أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نرمين خفاجي - في يوم المتاحف العالمي ...قراءة في تاريخ المتاحف في مصر















المزيد.....

في يوم المتاحف العالمي ...قراءة في تاريخ المتاحف في مصر


نرمين خفاجي

الحوار المتمدن-العدد: 4811 - 2015 / 5 / 19 - 04:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


"شعر صديقي القديم مارييت بالقلق من أن يشمر الخديوي عن ساعده ويعين خريجي مدرسة اللسان المصري في متحفه وعبثا حاولت تبديد مخاوفه واستمرت هواجسه حتى انه أمر موظفيه بمنع أي مصري من نسخ النقوش الهيروغليفية وكان مثل هؤلاء يطردون من المعبد ببساطة"
هنري بروكش (عالم مصريات ألماني كان مديرا لمدرسة اللسان المصري القديم)
( فراعنة من؟ دونالد مالكوم ريد - ترجمة رؤوف عباس)
اختير يوم الثامن عشر من مايو من كل عام للإحتفال باليوم العالمي للمتاحف، ولعله من المفيد في هذا اليوم سرد تاريخ نشأة المتاحف في مصر والصراعات الاستعمارية التي انتجتها.
في آواخر القرن التاسع عشر وضع الخديوي عباس حلمي الثاني حجر الأساس للمتحف المصري بالتحرير، بعد 96 عاما من جلاء الحملة الفرنسية عن مصر، واكتمال 75 عاما على إعلان شامبليون على توصله لفك شفرة الكتابة الهيروغليفية، ومرور 15 عاما على الإحتلال البريطاني لمصر.
ولأن المتاحف مؤسسات مستوردة من الغرب فقد جاء تصميم المتحف المصري على شاكلة المتاحف الغربية . ولأن علم المصريات أوروبي المنشأ فقد بدت الواجهة الكلاسيكية الفخمة كنصب تذكاري بلوحاتها الرخامية المنقوش عليها أسماء رواد علم المصريات الأوروبيين (ستة من الفرنسيين، خمسة بريطانيين، وأربعة علماء ألمان، وثلاثة إيطاليين، وعالم آثار هولندي، وآخر دانمركي، وسويدي وحيد) لتخلد علم المصريات الغربي وعلمائه. خلدت الواجهة أيضا في لوحات أخرى المؤرخين الكلاسيكيين وهم هيرودوت، إراتوس، مانيتون، هورا بوللو بجانب حكام مصر القدامى. وقد خلت الواجهة من أي اسم لعالم أو مؤرخ مصري أو عربي. ونقش اسم الخديوي عباس حلمي الثاني باللاتينية حيث قام بوضع حجر أساس المتحف في 1897 وافتتحه في 15 نوفمبر 1902، أضيفت السنة الهجرية بجانب الميلادية على واجهة المتحف ونقشت باللاتينية أيضا وبطريقة الترقيم الروماني. مثلت تلك اللوحات رموزا هامة وذات دلالة ظللت معمار المتحف وسلطت الضوء على القوى المسيطرة عليه وعلى مجال الآثار الذي ناضل المصريون من أجل موقع قدم لهم في حلبة هذا الصراع الضاري. فالواجهة التي صممها المهندس الفرنسي مارسيل دورينيون على الطراز الكلاسيكي الجديد المستوحى من العمارة الرومانية واليونانية عبرت عن الدول الإستعمارية التي استلهمت من الإمبراطورية الرومانية وفلسفة وعلوم الإغريق هويتها التي تباهت بها وطبعتها على أرض المستعمرات. فبدا المتحف وكأنه ترجمة صادقة للهيمنة الإستعمارية بشكل عام وللصراع الإستعماري في مجال الآثار الذي احتدم في القرن التاسع عشر بشكل خاص.
دللت الكتابات اللاتينية – التي يجهلها المصريون- على الثقافة الأوروبية التي انتعشت في عصر النهضة ونهلت من منابع الفن والأدب اللاتيني فتكونت الهوية الإستعمارية على أنقاض الإمبراطورية الرومانية وآداب وعلوم الإغريق. ومع نضج الثورة الصناعية بدأ التوسع الإستعماري من أجل فتح أسواق جديدة وضمان توفير الخامات حتى تدور المصانع. أما مصر بتراثها العريض العميق الجذور فقد بدت وكأنها قد أضافت سببا آخر للهيمنة الإستعمارية على آراضيها فالرؤية الأسطورية لمصر بتاريخها السحيق وعالم الفراعنة الغامض، الذي أماط عنه اللثام فك طلاسم حجر رشيد. حول مصر إلى منطقة جذب للمغامرين وتجار وهواة جمع الآثار، وأصبح علم المصريات والمتاحف وأماكن التنقيب مضمارا آخر للسباق الإستعماري، وأقحمت المتاحف في صراع الهوية ما بين الغرب المسيطر والمصريين المكتشفين حديثا لجذورهم القديمة.
لم يكن التصميم المعماري للمتحف والكتابات اللاتينية لأسماء علماء ومؤرخي الغرب على واجهته يكثفون بمفردهم حالة الإغتراب عن واقع المصريين، وانما أيضا المنحوتات البديعة التي زينت العقد الفخم والمهيب لبوابة المدخل، فعلى قمة العقد وضعت رأس للربة المصرية إيزيس بملامح إغريقية واضحة، وعلى يمين ويسار العقد برز تمثالان بخطوط وملابس إغريقية واحد يمثل إلهة الوجة القبلي والآخر يمثل إلهة الوجه البحري، مما أضاف حالة اغتراب أخرى عن المعروضات الفرعونية بالداخل. بشكل عام عبر المتحف المصري بمعماره الكلاسيكي ونقوشه اللاتينية وتماثيله الإغريقية على أن علم المصريات أوروبي خالص لا لبس فيه، وأن وظيفة المتحف والأنتكخانة "مصلحة الآثار" وقتئذ ليس فقط حفظ تراث "الأمة المستعمرة" والتعبير عن هويتها وإنما ايضا أو بالأساس كانا وسيلة لتأطير الإختراق والهيمنة والتنافس الإستعماري ليس في مجال الآثار المصرية فقط ولكن في مجال الآثار بمجمله سواء كان فرعوني، أو يوناني روماني، بل وحتى العربي الإسلامي دخل ضمن منظومة الصراع. ومهد الإحتفال البهيج سنة 1904 بافتتاح النصب التذكاري لمارييت باشا "أول ناظر للأنتكخانة" في حديقة المتحف المصري الطريق لإبرام الإتفاق الودي بين انجلترا وفرنسا الذي وُقع بعده بأسابيع قليلة وأكد في إحدى بنوده على إستمرارية احتكار فرنسا لمنصب مدير عام مصلحة الآثار المصرية والمتحف المصري. وحصل ماسبيرو الفرنسي مدير مصلحة الآثار والمتحف المصري حينذاك على وسام فارس من بريطانيا، ونصح اللورد كرومر حكومة بلاده بعدم إقامة معهد بريطاني للآثار في مصر حتى لا يستثير ذلك عداء الفرنسيين. وتقاسمت القوى الإستعمارية التنقيب على الآثار تحت هيمنة الفرنسيين ومناورات البريطانيين. ويقدم تاريخ المتاحف المصرية صورة واضحة لهذا التقسيم حيث انفردت فرنسا بمصلحة الآثار والمتحف المصري- كان مدير المصلحة هو نفسه مدير المتحف حتى فصل بين المنصبين بيير لاكو سنة 1931- أما الألمان فقد انفردوا بإدارة المتحف الإسلامي والكتبخانة "دار الكتب"، بينما أسس الإيطاليون واليونانيون بالأسكندرية متحفا "لهم" يجسد هويتهم اليونانية الرومانية بمجموعات خرجت من حفائر مدينة الإسكندرية واحتكر إدارته الإيطاليون، ولم ينج من ذلك الآتون سوى المتحف القبطي الذي أسسه مرقص سميكة متأثرا بمناخ التحديث والإصلاح الاجتماعي السائد في ذلك الوقت. وجاءت واجهته التي صممها الفنان المصري راغب عياد على شاكلة واجهة جامع الأقمر الفاطمي للتعبير عن الهوية القبطية والوطنية التي ترى في التاريخ العربي الإسلامي جزءا من هويتها. وقد استمرت الإدارة الأوروبية للآثار حتى قيام نظام يوليو 1952 الذي قام بتمصير الإدارة.
المصريون والمتحف
أقبل المصريون على زيارة المتحف حتى ان الدليل السياحي الألماني "باديكر" حذر من زيارة المتحف يوم الثلاثاء لأن رسم الدخول في هذا اليوم منخفض مما يشجع "الطبقات الدنيا" على زيارة المتحف. وللفصل بين المصريين والأجانب أذن ماسبيرو بدخول للمتحف مجانا في فصل الصيف الغير سياحي فأتى المصريين أفواجا وقام بعضهم بحك أجسامهم بالآثار لإعتقادهم أنها تشفي من الأمراض.
شابت علاقة المصريين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص بالآثار المصرية بعض التعقيد الذي ينعكس حتى اليوم على رؤيتهم لهويتهم. فمع تحول المصريين إلى المسيحية في القرنين الرابع والخامس الميلادي حدثت قطيعة مع الديانات الوثنية القديمة وكتاباتها وطمس المسيحيون الأوائل النقوش والصور القديمة على جدران المعابد وحولوها إلى كنائس وبذلك انقطع الحبل مع تلك الحضارات القديمة. ومع اعتناق الإسلام ازدادت القطيعة لإرتباطها بقصة الصراع بين موسى وفرعون مع نعت التماثيل "بأصنام الجاهلية". ولكن لم تخلو كتابات المؤرخين والرحالة العرب في العصر الوسيط من الإفتتان "بالبرابي" القديمة والأهرام، فقد عبر المسعودي في كتاب مروج الذهب عن اعجابه ببراعة الفراعنة في البناء والطب والفلك، كما وصف عبد اللطيف البغدادي في القرن الثالث عشر الميلادي الآثار المصرية وأشاد بها وانتقد هدمها، وأثارت الهيروغليفية أفكار المقريزي واعتبرها تحوي أسرار الكيمياء والمعرفة كما اعتبر الأهرام ومعبد دندرة وأخميم من عجائب الدنيا، وكتب جمال الدين الإدريسي في القرن الثالث عشر كتابا عن الأهرام واسبغ عليها مسحة اسلامية وزعم أن الرسول والصحابة استظلوا بها وحكى عن شيخا مغربيا قام بإعادة أحد الحجاج من مكة إلى مصر لأنه لم يعرج على أهرام مصر قبل وصوله إلى مكة.
مع القرن التاسع عشر ومع عودة البعثات التعليمية التي أوفدها محمد على إلى أوروبا، عاد رفاعة الطهطاوي صاحب فكرة أول متحف مصري للحفاظ على الآثار ومنع نهبها. ففي كتابه "أنوار توفيق الجليل" عن تاريخ مصر القديم رؤية جديدة نظرت إلى الحضارة المصرية القديمة بوصفها إحدى روافد الهوية المصرية. وجاءت أيضا الخطط التوفيقية لعلي مبارك الذي أسهب فيها في الحديث عن الاهرام وطيبة ومنف، لتدلل على أن الامة المصرية تمتد جذورها الفرعونية في أعماق التاريخ. ومع الإستعمار الإنجليزي اتخذ الكفاح الوطني من أجل التحرر من التاريخ الفرعوني موضوعا للفخر عبر عن نفسه في تمثال نهضة مصر. وقدمت مصر نفسها للعالم على طوابع البريد بهويتها الفرعونية فظهر طابع بريدي عليه الاهرام وأبو الهول. وأصبحت صور الآثار الفرعونية على الأوراق النقدية وعلى الوجه الآخر الجوامع القديمة كرموزا للهوية المصرية التي تجمع بين مجد الفراعين والدين القويم. هذا بخلاف الجرائد والمجلات مثل الاهرام وأبو الهول وغيرهما.

أول متحف ..تجربة مبتسرة
قبل متحف التحرير وقبل تكليف سعيد باشا لمارييت في 1858 بانشاء "الانتيكخانة" كانت هناك تجربة مصرية قصيرة الأجل للحفاظ على الآثار نبتت كثمرة لحالة التحديث التي بدأها محمد على. حيث قام رفاعة الطهطاوي بإنشاء أول متحف مصري بالقرب من بركة الأزبكية بتكليف من محمد علي الذي أصدر فرمان سنة 1835 نص على "منع تصدير العاديات التي يتم العصور عليها في الخرائب القديمة إلى خارج البلاد، وتخصيص مكانا لتجميعها في العاصمة، وعرضها للسياح الذين يزورون مصر، منعا لنهب الخرائب القديمة بالصعيد".
ومن الجدير بالذكر هنا ذكر احدى الحوادث التي جاء ذكرها في معظم الكتب التي تناولت الصراع على الآثار المصرية وتدلل على المدى الذي وصل اليه الصراع على آثار وادي النيل، وأداره قناصل الدول الأوروبية وعلى رأسهم قنصلي انجلترا وفرنسا. في 1821 بينما كان دورفيتي قنصلا لفرنسا في مصر، وسولت قنصلا لانجلترا كان لكل منهما رجاله الذين يعملون في الحفر وجمع الآثار لحسابهما ووصل الأمر بين رجالهما إلى العراك بالأيدي داخل الكرنك على الآثار فاضطر القنصلان إلى الإتفاق فيما بينهما على تقسيم مناطق مصر الأثرية فما يقع غرب النيل من نصيب سولت وما يقع شرقه من نصيب دورفيتي.
وعلى الرغم من استخدام محمد علي للآثار المصرية كهدايا سياسية للدول الأوروبية في مقابل تقديم العون الفني له من أجل إنجاز مشاريعه لتحديث مصر، إلا انه أصدر عددا من الأوامر للحد من النهب الأوروبي للآثار. ومنها أمر صادر في 1826 لمنع الإنجليز من نزع عتب مصري قديم في جامع باب النصر، وأمرا آخر لحسين بك حيدر لإجراء حفائر بالقليوبية حيث نما إلى علمه وجود آثار بها "حتى لا تصل إلى أيدي الأوروبيين".
شارك الطهطاوي في تأسيس المتحف كلا من يوسف أفندي ضيا الذي أخذ على عاتقه تجميع الآثار ووضعها بالمتحف الجديد، ويوسف هككيان الذي قام بوضع تصميم المتحف الذي لم يعد له أي أثر الآن. بعد وفاة محمد علي تولى عباس الأول حكم مصر. ونُفى رفاعة الطهطاوي إلى السودان ونُقلت محتويات هذا المتحف إلى القلعة، وأهدى عباس الأول جزءا منها إلى السلطان عبد العزيز، وما تبقى منها أهداه سعيد إلى أرشيدوق النمسا لتستقر في متحف فيينا. ساهم فشل مشروع المتحف المصري الأول في فتح الباب على مصراعيه للهيمنة الإستعمارية على الآثار مع تلاشي دور المصريين في مجال الآثار.
مارييت الوجه الآخر
أسدل نقل رفات مارييت باشا إلى حديقة المتحف المصري صفحة هامة من تاريخ ذلك الرجل الذي جاء إلى مصر في 1850. بعد أن حصل مارييت على الشهادة الثانوية عمل بالتدريس والصحافة. وحصل بشق الأنفس على وظيفة متواضعة في متحف اللوفر بعد أن حاول تعلم اللغة القبطية والهيروغليفية. فشد الرحال إلى مصر موفدا من قبل اللوفر لشراء مجموعة من المخطوطات القبطية. لكنه غير وجهته إلى التنقيب على الآثار الفرعونية الذي كان مفتوحا أمام المغامرين من الدول الغربية المختلفة بما فيهم قناصل الدول والمبشرين المسيحيين. كان مارييت يبحث عن السرابيوم "مقبرة عجول آبيس" بسقارة التي وصفها الرحالة اليوناني إسترابو. فقام بعمل حفائر عشوائية استخدم فيها الديناميت واستطاع الكشف عن المقبرة ومقابر أخرى ونقل إلى اللوفر 515 قطعة أثرية رقي على إثرها إلى وظيفة أمين مساعد باللوفر. استمر مارييت في التنقيب على الآثار وإرسال كل ما يتم اكتشافه إلى اللوفر حتى قام سعيد بتكليفه بنظارة مصلحة الآثار المصرية في سنة 1858 فتحول إلى موظف في خدمة حكومة والي مصر بجانب كونه مواطنا صالحا لدولة إمبريالية مولعة بآثار فراعين مصر.
بمساعدة دي ليسبيس أصبح مارييت "مأمورا للأنتيكات"، وأنعم عليه الوالي برتبة البكوية، وخصص له باخرة نيلية، وبدأ ممارسة سلطاته بوقف حفائر الأوروبيين الآخرين. وكان من ضمن سلطاته جلب فلاحين للعمل بالسخرة في حفائره، لذلك يجب كلما ذكر اسم سعيد والخديوي اسماعيل في معرض الحديث عن قناة السويس والسخرة أن يكون مارييت ثالثهما فقد كان من المنظمين لإحتفالات افتتاح قناة السويس، وقام بكتابة النص التاريخي لأوبرا عايدة -كان من المفترض أن تعرض في حفل افتتاح قناة السويس- وتصميم ملابسها بحيث تتطابق مع ما جاء في مناظر المقابر الفرعونية. وقد شارك مارييت في تنظيم احتفالات افتتاح القناة على ضوء خبراته التي اكتسبها في تنظيم المعارض الدولية التي كانت تشبه كرنفالات تقوم على تغذية النزعة الاستهلاكية ويتم فيها "تسويق الشرق" للمستهلك الغربي، ويتسيد فيها الغرب المشهد في حالة زهو واستعراض للرأسمالية الصناعية والإمبريالية، وقد نظم مارييت جناح مصر في معرضين دوليين بباريس. أما فيما يخص السخرة فقد كون مارييت فرقا للتنقيب في 6 مواقع مختلفة من الجيزة لأسوان، وكان لديه في وقت من الأوقات سلطة تشغيل 7 آلاف عامل بالسخرة في وقت لم يتعد فيه عدد سكان مصر الثلاثة ملايين.
أسس مارييت متحفا آخر للآثار المصرية ببولاق افتتحه الخديوي اسماعيل في 1863. وقام عبد الله أبو السعود أحد تلامذة الطهطاوي بترجمة دليل المتحف إلى العربية، تحت عنوان "وصف نخبة الآثار القديمة المصرية الموضوعة في انتيكخانة التحف العلمية المصرية" واستهل الدليل بالبسملة والصلاة على النبي وذكر الهدف منه هو "شرح محتويات المتحف الذي انشأه "مارييت" للمصريين حتى يعلموا ما كان عليه أجدادهم". وجاء إنشاء مدرسة اللسان المصري في 1869 ليكشف عن صفحة اخرى في تاريخ هذا الرجل، حيث سعت النخبة المصرية كالطهطاوي وعلي مبارك ومن ورائهما الخديوي اسماعيل لتعليم المصريين التاريخ والآثار واللغة المصرية القديمة ليشاركوا الأوروبيين العمل والبحث في المصريات، واختير العالم الألماني هنريك بروكش ليكون ناظرا لمدرسة اللسان المصري القديم". أبدى مارييت معارضة شديدة لهذا المشروع، وذكر دونالد مالكوم ريد في كتابه فراعنة من؟ أن المدرسة أُغلقت في 1874 ربما بسبب دسائس مارييت، وكان احمد كمال "أول اثري مصري" من خريجي هذه المدرسة، وقد رفض مارييت تعيين الخريجين في مصلحة الآثار. ولم تتح الفرصة للمصريين للعمل بمصلحة الآثار إلا بعد وفاة مارييت في 1881، والذي كان متحفه في بولاق قد تعرض للغرق بفعل فيضان قوي لنهر النيل فنقلت محتوياته إلى سراي اسماعيل بالجيزة.
أحمد كمال معاناة مصري في المتحف المصري
خلف ماسبيرو مارييت في مصلحة الآثار، وبوساطة من رياض باشا رئيس الوزراء قام ماسبيرو بتعيين أحمد كمال في وظيفة سكرتير مترجم بمتحف بولاق. وكان قد عمل بعد تخرجه من مدرسة اللسان المصري القديم مدرسا للغة الألمانية ثم مترجما بوزارة المعارف انتقل بعدها ليعمل مترجما بمصلحة البريد ومنها انتقل إلى مصلحة الجمارك وأخيرا بعد أن تخطى الثلاثون حصل بشق الأنفس على وظيفة بالمتحف المصري. كان ماسبيرو أكثر تسامحا من مارييت فسمح لأحمد كمال بتجهيز مدرسة ملحقة بالمتحف لتدريس المصريات للمصريين، قامت هذه المدرسة بتخريج دفعة واحدة فقط سنة 1885 واضطر ماسبيرو إلى تعينهم كمفتشين آثار ولكن بعد إغلاق المدرسة وتخصيص ميزانيتها لتغطية رواتب المفتشين الجدد.
بسبب احتدام التنافس ما بين الأوروبيين على الآثار المصرية استطاع المصريون بالكاد يتقدمهم أحمد كمال ان يجدوا موطئ قدم للتقدم في عالم مصلحة الآثار، فرقي "جريبو" خليفة ماسبيرو أحمد كمال في إلى مساعد أمين متحف حتى لا يشغلها موظف انجليزي، وقد اعتبر احمد كمال نفسه محظوظا لإحتفاظه بوظيفته أثناء إدارة "جريبو" للمتحف ومصلحة الآثار الذي لم يكن دبلوماسيا بما يكفي لإدارة الصراع على الآثار خصوصا مع الإنجليز، وعندما اُقترح على القنصل العام لفرنسا ضرورة استبدال جريبو بالمساعد السابق لمارييت رفض لأن الشخص المقترح كان فرنسي من أصول جزائرية وأبدى القنصل تشككا في ولائه لفرنسا. مع عودة ماسبيرو مرة أخرى إلى مصلحة الآثار أسند إلى أحمد كمال أعمال التنقيب والنشر وضمه إلى الفريق الدولي الذي أعد "الكتالوج العام" للمتحف المصري، لكنه لم يترقى في وظيفته على الرغم من ان اسمه قد لمع في عالم المصريات بعد نشره 29 مقالا بالفرنسية بحوليات مصلحة الآثار إضافة إلى أعماله الأخرى عن موائد القرابين واللوحات البطلمية والرومانية. اعتبر أحمد كمال تعريف المصريين بتاريخ مصر الفرعونية جزءا من رسالته آملا في أن تتحرر الآثار في يوم ما من الإحتلال الأوروبي. وكان بزوغ نجم احمد كمال سببا في اختياره عضوا بالمجمع العلمي المصري سنة 1904، وبعد افتتاح الجامعة المصرية قام بتدريس تاريخ مصر القديم بها، واستطاع اقناع وزارة المعارف بافتتاح قسم للآثار المصرية في 1910 توفى احمد كمال في 1923 قبل أن تتحق احلامه في تحرير حقل المصريات من الهيمنة الاجنبية.



#نرمين_خفاجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع ذكرى رابعة لثورة يناير المتحف المصري: القبضة الأمنية والإ ...
- أفيش ترسو ..أفيش درجة أولى ..وبينهما عالم
- للسيسي وجوه عتيدة
- الفخار والخزف ..من الطين ينطق التاريخ والفن والجمال
- دنيا السبح.. فن ووجاهة ..سحر وأذكار
- الثقافة ..مابين الحقد المسيس وجمع الغنائم
- حائر ما بين العاشر من أمشير والسابع من يوليو
- مدينة الرمل الأحمر المتجمد
- المجد للفاسدين في الأعالي وعلى الثقافة والشعب السلام
- مصر والثقافة فى عصور مختلفة
- اساطير مستحدثة
- انها الحرب
- ظهور العدرا ومواسم الهجرة الى الشمال
- المرأة ما بين حقوق الحيوان وحقوق الانسان
- التراث الشعبي بصمة شعب
- المسرح الفرعونى
- الأقباط والاضطهاد والمواطنة والدستور
- ثورة القاهرة الاولى
- تعاليم السيد جمال الدين فى وجوب اصلاح الدنيا والدين
- منظمة ثورة مصر واجواء الثمانينات


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نرمين خفاجي - في يوم المتاحف العالمي ...قراءة في تاريخ المتاحف في مصر