أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - النزعات الطائفية وانعكاساتها في عراق اليوم















المزيد.....


النزعات الطائفية وانعكاساتها في عراق اليوم


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 4779 - 2015 / 4 / 16 - 22:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دراسة أعدت للمؤتمر الذي نظمته تنسيقية المملكة المتحدة للتيار الديمقراطي، وألقيت خلاصتها، ثم نوقشت في حوار مفتوح مع الحاضرين لمدة تسعين دقيقة، في 10/11/2015 في لندن. ستنشر لاحقا مع الدراسات الأخرى في كتيب.
الدراسة:
«مشكلتنا أننا سنة وشيعة» بهذه الجملة بدأت مقالتي «أيضيع العراق بين خامنئية شيعية وصدامية سنية؟» في 10/10/2013.
وبهذه الجملة «مشكلتنا أننا سنة وشيعة» أستهل هذه الورقة التي تحاول أن تبحث في «النزعات الطائفية وانعكاساتها في عراق اليوم»، عراق ما بعد سقوط الديكتاتورية قبل اثنتي عشرة سنة.
فلا نبالغ أبدا إذا قلنا إن المشكلة المركزية اليوم، وأم المشكلات، والتي إذا ما حُلَّت حُلَّ ما سواها، وإذا ما استعصى حلها استعصى ما سواها، هي الطائفية، أي وبتعبير مباشر لا يحاول الهروب من مواجهة الحقيقة والالتفاف عليها، ولا يكابر أو يتردد عن البوح بها، هي مشكلة أننا سنة وشيعة.
النزعة الطائفية هي مرض من أفتك الأمراض بالشعوب وأمنها واستقرارها، وهذه النزعة، لاسيما الطائفية بين الطائفتين الكبريين، متفشية اليوم، ليس في العراق حصرا، بل من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، من ذلك العالم المسمى بالإسلامي، والذي أصحح فأسميه بالعالم ذي الأكثرية المسلمة. بل إن هذه النزعة الطائفية لتتعدى حدود هذا العالم إلى كل أنحاء وطننا الكبير، كوكب الأرض، حيثما وُجِد المسلمون.
وتتجلى النزعة الطائفية بصور شتى، فهناك الطائفية العقائدية، والطائفية الاجتماعية، والطائفية السياسية، والأخيرة هي الأشد خطورة، لأنها تهدد السلم الأهلي، وتهدد مشروع التحول الديمقراطي، وتهدد لحمة كيان الوطن.
نعم، فالمشكلة، حق المشكلة، في الطائفية السياسية. بل حتى الطائفية غير المسيسة تمثل مشكلة، وتختزن بذور التحول إلى طائفية سياسية، لأنها تستحضر كل التاريخ بكل خلافاته ومعاركه. فإن الطائفية غير المسيسة ابتداءً، سواء كانت عقائدية أو تاريخية أو اجتماعية، عندما تتفشى في المجتمع، يعني أنها تفشت في جمهور الناخبين، مما سيؤثر على خياراتهم وولاءاتهم، وبالتالي ما كان من الطائفية غير مسيس، يتحول بالضرورة إلى طائفية سياسية.
ومن أجل أن نضع إصبعنا على الحقيقة، أقول ما كانت الطائفية السياسية لتكون، لولا الإسلام السياسي، بل ولولا التدين المتزمت بالإسلام، حتى لو كان تدينا غير مسيس، فالمشكلة إذن في العمق في الإسلام السياسي من جهة، وفي التدين المتزمت بالإسلام، أو الصورة الراديكالية للإسلام من جهة أخرى، أو لنقل في الدين عندما لا يكون شأنا شخصيا، بل مقحما في الشأن العام، وبالنتيجة في شؤون الدولة والسياسة والحياة الحزبية. إذن هناك صورة ثالثة من صور الطائفية عموما والطائفية السياسية خصوصا، ألا هو تحول الانتماء إلى الطائفة انتماءً اجتماعيا وانتماءً تاريخيا، إلى عنصر أساسي يتقدم على غيره من عناصر الهوية، حتى لدى من لا يعتمد الإسلام السياسي، والذي هو ليس من المتدينين أصلا.
وفاعلية وخطورة الطائفية تتضح أكثر عندما نرى الطائفيين في الوسط العلماني، وليس حصرا في وسط المتدينين من العلمانيين، الذين رغم تدينهم يؤمنون بضرورة الفصل بين الدين والدولة، وهم قلة، بل تتعدى ظاهرة النزعة الطائفية هؤلاء، لنجدها وسط الذين لا شغل لهم بالدين والتدين، وتشتد غرابة الظاهرة، عندما نجدها وسط اللادينيين، سواء اللادينيين الإلهيين، أو الملحدين.
إذن تتحول النزعة الطائفية إلى مرض اجتماعي شديد التعقيد، وشديد التجذر، وشديد الغرابة، يحتاج إلى دراسة سوسياسايكولوجية أي في ضوء علم النفس الاجتماعي.
بالنسبة للعراق، فمهما قيل عن الطائفية السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، فإني أرى وأؤكد على أن الطائفية السياسية إنما ظهرت بشكلها الصارخ، والخطير، والمهدد للسلم الأهلي، بعد سقوط الديكتاتورية عام 2003، وكذلك مهدد لمشروع التحول الديمقراطي في أول محاولة تدشين للديمقراطية في العراق. لكن ربما يمكن القول إنه قد جرى التأسيس لها في الواقع منذ 1991/1992. ففي انتفاضة 1991 برز إلى مشهد الانتفاضة بشكل عفوي، أو ربما بدسيسة مقصودة من جهة ما، على شكل هتاف «ماكو ولي إلا علي ... ونريد قائد جعفري»، وعلى شكل صور لرجال دين شيعة بعمائم سوداء، سُرِّبت من إيران على أيدي جهات إيرانية وعراقية موالية، ألا هي صور خميني وخامنئي والحكيم. قابله ذلك الشعار الذي خُطَّ على دبابات القمع البعثي للنظام التي قمعت وسحقت الانتفاضة، ألا هو شعار «لا شيعة بعد اليوم».
وبدل أن تنتبه قوى المعارضة السياسية، راحت بالذات قوى الإسلام السياسي الشيعية تؤكد تلك النزعة الطائفية، عبر تأسيسها منذ ذلك الحين للمحاصصة، بتوزيع تشكيلات المعارضة، بأن تكون حصة للشيعة، وحصة للكرد، وحصة للسنة العرب. حصة للإسلاميين، وحصة للعلمانيين. لا شك إن السياسيين الكرد ساهموا في ذلك، كما كان لكل من أمريكا وإيران دور فيه. هنا لا يمكننا أن ننكر وجود مبررات لذلك، بالمطالبة بحصة لكل طرف، بحيث تكون له مطالب السقف الأعلى، ومطلب الحد الأدنى الذي يمثل عنده خطا أحمر، لا يتنازل عنها إلى ما دونها. فكان للكرد هواجس ومطالب عبر تجربتهم مع الأنظمة السابقة، وكان للشيعة تجربتهم، وكان للسنة مخاوفهم من التهميش والإقصاء، وخاصة بسبب عدم مشاركة محافظاتهم في انتفاضة 1991. أقول في الوقت الذي نتفهم لبعض المبررات، كان ينبغي للقوى السياسية منذ ذلك الوقت أن تضع في بالها احتمال تحول التقسيم الطائفي والعرقي إلى قانون دائم، وأن تضع الخطط والدراسات الكفيلة بتجنيب العراق مخاطر التكريس لتلك التقسيمات، لاسيما كانت هناك تجارب في المنطقة تؤشر على خطر الطائفية السياسية.
وجاء التغيير، وتشكل مجلس الحكم على أساس المحاصصة، مما كرس النزعة الطائفية، وكذلك العرقية، إلا أن موضوعنا عن النزعة الطائفية التي هي أخطر بكثير، كما أرتنا التجربة المريرة، وأصرت القوى الشيعية على التخندق الطائفي، مع إنها ليست بحاجة له، لكونها تمثل المكون الأكبر عددا في العراق، وأسست البيت الشيعي، مما زاد من هواجس السنة العرب، فدُفِعوا أكثر فأكثر إلى الاصطفاف والتخندق الطائفي. وعندما أقول دُفِعوا لا أبرئهم من الدافع الذاتي. فالمناطق السنية العربية وحدها التي لم تنتفض ضد النظام عام 1991، ووحدها التي قاطعت العملية السياسية بعد التغيير، ووحدها التي اطمأن الديكتاتور للظهور العلني في إحدى مناطقها يوم السقوط.
لكني أكدت دائما وما زلت أؤكد إن حصة الأسد من مسؤولية تكريس وتجذير وإدامة النزعة الطائفية والطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية، تتحملها القوى السياسية الشيعة، أو بتعبير أدق قوى الإسلام السياسي الشيعية، التي تمثلت بالقوى التالي ذكرها:
1. حزب الدعوة الإسلامية.
2. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (لاحقا المجلس الأعلى الإسلامي العراقي).
3. التيار الصدري.
4. حزب الدعوة الإسلامية – تنظيم العراق.
5. حزب الفضيلة الإسلامي.
6. تيار الإصلاح الوطني (لاحقا).
7. الشيعة الإسلاميون المستقلون الملتزمون بالمرجعية.
كما إن قوى الإسلام السياسي الشيعية قد دفعت بسياساتها الخاطئة السنة العرب أكثر فأكثر باتجاه التخندق الطائفي والنزعة الطائفية والخطاب الطائفي والمواقف السياسية المبنية على رؤى طائفية، في القضايا الداخلية والخارجية، فإنا لا يمكن أن نبرئ القوى السياسية السنية من تحمل مسؤوليتها هي الأخرى، من خلال أنها لم تقدم كبديل مشروعا سياسيا وطنيا، بل أصرت هي الأخرى أن يكون مشروعها السياسي مشروعا سنيا، كما جعلت القوى السياسية الشيعية مشروعها السياسي مشروعا شيعيا، وأصرت عليه طوال السنوات التي مضت، ولم تحاول تصحيحه، رغم اتضاح خطئه ومدى مخاطره.
وكان هناك دور للدول الإقليمية في تجذير النزعة الطائفية بدعم توجهات قوى الطائفية السياسية من كلا الطائفتين، فكان الدور السيئ لكل من إيران، والسعودية، وقطر، وتركيا، والأردن، بل وحتى لسوريا، قبل 2011. وأسهم السياسيون الشيعة والسنة بمنح هذه الدول فرص التدخل المسيء والمضر في الشأن العراقي الداخلي، واستقوت قوى سياسية شيعية بإيران، وقوى سياسية سنية بالسعودية وقطر وتركيا.
كل ذلك أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تكريس النزعات الطائفية على اختلاف أنواعها وتفاوت درجاتها. ولا ننس دور رجال الدين من الطائفتين، مع الفارق بين خطاب الفريقين، فبينما لم يتناول رجال الدين الشيعة المتسيسون الخطاب الطائفي المباشر، إلا قلة منهم، لكنهم كانوا داعمين بدرجة أو أخرى لقوى الإسلام السياسي الشيعية، أو متبنين لنفس رؤاهم السياسية في القضايا الواضح فيها الانقسام في الخطاب السياسي، بحسب الانتماء الطائفي، بينما كان الخطاب الطائفي للكثير من علماء وخطباء الطائفة السنية مباشرا ومفصحا، خاصة عندما اندلعت الانتفاضة السنية، في الأنبار وصلاح الدين والموصل.
هناك واقع لما بعد 2003، ألا هو واقع وجود أحزاب شيعية وأحزاب سنية، أحزاب قائمة على الانتماء الطائفي، أو قوائم انتخابية وكتل برلمانية قائمة على الأساس الطائفي. وهذا عامل إضافي، بل عامل أساسي من عوامل تكريس النزعة الطائفية في المجتمع، علاوة على تكريس الطائفية السياسية، والذي اعتبرته أكثر من مرة بأنه نقيض النظام الديمقراطي كونه يمثل هدما لأهم ركن من أركان الدولة الديمقراطية، ألا هو ركن المواطنة. وللأسف الشديد إن تصحيح هذا الواقع لن يكون في مستقبل قريب. لأن من شروط تصحيحه هو تشريع قانون يحظر قيام أحزاب على أساس ديني أو مذهبي. وما زالت أحزاب الإسلام السياسي وأحزاب الطائفية السياسية هي الماسكة بالسلطة والمالكة للمال، كيف نستطيع تصور تشريع هكذا قانون، وكيف نتصور تصحيح هذا الواقع، واجتثاثه واستئصاله؟
لا أريد التيئيس، ولكنه تشخيص للواقع بما هو واقع، لا بما نحلم به ونتمناه، فأقول ماذا يستطيع أربعة نواب للتحالف المدني الديمقراطي أن يفعلوا؟ وليصطف معهم عشرة آخرون، ما الذي سنستطيع فعلا تحقيقه في هذا الاتجاه؟
ربما تكون من أدوات التخفيف تدريجيا من النزعة الطائفية في المجتمع، هو نشر وتجذير الثقافة المضادة لثقافة النزعة الطائفية. يجب تحشيد كل الجهود على مستوى القوى والشخصيات الديمقراطية المدنية أو العلمانية، وعلى مستوى نشاطات المجتمع المدني، وعلى مستوى الفكر، وعلى مستوى الفن، بكل ميادينه، وعلى ذكر الفن، فإن للفن طاقة تصحيحية لم تستخدم حتى الآن تمام الاستخدام، وقد كتبت في 02/07/2007 مقالة بعنوان «أبمقدور الفن إنجاز ما أخفقنا فيه بالدين والسياسة؟».
من أجل بيان مسؤولية القوى السياسية الطائفية في تعميق النزعة الطائفية، أريد أن أقتبس من مقالة لي بعنوان «الطائفيون واللاطائفيون واللامنتمون إلى طائفة» التي ترجع إلى تاريخ 04/05/2013 النقاط التالي ذكرها:
1. أول دعوة لإقليم قائم على الأساس الطائفي كانت دعوة شيعية أطلقها عام 2006 رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (قبل تغيير الاسم).
2. أول موقف طائفي متشنج ورافض لسقوط صدام وللتغيير كان هو الموقف السني الرافض للتغيير من قبل سنة العراق العرب، ومن قبل المحيط العربي السني الطائفي، فكادت تكون كل الدول العربية المحيطة بالعراق معادية بدرجة أو أخرى لعملية التغيير في العراق.
3. المكون الذي لم يسجل موقفا واضحا بفرحه بسقوط الديكتاتورية البعثية الصدامية كان مكون السنة العرب.
4. أول استفزاز للسنة العراقيين وللمحيط الإقليمي العربي السني كان استفزاز إيران في تدخلها السافر في الشأن الداخلي العراقي، وفي تعاون القوى السياسية الشيعسلاموية مع إيران، وسكوتها عن تدخلاتها.
5. أول استفزاز طائفي كان استفزازا شيعيا، حيث صيغ الدستور عام 2005 بصبغة شيعية صارخة ومستفزة، استفزتني يومذاك، يوم كنت ما أزال شيعي العقيدة، فكيف لا تستفز السنة، وكذلك طرح السياسيين الشيعة لمفهوم الأكثرية في النظام الديمقراطي بطريقة مشوهة وناقضة لأهم ركن من أركان الدولة المدنية الديمقراطية، ألا هو مبدأ المواطنة، فجعلوا مفهوم الأكثرية السياسية، هو مفهوم المكون الأكبر، وبالنتيجة مفهوم الطائفة الأكبر، مما يعني أن الديمقراطية تعني بالنسبة للعراق حكم الشيعة.
6. أول حاضنة للإرهاب كانت الحاضنة السنية حيث عمليات تنظيم القاعدة، الذي وجد في المحافظات السنية أرضية خصبة لعمله الإرهابي. لكن لا بد من ذكر أن أول مواجهة فاعلة وحادّة ضد إرهاب القاعدة كانت مواجهة سنية، حيث تشكلت الصحوات من السنة العرب لمواجهة القاعدة وسائر التنظيمات والعمليات الإرهابية.
7. أول حملة قتل طائفي كانت حملة القتل الطائفي السني ضد الشيعة، حيث كان المواطن يذبح على الهوية وعلى الاسم، ولا ننسى مذابح اللطيفية.
8. أول رد فعل للقتل الطائفي السني ضد الشيعة على الهوية، بقتل طائفي شيعي ضد السنة على الهوية، كان القتل الذي مارسته ميليشيا شيعية في 2005 و2006، والكل يعرف قصة الجثث للضحايا السنة التي كانت ترمى وراء السدة.
9. حملة القتل الطائفي الشيعي الثانية ضد السنة على الهوية كانت تلك التي انطلقت بعد تفجير القبتين في سامراء، حيث انطلقت فرق قتل طائفي شيعية تنتسب للكيانين السياسيين اللذين يلعبان اليوم دور المعتدلين اللاطائفيين، ألا هما المجلس الأعلى وبدر - قبل افتراقهما وتحول رئيس بدر إلى جبهة المالكي -، ومنها فرق القتل الطائفي التي انطلقت من مسجد براثا، وفرق القتل لجيش المهدي، وعصائب الحق.
10. محاكمة صدام وإعدامه كانت محاكمة شيعية محضة وحفل إعدام شيعيا محضا، مما مثل استفزازا آخر لمشاعر السنة في داخل العراق، وفي المحيط الإقليمي، وأعطى المبرر للطائفيين السنة في حكومات بل وشعوب المحيط الإقليم العربي لاتخاذ مواقف أكثر تشنجا وأشد طائفية.
11. أول عملية حد من التطرف الإسلامي والشيعي من نفس الطائفة قام بها المالكي، عندما أطلق ما أسماه بصولة الفرسان ضد جيش المهدي وعصائب الحق وغيرهما، مما أكسبه شعبية كبيرة، انقلب من بعد ذلك على صولته، بعدما حصد أصوات المخدوعين، من أجل تكريس سلطته واستجابة للتوجيهات الإيرانية.
12. تحويل النواب الشيعة مجلس النواب إلى حسينية شيعية في كل مناسبة دينية شيعية ينم عن عدم احترام لمشاعر أبناء المذهب الآخر، وأبناء الديانات الأخرى، بل وأبناء نفس الطائفة الشيعية من غير المؤمنين ببعض تلك الشعارات، أو غير المنسجمين مع تلك اليافطات الشيعية الصارخة والمستفزة، التي تملأ مجلس النواب في المناسبات الدينية الشيعية.
13. المواقف من تدخلات دول المحيط الإقليمي المضرة بالعراق من جانب إيران وسوريا والسعودية وتركيا وقطر، كانت مواقف طائفية من الجهتين، فالسياسيون السنة يسكتون عن تدخلات السعودية وسوريا ما قبل الربيع العربي وغيرها بل أصبحوا ينسقون بشكل واضح مع قطر والسعودية وتركيا، والسياسيون الشيعة يسكتون عن تدخلات إيران المضرة والمهينة، بل ينسق الكثير من القوى الشيعية مع إيران وينفذون أجنداتهم.
14. أول استفزاز طائفي بمقاضاة المتهمين بأعمال العنف أو حتى الإرهاب والفساد، كان من قبل المالكي، عندما بدأ بقضية طارق الهاشمي ثم رافع العيساوي، وهو يعلم أن في الوسط السياسي الشيعي أيضا من هو متورط بالعنف وبالفساد وسرقة المال العام، فسكت عن السراق والقتلة الشيعة، وفتح ملفات السراق والقتلة السنة، بينما كل قاتل مجرم، وأسوأ القتلة هو الطائفيون، لكن المالكي عمل على مقاضاة المتورطين السنة دون الشيعة، وتستر حتى على المتورطين الشيعة منهم، ناهيك عن موقفه من سراق المال العام من الشيعة.
15. أول انتفاضة شعبية واسعة تشبه الثورة بمنطلقات طائفية، هي انتفاضة المحافظات السنية بشعارات سنية، وأعلام بعثية، دون أن ننفي وجود العقلاء اللاطائفيين، لكن صوتهم يكاد لا يسمع في صخب الأصوات الطائفية، كما إن صوت عقلاء الشيعة غير مسموع.
16. كل الأحزاب الشيعية هي أحزاب طائفية، وكل الأحزاب والتكتلات السياسية السنية هي أحزاب وقوى طائفية، وأكثر النواب من الطرفين هم نواب طائفيون، ما زالوا يمثلون هذه أو تلك الطائفة، ويعولون على أصوات هذه أو تلك الطائفة.
17. المكفّرون للشيعة من السنة، لاسيما الوهابيون أكثر بكثير، لكن هناك من خطباء المنبر الحسيني من الشيعة أيضا المكفرون للسنة والمستفزون لهم عبر الإساءة لرموزهم التاريخية ، بل المكفرون للشيعي الذي يرفض سب الصحابة والخلفاء وزوجات النبي.
وتوخيا للاختصار حذفت أو اختصرت الكثير من النقاط، ولكن في نفس الوقت أضيف أربع حقائق أخرى ذات علاقة بداعش وإفرازاتها:
18. حاضنة داعش كانت سنية، مع ملاحظة الفرق بين القول بأن السنة هم حاضنة داعش، وبين أن نقول حاضنة داعش سنية.
19. تحرير الأراضي المحتلة من داعش يتم بدرجة أساسية على أيدي الحشد الشعبي المتشكل من ميليشيات شيعية، معظمها موالية لإيران ومرتبطة بها عقائديا وتنظيميا. وهذا لا يعني التقليل من دور قوات الجيش والشرطة والعشائر والپی-;-شمرگه، ولكني أذكر هذا بمقدار ما له علاقة بموضوعة النزعات الطائفية.
20. إذا كانت هناك مبالغات في تصوير التجاوزات ذات الطابع الطائفي على أيدي الحشد الشعبي، وتقليل من دور الحشد في عملية التحرير، فهي تصدر على الأعم الأغلب من السنة.
21. وإذا كان هناك تقليل من التجاوزات الحاصلة فعلا، أو النفي لها، أو التبرير لها، فذلك يحصل عموما من الشيعة.
بينما في مقالة لي في 05/05/2013 بعنوان «الموقف من الأقسام الستة لكل من التشيع والتسنن»، ذكرت التقسيمات التي أراها، أدرجها هنا مع بعض التصرف، لما رأيت فيها من أهمية في فهم عوامل ظهور النزعة أو النزعات الطائفية. فالتسنن والتشيع، أو التطؤف ينقسم حسب رأيي إلى ما يلي:
1. التسنن والتشيع العقائديان: أن يكون الإنسان سنيا عن قناعة بالعقائد السنية، أو لنقل بعقائد الإسلام في ضوء المذهب السني، في الأصول والفروع، وذلك عن قناعة، أو يكون الإنسان شيعيا أيضا عن قناعة بالعقائد الشيعية. لا نملك هنا إلا أن نحترم عقائد الناس، التي يعتنقونها، عن تدبر واقتناع، وليس تقليدا أعمى، بشرط ألا يتعصبوا لعقائدهم، وبالتالي ضد عقائد غيرهم ومعتنقيها، فالتعصب لا يحترم من العقلاء، كما أنه يكون مقدمة لاختلال السلم الأهلي، إذا ما أدى التعصب إلى بعث روح الكراهة والعداوة. أما إذا بقي الاقتناع بعقيدة ما شأنا شخصيا لا ينعكس على الغير، أو إذا ما انعكس، فعبر الحوار الموضوعي المبني على أساس الاحترام المتبادل، لاسيما إذا كان الحوار، حوار تعرف وتعارف واستماع وإسماع، لا حوار المغالبة، المنطلقة من شهوة حب الغلبة، وتسجيل انتصارات على الآخر. لكن بشكل عام ما كان مبنيا على قناعة، فهو محترم، وإن اختلفنا مع أصحاب العقيدة تلك. من هنا كما نحترم أصحاب العقيدة السنية وأصحاب العقيدة الشيعية، الذي ننتظره منهم أن يحترموا اتخاذ غيرهم قرار عدم اعتناق العقيدة السنية، لمجرد أنهم ولدوا من أبوين سنيين، أو العقيدة الشيعية، كونهم ينحدرون من أبوين شيعيين. لأن العقيدة هي قناعة، ولا تقليد فيها، فلا يمكن أن يقرر نسب وأصل إنسان، وتقرر الصدفة ما هي عقيدته، بل الإنسان الراشد يعتنق أو لا يعتنق عقيدة ما عبر الدراسة والتدبر والاقتناع أو عدم الاقتناع.
2. التسنن والتشيع الاجتماعيان: هذا النوع من الانتماء المذهبي، هو مجرد انتماء إلى مجموعة من المجتمع، ذات مشتركات، في التاريخ والمصالح. لكني شخصيا لا أستطيع أن أنسجم مع هكذا نوع من الإحساس بالانتماء، فما معنى أن أحس بانتمائي كسني إلى السنة أكثر من انتمائي إلى الشيعة، أو كشيعي بالعكس؟ إذا لم يكن الإحساس بالانتماء إلى مذهب أو طائفة مبنيا على أساس العقيدة التي تجعلني أشعر بأن حملة هذه العقيدة أقرب إليّ فكريا ونفسيا، أفلا يعني هنا هذا النوع من الانتماء (الاجتماعي) أنه نوع من التعصب، فتتحول الطائفة إلى ما يشبه القبيلة، أو القومية، مع إن الانتماء القبلي أو القبائلي أو العشائري أصبح لا معنى له في زماننا، بل هو من موروثات المجتمع البدوي، الذي تتقدم عنده رابطة الدم والقرابة والأصل والجذر، مما لم يعد شأنا قيميا بالنسبة للإنسان المعاصر. ربما يكون الانتماء للقومية هو الأكثر مقبولية، بسبب اللغة المشتركة، وما تمثله اللغة عادة من وسيلة تجسير وتواصل بين القلوب والنفوس، لكن أن يتعدى الأمر إلى أكثر مما هي اللغة، فهو نوع من التعصب العرقي، الذي أصبح أيضا غير مقبول لعدم انسجامه مع روح العصر، فكيف بنا إذا تحول المذهب إلى قبيلة، أو قومية، أو ربما أمة، بحيث يشعر الإنسان الشيعي بانتمائه إلى الأمة الشيعية، والسني إلى الأمة السنية. مع هذا يمكن أن يكون الإحساس بالانتماء الاجتماعي، مع عدم الانغلاق وعدم التعصب أمرا مقبولا، مع تسجيل التحفظ على تلك المقبولية. وهنا أيضا ننتظر من المنتمين اجتماعيا إلى هذه أو تلك الطائفة أن يعذرونا لقرارنا الانتماء إلى الوطن أولا، وإلى المجتمع الإنساني ثانيا، إيمانا بالمواطنة الصغرى كعراقيين، والمواطنة الكبرى الإنسانية الكونية كبشر، أو بعكس الترتيب عند البعض بجعل المواطنة الكونية هي المتقدمة.
3. التسنن والتشيع التاريخيان: هنا بصراحة لا أفهم معنى أن يكون تشيعي أو تسنني تشيعا أو تسننا تاريخيا. ربما ينتهي هذا النوع من الانتماء إلى أحد القسمين الآنفين، أي التسنن والتشيع العقائديين، أو الاجتماعيين.
4. التسنن والتشيع السياسيان: هنا تبدأ المشكلة، هنا يبدأ تمزيق المجتمع، هنا يبدأ هدم أهم ركن للدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، ألا هو ركن المواطنة، هنا تحفر الخنادق بين الطوائف، وهذا ما أسس له السياسيون الشيعة والسنة والكرد بعد 2003. فأن يفكر السياسي الشيعي في قضايا الوطن والسياسة والدولة شيعيا، وأن يفكر في المقابل السياسي السني سنيا، هو بمثابة الكفر بالوطن، وبقواعد العمل السياسي، وبالحداثة، وبمبادئ الديمقراطية، وبالسلم الأهلي، وبمبدأ المساواة، وبالإخاء في إطار الوطن. أن يكون الشخص شيعيا أو سنيا في شأنه الخاص، في عبادته وفقهه فيما هي الشؤون الفردية الخاصة، فهذا له، لكن أن يفكر في قضايا الوطن شيعيا أو سنيا، فبلا أدنى مجاملة أقول هذا كفر بالوطن والحداثة والديمقراطية.
5. التسنن والتشيع الطائفيان: وهذا له علاقة بما قبله، لكن هناك طائفية غير مسيسة، كالطائفية العقائدية، أو الطائفية الاجتماعية، وكل طائفية هي مقيتة ويرفضها ويدينها كل العقلاء، وأسوأها كما مر الطائفية السياسية، لكني فصلت بين الأمرين، باعتبار أنه من الممكن، وعلى سبيل محض الافتراض غير الراجح تحققه، أن يكون هناك تسنن سياسي غير طائفي، وتشيع سياسي غير طائفي، وإن كان هذا مستبعدا جدا، لكن يمكن أن نفرض إمكانه، وكذلك يمكن أن تكون هناك طائفية لا شأن لها بالسياسة. وتبقى كل طائفية مقيتة ولاعقلانية.
6. التسنن والتشيع العقلانيان: هذا هو أكثر أقسام التمذهب مقبولية، فالعقلانية تعني الاعتدال، الانفتاح، التواصل، عدم التعصب، التعايش بمحبة وسلام، الحوار الموضوعي المؤسس للتآخي والتقارب، لا للتباغض والتباعد. من غير شك إن التشيع العقلاني بالضرورة تشيع لاطائفي، وهكذا التسنن العقلاني، هو تسنن لاطائفي. العقلاء محترمون ما زالوا عقلاء، ولينتموا إلى ما يشاءون. ولكن عندما يخرج الإنسان للمجتمع، لمكان عمله، للنشاطات المختلفة، السياسية والثقافية والعلمية وغيرها، لا بد أن ينزع عنه ثوب انتمائه للمذهب، بل وللدين والقبيلة.
ضياء الشكرجي
06/04/2015



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما سقط من «عصفورة حريتي» في نهاية السفر كان سراب
- من «عصفورة حريتي» - معنى الحياة
- ما سقط من «عصفورة حريتي» - أريد أن أطير
- ما بعد «عصفورة حريتي» - المتكلمون باسم الله
- ما بعد «عصفورة حريتي» - سكرة الكفر
- ما بعد «عصفورة حريتي» - سأعود يا عراق
- نصان ما بعد «عصفورة حريتي»
- الشيخ اليعقوبي يصب الزيت على نار الفتنة الطائفية
- ما بعد «عصفورة حريتي» - لو قتلت شيطاني*
- أربعة نصوص من «عصفورة حريتي»
- من «عصفورة حريتي» - نشيد تهشيم الأوثان
- من «عصفورة حريتي» - لا .. غيرُ مسموحٍ لك
- من «عصفورة حريتي» - يا أشيائي المتناثرة
- من «عصفورة حريتي» - مناجاة نيسانية
- ما بعد «عصفورة حريتي» - ربِّ أوحِ إليّ
- ما بعد «عصفورة حريتي» - وتحررنا أنا والله والعقل والإنسان
- من «عصفورة حريتي» - الشاعر الفيلسوف الفقيه
- من «عصفورة حريتي» - الله المنساب في ثنايا وجودي
- من «عصفورة حريتي» - لا تتخذوا الدين إلها من دون الله
- من «عصفورة حريتي» - من الأشياء ما ذروتها أضدادها


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - النزعات الطائفية وانعكاساتها في عراق اليوم