أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - عن ترجمة القرآن














المزيد.....

عن ترجمة القرآن


صلاح نيازي

الحوار المتمدن-العدد: 4872 - 2015 / 7 / 20 - 13:36
المحور: الادب والفن
    


صلاح نيازي

عن ترجمة القرآن
-سورة التكوير مثالاً-


ما من ترجمة تبتعد عن أصلها، كترجمة القرآن إلى أيّة لغة أجنبية، حتّى لو تمتّع المترجم
بأعلى كمال في اللغتيْن. مع ذلك فلا بدّ من المحاولة رغم استحالة التقرّب من الأصل. ولكن لِمَ يضع
معظم الباحثين اللوم على المترجمين الأجانب، متهمين إيّاهم إمّا بالقصور في أحسن الأحوال، أو بسوء الطويّة والنية؟ المترجمون عموماً يعتمدون على المفسرين المسلمين، والمفسرون المسلمون كثيراً ما يختلفون فيما بينهم (كما سنرى). فإذا وقف المترجم أمام الآية الكريمة: " وإذا الوحوش حشرت" فهل يأخذ "حُشِرتْ" بمعنى: جُمِعتْ أمْ بمعنى: ماتتْ؟ وهل معنى:"عسعس: أدبر أمْ أقبل؟
هل يمكن عن طريق تطبيق تقنيتيْ: الحواس والمنظورية، تفسير أسباب اختلافات مفسري القرآن ، في بعض الآيات المكية وبالتالي الاقتراب من المعنى بصورة أفضل؟
تلك الاختلافات، أربكت بني الضاد، كما أربكتْ مترجمي القرآن إلى اللغات الأجنبية. خذْ مثلاً: العشار، في الآية: "وإذا العشار عُطِّلتْ" فهي تعني إمّا النوق الحوامل في شهرها العاشر، وإمّا السحاب، فبأيّ المعنيين يأخذ؟ أم يأخذ بتفسير ابن عربي الغريب: "وإذا عُطّلت عشار الأرجل المنتفع بها في السير عن الاستعمال في المشي وترك الانتفاع بها، أو الأموال النفيسة"؟
وإذا وجد أمامه معنى سُجِرت في الآية: "وإذا البحار سجرت"، إمّا ملِئتْ ناراً، وإمّا "ذهب ماؤها فلا تبقى فيه قطرة"، وإمّا جُعِل ماؤها شراباً يُعَذَّب به أهل النار، فأيّ معنى أصلح للترجمة، ولماذا؟
يبدو أنّ المفسرين، على تبحرهم في بلاغة القرآن،لم ينتبهوا في الظاهر، إلى دور كلٍّ من الحواس والمنظورية في تفسير بعض الآيات تفسيراً منطقياً معقولاً.
غير أنّ المفسر، ربّما الوحيد، الذي اجتهد اجتهاداً أقرب ما يكون إلى تقنيتيْ الحواس والمنظورية، هو الفخر الرازي. ربما لهذا السبب، يُعتبر تفسيره أقرب إلى الإقناع فالصواب.
يذكر الرازي على سبيل المثال، أن معنى العشار ليس النوق الحوامل كما ظنّ بعض المفسرين الآخرين، وإنّما السحاب، لأنّ "العرب تشبّه السحاب بالحامل" قال تعالى: "فالحاملات وقرا".
تستوقفنا في تعليل الفخر الرازي، في تفسير هذه الآية، الجملة التالية: "إلا أنّه أشبه بسائر ما قبله" أي أنّ الرازي وجد صلة منطقية وربّما فنية مع ما قبلها من آيات. وبهذه المثابة فسر: "الخنّس" في الآية: "فلا أُقسم بالخنّس الجواري الكنّس". فذكر أن فيها رأيين: أوّلاً: النجوم، وثانياً: بقر الوحش. ولكنّه فضّل الرأي الأوّل قائلاً: "والقول هو الأوّل، والدليل عليه أمران: الأوّل أنّه قال بعد ذلك ( والليل إذا عسعس) وهذا بالنجوم أليق منه ببقر الوحش. الثاني أنّ محل قسم الله كلّما كان أعظم وأعلى رتبة كان أولى، ولا شك أنّ الكواكب أعلى رتبة من بقر الوحش".
ما يهمنا، هو الرأي الأوّل وفيه يربط الرازي معنى الخنّس أي النجوم بما بعدها: "والليل إذا عسعس". مما يدلّ على أنه قرأ السورة كوحدة عضوية متواشجة، وثانياً فضّل قراءةً على قراءة بمعيار: "المنظورية". لم يتوصلْ الرازي إلى مصطلح المنظورية، ولكنّه توصّل إلى تطبيقه بالقرائن وبمواقعها الجغرافيّة، وهذه مرحلة متقدمة نسبياً في النقد العربي القديم.
السورة كما ذكرنا، ابتدأت بأعلى نقطة في الكون أي الشمس ثمّ شرعت بالنّزول إلى النجوم فالجبال فالسحاب فالبحار، ثمّ إلى باطن الأرض: "وإذا النفوس زُوِّجتْ". تشرع زاوية النظر بالارتفاع مرة ثانية، مع خروج الموؤدة من باطن الأرض. تتوالى الصور بالصعود إلى أن تصل إلى الجنة: "وإذا الجنة أُزلِفتْ". هذه أغرب وأوسع دائرة فنية. ابتدأت بالسماء وعادتْ إلى السماء. المنظورية إذنْ ما تزال في السماء. على هذا يكون تفسير الفخر الرازي للخنّس بأنها النجوم هو عين الصواب. لا ريب يتمتّع الرازي بكلّ صفات الناقد، رغم أنّه لم يطوِّرْ المصطلح ولم يطبقْه على نماذج أدبية أخرى، أيْ لم يجعله نظرية يُهتدى بها.. هذا بالضبط ما أريد التوصّل إليه: لا بدّ للمترجم المعاصر، وهو بكلّ معيار مفسّر بصورةٍ أساسية، من أن يكون ناقداً، بعد أن كان ناقلاً. ولو كان المفسرون القدامى نقاداً أيضاً لكانت اختلافاتهم أقل، ولكانت ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية أقلّ مشقّة وأكثر قرباً من الصواب.

على أية حال. يبدو أنّ المقصود بالخنّس كواكب بعينها وهي البروج كبرج الجدي والحمل والسرطان والكبش والأسد… التي قدّسها السومريون ومن بعدهم الإغريق ،وما يزال يُقرأ بها البخت في الصحف والمجلاّت في الوقت الحاضر.
بهذه المثابة، فالعشار حسب المنظورية لا تعني سوى السحاب، لأن زاوية النظر ما تزال متجهة إلى أعلى، لرؤية الجبال وهي تُسَّير، ولا يمكن إنزال زاوية النظر إلى أسفل بدون مبرر مقنع. على هذا فتفسير العشار بالنوق لا يتناسب،كما قلنا، مع الخطّ البياني للصور التي ابتدأت من أعلى نقطة وهي الشمس وانحدرت إلى النجوم فالجبال، فالغيوم. أي أن الصورة لم تنْزلْ إلى الأرض بعد.
بالمعيار نفسه، لا يمكن تفسير: سجرت بمعنى : اشتعلت. إذ إنّ اشتعال البحار وما يرافق ذلك من نور وحرارة، لا يتناسب مع تكوير الشمس وانكدار النجوم، أيْ انطفاء حاسة البصر، من جرّاء تعتيمهما. الأفضل تفسير: سجرت: بـ :يبست حسب رأي الحسن. أوّلاً لأنها تعطيل لعمل البحر، تمشياً مع تعطيل عمل الشمس والنجوم والجبال، وثانياً لزيادة ضياع الإنسان، وما من مفرّ له لأن البحر يابس، وفراغ دامس.
لولا ضيق المجال لطبقنا الحواس في تفسير بعض الآيات التي اختلف عليها المفسرون وما يزالون، مما كان السبب في ارتباك بعض مترجمي القرآن حيناً وتخبطهم في أحايين كثيرة.



#صلاح_نيازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العين البريئة لهربرت ريد
- دور المنظورية في تضخيم الرعب
- ثلاث قصائد
- قلعتا المتنبي وشيكسبير
- اكبادنا تمشي على الارض
- من أفانين شيكسبير
- الوجه الثالث للعملة
- لا نهاية الكائن الحيّ
- الشعر وصغار العقارب
- مأساة الملك لير جنونه الذي لم يكتمل
- بعض وجوه استحالة الترجمة
- ثلاثة تحوّلات أدبية بعد عام 2003
- قصيدة الدائرة
- كلمات ثلجية
- المنظورية في تفسير النص
- النحو الواضح غير واضح
- الليل والخيل والبيداء... معالجة انجليزية للأدب العربي
- ولتر دي لا مير De La Mare - (1873 – 1956).. قصيدة -السامعون-
- ثلاث كتابات سريعة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - عن ترجمة القرآن