أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من -القاعدة- إلى -داعش-: الإرهاب والمخابرات














المزيد.....

من -القاعدة- إلى -داعش-: الإرهاب والمخابرات


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4794 - 2015 / 5 / 2 - 18:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


على المستوى الفكري، تشكلت القاعدة من لقاء القطبية المصرية (نظرية الحاكمية الإلهية وتكفير الدول والمجتمعات) مع الوهابية السعودية (السلفية ونفي الوسائط والشفعاء، والفن، وعقيدة الولاء والبراء). أما النموذج الذي تشكلت على غراره فهو المنظمة "الإرهابية"، اليسارية أو القومية. الإرهاب تكنولوجيا قتالية، يمكن لمجموعات سياسية وتيارات إيديولوجية متنوعة أن تتوسلها. لكن لا منظمة إرهابية دون يقين إيديولوجي صلب، والسلفية الإسلامية توفر أساسا طيبا من اليقين وصلابة المعتقد، من صنف سبق أن وفرت ما يعادله منظمات علمانية.
وعلى المستوى البشري تكونت القاعدة أيضا من كادر سعودي مصري، يرمز إليه زعيما الشبكة الأولين، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. لكن على هذا المستوى هناك مساهمات متنوعة من بلدان إسلامية كثيرة، ليس من أقلها شأنا مساهمة فلسطينية، قد تكون مثلت جسرا بين العمل الفلسطيني المسلح، وكان محفزا بمزيج متفاوت النسب من نزعات يسارية ووطنية فلسطينية وقومية عربية حتى ثمانينات القرن العشرين، وبين الإسلام الجهادي. في ثمانينات القرن العشرين كانت قد انتهت حروب الدول ذات الجوافع الوطنية/ القومية، وخرجت وأُخرِجت من الحرب المنظمات العلمانية المقاتلة، ودخلتها المنظمات الإسلامية، في فلسطين ذاتها، وكذلك في لبنان وغيره. التواقت بين انتهاء حروب الدول وظهور منظمات ما دون الدولة لا شك فيه، ويكاد الارتباط بينهما يكون ميكانيكيا.
ما الجديد في داعش؟ بفعل ظهورها في المختبر العراقي تحمل داعش، فوق الوهابية السعودية والقطبية المصرية، عنصرا مركبا من المخابرات العراقية الصدّامية ومن المظلومية السنية المتفاقمة. هذا العنصر العسكري والأمني استقر بعد تحطم نظام صدام وهيمنة القوى الشيعية في العراق ما بعد البعثي على سنية طائفية محض. ولعل الاشتراك في كل من النزعة الإحيائية، والمخيلة الامبراطورية، والبنية النفسية البارانوئية، سهل التحول من العقيدة البعثية إلى العقيدة السلفية المحاربة دون إشكال. سهل منه أيضا أن في خلفية تجربة تكوين القاعدة نفسها بصمات أجهزة مخابرات أميركية وسعودية ومصرية وباكستانية، وأن عالمها السري يدفع إلى تطور وظائفها المخابراتية. أجهزة المخابرات إرهابية بقدر ما إن منظمات الإرهاب مخابراتية.

العنصر البشري الأساسي في داعش هو العنصر العراقي، وإن يكن الجهاد العراقي، ثم السوري، معولما من حيث قاعدته البشرية. وشكل استنفار المظلومية السنية أرضية نفسية مناسبة لانتشار السلفية في سورية بعد الثورة، مثلما شكل تهميش البيئات السنية في عراق ما بعد صدام بيئة مناسبة لانتشار القاعدة.
وفي حين تشكل منظمات إرهابية علمانية نموذجا أقدم للقاعدة والإرهاب الإسلامي، يبدو النموذج الأقدم لداعش جهاز مخابرات، أو فرق الموت العاملة لمصلحة نظم فاشية، منها اليوم النظام السوري نفسه، وبخاصة عبر مجموعات الشبيحة النخبوية، الأكثر تنظيما والأوثق ارتباطا بالمراكز الأمنية "(تمييزا عن "الشبيحة الشعبيين"، الذين لا يملك كثيرون منهم غير "قوة قمعهم"، يبيعونها مقابل أجور محددة أو المشاركة في نهب أملاك المقموعين)؛ ومنها أيا فرق الموت الشيعية التي عملت في سنوات ما بعد الاحتلال الأميركي ضد محسوبين سابقين على نظام صدام وحزب البعث، واشتهرت بوحشيتها.
وأظهر تقرير موسع أنجزه كرستوف رويتر، ونشر مؤخرا في شبيغل أنلاين الألمانية، هذا البعد الأساسي من تكوين داعش. يركز التقرير على دور حجي بكر (قتل في تل رفعت في حلب في مطلع 2014)، وكان عقيدا في المخابرات الجوية العراقية أيام صدام. "الدولة الإسلامية المخابراتية" التي بناها حجي بكر وأشباهه جهاز للمراقبة والسيطرة، كما يقول رويتر، دون عنصر ديني نوعي في أفعالها أو تخطيطها الاستراتيجي. تبدو داعش ظاهرة مخابرات أكثر مما هي منظمة دينية متطرفة، وظاهرة سلطة وإكراه أكثر مما هي ظاهرة دين وإيمان. والمدخل الأنسب لدراستها هو تاليا ديناميات السلطة، وليس ديناميات الاعتقاد. وبينما نخطئ إن أغفلنا دور الدين في تكوين داعش، إلا أنه لا يتعدى دور إيديولوجية مشرعة لسلطة تعلوه أهمية، وأداة للتعبئة الاجتماعية ومراقبة المحكومين.
وبفعل تقاطع التكوين القاعدي (القطبي الوهابي) مع العنصر الصدامي العراقي، ليس هناك شيء شعبي في داعش، ليس هناك عنصر يتعلق بتمرد المحرومين في بنيتها وتفكيرها وقاعدتها الاجتماعية. في الإطار السوري، تنفرد داعش بأنها معادية للمجتمع أكثر مما هي معادية للنظام، هذا بينما المجموعات السلفية الأخرى معادية للنظام والمجتمع معا، وكانت الميزة التكوينية لـ"الجيش الحر" أنه معاد للنظام، ومدافع عن المجتمع. عداء داعش للمجتمع متأصل في العنصر المخابراتي القوي في تكوينها، ثم في اجتذابها الشرائح الدنيا الرثة، وكذلك في نخبويتها الأصيلة: المراتب العليا فيها لّ"المهاجرين"، ثم لـ"الأنصار" (أتباع داعش المحليين)، أما "عامة المسلمين" فهم القاعدة التي تُنهب وتُبتز، ويسخر أبناؤها في حروب داعش. هذا فوق أن أساسها الفكري متمركز بإفراط حول السلطة والحكم، مثل حزب البعث.
يمكن القول تلخيصا إن داعش جهاز مخابرات لديه دولة، وليست دولة لديها مخابرات، وذلك على غرار ما كان يقال من أن إسرائيل جيش لديه دولة، وليس دولة لديها جيش. وهي في ذلك أيضا تشبه نظامي البعث الأسدي والصدامي من حيث مركزية المخابرات في "الدولتين".
في المحصلة، تدفع داعش المشروع السلفي الجهادي إلى أقاصيه، من حيث كونها مشروع سلطة مطلقة معادية للمجتمع، ومن حيث دور أجهزة "المراقبة والمعاقبة" فيها، ومن حيث مزيج السرية والقسوة المفرطة المميز لها. هذا الانحطاط هو الوجه الآخر لانحطاط الدولة العربية إلى سلطة محض لا معنى لها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعاقد سوري جديد: تخلص مترابط من الأسديين والسلفيين
- صادق جلال العظم: مراحل وأدوار في عمل مثقف من دمشق
- السجن والكتاب: تجربة من سورية
- سير لسورية المنسية: تحرير الذاكرة من السجون
- قبر للمرء جميعه: تبدلات موت السوريين وتغيرات حياتهم
- مقدمات التحول السلطاني في سورية
- في نقد عبدالله العروي ”المثقف العربي“ برنامجاً لتحقيق الحداث ...
- في الأصول البنيوية لانقسامات المعارضة السورية
- في مواجهة ثلاث عقائد تمييز، أين ثقافة التحرر؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/6- سميرة، رزان، وائل، ...
- السلطان الحديث: المنابع السياسية والاجتماعية للطائفية في سور ...
- الإسلام، سورية، والعالم/ حوار
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 5- المصادرة: صورة طب ...
- الرقة: من ثالوث استعمار إلى ثالوث مستعمرين
- نهاية الترقي العام وصعود الإسلاميين
- عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته
- ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وح ...
- خطاب العقل وظهور تيار العقليين
- السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما 3- مقاومة إسلامية، مق ...


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من -القاعدة- إلى -داعش-: الإرهاب والمخابرات