أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح اسماعيل حاجم - نظرة قانونية: قراءة سريعة في مسودة الدستور الدائم لجمهورية العراق















المزيد.....

نظرة قانونية: قراءة سريعة في مسودة الدستور الدائم لجمهورية العراق


فلاح اسماعيل حاجم

الحوار المتمدن-العدد: 1342 - 2005 / 10 / 9 - 10:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يدور النقاش هذه الايام, وعلى مختلف الاصعده, حول مسودة الدستور الدائم للدولة العراقية والذي سيتم استفتاء الشعب عليه في الخامس عشر من شهر تشرين الاول- اكتوبرالجاري. ان اهمية هذه الوثيقة تنبع ليس فقط من كونها ستنظم علاقات غاية في التعقيد و التنوع, بل ولان انجازها تم في ظروف غير طبيعية وجدت تجلياتها بشكل واضح في هذه الوثيقة الهامة. من هنا تبدو خشيتنا مشروعة على امكانية دستورنا القادم التأسيس لدولة الحق والمؤسسات. ومن هنا ايضا يبدو واضحا الانقسام في صفوف القوى السياسية والمكونات المختلفة لشعبنا العراقي حول المفاصل الاساسية لمشروع القانون الاساسي للدولة العراقية. على انه ليس من العسير التمييز بين منتقدي مسودة الدستور بدافع الحرص على مستقبل الوطن و مصير العملية السياسية الجارية فيه الآن وبين المحاولات المستميتة لتعطيل هذه العملية, سواءا من خلال الطعن بشرعية القوى المساهمة فيها او من خلال استثمار النقاش الدائر حول المسودة لاثارة النعرات القومية والعرقية وتوفير الاجواء المناسبة لأشاعة الارهاب والدفع باتجاه زرع الفتنة الطائفية. كل ذلك يجري تحت ذريعة الحرص على (عروبة العراق) ووحدة اراضيه. لقد جاءت المسودة كنتاج للمساومة السياسية بين مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والاثنية والسياسية في هذه المرحلة بالذات, من هنا تبدو بعض فصولها اقرب الى برنامج مرحلي لحزب سياسي منه الى وثيقة قانونية على قدر كبير من الاهمية.
ان قراءة سريعة لمواد مسودة الدستور تبرز لنا مجموعة من الملاحضات التي ارى من الضروري التوقف عندها بجدية ذلك انها لا تخص شكل المسودة وحسب بل و مضمونها ايضا: فمن ناحية الشكل ارى ان هناك خلطا واضحا بين مواد و فقرات المسودة ادى الى غياب الربط المنطقي لموضوعاتها, حيث نجد ان موادا خاصة بتنظيم الحقوق و الحريات العامة وجدت مكانها في باب اسس النظام الدستوري, فالمادة السابعة والعشرون (اولا) , والتي تنص على ان "للاموال العامة حرمة, وحمايتها واجب على كل مواطن". حشرت في باب الحقوق والحريات في حين ان مكانها الطبيعي هوالمبادئ الأساسية. وجاءت الفقرة (اولا) من المادة 16 كترجمة ركيكة عن دساتير اجنبية, وكان من الممكن الاكتفاء بعبارة " حرية الافراد الشخصية مصونة بما لا يقيد حقوق الاخرين وحرياتهم وبما لا يتنافى مع الاداب العامة. بالاضافة الى ذلك ارى ان صاغة المسودة ذهبوا الى اغراقها بموضوعات هي من اختصاص التشريع الفرعي, حيث يبدو ذلك واضحا من نص المادة 18 والتي تناولت فقراتها تنظيم علاقات اجتماعية هي من اختصاص قانون الجنسية اصلا. وفي ذات السياق يمكن الاشارة الى المادة (82) والتي جاءت تكرارا للفقرة (د) من المادة التاسعة. على ان الملاحظات المذكورة تشكل نماذجا لثغرات يعج بها مشروع الدستور الدائم لبلادنا.
اما من ناحية المضمون فان اهم ما يمكن ملاحظته هنا هو ان الكثير من قواعد مسودة الدستور صيغت بالشكل الذي يجعل من الممكن الاجتهاد في تفسيرها, ذلك لانها باتت وبحق (حمالة اوجه). مما سيربط مصير التشريع الفرعي, والذي سيسن لتفعيل قواعد الدستور, مرتبطا بارادة الاكثرية البرلمانية. وهذا بالذات ما سيشكل,كما نعتقد, الجانب الاكثر خطورة على مستقبل العملية الديمقراطية التي يراد التأسيس لها, والتي هي بحاجة الى قواعد دستورية جامدة وغير خاضعة لبرامج القوى السائدة (حزبية كانت ام دينية , قومية ام طائفية).
ان ربط تكوين القوات المسلحة والاجهزة الامنية بمكونات الشعب العراقي (المادة 9 "اولا-أ") ومراعات تمايزها وتماثلها ,كما ورد في الفقرة المذكورة, سيشكل خطرا كبيرا على مستقبل التجربة الديمقراطية في بلادنا, ناهيك عن المخاطر التي قد تتعرض لها حقوق الانسان العراقي وحرياته الاساسية وخصوصا اذا ما ذهبت الاجهزة الامنية لأشاعة (ثوابت) واجهاتها السياسية والدفاع عنها. وسواءا اخضع مشروع الدستور قيادة تلك القوات للسلطة المدنية, والتي ستتالف من ذات المكونات, ام لا فانه لا يلغي حقيقة انها ستشكل الاجنحة العسكرية لتلك الكيانات وستؤلف (جيوشها العقائدية).
لقد اراد صاغة مشروع الدستور الدائم لدولتنا تحقيق ما عجزت عن تحقيقه اجيال كثيرة من الفلاسفة والباحثين والملوك المطلقين والسياسيين وحتى قبل ظهور اول وثيقة دستورية بفترة طويلة. لقد حاول مشرعونا جمع ما لا يجمع, اذ ذهبوا الى المزاوجة بين القاعدة القانونية (الوضعية) والقاعدة الشرعية. والمعضلة هنا لا تكمن بتدوين تلك القواعد في الوثيقة الدستورية, وانما في امكانية تطبيقها. ولنا في تجارب الدوّل التي سبقتنا الى تلك الطريق خير دليل. فتطعيم القانون الوضعي بقواعد الشريعة سيفضي اما الى تنازع القاعدتين, خصوصا وان مجالات كثيرة يمكنها ان تشكل ارضية لهذا التنازع, او الى اعتماد احدهما على حساب الاخر ما يؤدي الى الاخلال بمبدأ التوافق الذي اريد له ان يكون حاضرا في التجربة العراقية الوليدة. من هنا جاءت الدعوة لاعتماد علمانية الدولة والذي يعني فصل الدين عن السياسة, اي ابعاد القيم الروحية (الدينية) عن مسرح اللعبة السياسية والذي يحتمل اساليباً هي ابعد ما تكون عن تعاليم الدين الحنيف ونقاوته وقدسية منطلقاته. على ان هذا الابعاد لا يمكن ان يشكل اساءة للدين وقيّمه التي يمكن ان تشكل احتياطيا تربويا وتعبويا بالغ الاهمية بالنسبة للدولة والمجتمع. ان تحليلاً متأنياً لطبيعة القاعدتين الشرعية والقانونية سيبين بأن امتلاكهما لبعض اوجه التشابه مثل سعة دائرة العلاقات التي يقوم كل من القاعدتين بتنظيمها, وصفة الالزام لكليهما, لا يلغي اختلاف القاعدتين,وحتى تقاطعهما, في اكثر القضايا جوهريةً. وربما كان الاختلاف الاكثر اهمية والذي يجعل من المستحيل المزاوجة بين القاعدتين الشرعية والقانونية هو اختلاف مصدر القاعدتين. فكون القاعدة الشرعية منزّلة, وكونها تستمد قوتها من الكتب السماوية المقدسة يجعل من مسألة مناقشتها وتعديلها امراً مستحيلاً. بخلاف القاعدة القانونية التي تناط مهمة صياغتها بمؤسسة سياسية (منتخبة او معينة) وحتى بفرد (ملك مطلق او دكتاتور) مما يجعل امر تعديلها وحتى الغائها خاضع لارادة تلك المؤسسة او ذلك الفرد. من هنا تبدو القاعدة القانونية ضعيفة امام مثيلتها الشرعية. وتبدو اكثر ضعفاً فيما لو قدر لها ان تمر من خلال جهاز الرقابة على دستورية القوانين, والذي يتكون في الحالة العراقية "من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون...." (ال مادة 90- اولا). وهنا تجدر الاشارة الى ان نسبة الفقهاء في جهاز الرقابة الدستورية (المحكمة الاتحادية العليا) سيكون خاضعاً لتناسب القوى في مجلس النواب القادم.
ان من المسائل التي ارى لزاما التذكير بها هي اشكالية العلاقة بين القاعدتين الشرعية والقانونية مع قواعد الاخلاق, تلك القواعد التي تقوم الى جانب قواعد العرف (العادات والتقاليد) وقواعد العدالة بتنظيم العلاقات الاجتماعية المختلفة. حيث تكون القاعدة الشرعية اقرب الى قواعد الاخلاق منه الى قواعد القانون باعتبار ان واحداً من اهم اهدافها هو تنظيم العلاقات الروحية (الوجدانية). في حين لا تتورع القاعدة القانونية عن التجاوز على قواعد الاخلاق وانتهاكها,اذا اقتضت الضرورة, في سبيل الحفاظ على المصالح العليا للدولة. ففي الوقت الذي تبدو فيه بعض الافعال مستهجنةً ومدانةً من منطلق ثوابت الشريعة والاخلاق (الاحتيال لكسب اصوات الناخبين والتنصل عن الوعود الانتخابية والنكث باليمين الدستورية ...على سبيل المثال). يبدو ذلك السلوك مشروعا من زاوية الاستجابة لمتطلبات (اللعبة السياسية) استناداً الى قواعد القوانين والانظمة.
كما جميع فصول مسودة الدستور وبنودها جاءت المواد الخاصة بتنظيم العلاقة بين المركز الفيدرالي واطراف الفيدرالية تجسيداً واضحاً للمساومة السياسية بين كتلتي الجمعية الوطنية الرئيسييتين. ففي الوقت الذي خلت فيه مسودة الدستور من اية اشارة الى مبدأ التدخل الفيدرالي للحيلولة دون الاخلال ببنود الدستور من قبل سلطات الاطراف, وخصوصا في مجال سلامة الدولة ووحدة اراضيها وحماية الحقوق والحريات الاساسية (بما في ذلك الاقليات الأثنية والطائفية) من تعسف تلك السلطات, ذهبت المسودة الى تكريس اللامركزية في واحدٍ من اهم المجالات تجسيدا لمبدأ السيادة, حين منحت الحق للاقاليم والمحافظات تأسيس " مكاتب في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية" . (الفقرة رابعاً من المادة؛؛118). وهو الامر الذي لم تقدم على انجازه اكثر الدول الفيدرالية عراقة وضخامة في العالم. هذا اضافة الى عدم واقعية تنفيذ ما جاءت به الفقرة المذكورة, اذ يبدو غريباً افتتاح اربعة عشر مكتبا في كل سفارة عراقية لمتابعة شؤون ابناء المحافضات العراقية واقليم كردستان العراق.
انني ارى ان عقداً دستورياً بين مكونات الشعب العراقي الاساسية كان من شأنه انجاز مهمات المرحلة الانتقالية والانتقال الى آفاق اخرى, ذلك ان العقد الدستوري مؤهل, بحكم طبيعته المرنة, لأن يكون وعاءاً لاختزال كل العناصر التي من شأنها التأسيس لدولة الحق والمؤسسات المنشودة.



#فلاح_اسماعيل_حاجم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم...لابد من مشاركة عراقيي الخارج في الاستفتاء والانتخابات
- نظرة قانونية: مبادئ الدستور
- نظــرة قــانونيــة: الدســتور الــدائـم واشــكاليــة العلاقـ ...
- نـظـرة قـانـونيــة: الاســتفـتاء و مـحاولــة تـبـريــر الأخـ ...
- نظرة قانونيــة: لجنــة صياغــة الدستور بين الاستحقاقــات الا ...
- نــظرة قــانونيــة: اللجــان البـرلمانيــة
- نظــرة قانونيــة: الدستــور الدائــم ومهمــة الاصــلاح السيا ...
- نظرة قانونيــة: المعالجــة القانونيــة لمسؤوليــة الجهاز الت ...
- نظرة قانونية: المعالجة القانونية لتنظيم العمل داخل الجهاز ال ...
- نظــرة قانونيــة:المعالجــة القانونيــة لثنائيــة الجنسيــة
- نظرة قانونية:المعالجــة القانونيــة لتفعيــل الحــق الانتخاب ...
- الفيـدرالـيــة وضـمانــات وحــدة العــراق
- اي الاهداف يبرر الوسائل
- نظرة قانونية: السلطــة العراقيــة القادمــة ومهمــة التأسيــ ...
- نظرة قانونيــة: السلطــات العراقيــة القادمــة ومهمـة صيانــ ...
- نظــرة قانونيــة: المعالجــة القانونيــة لعــد اصــوات الناخ ...
- نـظرة قـانونيــة: وحـدة السلطــة ومبــدأ الفصــل بيــن السـل ...
- نظرة قانونيـة: المعالجة القانونية للقيام بالدعاية الانتخابية
- الانتـخابات وشـرعية السـلطـة القـادمـة فـي العـراق
- نظرة قانونية: المعالجة القانونية لمراقبة العملية الانتخابية


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فلاح اسماعيل حاجم - نظرة قانونية: قراءة سريعة في مسودة الدستور الدائم لجمهورية العراق