أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عماد صلاح الدين - التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة















المزيد.....

التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة


عماد صلاح الدين

الحوار المتمدن-العدد: 4865 - 2015 / 7 / 13 - 14:24
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة
عماد صلاح الدين

كان فيما مضى، وخلال أكثر من ألف وخمسمائة سنة، وفي عهود حضارية سابقة وقديمة تاريخيا؛ يونانية ورومانية، وفارسية؛ قبل ذلك بقرون، أو بعد ذلك كذلك، كان هناك ما يعرف في البيئات الاجتماعية والإنسانية بظاهرة تتكرر تقريبا وباستمرار، هي ظاهرة توالد ومصادفية الاحتفاظ بالمجتمع البكر والقبليات البكر؛ ذات النسق الروحي والنفسي الخامي الأولي غير المشوه وغير المرتبك، والقريب جدا من المباشرية الفطرية أو الغريزية السجية في سلاسة كامنية القيم أو في قابلية انسيابها في عموم تعامليات أصحابها؛ خصوصا في مسائل التقلي والإلقاء والاختيار والذوق، وفي امتزاج مواد الموضوعة الإنسانية البينية في القول أو الفعل، وحالة فهمها وعمق إدراكها، وغيرها من علائق التفاعل القريبة إنسانيا، على اقل تقدير، وعلى رغم قهرية تسلسل الزمن العددي الرتيب، وظرفية الحاضرات البيئية والاجتماعية، على اطراد مجيء الأجيال وتعاقباتها.

ولذلك، فان دارسي التاريخ وباحثيه، أكثر من يرون كيف كان بعض تجمعات أو شتات قبائلي، أو متراميات إنسانية جغراسية تنظيمية، يُدب فيها أحد دعاة التغيير والتنظيم الإنساني سواء كان نبيا أو رسولا دينيا أو مصلحا اجتماعيا أو مفكرا أو فيلسوفا أو قائدا أو بطلا، أو حتى –ربما- حالما ببعض خيالات أو تأملات، وربما حتى فيما يتعلق بشاعر شهم ومقدام في آن معا، يُدبّ فيها حالة التلاقي وشبه السريع مع هذه الفكرة أو الخاطرة أو هذا الحلم أو الأمل؛ لينتج عن ذلك كله تفاعل الجميع مع الجميع، ويتشكل بعد ذلك من جماعات ومن تجمع قبائل ومجاميع أخرى أوسع مشروع قيام حضارات إنسانية دنيوية جبارة، خلال مدد زمنية قصيرة، ربما يقترب منها من ناحية المدد الزمنية في التهيئة والتنفيذ حتى تمامها واكتمالها بعض مشاريع عصرية عملاقة،ولا أتحدث هنا عن قيام دول أو إمبراطوريات وحضاراتها في التاريخ المعاصر.

وسنظل نسمع عن، وندرس حضارات غابرة، كانت رائعة وماجدة؛ كالحضارات الأشورية والبابلية والفرعونية والفينيقية والآرامية و اليونانية والرومانية و البيزنطية، وأخيرا، وضمن هذه النماذج الحضارية التي قامت سريعا وبسلاسة مشهودة الحضارة الإسلامية، التي بدأت بدولة الإسلام في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم من جاء بعده من الخلفاء، حتى انهيار أو انتهاء تكرارها واستمرارها، بسقوط خلافة الحكم العثماني قبل مئة عام تقريبا، على ابعد مدى وأوسع متابعة لها.

وقد كان الراحل والفيلسوف الطبيب مسيو غوستاف لوبون، قد أشار وأشاد بروعة نموذج الحضارة الإسلامية في مؤلفاته عن الأخلاق وقيام الأمم وسر تطورها وروحها، وقد تساءل الراحل الدكتور لوبون عن هذا السر العظيم وراء اختزال مراحل قيام الحضارة والدولة الإسلامية، خلال فترة زمنية وجيزة، تلت فترتي العهدين المكي والمدني النبوي، والتي كان مجموعهما ثلاثة وعشرين عاما، بفترة قصيرة نسبيا؛ لتتوسع فيها دولة الإسلام بفتوحاتها شرقا وغربا، وترث بذلك حيوات حضارية أخرى؛ رومانية ويونانية وفارسية، بقديمها وحديثها آنذاك.
وكان لوبون يعزو هذه القدرة العجيبة، على اختزال مراحل زمن قيام حضارة الإسلام الأولى، إلى أن مؤمني الإسلام وأتباعه كانوا يحفظون القرآن ويتعلمونه ويفهمونه ليطبقوه من فوره على مجالات حياتهم، لتصطبغ عموم حياتهم بالصبغة الإسلامية الشاملة.

وهي هنا، مسألة تتعلق بالبكرية الفطرية والتجربية لتلك الجماعات الإنسانية؛ حيث لا توجد مشوهات بيئية واجتماعية لأرواحهم ووجدانياتهم وصميم ذوقهم العام، على رغم تداخل الحضارات الإنسانية وأممها، على مر أجيالها. وهذا ما أكد عليه الفيلسوف والمفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي في عديد مؤلفاته وكتبه عن مشروع الثقافة وقيام الحضارة الإسلامية، في مجمل مشروعه الفكري، بشكل عام.

وإنها هنا أيضا تكون السجية الحضارية في فترات قياسية؛ بتحول الممارسة وعموم الحالة الشعورية المرافقة لها عند الإنسان إلى حالة لا شعورية كامنة وراسخة؛ يتحقق فيها فن التربية نموذجا مطبقا وأسمى، على حد ما ذهب إليه العلامة غوستاف لوبون.

ولذلك، أجدني أرى حالة من المفارقية الفارقة بين تجارب حضارية سابقة وموغلة في القدم الإنساني والتاريخي، وبين محاولات نهوضية حضارية جديدة معاصرة، نجح منها ما نجح وفشل منها ما فشل، ولا زال البعض الآخر من مشاريعها لم يُسقط المنديل بعد ولم ينسحب؛ فانظر مثلا كم استغرقت عموم التجربة الأوروبية بشرقها وغربها ووسطها حتى استطاعت أن تحقق لها ثباتها النسبي واستقرارها الآمن، بعد طول صراعات أهلية ودموية وحروب أوروبية بينية لمئات السنين، أسفرت عن مئات ملايين البشر قتلى ومعاقين ومشردين، ودمار وخراب مدن ودول كبرى بأكملها، وكان ختام ذلك الموت الرهيب والدمار الكئيب حربان عالميتان مدمرتان في النصف الأول من القرن العشرين المنقضي، وحتى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية (أمريكة الشمالية)، ورغم حلول حضاري مهاجر قائم في الأساس من عموم أوروبا إليها( وبغض النظر عن وحشية ومادية الحضارة الغربية)، إلا أن إقامة حضارة أمريكا الشمالية الحديثة استغرق أيضا مئات السنيين بين ترانسفير ابادي بحق مائة وعشرين مليون هندي احمر من السكان الأصليين، أو في خضم حروب أهلية شمالية وجنوبية، أو تاليا في نزاعات عرقية ولونية وتمييزية، استقر للولايات المتحدة الأمريكية بخصوصها وضعية عمومية حضارية آمنة، بعد نهاية ستينيات القرن العشرين.

وبالنسبة لمشروع الحضارة الإسلامية في بعديها الأساسيين الأخلاقي والثقافي، فهو الآخر يقع ضمن دائرة التعقيد الإنساني الحضاري المتداخل بايجابياته وسلبياته ومكونات الصحيح فيه والمشوه كذلك، خصوصا بعد سيطرة نفوذ العلمانية الشاملة والأفكار الحلولية الشاملة في إطار من العولمة اللاأخلاقية والاستهلاكية القائمة على تحقيق المنفعة واللذة بأي وسيلة كانت، على الحالة الإنسانية العالمية اليوم، ولذلك أجد أن ما آل إليه حال الإخوان المسلمين في العالم العربي خصوصا في مصر كجهة تقود منهج الوسطية الإسلامي، وكذلك حال عموم الثورات العربية، بعد نجاح التكتيك النسبي لتحالفات رسمية عربية وإقليمية دولية في الانقضاض على تجربة الإخوان الديمقراطية في مصر عام 2013، هذا المآل من جديد هو جزء من تحولات وتفاعلات مخاض محاولات النهضة العربية الإسلامية في المنطقة، في جو من التعقيدات الإنسانية والمادية المعاصرة، وفي جو عربي يعاني في الأساس من الانحطاط والتراجع العام، تتطلب مجهودات ضخمة ونوعية ومتأنية جدا، لتجاوز كل عقبات وعراقيل مشروع النهضة الحضاري عند العرب والمسلمين.

وبحسب اعلاه، أرى أن مجمل حراك ونشاطات محاولات النهضة الحضارية في المنطقة العربية الإسلامية، خلال القرن العشرين، وحتى محاولات الثورة الشاملة على أنظمة الاستبداد العربية في مطلع عام 2011، وما تلاها، هي جزء أساسي وفاعل من عموم المراكمة الايجابية لتحقق نهضة العرب والمسلمين، وانه بالمقارنة التاريخية الجادة نجد أن التجربة العربية والإسلامية لم تستنفد وقتها بعد. وهي بعمر التجارب التاريخية، قياسا بما استغرقته تجارب الآخرين من زمن، خصوصا الأوروبيين، في قرونهم الأخيرة على القرنين التاسع عشر والعشرين المنصرمين، لقصيرة ومتواضعة في العمر الزمني.



#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخلط ما بين منظومة القيم وبين التجريب الإنساني في النسق الق ...
- متى يحضر الاستبداد؟
- غياب ملكة العقلانية لدى الشعوب المتخلفة
- في زمن مجتمعات التخلف مطلوب الإضافة لا المناكفة
- الحلولية الجزئية والحلولية الشاملة
- خزعبلات اثنيه وأفكار حلولية وديباجات
- الإنسان وحقائق الحياة
- هل توجد إمكانية لانسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة عام1967؟
- العالم العربي: تفاقم المرض بين الظلم والخنوع
- الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الأولى)
- الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الثانية)
- هل هي مشكلة الدين والبرنامج السياسي في فلسطين؟
- الإيمان والتهويم والعدل
- هل الثورات العربية بخير؟
- أوجه الشبه والخلاف في المسألتين الفلسطينية والعربية
- فلسطين: في منطق الحق والواجب
- غزة تنتحر لأجل عموم النضال الفلسطيني
- غياب الموجه نحو تقرير المصير
- العالم العربي: لماذا لا يحسن حكامه حتى خداع شعوبهم؟
- غزة في خطر


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عماد صلاح الدين - التعقيد في القيمومة الحضارية المعاصرة