أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الواثق - الابدال في لهجة ناحية بصية















المزيد.....



الابدال في لهجة ناحية بصية


واثق الواثق

الحوار المتمدن-العدد: 4770 - 2015 / 4 / 7 - 01:24
المحور: الادب والفن
    


ظاهرة الإبدال في لهجة سكان ناحية بصية
أ. م. د. محمود حمد اللامي واثق حسن مجهول
جامعة المثنى- كلية التربية جامعة المثنى- كلية التربية- الدراسات العليا


خلاصة البحث:

المقدمة:
الإبدال لغة، هو: (( قيام الشيء مقام الشيء الذاهب. يقال: هذا بدل الشيء وبديله))( ).
واصطلاحاً يمكن أن نقسمه على قسمين:
أولاً: الإبدال بين الحروف( الصوامت) :
ويراد به إقامة حرف مكان حرف آخر في موضعه( ). وهو كثير في اللغة قال ابن فارس: (( من سنن العرب إبدال الحروف، وإقامة بعضها مقام بعض، ويقولون: مدحه ومدهه، وفرس رفلّ ورفنّ، وهو كثير مشهور))( ) .
وحروف البدل عند ابن عصفور هي: ( السين والصاد والزاي والعين والكاف والفاء والشين والحروف التي يجمعها قولك : (( أجد طويت منهلا ))( ).
واشترط بعض علماء العربية أن يكون الصوتان اللذان وقع بينهما الإبدال متجانسين أو متقاربين بحيث يكون بينهما من قرب المخارج واتحاد الصفات ما يسوغ أن يحل محل الأخر( ) .
أمّا المحدثون فعرّفوا الإبدال بأنّه : اختلاف بين صورتين أو نطقيين لكلمة ذات معنى واحد ,وذلك الاختلاف لا يجاوز حرفا واحد من حروفها بشرط أن توجد علاقة صوتية بين الحرفين المبدل والمبدل منه , متماشين مع المتقدمين في أن لا يكون الإبدال إبدالا إلا ذا كانت بين المبدل والمبدل منه علاقة , كقرب المخرج أو الصفة أو الشدّة( )، أو الرخاوة( )، ويرى الدكتور أحمد علم الدين الجندي أن الميل إلى التخفيف والمماثلة يعد احد الأسباب التي تدفع إلى الإبدال بين الأصوات المتقاربة, فعملية الإبدال تهدف إلى التقريب بين الصوتين المتجاورين وتسهم في توفير الجهد العضلي( )، ويجب أن يكون بين الحرفين المتبادلين فاصلا حركيا، حرفا صامتا فارقا بينهما وأكثر ما يكون الحرف الفارق بين الكلمتين المبادلتين, حرفا حلقيا( ) .
والإبدال ظاهرة لغوية لها أسبابها الموجبة لوجودها, والتي لعبت دورا مهما في عملية التطور الصوتي اللهجي. وعزا الفراء سبب ظاهرة الإبدال إلى الانسجام الصوتي( ). ويرى المبرد أن تقارب مخارج الأصوات هو الذي أدى إلى الإبدال ، حين علل سبب حدوث الإبدال في (مَدَهتَهُ ومدَحتَهَ)( ).
فيما عزا ابن السكيت سبب الإبدال إلى اختلاف اللهجات( ) . وأيده في ذلك أبو الطيب اللغوي الذي أكد على(( أن العرب لا تتعمد تعويض حرف من حرف ,وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة تتقارب اللفظتان في حرف لمعنى واحد , حتى لا يختلفان إلا في حرف واحد ))( )، ويعزو ابن جني أسباب حدوث الإبدال إلى التقارب الصوتي( )،.وتابعه ابن سيدة في اشتراطه للتقارب المخرجّي بين المبدل والمبدل منه( ) .
ولم يبتعد المحدثون كثيرا عن تعريف القدماء للإبدال أو تفسيره, ومعرفة أسبابه, ودواعيه( )، فيرى الدكتور إبراهيم السامرائي أن العربية قد اشتملت على لغات عدة هي لغات القبائل المختلفة , وطبيعي أن يحصل الخلاف بين هذه اللغات لاختلاف البيئة,وعلى هذا فان كثيرا مما حمل على الإبدال داخل ضمن هذه اللغات( .)، متماشيا مع رأي ابن السكيّت وأبي الطيب اللغوي في هذا الرأي, كما عدّه الدكتور صبحي الصالح من قبيل تنوع اللهجات بعد مرورها بمراحل طويلة, وتأثر بعضها ببعض؛ بسبب التجاور والتقارب في مخارج وصفات الحروف( ).
بينما يعزو الدكتور إبراهيم أنيس سبب حدوث الإبدال هو نتيجة للتطور الصوتي( ). ويرى الباحث أسباب ظاهرة الإبدال في اللغة؛ نتيجة للتقارب الصوتي بين مخارج وصفات الحروف لجامع صوتي بينها يؤدي إلى إيثار حرف على آخر مقارب له , إضافة إلى الأخطاء السمعية والنطقية للراوي والمروى له وسوء الفهم واختلاط العرب بالعجم والأجانب( ) .
وقد حدث الإبدال بين طائفة من الصوامت في لهجة سكان ناحية بصية، يمكن إجماله على النحو الأتي :
1-إبدال القاف كافا ( الجيم القاهرية):
عدّ سيبويه الكاف التي بين الجيم والقاف ( الجيم القاهرية) من الحروف غير المستحسنة في القران الكريم والشعر العربي( ) و((مخرج القاف من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى))( )، وقال ابن جني: ((لا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة ومرذولة غير منقلبة وهي الكاف التي بين الجيم والكاف))( ).، وعدّها ابن دريد من الحروف التي لا تتكلم بها العرب إلا عند الضرورة والاضطرار، وذكر أنها لغة سائرة في اليمن مثل ( جمل ) إذا اضطروا قالوا : ( كمل ) )). مستشهدا بقول أبي الأسود الدؤلي :
ولا أكول لكدر الكوم كد نضجت ولا أكول لباب الدار مكول( )
وكان هذه الإبدال موجود أيضا في لهجة تميم، ولهجة بني أسد( ) .
وقد ورد هذا النوع من الإبدال في عدة ألفاظ عربية قديمة منها: ( الكَصير: القصير), ( الغسكَ: الغسق)( ) .
ويعزو الدكتور حسام النعيمي هذه الظاهرة إلى الخطأ في النطق أو السمع الذي تطور وصار ظاهرة أو نطقها حسب القاف اليمنية (ك) مع الفتحة( ) .
ويرجح الدكتور إبراهيم أنيس أن يكون نطق القاف كالجيم القاهرية قديما, وربما كان شائعا بين القبائل الحجازية أيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )، ورسمت بهذا الرسم الذي يطابق الكاف, ربما لعدم وجود رمز خاص بمثلها في الحروف العربية أو لتشابه الحرفين وتقاربهما معا( )، وهذه الظاهرة فاشية في اللهجات العربية القديمة والحديثة أيضا والى يومنا هذا( ) .
وقد وجدت هذه الظاهرة بكثرة في لهجة سكان ناحية بصية نحو قولهم: (كطاية: قطا),( البُكَة : البقى), (الكَهَوة: القهوة ), ( الكَلبْ: القلب ), ( الكَصِير: القصير), (طِرِيكَ: طريق ),( صَكَر: صقر ), ( بُرْكَع : برقع ), ( فَكَع : فقع ), (ضِيكَ: ضيق), ( نَكَص: نقص), ( كََُوم: قوم ), ( يِدكَ: يدق), ( خِركَة: خرقة), ( مِكَْنَاص: مقناص), ( سِلوكَي: سلوقي )، فمخرج القاف اللهاة ومؤخرة اللسان ، ومخرج الكاف، الطبق ومؤخرة اللسان، وهذا يعني أن تلاصق المخرجين للصوتين تسبب في حدوث الإبدال بينهما في الشدة والإطباق . ويبدو أن لهجة سكان ناحية بصيّة لجأت إلى مثل هذا النوع من الإبدال, هربا من الثقل في النطق وتماشيا مع اللهجات العربية الناطقة به, طلبا للاقتصاد في الجهد والانسجام الصوتي، حيث ينتقل مخرج القاف قليلا إلى الأمام عند النطق به، فيستبدل بالجيم القاهرية لاشتراكهما في صفة الجهر( ). كما أن القاف أسهل في النطق من القاف؛ لان صفات الشدة الموجودة في القاف أكثر من الصفات الموجودة في الكاف، والحرف كلما كان قويا كلما صعب نطقه واحتاج إلى جهد عضلي .
2 -إبدال القاف غينا :
حدد سيبويه مخرج القاف بقوله : (( من أقصى اللسان وما فوق الحنك الأعلى يكون مخرج القاف ))( )، وهو صوت شديد مجهور( )، و(( أدنا حروف الحلق مخرجا من الفم الغين ))( )، فهو صوت رخو مخرجه ادني الحلق إلى الفم فعند النطق به يندفع الهواء من الرئتين مارا بالحنجرة فيحرك الوترين الصوتيين ,ثم يتخذ مجراه في الحلق حتى يصل إلى أدناه إلى الفم , وهناك يضيق المجرى فيحدث الهواء نوعا من الحفيف , وبذلك تكون الغين( )، وعلى رأي المحدثين فان الغين، صوت طبقي مجهور رخو احتكاكي, منفتح يتم نطقه برفع مؤخرة اللسان حتى تتصل بالطبق, اتصالا يسمح بمرور الهواء فيحتك باللسان والطبق في نقطه تلاقيها ، فيرتفع الطبق ليسد المجرى الأنفي ليحدث ذبذبات في الوترين الصوتين( )، والفرق بين الغين والقاف هو أن القاف صوت شديد مهموس ولهوي, وهما متقاربان في المخرج والصفة, وقد ورد ت في اللهجات العربية القديمة والحديثة ظاهرة إبدال نطق القاف غينا أو العكس( ) .
وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصيّة إلى هذا الإبدال نحو قولهم: (غار: قار), ( غَصر: قصر ), ( غَرية: قرية ), ( غُوري: قوري),(غِران: قران أو قرعان ), ( غِليل: قليل ), ( عَلاغة: علاقة) ,( صَداغة: صداقة ), ( صِديغي : صديقي ), ( غَضا: قضا ), ( غَلغ: قلق ), ( غَنابل: قنابل ), ( عَنغودي: عنقودي).
وقد يحدث العكس أي إبدال الغين قاف بفعل التقارب الصوتي في المخارج والصفات بين القاف والغين وهو قليل عندهم نحو قولهم:( بِزْقَتْ: بَزَغَتْ الشمس) ,( لُقُم: لُغُم ), ( قَاسِق: غَاسِق ), ( قَنَم: غَنَم ), ( صَمُق : صَمغ ).
ويتم هذا الإبدال بتأخر مخرج القاف قليلا إلى أدنى الحلق إلى الفم مع محافظته على صفتي الجهر والاستعلاء ، فيتحول من صفة الشدة إلى صفة الرخاوة .
3- إبدال القاف جيما :
من الصور النطقية للقاف – أيضا – تنطق جيما فقد جعل الخليل الجيم والشين والضاد في حيز واحد حيث قال: (( الجيم،والشين،والضاد في حيز واحد))( )،ووصفها سيبويه بأنها تخرج من بين وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى( )، والجيم ((صوت مجهور، شديد ))( )، ووصف المحدثون الجيم بأنه صوت غاري مجهور مزجي منفتح( )، ويتكون من اندفاع الهواء إلى الحنجرة فيحرك الوترين الصوتيين , ثم يتخذ مجراه في الحلق والفم حتى يصل إلى المخرج , وهو عند التقاء وسط اللسان بوسط الحنك الأعلى التقاء يكاد ينحبس معه مجرى الهواء , فان انفصل العضوان انفصالا بطيئا , سمع صوت يكاد يكون انفجاريا هو الجيم العربية الفصيحة( )، والقاف من حروف القلقلة وقريب من حروف الحلق ؛ ولذلك يتم الهرب منه إلى الجيم طلبا للخفة وابتعادا عن الثقل. ورد لفظ القاف جيما في لغات العرب قديما كقولهم: حدق فلان الشيء بعينه يحدق .حدقا : نظر إليه وحدج مثل حدق والتحديج : مثل التحديق( ) .
ويؤكد الدكتور إبراهيم أنيس عدم وجود دليل يوضح لنا كيفية نطق الجيم بين فصحاء العرب ؛ لأنها تطورت تطورا كبيرا في اللهجات العربية الحديثة , وذكر ثلاثة أنواع للجيم العربية, ويرجح الدكتور أنيس ، أن الجيم الخالية من التعطيش هي الأصل , ويبدو أنها تطورت إلى التعطيش , ثم ازدادت نسبة التعطيش مع الزمن حتى صارت على النحو المألوف لنا في بلاد الشام وبلاد المغرب ، ويعلل هذا التطور الصوتي ؛ بان الحركة الأمامية قد جذبت الجيم إلى الأمام وأصبح مخرجها اقرب إلى وسط الحنك بعد أن كان أقصى الفم( ) .
وقد جنحت لهجة ناحية بصية إلى إبدال القاف جيما في بعض من ألفاظها نحو قولهم: (صِجْ: صِدقْ ) بعد حذف الدال وقلب القاف جيما للسرعة والخفة والاقتصاد في الجهد التي تناسب أداء هذه اللهجة البدوية . وكذلك قولهم: ( نَجِرْ : نَقْرْ ), ( جِدِرْ: قِدْر ), ( معلِّج: مُعَلَق ) ,( جِّدامي: قدامي ), ( جِبْلَهْ: قِبْلَة ) , ( بِريج: ابريق), ( جِسْمَه: قِسْمَه), ( رِفيِجِي: رفيقي ). ونلحظ من الأمثلة السابقة أن حرف الجيم قد سبق بأحد حروف الحلق القصيرة وربما لتجذب حرف القاف ليخرج من وسط الحنك مع المحافظة على صفتي الجهر والشدة .
-4 إبدال الجيم ياء :
جعل سيبويه مخرج الياء والجيم مابين وسط اللسان و الحنك الأعلى فقال: ((ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء ))( ). والجيم عنده صوت شديد مجهور. وذكر ابن جني أن الجيم (( إذا كانت بدلا فإنما تكون من الياء لا غير))( )، والجيم صوت غاري مجهور يجمع بين الشدة والرخاوة مرقق وهو صوت مركب يتم نطقه أن ترفع مقدمة اللسان تجاه الغار حتى يلتصق به فينحبس خلفه الهواء الخارج من الرئتين , ثم ينفصل ذلك الاتصال انفصالا بطيئا( ) .
واختلف العلماء في مخرج الياء إذ إن الياء تنقسم قسمين إذا كانت صوت مد فهي تعد من الحركات وإذا لم تكن صوت غير مدّ عدّت من الأصوات الصحيحة، فالياء صوت غاري متسع منفتح والجيم صوت غاري مجهور مزدوج أي: بين الرخاوة والشدة ، منفتح , وعده سيبويه من الأصوات الشديدة , وعدّ الياء من الأصوات اللينة أو المتسعة المخرج أو الخفيفة( ) .
وعدّ المحدثون الياء نصف حركة وهو((صوت مجهور يتم نطقه حين يتجه أوسط اللسان نحو وسط الحنك وتنفرج الشفتان ويرتفع الطبق ليسد المجرى الأنفي فيمر الهواء الخارج من الرئتين من الفم مع اهتزاز الأوتار الصوتية عند نطقه ))( ) ، وظاهرة نطق الجيم ياء ظاهرة صوتية قديمة نسبت إلى تميم( )، تشترك فيها لهجات سواحل جنوب الجزيرة العربية مع لهجات شرق الجزيرة ، وكذلك شمال الجزيرة العربية ووادي الفرات الأدنى والبصرة( ).
وعلل ابن يعيش سبب ظاهرة إبدال الجيم ياء أو الياء جيم بقوله: (( الجيم تبدل من الياء لا غير لأنهما أختان في الجهر والمخرج إلا إن الجيم شديد ولولا شدتها كانت ياء وإذا شددت الياء صارت جيما ))( ).
وفسرّها الدكتور إبراهيم أنيس بالعلاقة الصوتية بين الياء والجيم حيث يقول :(( أما العلاقة بين الياء والجيم من الناحية الصوتية فواضحة,لان كلا منهما صوت مجهور, ومخرجهما واحد , وإنما تختلف الجيم عن الياء في أن الأول صوت اقرب إلى الشدة منه إلى الرخاوة , في حين أن الثاني ( الياء ) من الأصوات المتوسطة الشبيهه بأصوات اللين , وليست بشديدة ولا رخوة أو فيها بعض الرخاوة))( ) .
وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى هذا النوع من الإبدال فيقولون: ( يابر: جابر),( دِياية : دجاجة ),( يَْربُوع : جربوع ),( يوعان : جوعان ),( عري: عرج ),( عَيوز : عجوز),( رَيال : رَجال ),( شِيره :شَجَرة ) ,(يَن : جَن ) فقد طرأ تغير صوتي على الجيم أبد لها من الياء ؛ لصعوبة نطق صوت الجيم الشديد والمجهور وتحوله إلى صوت الياء لقربه من مخرج الجيم.حدد سيبويه مخرج العين بوسط الحلق ، وهو صوت مجهور ، ولا هو بالشديد ولا هو بالرخو( ) ، و العين والحاء من الأصوات الحلقية ,ومخرجهما من أسفل الحلق إلى ما يلي الصدر( ) . إلا إن العين مجهور والحاء مهموس( )، ولولا بحّة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها من العين( ).
5- إبدال العين حاء أو العكس:
اختلف المحدثون في وصف العين فمنهم من يرى انه صوت انفجاري ومنهم من يرى انه صوت احتكاكي( )، والحاء صوت مهموس ، لو جهر به لكان عينا ، ومخرجه من وسط الحلق( )، وهذا الإبدال من الظواهر اللهجية القديمة عند هذيل وثقيف ,وسميت هذه الظاهرة بالفحفحة ,وهي إبدال الحاء عينا( ) .
وعلل ابن جني سبب هذا الإبدال بالتقارب المخرجي بينهما بقوله: (( العرب تبدل احد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج ، كقولهم : بَحَثرَ ما في القبور ، أي بعثر ))( ) ، وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى هذا النوع من الإبدال(وصلا) ، وهو قليل نحو قولهم ,:(مَحْم : مَعَهُم ) , ( عَتّى يروح : حتى ) . فأبدلت العين المجهورة إلى نظيرها المهموس الحاء لمجاورتها صوت الهاء المهموس، ثم أدغمت الهاء في الحاء ،و الفرق الوحيد بين العين والحاء هو أن العين مجهور ، والحاء مهموس ، أما نقطة التقارب بينهما فهي أن مخرجيهما من وسط الحلق ما سهّل عملية التعاقب الصوتي بينهما ، فمخرج الهاء من أقصى الحلق ومخرج العين من وسطها ،وهذا الوضع يجعل صعوبة تحقق الإدغام ، ما تطلب إبدال الهاء بحرف آخر يتحقق فيه الإدغام فأبدلت (الهاء) (حاء) ثم أدغمت (العين) في ( الحاء) .

6- (إبدال الكاف جيما ( فارسية ) :
نسبت ظاهرة إبدال كاف المؤنث شينا أو إلحاق كاف المؤنث شينا إلى عدد من القبائل منها : ربيعه ومضر ، وتميم، وأسد( )، حيث قال سيبويه: (( فأمّا ناس كثير من تميم ، وناس من أسد ، فأنهم يجعلون مكان الكاف للمؤنث الشين . وذلك أنهم أرادوا البيان في الوقف ؛ لأنها ساكنه في الوقف فأرادوا أن يفصلوا بين المذكر والمؤنث بحرف أقوى من أن يفصلوا بحركة))( ) ، الجيم الفارسية أو (ch) الانكليزية، صوت بين الشين والجيم والياء( ) ، و قيل انه: صوت بين الجيم والشين( ) ، ويقول الدكتور إبراهيم أنيس : (( أن أصوات أقصى الحنك " الكاف " و " الجيم " الخالية من التعطيش ، تميل بمخرجها إلى نظائرها من أصوات أمامية حين يليها صوت لين إمامي ( الكسرة ) ؛ لان صوت اللين الأمامي في مثل هذه الحالة يجتذب إلى الإمام قليلا أصوات أقصى الحنك فتنقلب إلى نظائرها من أصوات وسط الحنك أو أصوات الثنايا العليا ))( ) ، وقال الدكتور حسام النعيمي : ( إن هذا الصوت هو الذي أطلق عليه ابن جني الكاف التي بين الكاف والجيم وجعله من الفروع ) . ووصفه المستشرقون بأنه صوت من وسط الحنك وهو تطور صوتي للكاف وتبعهم في ذلك اللغويون المحدثون من العرب( )، ووصفه بعضهم بأنه صوت صلب لثوي مهموس( ).
وقالت جونستن : قد تتحول الكاف في العربية إلى (ج) بثلاث نقاط عند مجاورتها لأصوات اللين الأمامية( ), ويتسبب صوت اللين الأمامي في جذب الكاف من أقصى الحنك إلى وسطه نحو مخرج الشين ومصحوبا بتغيره من صفة الشدة إلى صفة الرخاوة( ) .
وقد جنحت لهجة بصية إلى مثل هذا الإبدال نحو قولهم : ( جَم : كم ),( باجر: باكر), ( جَلبْ : كلب),( جَبْد : كبد ) ,( دِيج : ديك ), ( رِجِب: ركب),( جَنّها : كأنها ),( جَلاوي : كلاوي),( عِشكج : عشقك ) ، ( جِذْب : كذب ) ، ( جِمَه : كمأ ) .
فان القانون الصوتي تدخل لينقل الكاف المفردة مع حركتها إلى الصوت المزدوج (ch).حيث اشتركت الشين والكاف في صفة الهمس( ) والاستفالة وقرب المخرج . ويبدو أن الجيم الفارسية هي خاصة من خواص بعض القبائل العربية التي يراد بها التفريق بين المخاطبة المؤنثة والمخاطب المذكر_كما تقدم _وهي خاصة من خواص الوقف سواء كانت في الوصل أو القطع .
7-إبدال السين صاد :
عدّ سيبويه قلب السين صاداً من المضارعة إذا كان بعدها حرف من حروف التفخيم كالقاف والخاء وحروف الإطباق ,وأكد أن الأكثر الأجود في كلامهم ترك السين على حالها وتقولها بنو العنبر من العرب( ). وحدد سيبويه مخرج السين بين طرفي اللسان وفريق الثنايا ويحدث عند التقاء طرف اللسان بالثنايا السفلى أو العليا , وفي صفتي الهمس والرخاوة إلا إن الصاد مطبق لتقعر اللسان عند نطقه ، وذكر ابن جني: (إن قبيلة كلب تقلب السين مع القاف خاصة زايا ,فيقولون :زقر وفي مس سقر مس زقر,وشاة زقعاء في زقعاء , ومثله ,كما ذكر في موضع أخر:( إذا كان بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء ,جازو قلبهما صاد .وذلك كقوله تعالى "كأنما يساقون , ويصاقون "( ) ، وذكر ابن فارس: (وتقع في الكلمة الواحدة ست لغات : "قسطاس ", ( بضم القاف ),و "قسطاس",و" قستاط " و"قسّّاط" و" قصّاط" (بضم القاف وكسرها )( ). دون أن يشير إلى عجمة هذه الألفاظ ,أو تقاربها من جانب المخرج أو الصفة . وكان سيبويه قد ذكر هذا الإبدال في باب ما تقلب منه السين صادا في بعض اللغات( ) ، ووصف الدكتور إبراهيم أنيس السين بأنه صوت رخو مهموس ، عند نطقه تقترب الأسنان العليا من السفلى فلا يكون بينهما إلا منفذ ضيق جدا، وأما الصاد فهو صوت رخو مهموس ، يشبه السين في كل شيء سوى أن الصاد احد أصوات الإطباق ، فعند النطق بالصاد يتخذ اللسان وضعا مخالفا لوضعه مع السين ، إذ يكون مقعرا منطبقا على الحنك الأعلى ، مع تصعد أقصى اللسان وطرفه نحو الحنك ومع رجوع اللسان إلى الوراء قليلا ))( ).
والإبدال بين الصاد و السين ربما هو من قبيل التداخل اللهجي في الصفة أو المخرج .فيفرّ منه الناطقون نحو السين طلبا للخفة والسهولة وهربا من الثقل في التفخيم فهما يلتقيان في المخرج كونهما صوتين لثويين ,ويختلفان في الصفة كون الصاد مفخما والسين مرققا .وهذا لا يعني اطراد هذا الإبدال في اللهجات بل قد يكون حدوث العكس( أي تحول السين إلى الصاد)بحسب البيئة الصوتية المناسبة للناطق بها( )، ونسب الجوهري ظاهرة إبدال الصاد من السين إلى تميم( )، ونسبها سيبويه وابن السراج وقطرب إلى بني العنبر من تميم( ) .
وخالف الدكتور إبراهيم أنيس اللغويين من أن النطق بالسين هو الأصل حيث يقول: (( إن الأصل هو النطق بالصاد بدليل ورودها في القران الكريم بالصاد , ثم تطور حتى شاع فيها نطق أخر بالسين ، فليس الأمر كما ظن بعض الرواة من أن السين على هي الأصل( ). وهذا يعني أن من نطق الصاد قد حافظ على الأصل ولا اعلم ورود هذه اللهجة أو هذا الإبدال في العصر الجاهلي ، فيكون ما ذكره الدكتور أنيس دقيقا و خالفه الدكتور حسام النعيمي في أن أصل كلمة الصراط هي بالسين ؛لأنها الأصل ثم أبدلت صادا لتوافق حرف الإطباق مستندا إلى رأي سيبويه في ذلك( ) .
وعلل سيبويه وابن جني سبب هذا الإبدال بالتقريب الصوتي بين الأصوات المتقاربة في المخارج والصفات( ). وعلله ابن يعيش بقوله: ((إن هذه الحروف مجهورة مستعلية والسين مهموس مستفلة , فأبدلوا السين صاد ؛كراهة الخروج منها إلى السين المستعلية لان ذلك ثقيل ولان الصاد تماثل السين في الهمس وتماثل هذه الحروف في الاستعلاء فيحدث التجانس الصوتي ))( ).وعدّ الدكتور إبراهيم أنيس هذا الإبدال نوعا من المماثلة بين الأصوات لأجل الاقتصاد في الجهد العضلي وسهولة النطق( ). وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى هذا النوع من الإبدال نحو قولهم : (صخام:سخام )و( جَرَص :جرس) ,و( صُوط : سوط ),( صَخب: سخب),( بِصِيطة : بسيطة ),( مصِيطر: مسيطر),( صِبخ : سبخ ).
وقد تحتفظ لهجة ناحية بصية بالأصل أي ( البقاء على حرف السين ) نحو قولهم : ( سَحْرَه : صَحْرَاء ), و( سَقر : صَقر ),( سِراط : صراط ) وهذا ما يؤكد عدم اطراد هذه الظاهرة , بسبب التعدد اللهجي .
وبما إن لهجة سكان ناحية بصية من القبائل البدوية فقد مالت إلى إبدال الصاد من السين؛ طلبا للتفخيم الذي تميزت به القبائل البدوية , وتبعا للقوانين الصوتية البيئية ؛ ونسب الدكتور حسام النعيمي نسب هذه الظاهرة إلى قبيلة كلب البدوية التي كانت تقطن بادية المثنى( ) ، ونسبها اللغويون أيضا إلى تميم البدوية( ).
8 -إبدال السين زايا :
جعل سيبويه السين من الحروف المهموسة التي اضعف الاعتماد في موضعها حتى جرى النفس معه( )، ذكر ابن جني أن كلب تقلب السين مع القاف خاصة زايا , فيقولون في( سقر ): (زقر) وفي "مس سقر"( ) : مس زقر( ) .
فالسين والزاي اسلينا وكلاهما صفيريان , والفرق بينهما في صفتي الجهر والهمس.والسين صوت رخو ومهموس , تقترب الأسنان العليا من السفلى عند النطق به ,فلا يكون بينهما إلا منفذ ضيق جدا ,وهي عالية الصفير . والنطق بها يدفع الهواء مارا بالحنجرة فلا يحرك الوترين الصوتيين ,ثم يأخذ مجراه في الحلق والفم حتى يصل إلى المخرج ,عند التقاء طرف اللسان بالثنايا السفلى أو العليا بحيث يكون بين اللسان والثنايا مجرى ضيق جدا يندفع خلاله الهواء فيحدث ذلك الصفير( )، والزاي صوت رخو مجهور يناظر صوت السين ,فلا فرق بينهما إلا إن الزاي صوت مجهور ونظيرة السين صوت مهموس .وللنطق بالزاي يندفع الهواء من الرئتين مارا بالحنجرة فيحرك الوترين الهوائيين , ثم يتخذ مجراه من الحلق والفم حتى يصل إلى المخرج وهو التقاء أول اللسان بالثنايا السفلى أو العليا( ) ، فإذا التقى صوتان احدهما مهموس والأخر مجهور , تغير احدهما ليصبح الصوتان أما مهموسين أو مجهورين( ) , وقد يكون الصوت المهموس الأكثر تأثيرا, أما المجهور فهو الأكثر تأثرا إذ يتحول في الغالب إلى مهموس طلبا للسهولة وهربا من الثقل .
وقد جنحت لهجة ناحية بصية إلى إبدال السين زايا في بعض مفرادتها , وربما ذلك اثر من آثار اللهجات القديمة ,نحو قولهم :( زكَارة : سيكَارة ) .
9-إبدال الصاد زايا :
قال الخليل : (( والصاد والسين والزاي اسليه لان مبدأها من أسلة اللسان وهو مستدق طرف اللسان ))( ) . وحدد سيبويه مخارجها بقوله : (( ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد ))( ).
وعلل سيبويه إبدال الصاد زايا بقوله : (( وإنما دعاهم إلى أن يقربوها ويبدلوها أن يكون عملهم من وجهة واحدة ، وليستعملوا ألسنتهم في ضرب واحد ، إذا لم يصلوا إلى الإدغام ، ولم يجسروا على إبدال الدال صادا ، لأنها ليست بزيادة كالتاء في افتعل ))( ) ، وعدّ ابن جني إبدال الصاد زاي تقريبا صوتيا ؛لان كليهما اسلي المخرج وصفيري الصفة ,نحو :(مصدر : مزدر )( )، ونسب ابن عصفور هذا الإبدال إلى كلب بقوله : (( وأما الزاي فأبدلت من الصاد إذا كان بعدها قاف أو دال فقالوا في " مصدق " و" مصدوقة " : " مزدق ، ومزدوقة " ، وإنما تفعل ذلك كلب ))( ) ،ونسب إلى طيء( ) . والصاد صوت رخو مهموس, يشبه السين في كل شيء ,سوى أن الصاد احد أصوات الإطباق , فعند النطق به يتخذ اللسان وضعا مقعرا منطبقا على الحنك الأعلى , مع صعود أقصى اللسان وطرفه نحو الحنك ومع رجوع اللسان إلى الوراء قليلا ككل الأصوات المطبقة ,أما الزاي فهو صوت رخو فعند النطق به يندفع الهواء من الرئتين مارا بالحنجرة فيحرك الوترين الصوتيين وثم يتخذ مجراه من الحلق والفم حتى يصل إلى المخرج وهو التقاء أول اللسان ( مشتركا مع طرفه عند بعض الأفراد ) بالثنايا السفلى أو العليا( ) .
وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى هذا النوع من الإبدال على الرغم من كون الصاد صوت مفخم والزاي صوت مرقق فقد جاء هذا الإبدال متماشيا مع قانون السهولة واليسر الذي خلّص اللسان من صعوبة التفخيم إلى سهولة الترقيق بفعل المجاورة الصوتية بينهما , نحو قولهم :: ) لزق: لصق) , ( زداغة : صداقة ) , وزقر : صقر) , ( بزق : بصق).
-10إبدال الذال من الظاء :
حدد سيبويه مخرج الذال بقوله : (( أن صوت الذال صوت يصدر مما بين اللسان وأطراف الثنايا ))( ) . وعدّه من الأصوات المجهورة ، فالذال صوت لثوي رخو مجهور مرقق وأما الظاء فهو النظير لصوت الذال , هو لثوي أيضا( ) . وعده ابن جني بأنه (( حرف مجهور يكون أصلا ، لا بدلا ولا زائدا ))( ) . وذكر ابن مالك، لولا الإطباق لصارت الظاء ذالا؛ لاشتراكها مع الذال في صفتي الرخاوة والجهر ، وورد في اللهجات العربية القديمة كقولهم ( خذروف البعير وخظروف ) . إذا أسرع في مشيّه( ) .
ووصف المحدثون(( الذال صوت رخو مجهور , يتكون بان يندفع معه الهواء مارا بالحنجرة فيحرك الوترين الصوتيين , ثم يتخذ الهواء مجراه في الحلق والفم حتى يصل إلى مخرج الصوت , وهناك يضيق هذا المجرى فنسمع نوعا قويا من الحفيف ))( ). ووصفوا الظاء بأنه (( صوت مجهور كالذي في الوضع الذي يأخذه اللسان مع كل منهما , فعند النطق بالظاء ينطبق اللسان على الحنك الأعلى أخذا شكلا مقعرا ))( ).
وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى مثل هذا النوع من الإبدال في عدد من الألفاظ ، نحو قولهم : (ظجر: ذكر ),( ظرف : ذرف الدمع ),( ظاك : ذاق الطعام ) , ( ظراع : ذراع , وحدة قياس ) ,( ظعر : ذعر ) ,( اظكّر : اتذكّر) .وقد ساعد على ذلك التقارب الصوتي بين صوتي الذال والظاء ، وذلك للسهولة التي تتطلبها سرعة النطق عندهم .


11- إبدال العين نونا :
حدد سيبويه مخرج العين بواسطة الحلق ، وهو صوت مجهور ، لا هو بالشديد ولا هو بالرخو، وعد النون صوت مجهور شديد ذو غنة( ). وعدّ ابن جني النون من حروف الذلاقة ؛ لأنه يعتمد عليها بذلق اللسان ، وهو صدره وطرفه( ). وسمى القدماء هذا النوع من الإبدال الصوتي ب(الاستنطاء) , وقال الأزهري: ( الانطلاء لغة في الإعطاء) ، وهو إبدال العين الساكنة نونا إذا جاورت الطاء, ولم يمثلوا لهذا الإبدال إلا بمثل واحد هو : ( انطى) بدلا من ( أعطى)( ).
ونسبت الظاهرة الصوتية إلى لهجة سعد بن بكر , وهذيل والزاد , وقيس ,والأنصار( ) .كما وردت في إحدى القراءات القرآنية وهي في قوله تعالى : " إنا انطيناك الكوثر "( ) . ومنه قول الأعشى :
جيادك في القيظ في نعمة تصان الجلال وتنطي الشعير( ).
ونسبها الزمخشري إلى بني سعد( ) . ونسبها ابن منظور إلى أهل اليمن( ) .
ولم يعد الدكتور صالح الفاخري هذا النوع من الإبدال إبدالا ، مؤكدا رفض الدراسات الصوتية له ؛ لاختلاف العين عن النون من جهة المخرج والصفة , مستشهدا بقول اين جني : ( القلب في الحروف إنما هو تقارب منها , وذلك الدال والطاء والتاء والدال والظاء والثاء والهاء والهمزة ,والميم والنون وغير ذلك مما تدانت مخرجه( ) .. وفسرها الدكتور إبراهيم السامرائي بان " انطى" مأخوذ من الفعل " اتى " بمعنى أعطى ثم ضعف حتى أصبح " اتى " ثم فك التضعيف بالنون وأبدلت التاء طاء ، ويقول ان النون لم تكن مقابلة للعين في " اعطى " وإنما جاءت من أن الفعل كان " اتى " بمعنى " اعطى " ثم ضعف الفعل فصار " اتى " بتشديد التاء ومعلوم أن فك التشديد بالعربية او السامية يقتضي إبدال النون بأحد الحرفين المتجانسين وبهذا تصبح " اتى" بتشديد التاء " انتى " بفك الإدغام ثم يحصل إبدال الطاء من التاء . دون أن يوضح العلاقة بين " اعطى " و" انطى " واصليهما اللغوي( ) . وتتبع الجذر اللغوي لأصل الفعل" أعطى " تاريخيا يمكّننا من الحكم عليه ضمن قانون التطور الصوتي الذي حتّم هذا النوع من الإبدال( ) . وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصيّة إلى الاستنطاء ؛ طلبا للسهولة واليسير في النطق والاقتصاد في الجهد واقتصرت أيضا على الفعل ( أعطى) ، نحو قولهم : ( أنطه : أعطه ), و( أنطي: أعطي ) .ويبدو ان العين أدغمت في الطاء فأصبحت ( أطّى ) ،ثم قلبت إحدى الطائين نونا ؛استنادا إلى قانون المخالفة( ) .
-12إبدال الواو من الألف الزائدة :
وقد يبدل سكان ناحية بصية الألف في (فاعل ) ، و( فاعول ) واوا ، نحو قولهم في التصغير : ( خويتم : خاتم ) ، و ( عويكَلة : عاقولة ) ، وربما جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى إبدال الألف واوا ؛ لوقوع الألف بعد الضمة التي قبلها واو ، اقتصادا في الجهد .

ثانياً : الإبدال بين الصوائت :
الصوائت في اللغة العربية هي :
1-الفتحة الطويلة (الألف ) ، وهي صوت طبقي غاري مجهور مفتوح يتم النطق بها عن طريق إراحة اللسان في قاع الفم مع ارتفاع طفيف جدا لوسطه في اتجاه منطقتي الغار والطبق اللين .
-2والفتحة القصيرة مثل الطويلة تماما فهي صوت طبقي غاري مجهور مفتوح الا من حيث الطول فان الفتحة القصيرة تساوي نصف الطويلة من حيث مد الصوت( ) .
-3الكسرة الطويلة "ياء مد" وهي صوت غاري مجهور مفتوح يتم نطقه برفع مقدم اللسان في اتجاه الغار لكن مع ترك فراغ يسمح بمرور الهواء دون احتكاك مسموع
-4الكسرة القصيرة وهي مثل الطويلة في جميع الصفات ماعدا القصر والطول اذا الصوت يكون طويلا مع الطويلة بحيث يكون ضعفي طوله مع القصيرة( ) .
- 5الضمة الطويلة : صوت طبقي شفوي مجهور مفتوح يتم نطقه عن طريق رفع مؤخرة اللسان في اتجاه منطقة الطبق مع ترك فراغ يسمح بمرور الهواء دون احتكاك مسموع يصاحب ذلك استدارة الشفتين وامتدادهما إلى الإمام.
-6الضمة القصيرة وهي صوت طبقي شفوي مجهور مفتوح تنطبق تماما مع الطويلة في كل شيء إلا أن الصوت معها على قصير على قدر نصفه مع الطويل
هذه هي الحركات أو الأصوات الصائتة في العربية طويلها وقصيرها( ) . وكما يحدث الإبدال في الصوامت ( الحروف الصحيحة ) كذلك يحدث بين الصوائت القصيرة ( الحركات) ؛ لاختلاف اللهجات أو الانسجام الصوتي , وذكر ابن فارس باب القول في اختلاف لغات العرب قوله : ( اختلاف لغات العرب من وجوه احدهما , لاختلاف في الحركات )( ) , وذكر مثالا على ذلك قوله : " نستعين ونستعين " بفتح النون وكسرها . ونسب ابن جني ظاهرة كسر حرف المضارعة ( التلتلة ) إلى بهراء( ) . وهي نوع من الإبدال في الصوائت القصيرة , وربما هي نوع من الانسجام الصوتي أو الانطباع البدوي الفطري ؛لان صعود اللسان إلى الأعلى يكون أصعب من نزوله إلى الأسفل مع الكسر .ومن ظواهر الإبدال الحركي في اللهجات المختلفة : ضم هاء الغيبة المتصل في المفرد والمثنى والجمع كسرة , وهو إبدال شاع مع ضمير الجمع بشكل مطلق , والذي عزّي إلى بني كلب إذ يقولون : " منهم وعنهم " بكسر الهاء بدلا من ضمها وهو الأصل . وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى هذا النوع من الإبدال بين الصوائت القصيرة ، وكما ياتي
أ-الإبدال الحرفي ( الصوائت الطويلة ):
ذكر أبو الطيب اللغوي الإبدال بين الواو والياء نحو قولهم : ( حكوت وحكيت ,مقوت مقو , ومقيت مقيا ...( ) وذكر الإبدال الذي يقع بين الإلف والواو نحو قولهم : ( جاد في كلامه وأجود ..( ).وذكر السيوطي أيضا الإبدال الحرفي بين المصوتات الطويلة وذكر أمثلة لذلك بقوله : ( إن تميم تقول القنوة , وأهل الحجاز يقولون ( القنية) , وتميم تقول : ( صوم ونوم , بالواو امتداد للضم , وأهل الحجاز يقولون : ( صيم ونيم بناء على الياء امتداد للكسر , التميميون يقولون : اللذّون وحوث , وأما الحجازيون فيقولون : اللذين وحيث.)( ) .
وعدّ الدكتور المطلبّي هذا الاختلاف بين الصوائت في اللهجات العربية صورا من نطق اللهجات العربية القديمة( ) .منوها إلى شيوع هذه الظاهرة بين اللهجات العربية الذي أدى إلى الميل لأصوات المد بعينها . وعزا الدكتور إبراهيم أنيس هذا الإبدال بين الصوائت ( الطويلة والقصيرة) في اللهجات العربية إلى العوامل البيئية البدوية التي تنتمي إليها هذه اللهجات( ).
ويبدو أن عامل التطور الصوتي واختلاف اللهجات لأسباب بيئية أو دخول عناصر أعجمية أو أجنبية وشويع اللحن جميعها عوامل ساهمت في الإبدال ونشؤه بين الصوائت في اللهجات العربية , إضافة إلى الأخطاء النطقية والسمعية أو الميل إلى السهولة والاقتصاد في الجهد , ولا يمكن أن نعزوه إلى عامل بعينه . ومنها ما جاء في لهجة سكان ناحية بصية : (مصين : ومصون ) ،( حشوم ، وحشيم ) .وهو قليل جدا في لهجة سكان ناحية بصية .
ا

ب-الإبدال بين الصوائت القصيرة :
اختلفت اللهجات العربية في نطق الصوائت القصيرة اختلافا بينا في بعض ألفاظها , فقد يحرك الحرف في لفظة بالكسرة في لهجة ويكون بالضم في لهجة أخرى ,وقد يكون الحرف ساكنا في لهجة وهو متحرك في لهجة ثانية ، وقد تمال الحركة في هذه ولا تمال في تلك ، وقد تشبع الحركة حتى تصير حرف لين أو يختلس حرف اللين حتى يعود حركة من جنسه( ) . وقد جنحت لهجة ناحية بصّية إلى هذا النوع من الإبدال، وكما يأتي :
-1الميل إلى الضم :
ذكر ابن جني ما اختلفت فيه لهجات القبائل العربية بين الضم والكسر قولهم "صنوان وصنوان "بالضم والكسر ، ونسب الكسر لأهل الحجاز والضم لتميم وقيس( ) .
روي في التهذيب للأزهري (إن لغة الضم لتميم وضبّة , والكسر لغة الحجاز وكلب)( .), وعلل الدكتور إبراهيم أنيس ميل القبائل البدوية إلى مقياس اللين الخلفي المسمى بالضمة ، لأنه مظهر من مظاهر الخشونة البدوية ، وعلل سبب هذا التبادل الصوتي بين الضم والكسر من الناحية الصوتية بالتشابه الصوتي ؛ لأنهما من أصوات اللين الضيقة فيحل احدهما محل الأخر في كثير من الظواهر اللغوية ، كما أن الميل إلى الكسر دليل التحضر والرقة في معظم البيئات اللغوية( ).
وقد مالت لهجة سكان ناحية بصية إلى الضم في بعض من ألفاظها وهي قليلة عندهم كقولهم : ( شُبُكة ، مُطُر، وزُبُون ، وتُرمُز ) بضم فاء الكلمة . وربّما مالت لهجة سكان ناحية بصية إلى مثل هذا النوع من الإبدال الصوتي بين الصوائت القصيرة ؛ للانسجام الصوتي الذي فرضه توالي حركات ( الفتح والضم ) ، وتكرارها في المفردات السابقة ، ما حتم على الناطق بها الميل إلى الضم هربا من توالي الحركات الذي يلجا إليه الناطق بها لاشعوريا ؛ لغرض الاقتصاد في الجهد وتحقيق للانسجام الصوتي .

-2الميل إلى الكسر :
الكسرة هي صائت قصير , وهي أثقل من الفتحة واخف من الضمة , والمعروف إن حرف المضارعة يحرك بالفتحة إلا إذا كان الماضي رباعيا فانه يضم لكن القبائل كانت تجنح إلى تحريك حرف المضارعة بالكسرة دائما( ) . ونسب ابن جني الكسر إلى أهل الحجاز( ). وأقصى ما يصل إليه اللسان في صعوده نحو الحنك الأعلى هو , ذلك المقياس الذي يسمى عادة بالكسر ة, طويلة كانت ,أو قصيرة( ) . ولا فرق بين الكسرة وياء المد فكلاهما متماثلان في المخرج ووضع اللسان( ) . و الكسر دليل على التحضر والرقة في معظم البيئات اللغوية( ) . وقد جنحت لهجة سكان ناحية بصية إلى الكسر بدلا من الفتح في عدد من مفرداتها , ككسر فاء الكلمة التي أكثر ما تكون عينها احد أحرف الحلق المكسورة نحو قولهم : ( رِجِيب, حِزِينة , رِغِيف , شِعِير , زِئِير , جِمِيع , تِبِغ, شِهِيد)
فالكسر قد جاء في اغلب حالاته مع احد أحرف الحلق , وفسر ابن جني هذه الحالة بالتقريب الصوتي( )، وهو ما عبر عنه الدكتور أنيس بالانسجام الصوتي( ). ويبدو إن ناحية بصية قد جنحت إلى الكسر طلبا للانسجام الصوتي أيضا وهربا من الثقل الذي يتطلب جهدا اكبر. فأقصى ما يصل إليه اللسان في صعوده نحو الحنك الأعلى هو في وضع الكسر سواء كانت قصيرة أو طويلة.
الخاتمة:




الهوامش



#واثق_الواثق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعتداء على اليمن عر بيا ..تكملة لسيناريو سايكس بيكو جديدة ...
- الفراشات..
- الخيال...
- اشتاء مظلمة..
- ومضات ..واثق الواثق
- المستحيل ...
- حفار القبور...
- النعش...
- متاهات...
- الى وزير التربية مع التحية
- داعش صناعة سورية روسية إيرانية..والعرب قطيع أغنام هزيل ، هاج ...
- العراق ومصر وسوريا والتحالفات الامريكية الروسية الجديدة .
- الاتجاه السياسي للماكنة الصحفية العراقية
- بين حيطان الامام ...
- سلاما ...
- اشكالية ابار النفط ...
- اشكالية المنظمات الدولية ...!
- مثلث برمودة :الاسرائيلي التركي الكردي
- اشكالية النصب التذكارية ...
- عابر القارات ...


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - واثق الواثق - الابدال في لهجة ناحية بصية