصبح واسع الاستعمال في قطاعات خصوصية جديدة، في المقاولة. هذه الأخيرة التي نجدها تفوت إنجاز بعض الأعمال إلى شركات صغرى. وهذا ما يعرف ب " Sous-traitance ". وبالفعل أصبحنا في السنوات العشر الأخيرة نلاحظ انتشار هذه الظاهرة وبشكل متسارع. ويكفي أن نشير إلى أن مسؤولية الآمن والبستان والنظافة أصبحت تنقلها الإدارة العمومية أو الشبه عمومية إلى الخواص، مثلا ما يعرف بالأمن الخاص والكاتب الخاص والسائق الخاص ...
ليس موضوعنا هو الخوض في الوجوه القانونية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية لظاهرة " التدبير المفوض ". فهذا الموضوع يقتضي تكامل عدة تخصصات للإلمام بخيوطه العنكبوتية المهمة دون تناسي شرعيته وآثاره المجتمعية.
إن ما نرومه في مقام هذا القول هو تناول بعض وجوه هذا السلوك العلائقي لحياة الإنسان المغربي حتى في بعض الأمور الخصوصية والأكثر حميمية في الواقع اليومي والمعيشي.
وإذا كنا الإنسان المغربي لا نعير كبير الاهتمام إلى جنوحه إلى آلية التدبير المفوض، بل ولا يستحضرها في تعاملاته، كما لا يعلن عنها في حالة الشعور بها، فإن الفضاء المغربي يضمر أشكالا و بدرجات متفاوتة، تختلف من طبقة إلى أخرى، من هذا التدبير. ونورد بعض الشواهد من أحوال المغاربة التي تزخر بعلامات " التدبير المفوض ". هذا المفهوم الذي يتجول، وبدون وعي منا، في مشارب شتى من الحياة، ومن ذلك هذه الصور:
- التربية بالتدبير المفوض : وهذا الصنف له جذور في البيئة الثقافية للمغاربة، والتي تعود إلى ما قبل الإسلام. فقد كان العرب الحضريون، في العصر الجاهلي، يفوضون رضاعة أبنائهم وتأدب و حتى تأديب أطفالهم للبدو، بمبرر تقوية ساعدهم أو فصاحة لسانهم. كما كان أهل أثينا من الإغريق، خاصة الأغنياء والساسة، يفوضون تنشئة براعمهم إلى العبيد " pédagogue ". وحتى المغاربة في ماضي الزمان، ومازال بعضهم من أهل المغرب العميق، كانوا يسندون مهمة تربية الأولاد إلى الأقارب، الأجداد، أو الجيران، وذلك لظروف صحية أو اقتصادية. وهذا ما تشهد علية علاقة الاخوة بالرضاعة التي أصبحت تنقرض من فضاء المدن.
نفس الأسلوب نجده اليوم في الفضاء المدني المغربي، نفس الجوهر مع تغير شكل البنية. وهذا ما يوضحه تعامل أهل المدن مع تربية الأطفال. فلقد ظهرت " دور الحضانة " و " رياض الأطفال " و " مؤسسات التعليم الأولي " و " المدارس " العمومية و الخصوصية. فرغم اختلاف طبيعة تعامل الأسر مع هذه المؤسسات، المعتبرة فضاءا للتنشئة الاجتماعية الأولية "، ونظرا للظروف الاجتماعية للأمهات والأباء وعلاقة ذلك بالشغل والوظيفة أو عدمها، خاصة بالنسبة للأم، فإن الملاحظ أن تفويض تربية الأطفال يوكل إلى هؤلاء الأعوان. سواء منذ الطفولة الأولى أو المتوسطة. بل أصبحنا نجد من يعتبر تلك المؤسسات مجرد ملاجئ يوضع فيها الأطفال حتى عودة الآباء من العمل، أو الاحتفاظ بهم لمنح الأم – ربة البيت – الفرصة للحياة العادية. وهذه العدوى تطال الأطفال حتى في تعليمهم. إذ بمجرد مغادرتهم المؤسسة النظامية ينقلون إلى الدروس الخصوصية، بمبرر المزيد من التحصيل الدراسي. وهكذا، لا يباشر الكثير من الآباء أمر التربية إلا بشكل عرضي، بتوفير الأكل، الملبس والمشرب. فتكون النتيجة هي غياب الأبعاد العاطفية والاجتماعية بين الآباء والأبناء، وهي السمات المفترض توفرها في كل تربية عادية.
- التدبير المنزلي المفوض : ومقتضاه تفويت كل أشغال البيت للخادمة ، لدرجة أن هذه الأخيرة تتدبر كل أمور البيت، بل وتعرف أسراره أكثر من صاحبته. وإذا كان أصحاب البلاغة القدامى ينعتون المرأة التي لها من يخدمها ب " نئومة الضحى " بسبب نومها حتى وقت الضحى واتكالها في تدبير شؤون البيت على الخدم، فإن نفس الصورة تتكرر ولو بشكل مختلف في اليومي المغربي المعيشي. إذ، بسبب ظروف العمل أو العجز أو اليسر أو ... تلجأ الكثير من الحضريات إلى هذا الشكل من التدبير المفوض. فهن لا تباشرن مختبر المنزل في أي شيء : لا تسوق، لا تنظيف، لا تحضير وجبات شهية... بل لا يعرفن إلا أسلوب الأمر للخادمة ونقد عملها، وفي بعض الحالات الانقضاض عليها.
ولا يتوقف أمر تدبير المنزل على هذا المستوى، فهناك وكلاء آخرين يقومون بهذه المهمة. مثلا اللجوء إلى المقاهي والمطاعم، بل وطلب إسعافها. فهناك متخصصون يجلبون لك كل ما تحتاجه إلى قلب بيتك، إلى فوق سريرك. وهذه الظاهرة توطنت في الفضاء المغربي بشكل كاد أن يكون شعبيا. فانتشار مموني المناسبات هم دليل ساطع على التفويض، على التدبير المفوض. فممون أو ممونة المناسبات هو الشخصية التي تقوم مقامك وتحل محلك في الأفراح والأحزان. ينوبون عنك في كل شيء، في استقبال وتوديع الضيوف والاعتناء بهم وإكرامهم.
- التدبير الكتابي المفوض : بعدما كان " الكاتب العمومي " هو من ينوب عن الناس، في زمن الأمية، في تدوين مشاكلهم وأفكارهم وتظلمانهم ... ، وكان المحامي هو وكيلهم ولسانهم في الوقت الذي لا يحسنون فيه القول في مقامات القضاء، فإن التدبير الكتابي أصبح له اليوم تجدر أخر عند المغاربة. وتلك المهمة هي التي تسند إلى خدام دواوين الوزراء والبرلمانيين و بعض المتحصنين في مواقع المسؤولية. هذا ما يظهر مثلا في بعض الأسئلة والأجوبة البرلمانية، وفي بعض الخطابات السياسية، وفي بعض المناظرات والنقاشات الإتنخابوية. بل ظهرت إلى الوجود الكثير من وكالات التواصل. هذه العلب التي تستطيع أن تنوب عنك في كل شيء : في تغيير معالم صورة الشخص، وكتابة نهج سيرته، وصياغة برامجه الانتخابية. ويكفي أن يعرف الشخص فك الرموز الأبجدية حتى يوفق في نقل الأحاسيس والأفكار التي تصبح ملكا له، أو هذا ما يعتقده.
- التدبير المفوض الحميم : يشهد الواقع اليومي الراهن على ظاهرة اقتحام التدبير المفوض لعالم الإنسان المغربي حتى في أدق خصوصياته. فبفعل تخمة التواكل والعجز وسيادة ثقافة " الخدمة " و " الخدمات "، أصبح الشخص، ممن أبتلي بهذه المعضلة، يفوت نظافة جسده ل"الكسال"، وحلاقة ذقنه للحلاق، وتصبين أرذانه للصبان، ونقل قمامته، لعامل النظافة، وتلميع وجهه لربات صالونات التجميل، وفرجته للبهلوان. لقد حوله التدبير المفوض إلى مستهلكة ؛ فهو لم يعد يتذوق طعم الحياة، وهذا شيء حتمي مادام التدبير المفوض يجعل الكائن منفعلا لا فاعلا، تابعا لا مبدعا. وهنا يحضرني المثل الشعبي المأثور باللسان المغربي الدارج :
"للي ما صبن كساتو، و للي ما طيب عشاتو، و للي ما قرا براتو، موتو حسن من حياتو".



#تفروت_لحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفارقات الديمقراطية : حالة المغرب
- صور رمضانية مغربية
- - طائر الفينيق - أو ابن رشد راهنيا
- الفارماكوس - pharmacos - أو الفيروس البشري
- الممكن والمستحيل في نظرة نيشه للعالم
- الرياضة الفلسفية في زمن العدمية
- الإنسان اللاهث أو - إنسان : - هذا لي -
- القرف والاشمئزاز في المجتمع المعيف ( المعيوف )
- الإنسان الهجين و ثقافة - البغال -
- - أنا مدمن، إذن أنا موجود، عفوا أنا معدوم -
- راهن الفلسفة ورهان الفكر النقدي
- إشكالية تحديد معايير اختيار الكتاب المدرسي بالتعليم المغربي
- نيتشه : الفيلسوف طبيب المجتمع
- لدروس الخصوصية لعلوم التربية : صورة جديدة لأزمة التعليم المغ ...
- - الفلسفة كما نحيا بها - : تجربة بيير أَضُو Pierre Hadot
- الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج
- في الحاجة الى -الفلسفة التطبيقية-
- الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
- درس الفلسفة بين : - الأستاذ - الطبيب - و - الأستاذ - الكناشي ...
- بعض مفارقات - مفهوم العقل - عند عبد الله العروي


المزيد.....




- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - تفروت لحسن - حياة المغاربة ومعضلة - التدبير المفوض -