أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - دور المنظورية في تضخيم الرعب















المزيد.....

دور المنظورية في تضخيم الرعب


صلاح نيازي

الحوار المتمدن-العدد: 4860 - 2015 / 7 / 8 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


صلاح نيازي

دور المنظورية في تضخيم الرعب
- هاملت والملك لير مثالاً -

ارتعب هاملت.وما كان أشدّ ارتباكَهُ! حين رأى شبح والده، فخاطبه:
"أخبرْني
لماذا نزعتْ عظامُكَ أكفانها وقد دُفِنتْ حسب الطقوس،
لماذا فتح القبر شدقيه الرخامييْن الثقيليْن
ليلفظكَ مرّة أخرى، وقد رأينا تابوتكَ يوضع فيه،
ماذا تعني عودتك؟"
أثار هاملت بجملة: "ماذا تعني عودتك"، فضول السامع اوّلاً، وإدخال الخوف في النفوس، خاصة حينما طلب الشبح من هاملت أن يتبعه إلى" مكانٍ أكثر عزلة"، وهاملت لا يعرف هل نوايا الشبح خبيثةً أمْ خيّرة.
قد يكون من المفيد أن نتتبع تقنيات شيكسبير في تكبير الخوف مرحلة بعد أخرى.
استنجد هاملت حين رأى الشبح، "بملائكة السماء ورُسِلها أن تحميه". كذا تهالك كلية مما رأى، فلم يسعفْه عقله في تفسير هذه الظاهرة الغريبة، ولا اسْتُنفرتْ قواه الجسمانية للذود عنه؟ خزينه في العقل الباطن عن الأشباح جعله يجفل كردّ فعلٍ آنعكاسي. المعتقدات الاليزابيثية المتفشية آنذاك، تقول:"إنّ الذين يرون الأشباح يجدون شفاههم في كثير من الأحيان تتفطّر، ووجوههم تنتفخ كأنما ضربتهم ريح فاسدة" (Harold Jenkins :ص:211: ح:41). بالإضافة فإن شبح الميت قد يتجوّل هنا وهناك، إذا لم تُقَمْ له طقوس الدفن حسب الأصول المرعية. لذا كان على هاملت أن يفتش عن تفسير آخر، خاصة وأنّه متأكد من أن طقوس دفن والده جرت على ما يرام (Bernard Lott:ح:36).
إذنْ ماذا تعني عودتك؟
وحتى يزيد شيكسبير من الغموض الذي يكتنف ظهور الشبح، جعله يأتي من منطقة لا يصلها ضوء القمر:
"أنتَ الجثة الهامدة، بكامل سلاحك مرّة أخرى
لتسير هكذا في ضوء القمر المتقطّع".
يوحي ضوء القمر هنا، إلى أنّه كان "شاحباً ومتقطعا في هذه الليلة المنذرة بالشؤم" ( جون أفْ. Andrew :ح:52).
يضفي وجود هوراشيو ، وهو صوت العقل في المسرحية، بتعليلاته الحكيمة بعداً آخر للخوف، حيث أشار إلى معتقد كان شائعاً في العصر الاليزابيثي، "ذلك أن الشياطين كثيراً ما تغري الأرواح المضطربة (وقد اضطربت الآن روح هاملت) إلى قنّة جبل (خارجة منه وداخلة في البحر) حيث تستطيع أن تجمّل في عيونهم اليأس، فينتحرون"(G. R. Hibbard : ص183 ح:48- 53). طريق المنتحرين إلى الجحيم. طريق واحد لا غير.
وزيادة في غموض المشهد نحت شيكسبير كلمة جديدة هي: Cermens وهي منحوتة من :Cerecloth (قماش مشمّع يُلَفّ به الموتى)، وكلمة :Cermonies (أيْ: شعائر).




.




كانت روح هاملت تلوب. لا يثنيها شئ. لا بدّ من معرفة سرّ الشبح. هذا بحدّ ذاته عاملُ شدّ آخر. قال هاملت:" إنّ حياتي لا تساوي شروى نقير":Pin’s fee. ثُمّ تبع الشبح حاملاً روحه على كفّه، "إلى حيث ألقتْ رحلها أمُّ قشعم"..
لم يكفّ هوراشيو عن ثني هاملت، بل آستعان هذه المرة بالطبيعة:
"ماذا لو أغراك صوب البحر، يا سيّدي اللورد
أو إلى قمّة المنحدر الصخري المرعبة
تلك المعلّقة على قاعدتها في البحر
وهناك ينتحل شكلاً مخيفاً آخر،
قد يجرّدك من السيطرة على عقلك
ويسحبك قريباً من الجنون .فكّرْ في ذلك.
المكان وحده دون باعث آخر،
يضع في كلّ دماغ حوافز للانتحار
إذا هو نظر إلى مسافات بعيدة في البحر
وسمع هديره من الأسفل"
(الفصل الأوّل- المشهد الرابع)
***
ظهرت مثل هذه المنظورية الجوية، في مسرحية الملك لير، ولها ما لتلك من تضخيم للخوف، إلاّ أنها هنا أكثر تعقيداً. تدور هذه المنظورية بين أدغار الابن المتنكر صوتاً ولهجة، وأبيه غلوستر الذي فقأت آبنتا الملك عينيه، وهو يريد الآن أن ينتحر.
غلوستر شخصية على طبيعتها، متفانياً في حبّ الملك. لكنه شخصية متسرّعة. جرّ عليه تسرّعُهُ أعقد النكبات، ففقد عينيه. كان له ولد شرعي آسمه أدغار، وآخر غير شرعي آسمه أدموند.
زوّر أدموند رسالة باسم أدغار زعم فيها أنه يريد قتل أبيه للاستحواذ على إرثه. يهرب أدغار ويخلو الجو لأدموند فـ"باض وصفر"ً.
فقأت غونريل، وريغن آبنتا الملك، عينيه لأنه كان يحبّ أباهما.
أدرك غلوستر،لكنْ "بعد خراب البصرة"، . بلاهته في إيلاء دزموند ثقته العمياء. أدرك كذلك سوء حكمه على أدغار.
بسبب تسرّعاته تلك ، قرّر غلوستر الانتحار، وعيّن لمن يقوده (كان يقوده ابنه المتنكر أدغار) الصخرة الجبلية التي يريد أن يرمي نفسه منها في البحر:
غلوستر: هناك جرف صخريّ، رأسه عالٍ وناتئ،
يطلّ برعب على بحر عميق محبوس
في مضيق ضيّق
خذني إلى حافته الأخيرة بالذات
وأنا سأقوم..."
كان غلوستر يقول ما يمكن أن يكون مفتاحاً أساسياً للمسرحية، حسب بعض النقاد:"إن الأرباب السماوية وحوش سادية".
مهما دار الأمر؛ فقد قاد أدغار والده إلى الجرف الصخري المنشود، أو هكذا ظنّ الأب. الواقع لم يكنْ سوى ربوة صغيرة، صوّرها أدغار لأبيه الأعمى على أنها قمّة شاهقة، وخطِرة شديدة الانحدار. معها صوّر الهاوية السحيقة للبحر، بأغرب منظورية جوية مركبة من ثلاثة مستويات.
أراد أدغار من البداية أن يدخل التردد في قلب والده، حيث قال:"النظر إلى الأسفل بهذه الدرجة، شئ مخيف ومدوّخ".
تتكوّن هذه المنظورية كما قلنا أعلاه من ثلاثة مستويات:
أوّلاً؛ الغربان والزيغان الطائرة، وهي تبدو بحجم الخنافس. المستوى الثاني؛ مشهد رجل في منصف الجبل يجمع الأشنان، وهو يبدو لبعده، بحجم رأسه. المشهد الثالث؛ يشمل صيادي الأسماك الذين يبدون كالفئران، ويشمل كذلك البواخر العالية الراسية التي لا تبدو إلاّ زواراق صغيرة.
حينما تكتمل العدة البصرية، ينتقل أدغار إلى حاسة السمع، لأوّل مرة في هذه المنظورية:"وجيشان البحر على الحصى العقيم الذي لا يحصى لا يُسمع".
يشير أدغار في نهاية المنظورية إلى الخوف من النظر إلى البحر الشاهق، وهو شبيه بما ابتدأ به:
" لنْ أنظر أطول خشية أن أصاب بالدوار
ويجعلني نظري القاصر أسقط على رأسي"
قفز غلوستر، فلم يجدْ نفسه إلاّ في مكانه. بينما يعلّل أدغار خديعته هذه لأبيه، بقوله:"أعبث هكذا بيأسه لأشفيه".

المنظورية


أدغار: قفْ
النظر إلى الأسفل بتلك الدرجة
شئٌ مخيف ومدوّخ
إن الغربان والزيغان التي تطير في منتصف الهواء
بالكاد تبدو أكبر من حجم الخنافس
وفي منتصف الجبل
يتعلق رجل يجمع الأشنان، مهنة مروّعة
أظنّ أنه لا يبدو أكبر من رأسه
والسمّاكون الذين يسيرون على ساحل البحر
يبدون مثل الفئران، وهناك باخرة عالية راسية
تضاءلتْ كأنها قارب نجاة صغير
وتضاءل زورقها إلى عوامة صغيرة جدّاً
لا يكاد يُرى
وجيشان البحر على الحصى العقيم الذي لا يُحصى
لا يُسمع
لنْ أنظرَ أطول خشية أن أُصاب بالدوار
ويجعلني نظري القاصر أسقط على رأسي".




#صلاح_نيازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث قصائد
- قلعتا المتنبي وشيكسبير
- اكبادنا تمشي على الارض
- من أفانين شيكسبير
- الوجه الثالث للعملة
- لا نهاية الكائن الحيّ
- الشعر وصغار العقارب
- مأساة الملك لير جنونه الذي لم يكتمل
- بعض وجوه استحالة الترجمة
- ثلاثة تحوّلات أدبية بعد عام 2003
- قصيدة الدائرة
- كلمات ثلجية
- المنظورية في تفسير النص
- النحو الواضح غير واضح
- الليل والخيل والبيداء... معالجة انجليزية للأدب العربي
- ولتر دي لا مير De La Mare - (1873 – 1956).. قصيدة -السامعون-
- ثلاث كتابات سريعة


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح نيازي - دور المنظورية في تضخيم الرعب