أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - شاكر النابلسي - ميلاد شعب عظيم















المزيد.....

ميلاد شعب عظيم


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1336 - 2005 / 10 / 3 - 12:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


-1-
اليوم فقط وُلد الشعب الجزائري من جديد.

فليهنأ.

اليوم فقط نالت الجزائر استقلالها، وليس عام 1962، بعد 130 عاماً من الاستعمار الفرنسي.

اليوم يحق للجزائر أن ترفع أعلام الحرية، بعد أكثر من قرنين (205 سنوات) من الكفاح من أجل الحرية (130 سنة ضد الاستعمار الفرنسي، و 43 سنة من الكفاح ضد الارهاب الأصولي الديني) .

اليوم فقط، تحررت الجزائر ليس من الاستعمار، ولكن من موروث الماضي المؤلم والتعيس. فلقد كان التحرر من الاستعمار أسهل بكثير من التحرر من الموروث المؤلم والتعيس!

كان الارهاب الجزائري الديني الأصولي أشد خطراً من الاستعمار الفرنسي .

فظلم ذوي القربى أشدُ مضاضةً من وقع الحسام المهند، كما قال الشاعر العربي القديم.

-2-

كم كان غريباً وعجيباً هذا الجنوح إلى السلام والمصالحة، بين القاتل والمقتول العربي؟

من النوادر في التاريخ العربي القبلي ، أن يصالح القاتل المقتول، أو المقتول القاتل.

فلم يكن في تراثنا، ولا في تاريخنا الكثير من هذا التسامح وهذا الغفران وهذه المصالحة. كانت ومضات سريعة نادرة، ولكنها لم تكن قيماً اجتماعية راسخة. القيمة الاجتماعية كانت هي الثأر. وهو ما عبر عنه الشاعر أمل دنقل في قصيدته المشهورة "لا تصالح ولو منحوك الذهب"، وامتلأ الديوان العربي القديم والحديث بقصائد الثأر كدليل على العزة والقوة والمجد.

لقد كان الثأر على مرِّ التاريخ العربي، وإلى يومنا هذا من القيم العربية الأصيلة، التي لا يتخلّى عنها الصغير والكبير، والغني والفقير ، والفلاح وابن المدينة.

فكيف استطاع الشعب الجزائري أن ينبذ قيمة الثأر القبلية، والتي هي من مخلفات الانسان الأول والعصور الحجرية، ويتقدم نحو الحداثة على النحو الذي تم َّ بالأمس؟

وكيف استطاع الشعب الجزائري العظيم أن ينسى الأحقاد، وينسى الآلام، ويجفف دماء أبنائه، ويغفر للمجرمين الارهابيين على مضض؟

إن الانتصار على الكراهية والأخذ بالمصالحة والتسامح، من أعلى القيم الإنسانية، وأصعبها قبولاً وتطبيقاً، ولا يقدر عليها إلا معشر الأنبياء والقديسين والحواريين.

لقد كانت خطوة صعبة ومريرة من ذوي ضحايا الارهاب، الذين قاموا بدفن بطاقات الاقتراع على المصالحة الوطنية فى قبور أحبائهم، تعبيراً عن الاحتجاج على العفو، إلا أن الأغلبية – وبإرادة جبارة نادرة - بلعت سكاكين الثأر، وقالت إنها مستعدة للعفو.

ففي هذا اليوم سوف يسجل التاريخ أن الشعب الجزائري العظيم وضع حداً للأزمة السياسية والاجتماعية، وأعمال العنف التي أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص إضافة الى آلاف المفقودين منذ 1992 .
فبلد المليون شهيد ليس غريباً عليه أن يفعل كل ذلك!

-3-

الجزائر منذ اليوم دخلت عصر الحداثة فعلياً. ورفضت الولع الهاذي بأخذ الثأر. ورفضت أن يكون الثأر في سلم قيمها قيمة اجتماعية. ورفضت الجزائر أن يكون التسامح والغفران والجنوح إلى السلم وصمة عار وجبن وخيانة. فهذا الهذيان الجماعي بأخذ الثأر تخطاه الشعب الجزائري اليوم، رغم معارضة قوى دينية وعلمانية سياسية، لا تريد للمصالحة الحضارية الجزائرية أن تتم.

اليوم تنتقل الجزائر إلى مرحلة تاريخية مهمة. وما كان لهذا الانتقال أن يتم إلا بالقيام بجهاد إسطوري ضد النـزوع المتأصل إلى العنف وتقاليد أخذ الثأر وروح المنازلة التي عفى عليها الزمن، لكنها ما زالت في فضائنا حية تسعى. كما يتطلب هذا الانتقال التاريخي قطيعة سياسية وثقافية مؤلمة مع العنف ومع تقاليد راسخة في الوجدان النضالي العربي، كما قال العفيف الأخضر. وفي مثل هذا المناخ الثقافي الذي يمثل فيه العنف السياسي قيمة اجتماعية - سياسية، يعتبر الانتقال إلى السلم الاجتماعي تدشيناً تاريخياً لتقليد سياسي غير مسبوق في العالم العربي الغارق في الدماء الآن.

-4-

الناخبون الجزائريون أيدوا ميثاق "السلام والمصالحة الوطنية" بنسبة 97 ٪، والمكمّل لقانون الوئام المدني.

وقد اعلنت أحزاب المعارضة العلمانية والدينية وعلى رأسها جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، مقاطعتها للاستفتاء باعتباره سيتيح للسلطات تبرئة قوات الأمن المتورطة في اختفاء آلاف الأشخاص المشتبه دعمهم للاسلاميين. كما عارض هذه المصالحة حسين آيت أحمد رئيس "جبهة القوى الاشتراكية". وهذه المعارضة في واقع الأمر ليست موجهة ضد مبدأ المصالحة ذاته، بقدر ما هي موجهة لعهد بوتفليقة. حيث تتهم أحزاب المعارضة بوتفليقة باستخدام الاستفتاء لتعزيز قبضته على البلاد، وبأنه يسعى للحصول على تفويض لإدخال تعديل على الدستور ليتسنى له الترشح لولاية ثالثة عام 2009. وكان على بوتفليقة أن يعلن عدم صحة ذلك، ورفضه القاطع للترشح لولاية ثالثة كما فعل جورج واشنطن، وحتى يفوّت الفرصة على المعارضة ، ولكنه لم يفعل ذلك .

لقد أخطأت المعارضة كثيراً في هذا الموقف. ونمَّ ذلك عن تفكير قبلي ثأري متخلف. والدليل أن أدنى نسبة مشاركة كانت 11 ٪ فى تيزيز أوزو شرق العاصمة، وفى بجاية 11،5 ٪ وهما المدينتان الرئيسيتان فى منطقة القبائل، وحيث تنشط بشكل كبير "جبهة القوى الاشتراكية" و "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" اللتان دعتا إلى مقاطعة الاستفتاء. ولكن الأقاليم التى كانت الأشد تضرراً من عنف المتشددين تجاوزت نسبة مشاركة الناخبين فيها بالتصويت فى الاستفتاء 90٪. وقد انضم إلى معارضة المصالحة من الأحزاب العلمانية بعض الأحزاب الدينية الأصولية التي ترى في السلام قضاءً عليها. فهي بدون السلاح والارهاب لا تساوي شيئاً . فلا وزن لها بدون وزن السلاح. وقوتها في سلاحها وليس في فكرها وخطابها السياسي، شأنها شأن المليشيات الأصولية الدينية في لبنان والعراق والسعودية وفلسطين وغيرها. ومن هنا، كان موقف المعارضة الأصولية الدينية غامضاً ومتأرجحاً ، ولكنه كان سلبياً ضمنياً. وقال عباسي مدني رئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة بخصوص ميثاق السلم أن "لا معنى للمصالحة ما لم تضمن حق الشعب في العدل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومعرفة الحقيقة التاريخية حول المتسببين في الأزمة". ولم يرد في الوثيقة التي أطلقها مدني، ما يدعو إلى تزكية، أو مقاطعة، أو رفض ميثاق السلم والمصالحة.

-5-

الشعب الجزائري اليوم، فعل ما فعله شعب جنوب إفريقيا أمة "قوس قزح" المؤلفة من أفراد مختلفة كل منهم له لغته وثقافته الخاصة. وتنحدر أصولهم إلى الأوروبية، الهندية، والإفريقية. هنالك إحدى عشر لغة رسمية في البلاد.

لقد فعل الشعب الجزائري ما فعله نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا وحزبه الوطني، حين عفى عن جرائم البيض بحقه وحق شعب جنوب افريقيا وجنح إلى السلم والمصالحة الوطنية فكسب البيض والسود معاً وحافظ على وحدة جنوب افريقيا.

-6-

صوت العقل الجزائري الحداثى والمدني قال: إذا كان للمصالحة أن تأخذ مثل هذا الوقع فإنها تستحق اهتماماً سياسياً وأكاديمياً آنياً وغير مسبوق. والسبب هو أن المجال الزمني الذي يمكن فيه للمصالحة أن تنجح قصير على ضوء ما تعلمنا إياه التجارب الدولية، فالأزمة الجزائرية قد نضجت للحل، ومعروف أن رواد نظريات نضج النـزاعات للحل من أمثال زارتمان وستيدمان، يركزون على قضية أن هذا النضج يمثل في الحقيقة فسحة زمنية قصيرة تسمح لأطراف النـزاع بالتحرك بشكل عاجل لانتهاز الفرصة، وإلا فإن معسكر المناوئين للحل سيتقوى ويسترجع المتصلبون قدرتهم على التجنيد عندما تخفت صور الدمار. (عـادل زقـاغ، نحو تحرير مضامين مفهوم المصالحة). وقد نجح الشعب الجزائري في اغتنام هذه الفرصة وعقد العقد الاجتماعي التآلفي والتصالحي السلمي لكي يستطيع بناء بلاده. ولعل هذا الدرس الجزائري العظيم يكون حافزاً لبقية الشعوب العربية، وخاصة في فلسطين والعراق ولبنان، حيث لا لون يطغى على لون الدماء، ولا صوت يعلو على صوت لعلعة الرصاص.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عار المثقفين العرب في العراق
- هل الإرهاب ضرورة تاريخية للتغيير؟
- القرار 1626انتصار لبيان الليبراليين
- كيف سيَمْكُرُ تاريخُ العربِ بنابليون الأمريكي؟
- خُرافة علاقة الإرهاب بالتعليم الديني!
- هل ستصبح الفيدرالية العراقية نموذجاً عربياً يُحتذى؟
- تهافت المعارضة الدينية الأردنية
- النوابُ اليومَ والشعبُ غداً
- السُنَّة والفيدرالية والدستور العراقي
- مكاييل الأردنيين شارعاً وإعلاماً
- عندما يرفضُ الملكُ مصافحةَ رعاياه!
- ما هو مستقبل الهاشميين في الأردن؟
- هل سيصبح الأردن النموذج الديمقراطي العربي؟
- ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني
- لماذا لم يُفتِ أحد بقتل ابن لادن حتى الآن؟
- الدستور العراقي ومسؤولية الليبراليين
- وباء الديكتاتوريات يلتهم المليارات
- كيف سيثأر العرب لقتلاهم؟
- كفى ضحكاً على ذقون الفلسطينيين
- العرب وصمت القبور !


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - شاكر النابلسي - ميلاد شعب عظيم