أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تفروت لحسن - القرف والاشمئزاز في المجتمع المعيف ( المعيوف )














المزيد.....

القرف والاشمئزاز في المجتمع المعيف ( المعيوف )


تفروت لحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4726 - 2015 / 2 / 20 - 09:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عادة ما تقابل الكلمة الفرنسية " le dégoût " في ترجمتها العربية لفظ " القرف ". والمقصود بالقرف في لسان العرب الشعور بالتقزز. فهو يرادف العدوى وكل ما هو مكروه. إنه الشعور بالاشمئزاز. بل إنه تعبير عن كل ما تعافه النفس، كل ما يولد الغثيان والتقيؤ، حتى ولو كان رمزيا. وما يعاف يطلق عليه اسم " المعاف " و " المعيف ". وفي اللسان الدارج المغربي يقال " المعيوف " كالطعام المعيوف والكلام المعيوف. ويقال كناية وتهكما " ما عافه الضبع "، كما ينعت الماء الملوث ب " الماء المعيف الآجن ". هنا يمكن إقامة علاقة تطابق دلالي بين القرف و المعاف و الاشمئزاز. فحضور أحدهما يستلزم الباقي. ويمكن وصف كل لفظ من هذه المجموعة بأنه شعور أساسي في كل المخلوقات، له دور في حماية الكائن الحي من تناول الأطعمة المحتمل احتواؤها على مواد ضارة وبذلك يقلل من فرص الإصابة بالأمراض[1]. وهو أحد المشاعر الأساسية ودائمًا ما يرتبط بالأشياء التي تبدو غير نظيفة أو غير صالحة للأكل أو معدية أو متسخة أو غير ذلك من الصفات الكريهة.
ويعتبر القرف و المعاف والاشمئزاز من بين المشاعر الرئيسية التي يسهل التعرف عليها في جميع الثقافات على تنوعها. وهو استجابة لشيء مقزز ويرتبط هذا الشعور دائمًا بالتذوق أو الرؤية. و رغم اختلاف الأشياء المقززة من ثقافة لأخرى، يظل رد الفعل إزاء الأشياء المفزعة متشابها في جميع الثقافات عبر الأجيال.
وإذا كان القرف يحيل في مستواه البسيط إلى المحسوسات من الأشياء، التغذية، اللباس والرائحة، فإن ثمة مظاهر رمزية تولد القرف النفسي، بل وتؤثر على الحياة الفيزيولوجية، وحتى على الجسد. والمجتمع الذي يرعى و يوفر الشروط لنشر القرف والاشمئزاز يسمى بالمجتمع المعيف، أي مجتمع يولد الغثيان وما يترتب عنه أخلاقيا ونفسيا وحتى بدنيا.
يبدو أن القرف، في المجتمع المعيف، ينتشر في عدة مواقع، ومن مظاهر ذلك مثلا :
- القرف الناتج عن رذيلة الهندسة : فالفضاء، أو المجال الجغرافي للمجتمع المعيف يتميز بعدم التنظيم في هندسته وتهيئته. فمدنه لا تملك من ذلك إلا الاسم. لا طرق جيدة، لا حدائق، لا إنارة واضحة... والقمامات متراكمة والروائح كريهة.
- القرف الهمجي : وهو الغالب على مجتمعات الحروب، حيث السيادة للقتل والتقتيل، وعلى أوطان السجون، حيث التعذيب والتنكيل. وفي كل مجتمع يحط من الكرامة الإنسانية. وكم هي الأدلة اليومية التي تشهد على التقزز والكره الذي تولده هذه الصور في النفس.
- قرف الثقافة : صوره شتى ومظاهره أوضح، فكم من أشكال تحسب نفسها على الثقافة، وهي مجرد فراغ واجترار، مجرد صنعة يقتات منها أصحابها. إنها ثقافة الرعية، التي يستتبع سماعك لأهلها، إحساسك بصداع الرأس، والنفور والكره.
- قرف الصحافة : يهم الكثير من الصحف الورقية والرقمية، ويكفي أن تتصفح بعض الصحف لتدرك حجم الاشمئزاز الذي يحدثه لك هذا الكم المهول من الكتابات التي لا تغنيك معرفياً ولا تقدم أي جديد بالنسبة لك. إنها تكرس التخلف بشتى مظاهره.
- القرف الإعلامي : يطهر بمجرد الإنصات للمذياع أو مشاهدة التلفاز، هنا ستتطلع عليك " برامج " تهيج أعصابك وتفقدك توازنك. فلا أفلام تستهويك ولا أخبار تشد نظرك. طبعا هذا الفقر الإبداعي والهزال سيجعلك مريضا ومتشائما.
- القرف السياسي : وأمثلته كثيرة في المجتمع المعيف. ويكفي أن تشاهد بعض السجالات السياسوية أو مناقشة بعض البرامج لنحس بقرف حقيقي. وهذا القرف يزداد لحظة الانتخابات. فالكثير من الوجوه التي تشبه السنة الكبيسة لا تظهر إلا بعد أربع سنوات، وحينما تحضر، وأسنانها كأنياب الليث، تخلق لديك التقزز، بل وتؤثر على ضغطك الدموي. وذلك سوف تحس به عندما تطلعك على ما تسميه " برنامجها " الانتخابي.
- القرف الإداري : نشعر به في كل زيارة للإدارة، للمرفق العام. فمنظر الكثير من الإدارات يخيف. وهندام ورباط العنق عند بعض من أهلها يجعلنا في موضح حقيقي للغثيان. و سلوك بعض الناس، موظفين أو زائرين، يمكن أن يجعلنا ترتجف ونغضب وتفقد الصواب.
- القرف كسلوك يومي : يتولد عند مصادفتك لبعض الوجوه العبوسة في الفضاء العمومي. وجوه لا تعرف التحية ولا الابتسامة. فصفات التشاؤم المرضي على محياها يزرع في قلبك الغليان والغضب.
تتعدد أسباب القرف وتتنوع صوره، بل وتختلف حدته من وسط مجتمعي لآخر، كما يصعب جرد ألوانه وأشكاله، فمنه ما يرتبط ببعض الظواهر المجتمعية في مجتمع القهر والتخلف، ومنها ما يلزم عن سلوكات الإنسان المقهور، ومنها ما يخص فقط بلدان دون أخرى. وكيفما كان التباين في الأسباب، فإن الراجح أن المجتمع الذي يتوطن فيه القرف والاشمئزاز هو مجتمع " معاف " وبلغة المغاربة مجتمع " معيوف ".



#تفروت_لحسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان الهجين و ثقافة - البغال -
- - أنا مدمن، إذن أنا موجود، عفوا أنا معدوم -
- راهن الفلسفة ورهان الفكر النقدي
- إشكالية تحديد معايير اختيار الكتاب المدرسي بالتعليم المغربي
- نيتشه : الفيلسوف طبيب المجتمع
- لدروس الخصوصية لعلوم التربية : صورة جديدة لأزمة التعليم المغ ...
- - الفلسفة كما نحيا بها - : تجربة بيير أَضُو Pierre Hadot
- الفلسفة والتربية : الإبهام المزدوج
- في الحاجة الى -الفلسفة التطبيقية-
- الفلسفة في متناول الجمهور : انتعاش أم انكماش
- درس الفلسفة بين : - الأستاذ - الطبيب - و - الأستاذ - الكناشي ...
- بعض مفارقات - مفهوم العقل - عند عبد الله العروي
- في التربية على حقوق الإنسان


المزيد.....




- رد حازم من ترامب على احتمال إعادة تفعيل إيران لبرنامجها النو ...
- ترامب يرجح التوصل إلى اتفاق بشأن غزة الأسبوع المقبل
- ترامب يعرب عن استيائه بعد مكالمة مع بوتين
- القسام تؤكد قتل جنود إسرائيليين في عملية بخان يونس
- ترامب: إيران لم توافق على التفتيش والتخلي عن تخصيب اليورانيو ...
- تغير المناخ يضاعف موجات الحر.. كيف تتأثر أفريقيا؟
- العمود الزلق.. تقليد إنكليزي سنوي غريب يتحدّى الشجاعة ويُشعل ...
- الإمارات.. مستشار رئاسي يبين ما تحتاجه المنطقة بتدوينة -المن ...
- بعد رد حماس.. ترامب -متفائل- بشأن وقف إطلاق النار في غزة الأ ...
- -لا أعرف من يمكن الوثوق به-، دروز سوريا قلقون من التهميش ما ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - تفروت لحسن - القرف والاشمئزاز في المجتمع المعيف ( المعيوف )