أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (80)















المزيد.....

منزلنا الريفي (80)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4767 - 2015 / 4 / 3 - 01:30
المحور: الادب والفن
    


خديجة

مضت أربع سنوات على رحيلها، واللحد الذي ضمها شاخ قبل أوانه، الأحجار تكلست، والتراب اكتنز في مكانه معلنا الأفول، حتى الدوم بدا نحيلا، والأشجار المجاورة فقدت أوراقها، بينما الصمت تحول إلى صراخ مرعب، إنها المقبرة حيث يتجسد العدم، وتتكشف هوامية الوجود البشري، الحيز الذي نالته خديجة ضئيل جدا، ربما جسدها النحيل لم يسمح لها أن تنال أكثر، لكن ماذا عن البناء والزخرفة ؟؟ مجرد أحجار وتراب ؟؟ بينما قبور أخرى نالت كل العناية والزخرفة والاهتمام والزليج، ببساطة خديجة لم تكن شيئا.
مارس 2015
****
خرجت خديجة من قبرها، وظهرت كما عرفتها طفلة صغيرة، بريئة وحكت بإسهاب عن حياتها : (لقد خرجت من قبري، فالقبر لاشيء، فلو كان شيئا لحرسوه كما يحرسون السجون، حتى أنا لو كنت شيئا لحرسوني كما يحرسون السجناء، لذا فأنا لاشيء، وعبر الكلمة أسعى لكي أكون شيئا، ترعرعت في رحم معذب، وكبرت في جسد مقهور، أمي كانت ملعونة، تزوجها السفاح أبي بعد نزوة عابرة، وندم على ذلك أشد الندم، فكان يربطها في المنزل ككلبة مسعورة، يأكل حتى يشبع ويترك لها البقايا، كنت في ذلك الرحم المقهور أعاني الويلات، الضرب المبرح كان ينفذ إلى صميمي، والكدمات الزرقاء ظلت عالقة على مؤخرتي، في الليل البهيم يصف الوالد الملعون الأم الملعونة بالنتنة حاثا إياها على الاقتراب منه من أجل مضاجعتها، بينما أنا عالقة في الرحم، يهدني الجوع، وأنادي بكسرة خبز، وإلهي يصرخ في الكتاب المقدس:(أحرث، فالمهبل أرض عذراء تحتاج للتقليب والزرع، وسائل منوي ينهمر كالغيث من السماء)، ها أنا قذفت إلى الوجود، استقبلني كلب بالنباح، وجروة باللطم والنواح، كدمات زرقاء، وأنين وبقايا دماء : (لماذا ولدت هذه الملعونة ؟؟ الويل لك، إنها ليست لي أيتها الحقيرة، اقذفيها في مهبلك، أو احرقيها في الفرن، ليست ابنتي)، لم يسجلني اللعين في الحالة المدنية، ولم أستفد من اللقاح، فقتلني ببطء حتى نزفت دماغيا، واستقبلني هذا القبر الموحش، فهربت من سجنه منذ سنين.
غشت 2008.
*****
اسمي حميدة، يلقبونني (بالدكار)، أي الشخص الشحيح والمتقشف، وفي أحيان أخرى ينعتونني (بالصقرام)، ومعناها البخيل، ولدت سنة 1970 من أب خماس كان يصلي في المناسبات، دخلت إلى المدرسة، وغادرتها في السنة الأولى، فالتحقت بالمرعى رفقة الوالد، فكم مرة كان يتركني مع النعاج، ويتعقب النساء حتى تلقى ضربة موجعة ومات على إثرها، كنا نملك المواشي والأرض، ونادرا ما كنا نشبع أو ننام جيدا، في الشتاء يلسعنا البرد ويهدنا الجوع، وفي الصيف تعضنا العقارب، ويلسعنا الناموس، كل ما نملك كان في يد الأسياد حتى والدي الملعون نفسه، إخوتي استولوا على الإرث، وباعوا الأغنام، وبقيت خماسا عندهم حتى التقيت بهذه الزوجة الملعونة، بشعة وقذرة، كنت أرعى جوار منزلهم، أعطتني أمها كوب ماء، فبدت لي بنتها حسناء، وها أنا ألعنها، وألعن القدر الذي قادني إلى هذا العذاب، كم مرة أردت أن أطلقها، ولم أفكر في الأمر مليا حتى وجدت أنها دقت مساميرا في جسدي، ولم يبق أمامي إلا إبراحها ضربا وتحويل حياتها إلى جحيم، حقيقة لا أشعر أنني أب، لا أولاد لدي، لا مسؤولية، تلك الملعونة ليست ابنتي، لو عرفت حاضري وماضي ومستقبلي لفضلت الموت، ستعيش قطعة من القطيع، تصفق للأسياد، العدم أفضل من وجود معدوم..
يناير 2015
*****
كان الربيع، وكان جسد حميدة هيكلا كالدالية التي نفضت أوراقها، النعش رفع عاليا، والدموع الكاذبة تنهمر على خديه، يقول الناس : (أنه أحبها)، ويقول قلبه (أنه كرهها)، ويصرخ خلسة في وجه الموكب : (أسرعوا لطمر جريمتي)، إننا لا نحمل وجها واحدا، وإنما نحمل وجوها متعددة، حميدة رأى نفسه في المرآة، فبال عليها، رأى نفسه في المقبرة فولى هاربا، رأى نفسه في مهبل زوجته، فشعر أنه في إحدى واحات الجنة وبعد برهة بصق عليها. طقس الحداد مظهر خداع يخفي المكر الإنساني، وبواطنه المنافقة، وجرائمه الكامنة المعتملة في الأغوار العميقة.
أبريل 2011
*****
تسللت خديجة إلى دماغ والدها الملعون، وصرخت في وجهه :
- ملعون
رد عليها :
- أنت الملعونة
عقبت عليه :
- لماذا أوجدتني ؟
أجابها (ببرودة) :
- الله الذي أوجدك.
انتفضت في وجهه :
- أين هو هذا الله ؟؟؟ ملعون
نظر إليها متحديا :
اسأليه ؟؟ أليست ميتة الآن في حضرته ؟؟ ألست ملاكا من ملائكة الجنة ؟؟
بصقت في وجهه :
-هل كنت سأكون ميتة وأنا أتكلم معك الآن؟؟ وهل كنت سأكون حية وأنا أتكلم معك الآن بهذه الطريقة ؟؟ واهم من يعتقد أن هناك جنة تستقبل أطفال الزنى ؟؟ واهم من يؤمن بمحكمة اسمها الإله ؟؟
استيقظ حميدة مذعورا في أتون الليل وشنق نفسه، فوجد ذاته هيكلا عظميا مسكونا بالأشباح والأوهام، لا يستطيع الحراك.
فبراير 2015
*****
لم أشعر أنني امرأة في يوم من الأيام، لم أملك نهدين ضاويين، ولا مؤخرة مكتنزة، ولا قوام رشيق، حتى شعري كان كالمكنسة، عششت فيه الرتيلاء والقمل، منذ طفولتي عاشرتني النتانة، فمنزلنا كان ماخورا، وأمي كانت تستضيف الزبائن، فلم أتعلم الطبخ والعجن، بل حتى قواعد اللياقة، كانت أمي تنام على السرير ويحيط بها ثلاثة زبائن، ونستمر طوال الليل نعاقر الخمر، لكن أمي كانت تحرس كل الحرس ألا أفقد بكارتي، فأكتفي بالمداعبات ولحس القضبان، وفي أحد الأيام زارني شاب في العشرين يدعى حميدة، فنصبت له الفخ، كنت أريد أن أتزوج، لقد ذاقت أمي الويلات بسبب الدعارة، صارت هيكلا مقعقعا مخيفا بسبب الخمر والسجائر، حتى قاموسها أصبح داعرا، ومهبلها يتقيأ العفونة، لا أحد يعلم كم من القضبان ستلجه طوال العمر كله، وكم من الشلالات ستنهمر عليه، الأمر يثير الغثيان، لدي رجل واحد يسبني ويلعنني، فأسأل : (كيف سولت أمي لنفسها أن تطيق كل هؤلاء الرجال؟؟ الرجل خطيئة الإله، منحه قضيب فأساء استعماله، جعل منه عصا يهش بها قطيع النساء، ماذا لو منحتني قضيبا أيها الإله ؟؟ أكنت سأكون مثل الرجال ؟؟ لن ألعن حياتي أثناء الطمث ولحظة المخاض ووقت الولادة، أعذرك أيها الإله لأنك كنت على علم بمصيرنا التراجيدي، وها أنا أنتحر ونلتقي على بساطك لنحدد المسؤولية).
2017مارس
*****
في ذلك العالم الكالح والسوداوي، بدا أحمد ساخطا على وجوده، هاربا من قبره، فارا من جحيمه، صارخا :
- ما ذنبي أيها الإله ؟؟
- ذنبك لم تعبدني
- أما يكفيك نطحاتي التي لحقت الأرض، وصراخ أمعائي خلال رمضان، وتأوهاتي وأنا أرجم الشيطان، أما ويكفيك العذاب الذي ذقته في عالمك الأرضي ؟؟
- كان يجدر بك أن تفعل أكثر من ذلك، لماذا كنت تتردد على الماخور، أين هي العفة التي أوصيتك بها ؟
- أيها الإله رب الأرض والسماء، لماذا لم تخلقني ملاكا منذورا للصلاة والصوم والزكاة ؟؟ لن أكون قاتلا ولا مسؤولا، فمادمت إنسانا فلست مسؤولا، بل أنت المسؤول؟؟ ألست أنت الذي تعلم الغيب مسجلا إياه في اللوح المحفوظ ؟؟ بل أكثر من ذلك لماذا استهزأت بالعقل وسخرت كل أنبيائك ورجال دينك لكي يدوسوا على العقل وجئت الآن لكي تعاقبني ؟؟؟ المسؤولية مقرونة بالعقل، أنت هو العقل فكن أنت المسؤول مادمت سطرت ذلك في اللوح المحفوظ.
- ارموه في السعير.
*****
قالت خديجة : (الإله هو المسؤول)
قال حميدة : (الإله هو المسؤول)
قالت الزوجة : (الإله وحميدة هما المسؤولان)
قال الإله : (كلكم مسؤولون ومصيركم السعير، الحياة مسرحية تقوم على المكر، وأنا خير الماكرين)

الدار الآخرة/ خارج إطاري الزمان- المكان

عبد الله عنتار / 22 مارس 2015 / بني ملال - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شظايا ومواخير
- منزلنا الريفي (79)
- منزلنا الريفي (78)
- منزلنا الريفي (77)
- في انتظار بزوغ الشمس
- تغازوت
- وداعا صغيرتي
- منزلنا الريفي (76)
- جنون الثمالة
- السراب التائه
- منزلنا الريفي (75)
- منزلنا الريفي (74)
- منزلنا الريفي (73)
- منزلنا الريفي (72)
- فلتعودي من حيث أتيت
- منزلنا الريفي (71)
- منزلنا الريفي (70)
- الرماد 2
- منزلنا الريفي (69)
- كنت الوحيدة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (80)