تحليل سياسي لتحليلات الفيصل

رغد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1344 - 2005 / 10 / 11 - 12:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أثارت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن الشأن العراقي العديد من التحليلات والتفسيرات, لكن المراقب للوضع السعودي والعراقي والأمريكي يخرج بنتيجة, أنها لم تكن مفاجئة, أنما جاءت متعمدة ومقصودة ومدروسة, بل وتخدم السياسة الأمريكية بالعراق.
صرح سعود الفيصل مساء يوم الثلاثاء 20 أيلول في نيويورك أمام مجلس العلاقات الخارجية علي هامش القمة العالمية, بان السياسة الأمريكية بالعراق ستقود البلاد إلي حرب أهلية, وتقسم العراق بين إيران المسيطرة علي الجنوب وتركيا التي تتطلع إلي شمال العراق, و أضاف أن هذه السياسة الأمريكية تعمق الانقسامات الطائفية بالعراق , فالعراقيون يشتكون من تدخل إيراني مالي وسياسي وعسكري.
الأمر اللافت للنظر هو توقيت هذه التصريحات بالنسبة للوضع العراقي من جهة , ومكان وزمان هذه التصريحات من جهة أخري .
هذه التصريحات خرجت من قلب نيويورك منبع السياسة الأمريكية, و جاءت بعد لقاءات مكثفة مع قيادات دولية, في وقت توجهت فيه الدعوات من الخارجية الأمريكية للقاء شخصيات عراقية سنية معروفة, لها وزنها بالعراق , وكانت الدعوة لهم للحضور لواشنطن, للحوار مع قوي سياسية متعددة , من جانب اخرهناك إشارات قوية تدل علي اجتماعات عراقية للسنة تدور في السعودية , وعلي الصعيد الأمريكي فان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد سبق وحذر إيران بتصريحات مماثلة من التدخل بجنوب العراق , كما أشار لذلك الرئيس العراقي الدكتور جلال الطالباني أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده العراق بعد عودته من واشنطن , وكشف عن عدم ثقة الأمريكيين بالجانب الإيراني, حين ذكر مسئولون عراقيين للأمريكيين أن إيران تحرص علي تقديم المساعدة لإنجاح الحكومة العراقية الحالية.

أيضا تزامنت تصريحات الفيصل مع نشر تحليل لريتشارد بيستون في صحيفة التايمز البريطانية القريبة من القرار السياسي البريطاني , فأشار المحلل إلي أن إيران تقف خلف الهجمات التي يشنها مسلحون في شوارع مدينة البصرة , بينما يشن مسلحون هجمات ضد القوات الأمريكية في وسط وشمال العراق, وأوضح قناعة المسئولين البريطانيين بان إيران لها يد في أعمال العنف في البصرة, ويربط ريتشارد هذا بموقف بريطانيا المتشدد من الملف النووي الإيراني , ويدعم هذا الرأي اعترافات مستشار الأمن القومي في الحكومة العراقية بان قوات الأمن في بلاده مخترقة من المسلحين المناوئين للحكومة ,وكان اعتراف الربيعي هذا بعد إعلان الجيش الأمريكي التدخل لتحرير اثنين من الجنود البريطانيين الذين اعتقلا بالبصرة , وورود معلومات تشير إلي نية الشرطة التي كانت تحتجزهما تسليمهما إلي احدي المنظمات المحلية المسلحة , والمراقبين من المحللين يعتقدون أن الربيعي قصد المسلحين الشيعة , علما بان وزارة الداخلية العراقية قد أصدرت أوامرها للشرطة بالبصرة لإطلاق سراح البريطانيين لكن الشرطة لم تنفذ الأوامر !
والمتابع للأحداث بعد تصريحات الفيصل , يلاحظ تأييد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير, حيث قال في مؤتمر صحفي بان بعض العبوات الناسفة التي تستخدم ضد الجيش البريطاني في جنوب العراق ذات طبيعة ومواصفات إيرانية, من النوع الذي يستخدمه حزب الله اللبناني , وأكد توني بلير علي عدم السماح لايران ولأي بلد أخر بالتدخل بشؤون العراق, مشيرا الي خلط الإيرانيين هذه الأمور بالملف النووي .
اذن اذا كانت هذه هي اغلب الظروف الملازمة لتصريحات الفيصل فهل نستغربها اوتثير فينا تساؤولات ؟
السعودية معروفة بأنها الحليف الأول للولايات المتحدة , فهي التي كانت تدعم النظام السابق أثناء حربه مع إيران , وهي التي أيدت الحصار علي العراق , و من السعودية انطلقت القوات الأمريكية نحو العراق , بل أن الفيصل نفسه قد صرح عام 1991 للإدارة الأمريكية بان كليهما خاض حربا لإبعاد إيران عن العراق , لذا فان السعودية تتفق مع الولايات المتحدة لا تخالفها , ومسالة التصريحات الأخيرة عن العراق تبد ومسالة سياسية بحتة,فهي تاتي قبل الاستفتاء علي الدستور العراقي والانتخابات , لذلك هي مطلوبة لإحلال التوازن في المعادلة العراقية والدولية , فإذا كان الشيعة بالعراق يجدون كل الدعم من إيران بكل الإشكال, فان الدول العربية لم تقدم أي دعم يذكر للعراق, لهذا فان الحزب الإسلامي العراقي ومجلس الحوار الوطني قد أعلنا عن ارتياحهما لهذه التصريحات ,وبعض القوي السياسية السنية الاخري قالت أن تصريحات الفيصل صائبة وفي مكانها لكنها جاءت متأخرة , لإحساس السنة بالعراق بضعف الدعم والتأييد الدولي والعربي لهم وبضياع السلطة من أيديهم , في الوقت الذي يحصل فيه الشيعة والأكراد علي الدعم من الولايات المتحدة وإيران المجاورة , مع أن وزيرة الخارجية الأمريكية ألحت علي ضرورة مشاركة السنة بالعملية السياسية, لكن هذا لم يكن كافيا لان السنة بالعراق يشعرون بالإهمال من كافه الجهات, لذا فان التوجه الآن نحو التحرك العربي لما له من تأثير علي الشارع العراقي السني والشارع العربي لإحداث الموازنة السياسية بالعراق , و لعل هذا جزء من عملية إعادة الحسابات عند الأمريكان .
كلنا يذكر التصريحات القوية للامين العام لجامعة الدول العربية عن الدستور العراقي , حين وصفه بالدستور الذي يكرس للطائفية ويمزق العراق, وبعده بفترة جاءت تصريحات الفيصل, واليوم نسمع عن تغير في السياسة العربية تجاه العراق , فالفيصل نفسه يعلن اليوم وضع إستراتيجية عربية موحدة لدعم العراق , بل ان هناك وفدا من الجامعة العربية سيحضر للعراق ليمهد لزيارة عمرو موسي , التي سيلتقي فيها بالقيادات العراقية الفاعلة للتشاور مع الحكومة العراقية , كما أن الفيصل نفسه سيقوم بزيارة الي إيران لبحث الملف العراقي لدعم استتباب الأمن بالعراق ,بل وان ليث كبة مستشار رئيس الوزراء العراقي يصرح عن رفض الحكومة لدخول قوات عربية إسلامية للعراق , كل هذا يدل علي وجود نقاشات من هذا النوع خلف الكواليس , ولعل ما خفي عنا هو الاعظم .
أكل هذا يأتي عشوائيا ؟ .
إن التأمل الدقيق لكل هذه الأحداث إنما يدل علي أنها تسير بخطوات متوازية, ومدروسة ومدعومة بقوة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
من زاوية أخري تبدو إيران المستفيد الحقيقي من كل ما يدور فهي قد تخلصت من نظام طالبان السني المتشدد المعادي لها, وهي تخلصت من النظام السابق بالعراق, كما أن القوة العسكرية العراقية قد انتهت أسطورتها , وهي بالمقابل صاحبة اكبر قوة عسكرية بالمنطقة, وصاحبة الملف النووي الذي يتحدي الولايات المتحدة عن طريق أوراق ضغط تمارسها بالعراق , وكل هذا بالطبع لا يرضي الولايات المتحدة الأمريكية , فلجأت الأخيرة إلي الدول العربية لمواجهة المد الإيراني داخل العراق .
لكن السؤال هل ستبقي إيران تتدخل بالعراق بنفس هذه القوة بعد بداية التحركات العربية بخصوص الشأن العراقي ؟والي أي حد يستطيع العرب تقديم الدعم الحقيقي للعراق دون أن يكونوا سببا أخرا يضاف لمعاناة العراقيين ؟ اسئلة من هذا النوع تجيب عليها الأيام القادمة .

#رغد_علي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل