التنمية البشريه بالمرحلة الابتدائية.....

فاطمة الحصي

الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 06:52
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

لا يختلف اثنان على أن التربية والتعليم هما اساس تشكيل شخصية الشعوب ،فالتربية تعمل على الكشف عما تحتويه الشخصية الفردية من استعدادات واحالته الى حقيقة وواقع ،بينما يهدف التعليم الى تقديم نشاطات محددة للفرد بهدف اكتسابها وتعلمها ،هذا آله موسيقية الخ الخ ..
ولا يخفى على أحد ما نراه فى المجتمعات العربية من أمراض أصابتها ،وهى أمراض أخلاقية واجتماعية بالأساس ،وكما قال الشاعر "انما الأمم الأخلاق مابقيت ،فأن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا "...وتُولى الباحثة اهتماما كبيرا بكيفية بث الروح الأخلاقية العالية فى نفوس التلاميذ بمراحل التعليم الأساسى ،حيث أن تلك المرحلة تعد العمود الفقرى لشخصية الفرد ،فما نقوم بزرعه فى نفوس تلاميذ تلك المرحلة ،هو ما سنحصده في المراحل التالية وهو ما سنقوم بالبناء فوقه،ومن خلال الاهتمام بتلك المرحلة العمرية الخطيرة وهى فى تقديرى من عمر السادسة حتى الثانية عشر وما فوق، أحسنا الى ذلك التلميذ وقدمنا له طريقة مبسطة لاستخدام التفكير العلمى المنظم ،قد لا اكون مبالغة اذا ما قلت انه اذا أحسنا القيام بذلك فأننا يكون بمقدورنا اصلاح المجتمع كله..
يقول الدكتور فؤاد زكريا فى كتابه الشهير "التفكير العلمى "الصادر فى 1977"لابد ان نعترف فى شجاعة وحزم بأن عصر التلقائية والعشوائية قد ولى ،وبأن النظرة العلمية الى شؤون الحياة هى وحدها التى تضمن للمجتمع التقدم ،فالعلم فى أساسه منهج أو اسلوب منظم لرؤية الأشياء وفهم العالم ،والتفكير العلمى ليس حشدا للمعلومات العلمية وأو معرفة طرائق البحث فى ميدان معين من ميادين العلم ،وانما التفكير العلمى يكمن فى طريقة يمكن أن تتوافر لدى شخص لم يكتسب تدريبا خاصا فى أى فرع من فروع العلم .
وتعد التنمية البشرية أحدث أنواع التنمية ،حيث تركز على الفرد الذى يمثل الوسيلة والغاية فى آن ،فالفرد هو أغلى ما تملكه الدول ،وعليه يتوقف تقدم المجتمعات أو تخلفها ،وقد رأى شيخ التربويين "حامد عمار فى كتابه التنمية البشرية فى الوطن العربى ,"أن مفهوم التنمية البشرية يرتبط بتوفير السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس!

ولست أختلف كثيرا مع شيخ التربويين فى هذا الوصف ،ولكنى أود أن أضيف نظرة أخرى أو بعدا آخر الى التنمية البشرية،حيث أننى أرى أن بأمكان المعلم أن ينجح فى الأرتقاء بقدرات التلميذ فى المراحل الأولى من التعليم لتطوير مهاراتهم الحياتية، ولست أقصد هنا بالتنمية البشرية تلك التى تهتم بتنمية القدرات اللازمة لتعزيز النمو الأقتصادى أو الأنتاجى ولكن أقصد بالتنمية البشرية لتلاميذ المرحلة الأبتدائية الاهتمام بالجوانب الأجتماعية والنفسية والثقافية للتلميذ فى تلك المرحلة ،والتى على أساسها يصبح التلميذ "اذا ما أحسنا العمل معه "انسانا نافعا لنفسه ولوطنه ..
ولكن كيف يمكن تفعيل دور التنمية البشرية من وجهة النظرهذة داخل مدارسنا وبخاصة لتلاميذ المرحلة الأبتدائية ؟ وهل هو درب من الخيال ؟
ان هذة المرحلة هى المرحلة التى اذا ما أتقنا عملنا بها كمعلمين وأسر أيضا ،لما واجه المجتمع الحجم المهول للظواهر الأجتماعية السلبية المختلفة التى لطالما سمعنا بها كالتحرش والجرائم المختلفة بأنواعها..
وليس المقصود هنا منهج دراسى جديد أو مواز يزيد من أعباء التلميذ والأسرة والمعلم ،ولكن المقصود بهه حصة حوارية مفتوحة يقوم بها المعلم (على أن يكون المعلم قد اجتاز ورشة تأهيلية فى التنمية البشرية المنشودة )يتم من خلالها الاهتمام بالجوانب المختلفة للانسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة ،كالجانب الروحانى من خلال بناء الضمير الفردى لدى الطفل ،والجانب الشخصى من حيث تعلم كيفية التفكير السليم والثقة بالنفس كذلك الجوانب الصحية من خلال الارشاد الى اتباع العادات الصحية والنظافة الشخصية،الى آخر كل الجوانب المختلفة ..
وسوف احاول ايجاز الفكرة فى نقاط قصيرة كنموذج بسيط يمكن أن يُبنى عليه:-
-بداية لابد من مساعدة التلميذ على استخدام التفكير العلمى فى شؤون حياته اليومية بشكل مبسط وسهل عن طريق ارشاده الى أنه لابد أن يفكر فى الشئ قبل أن يقوم به ،وفى الكلمة قبل أن ينطق بها وهكذا .وبذلك يمكن له أن يستخدم عقله فى أى شئ يخطر على باله دون أن يحتاج الى معاونة اللهم الا الاستشارة والاسترشاد.مع محاولة تبسيط المنهج العلمى ومساعدة التلاميذ لايجاد حلول للمشكلات اليومية التى تقابلهم بأساليب بسيطة ونابعة من البيئة المحيطة .
-تدريب التلاميذ على المسئولية الأجتماعية تجاه المجتمع والوطن من محافظة على نظافة الشارع والمدرسة والموارد الخاصة بالوطن الخ ..
- لفت الانتباه الى قدرة الطفل على اختيار البرامج التلفزيونية الجيدة من الرديئة والأعمال الفنية المحترمة وتجنب الغث منها .
- تدريب التلميذ على الحفاظ على "مساحة الخصوصية "وهو تعبير يُطلق على الدائرة المحيطة بكل شخص ل،ولا يجب على الآخر أن يتجاوزها فينتهك بذلك خصوصية الآخر ،وينطبق ذلك على طابور الصباح بالمدرسة وفى عربة المترو وفى أى مكان به تزاحم .
- يمكن للمعلم النابه اعداد مشاهد تمثيلية على أن تبدو تلقائية ،وذلك لتدريب التلاميذ على ثقافة تقديم الشكر ،وثقافة الاعتذار ،وذلك حتى تتحول هذة الثقافة الى عادة يصعب الاقلاع عنها .بمعنى اكساب التلميذ عادات ايجابية ..
- فتح باب الحوار والنقاش حول موضوعات الساعة فى المجتمع ،حتى يتعود التلاميذ على التعبير عن آرائهم فيما يحيط بهم من أحداث وقضايا ،ومن خلال ذلك الحوار يمكن للمعلم أن يبث روح النقد البناء داخل كل تلميذ على حدة ،وتشجيع كلا منهم على التحدث بأى طريقة تناسبه ،وهذا يمنحهم الثقه بالنفس شيئا فشيئا .
- فتح المجال للاقتراحات المختلفة على سبيل المثال "تطوير ديكور الفصل الدراسى "على أن يتيح المعلم لكل تلميذ تنفيذ ما يقترحه مما يعطى التلميذ ثقة فى نفسه وفى تفكيره .
- يمكن للمعلم أن يوزع قصص قصيرة على التلاميذ لقراءتها ،أو قراءتها لهم مع اختيار أعمالا أدبية محلية مثل قصة "نظرة "للكاتب المصرى الكبير يوسف ادريس ،او اعمال الكاتب الكبير يحي حقى ،اعنى القصص الأدبية الراقية والمعبرة عن البيئة المصرية ،ثم يدخل معهم فى نقاش حول القصة ،على أن يحكيها كل تلميذ كما فهمها ،كلا بطريقته ،وبذلك يمنح التلاميذالجرأة على التحدث فى موضوعات شتى ،والتعبير عن آرائهم بسلاسة ويسر .
- من خلال الحصص المختلفة يمكن للمعلم أن يخصص حصة للتحدث فيها حول النظافة الشخصية وطقوس كل تلميذ قبل الحضور الى المدرسة ،من خلال هذا الحوار يمكنه التأكيد على أهمية النظافة الشخصية ،وتحبيذ طرق فعالة للنظافة وارشادهم الى بعض الملاحظات التى قد تكون غائبة عنهم ..
- يمكن للمعلم أن يهتم أيضا بالجانب الروحانى للتلاميذ ومن خلاله يتم بناء الضمير لدى التلميذ وبأن الله يراقب اعمالنا و،اننا يجب ان نتقن العمل من اجل ارضاء الله ،وان نتقى الله فى جميع السلوكيات المختلفة التى نمر بها فى يومنا ،ويتم ذلك من خلال الحوار والاستمرار فى التأكيد على الأفكار يوما بعد يوم .

اعلم جيدا أن العبء الأكبر هنا يقع على المعلم ،الذى يجب عليه الاهتمام برأى كل تلميذ على حدة مما يشجعه على الادلاء برأيه ،واشعاره بالثة فيما يقول ،وبأن ما يفكر به ويعبر عنه محل تقدير الجميع ،وهذا لايتسنى الا بتميز المعلم بأريحية وثقة فى النفس وروح الأبوة ،فالحوار مع طفل فى المرحلة الابتدائية يحتاج الى صبر وذكاء ، لذا يجب على المعلم الاهتمام برأى كل تلميذ على حدة مما يشجعه على الادلاء برأيه ،فيمكنه مثلا أن يقول أن "رأى محمد كان وجيها للغاية "أو أن يقول "لقد لفت حامد نظرى الى نقطة لم أنتبه اليها من قبل "أو يقول "وكما قالت هدى "مثلا ..
وهكذا يمكن للمعلم أن يمنح التلاميذ الثقة فى أنفسهم ،وفيما يقولون من آراء.
أننى على دراية تامة أن ماأطلبه من المعلم هنا هو أن يكون قديسا !!ولما لا ؟ وقد قال الشاعر "قف للمعلم وفه التبجيلا ..كاد المعلم ان يكون رسولا ..هذة ضريبة المعلم ولكن حينما تثمر البذرة ،تذهب الضريبة وينقشع التعب ..
ان المرحلة الابتدائية يجب أن تكون محل اهتمام أكبر من الدول ففيها يوضع حجر الأساس الأخلاقى والثقافى والأجتماعى للطفل ،وبدون ذلك لن نجد سوى ما نراه الآن من تزايد فى حالات العنف والتحرش والتطرف والتجاوزات الأخلاقية المختلفة ،ولهذا أدعو الدولة لتخصيص السنوات الأولى من المرحلة الأبتدائية لما أطلق عليه اسم "التنمية البشرية لتلاميذ المرحلة الابتدائية "على أن يتم من خلالها زرع وتنمية الأخلاق الحميدة ،الاسس الاجتماعية السليمة ،وترسيخ المبادئ الانسانية الاساسية التى لايمكن لانسان أن يحيا بدونها ،ولا لمجتمع أن يتقدم من غير أن تتوغل فى نفوس شعب...

#فاطمة_الحصي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات