أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الثالث















المزيد.....

أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الثالث


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4739 - 2015 / 3 / 5 - 19:56
المحور: الادب والفن
    


- وأنا أنتظر الباص الذاهب إلى الجامعة، في ساحة العبدلي، ساحة الجمود والخلود، لمحت رشا، وهي تحاول الاختباء مني. استغربت حركتها، واستهجنت سلوكها. ذهبت إلى المكان الذي كانت فيه، فلم أجدها. وأنا أبحث بعينيّ عنها بين الأشياء والناس، والأشياء كالناس في ساحة العبدلي، لا قيمة لها، رأيتها، وهي تمتطي سيارة أجرة، فامتطيت سيارة أجرة مثلها، ولحقت بها. قطعنا عمان من طرفها إلى طرفها، كما لو كنا نقطع جسدًا ميتًا، بكف مفتوحة على السماء. غادرتِ التاكسي في المكان المدعو تحت السيل، واختفت في غرائبه. غرائب آدمية تثير الحواس أكثر ما تثير، وتطرح الكثير من الأسئلة. رأيت في جوف القنطرة جثثًا تحللت، بانت منها عظام هياكلها وجماجمها، وشاهدت من المعاقين من فقد ذراعه أو ساقه، من اعوج فكه أو كتفه، من يزحف على الأربع أو يسكن في الثقوب. انحنيت على بعض المرضى لأنظر في عيونها أو في حلوقها، ولأحسب عدد دقات قلوبها أو عضات نهودها. كل هذا كان جزءًا من تجاربي المتأخرة، وبالتالي لا فائدة منها، ما بعد المعرفة، وقد اكتملت المعرفة. جاءت بعض الكلاب الجائعة، وراحت تقطع بأنيابها ما تبقى من لحم الجثث، وتأكل بنهم. لم تشدني تجربة الحيوان أكثر، على الرغم من ثرائها، وذهبت أطرق الباب الذي دخلت منه رشا. فتح لي أعرج، لم يكن يعرفني، فقلت له "أخو الجن". وفي الحال، جعلني أدخل، وهو يبتسم لي. خصني بطاولة قرب منصة الرقص، وجاءني بقنينة شمبانيا. كل سياسيي البلد كانوا هناك، من أصغرهم إلى أصغرهم، وكلهم كانوا يحكمون من هناك. تنفذ العاهرات ما يأمرون، وهن يغبن تحت الطاولات، فلا تُسمع سوى التأوهات. جاءني مخنث قدم نفسه لي قائلاً إن اسمه "الفزاع"، وهو مستعد لتقديم أية خدمة لي. لمسني من فخذي، فأزحت يده، وسألته عن رشا. لم يبد عليه أنه يعرفها، قلت تلك الفتاة التي دخلت منذ قليل. قال إنها راقصة العلبة، وإن اسمها ريم، كل يوم تبدل اسمًا. وهو يملأ كأسي، اشتعلت الأضواء على جسدها شبه العاري، ووجهها شبه المغطى. أخذت ترقص دون موسيقى تصاحبها، ترقص وتتلوى، كالحية. وصلتني لهثاتها، فجف حلقي، وشعرت بأنفاسها على عنقي. شعرها يكاد يلاعب شعري، وجسدها يكاد يلامس جسدي. مددت يدي لأرفع عن وجهها الخمار، ولأعرفها لأجهلها. كنت أعرفها ولا أعرفها، وكنت أجهلها ولا أجهلها. أفلتت من يدي، وذهبت إلى طاولة أخرى، فأخرى، فأخرى، وحكام البلد يملأون صدرها بالأوراق النقدية.
أول ما وصلت الجامعة، طلبتها على الهاتف، كانت في مكتبها. وأنا أبحث عن التخفيف من استغرابي، شكوت الشتاء والبرد. لطمأنة الذات. كان أول إحساس نسعى إليه بعد أن نعيش من الغرابة ما عشت من الغرابة، فأرادت البدء بالأخذ قبل العطاء، وأكثر ما كنت أحتاج إليه العطاء.
- أحب المطر، قالت.
- أحب المطر، أنا كذلك، ولكني أكره البرد، خاصة برد عمان.
قالت لي إنها قرأت "مدريد"، وهو كتاب "رومانسي". لفظت هذه الكلمة بنعومة مثيرة إثارة نهد عارٍ، بإثارة ناعمة نعومة ساق غافٍ. بدا لي نثر بريتون كرماد الطبيعة، أشعار آراغون كأطلال العاطفة، وأناشيد لوركا كأشرعة الكآبة. أحسستني أتحرق شوقًا إلى الاحتراق، ولم تكن حرارة صوتها سوى بداية لتفجر البركان، المكان الزمني للكتابة.
- سأجيء إلى مكتبك لأحكي عن كتابك، قالت لي.
- مكتبي ليس مكانًا للحكي مع زملائي الذين يعملون فيه وطلابي الذين يمرون غالبًا لرؤيتي.
اقترحتُ عليها أن أذهب إلى مكتبها، بعد آخر محاضرة.
كانت تنتظرني في الممر، على كتفيها شال أحمر، والأحمر نار تلتهم الأسود، وشعرها شلالٌ يصرخُ على ظهرها.
أشارت إليّ بيدها، فابتسمت لها. دخلت مكتبها، وجلست غير بعيد عنها. لعنت الباب الذي تركته مفتوحًا، والعالم الذي يراقبنا. كان موعدي الأول معها بشكل من الأشكال، وكان لدي الحقُّ بالتصرفِ كعاشقٍ قادمٍ لحبٍ ضائعٍ في ماضيّ. حب جميل! حب جميل فاجعيّ!
- في اللحظة التي دخلتُ فيها مكتبك، قلت لها، كان لدي شعور بحية تلدغني.
- ما هي علاقاتك بالحيايا؟ سألتني، وهي تبتسم ابتسامة صغيرة، كتبك مليئة بها.
- علاقات عميقة جدًا، قديمة جدًا، ولكن تلك التي نظرت إليّ شَزْرًا قبل أن أدخل مكتبك أفظع الحيايا.
- اطمئن بالاً! أنا لا شيء يجمع بيني وهذا العالم الغامض المترصد لكل شيء. عندما أغلق عليّ باب مكتبي، أبتعد عن الكل، وأتخيل نفسي في جزيرة مهجورة.
أخبرتني بأن مديرها مسافر في أمريكا، وكل شيء واقف بانتظار عودته. ليس لهذا السبب يحسدها زملاؤها، لا يطيقون أن يروها تقرأ، يريدون أن تعمل كمحكوم عليه بالأشغال الشاقة. تخيلتُنِي فيها مطرودًا، متروكًا. أردت أن أقول لها كل شيء إلا عدم الجهل، كل شيء إلا عدم العزلة. أردت أن أبوح لها بأنني سأكون لها الجزيرة المهجورة. كنت أسمعها. سألتني إذا ما كنت صديقًا لفلان أو علان، فسألتها بدوري إذا ما حاولوا معها. لم تحر جوابًا. شكت مديرها السابق، فلمّحْتُ إلى محاولته معها. لم تعط جوابًا قاطعًا.
- أعز زميلاتي تقول بأنني لطيفة كثيرًا، أضافت. وحثتني على أن أكون صعبة المِراس مثلها، لنشكل زوجًا من جهنم!
- عسى الله ألا يعيدوك مريضة!
- هددتُ بالاستقالة! لعلمك أنا لست لطيفة إلى هذا الحد، لي طبيعة قتالية: قلت لهم أن يتركوني وشأني طارقة الباب في وجوههم. الآن يقولون عني لئيمة.
- بالأحرى رقيقة، عطوفة!
لم تقل شيئًا آخر، بقيت تفكر في أمرها. في تلك اللحظة، لم أكن أعلم أن كل ما قالت كان بمثابة تحذير من كل التباس بين حب وحقد. لم أعر ذلك أي اهتمام، أردتها حسب الصورة التي صنعتها في نفسي، وتلك الحاجة إلى التخفيف عني تعود من جديد.
- أما أنا، فقد أعادوني مريضًا بالفعل!
- مم تشكو؟
أخذت ألعنهم، كان موقفًا لواحد ضعيف أمام أحاسيسه. ابتسمَتْ. لم أكن أعلم إذا ما كانت تضحك من ضعفي أم من قوتي الزائفة. لعنتُ عمان. ابتسمَتْ أكثر. اعترفتُ بأني أريد السفر عما قريب. ابتسمَتْ أكثر فأكثر. لم يكن باستطاعتها قول كلمة واحدة، تعليق واحد، كانت تبتسم بسخاء، بسناء.
في الأخير، تَعِبَتْ من الابتسام شفتاها، أعلمتني أنها في أصلها من فاس، وأن جدودها تركوا الأندلس إلى المدينة الإدريسية قبل أن يهاجروا إلى المشرق. أبوها يعمل في البورصة، وأمها في البيت. أعلمتني كذلك أن أختها الكبيرة عروسٌ تزوجت من شرق أردني بعد رفضٍ من أبويها دام ست سنين.
إنذارٌ آخرُ فاتني. خلال لحظة، ظننت أني فهمت أن الأخت الكبرى حصلت على ما تريد لعنادها وإخلاصها للرجل الذي أحبته.
عائلتها، لم يكن يهمني أمرها، أوديسة أجدادها كذلك. عدت إليها. كانت هي مركز اهتمامي. سألتها إذا ما كانت تتكلم الإسبانية، لم تكن تعرف سوى "اسمي رشا".
- إنها اللغة الوحيدة التي أتمنى تعلمها، أضافت، ومدريد، المدينة الوحيدة التي أحب زيارتها.
صمتت، قبل أن تقول:
- شيء طبيعي عندما أفكر بأصلي الأندلسي البعيد، ولكن، خصوصًا، بفضل عرس الدم للوركا!
لم أفكر في هذا الأصل الذي كان بالإمكان أن يجمع روحينا في مكان ما من الماضي، كان كل انتباهي منكبًا على لوركا الذي خانني دون أن يعلم، أو، إن شئتَ، الذي خنته، "كالحي" الذي خان هذا الشاعر الملعون قبلي. كنت أعيش حبي المستحيل على طريقتي، كنت أعيشه بهبل، وكنت مبسوطًا مني. كنت أخون مشاعري، سبب وجودي، دمي. لم أكن أرى نزيف الكلمات على فمها.
- سأعود إليها في الصيف، تعالي معي، رميتُ.
- آه! لو كان ذلك يتوقف عليّ، تنهدتْ.
فكرت في والديها القاسيين، وليس لحظة واحدة في المطب الذي يتوقف عليه كل كياني، كل وجودي. حرضتُها على التمرد، فوافقت. اقترحت عليها العمل معًا، فقبلت. تحطيم كل الأبواب، فابتسمت. دعونها إلى اكتشاف العالم، وفي الواقع، كنت أدعو نفسي إلى كل ما كنت أرغب في فعله، منذ موت حاكم مراكش، مع زوجته الجميلة. كانت رغبة يثيرها الموت والحب لم أُوَفِّهَا. في داخلي، كان هناك شخص بعمرها يبحث عن امتلاكها بأي ثمن. بالمقابل، فكرة الملهمة للعجوز الذي هو أنا كانت تتسلط عليّ بقوة أكثر من أي وقت آخر. طلبتها أن تكونها. ضاعت في أفكارها، ثم تكلمت عن "مدريد"، بطلتي، ملهمتي الماضية. أبدت دهشتها من الكلمات التي وصفتها بها، وتكلمت عن أسلوبي: أسلوب ألف ليلة وليلة مع شيء إضافي.
- بعدما قرأت مدريد، همهمتْ، محاولاتي في الكتابة لم تعد ذات أهمية.
ضَحِكَتْ.
كنتُ على وشك الغوص في وحل الحب حتى رأسي.
- قبل أن أعرفكَ، قالت، وهي تخفض عينيها، كنت أقول لنفسي إنك تلبس كالإسبان، لم أكن أعرف أنك كنت تعيش في مدريد.
رَفَعَتْ رأسها، ورمتني بنظرة ملأى بالإعجاب. لأجل هذه النظرة، هذه السهام، لهذا اللون الأخضر أو الأزرق، أجرؤ على القيام بما كنت أعتقد باستحالته. كان عليّ أن أكون على مستوى هذه النظرة الاستثنائية. سألتها إذا ما كان لديها الوقت لنلتقي خارج العمل.
- كما ترى، ليس عندي وقت. لكني لم آخذ عطلةً العامَ الماضي، سآخذ أسبوعًا من الأسابيع الأربعة.
لم أقل شيئًا. كان كل شيء واضحًا. كانت تريد أن تعيش المغامرة معي. مغامرتي. مغامرة بدأت في وادي آش، وستنتهي في وادي عربة، قرب البتراء، مدينة الحجر الورديّ.
- كم أنت هادئ، أطرتني.
- هادئ، أنا؟
ابتسمتُ.
ابتسمتْ.
كنت سعيدًا. رأيتها سعيدة، هي كذلك، مع سحاب من الحزن. كانت لها عينان رماديتان.
في اليوم التالي، كان اليوم غير اليوم. لم أتأمل نفسي في مرآة منذ زمن طويل. لم تكن عندي مرآة. كانت عندي قطعة في الحمام. قبل ذلك، كنت أنظر إلى وجهي كما لو كان لشخص آخر. في ذلك اليوم، الوجه الذي كنت أنظر إليه كان وجهي. اكتشفته من عيني حبيبتي ساميًا. بحثت عن محراث الزمن في التجاعيد الخفيفة عند زوايا عينيّ. حزرت توقد الذهن في هذه الجبهة العريضة مشعلاً الأسود في نظرتي. لأخفي صلعي المتزايد، فكرت في زرع شعر عند عودتي إلى مدريد. فكرت أيضًا في ممارسة بعض التمارين الرياضية، والمشي ساعة أو ساعتين كل يوم. لم أكن عجوزًا، كنت مغرمًا. كبطلي الشاب، الحي، أردت أن أكون جميلاً وفي أحسن حالة لأجلها. لم أكن أريد الفشل معها. لم أتوقع الفشل باكرًا. بيد أن شعورًا لديّ كان يقول بحدث جسيم. لم يكن شَعري المرمد، كانت أفكاري. كان قلبي مفعمًا بالحب ورأسي بالرعب. جرف الضوء نجومي، الفرح، وفضاءاتها العتمة، الحزن.
تحضيري "لامتحان" الحب كان يتطلب الذهاب عند الحلاق، القاعدة التي تكوّن الشكل، والشخص، والكون. نظرت إلى نفسي في المرآة الكبيرة، وابتسمت لها، لشبابي العائد، للحي، لآميديه، لإيزابيل. عدت بعد ذلك إلى بيتي دون أن تمحي صورتها من عينيّ، كانت عينيّ، الصورة الأولى، الصورة الأخيرة. كانت الصورة. سأخرج إلى دخولي في الصورة لأقيم بين ألوانها، لكن محاضرتي كانت عند نهاية ما بعد الظهيرة، فقرأت قليلاً، وأنا أراها في كل صفحة. أقفلت الكتاب، وأخذت أحلم يقظًا. سلوك فقدته منذ عقود. الإنسان لا يتغير، عاداته. ارتديت أجمل ثيابي، وغادرت إلى الجامعة. كان عليّ أن أرى أولاً مدير القسم. لما خرجت من المكتب، لم آخذ مفتاحي. كان في المكتب زميل، ولم أكن لأتأخر كثيرًا. غير أن لقائي كان طويلاً، أكثر من ساعة استمر لقائي. عجلت ذهابي إلى مكتبها، فوجدته مغلقًا. هل غادرت؟ بكل الخيبة في العالم، كنت على وشك العودة إلى مكتبي، عندما انفتح بابها بسحر ساحر، وخرجت منه زميلتها التي حدثَتْنِي أمس عنها.
- رشا تصلي، قالت.
لم أنتظر أن تكون هنا، لم أنتظر أن تكون في المصلى.
- فلتتلفن لي حال انتهائها، قلت لها.
ابتسمت ابتسامة ضالعة.
عندما عدت إلى مكتبي، كان زميلي قد غادر، وكان مفتاحي في الداخل. كان عليها أن تكلمني، وأنا، كنت هناك، كالحاوي! لم يكن مع السكرتيرة مفتاح ثانٍ، اتصلت بحارس الباب الرئيسي ليوقف زميلي، ويأخذ مفتاحه. كنت أشيط تلهفًا. رشا ستتلفن. كنت أميد يأسًا. خيبة، غباء، تلهف، ويأس فوق كل هذا. تلفنتْ، وغادرتْ ما في شك. عندما أحضروا لي مفتاح زميلي، لم أشعر بأقل متعة. فتحت الباب فتحي لعلبة إسبانية-موريسكية محكمة الإغلاق. كنت حزينًا بمرارة، مريرًا بأمر السفرجل. لم أعد الشاب، الجميل، الأنيق. أحسست بي مصطنعًا. جلست، وبقيت بلا حراك. غفوت، وغرقت شيئًا فشيئًا في حلم: أعطيت رشا كل مفاتيح قصر ملوك المور في غرناطة، قصر الحمراء، كلها، ما عدا واحد، مفتاح سرتي. علقته على خاصرتي قائلاً لها: "حذار! إذا لمست هذا المفتاح، وقعت مصيبة. سأقدمه لك عندما تلدين بناتنا الثلاث."
فتحت رشا كل حجرات القصر الغرناطي واحدة واحدة، كانت هناك أربعون حجرة عجيبة الواحدة أعجب من الأخرى، كافية لإرواء ظمأ كل فضوليي العالم، وليس رشا. في ليلة، وأنا أنام، أشعلت شمعة، وأخذت المفتاح المحرم. فتحت باب سرتي، لتجد نفسها أمام درج نزلته، ومنه إلى مدينة الناس فيها يستعدون للاحتفال بمولد بناتي: النجار ينجر الأَسِرَّة، والمنجد ينجد الفراش، والخياط يخيط الثياب، الدهان يدهن الجدران، الصائغ يصوغ الحِلى، الكاسر يكسر اللوز، الطاحن يطحن القمح، الحاكي يحكي للورد... كلما مضت بواحد منهم، كانت تسمعه يقول: "هذه هي التي نكثت الوعد والتي ستدفع الثمن بالدمع!"
مضى الوقت كلمح البصر، فبزغت الشمس. أخذت تركض، وصعدت الدرج نحو باب سرتي، لكنها، وهي تدير المفتاح في قفله، سقطت الشمعة على بطني، وأحرقتني. صرخت من الألم منها ومن الغضب عليها، وطردتها عاجزًا عن معاقبتها. لقد دمرت سعادتنا. بقيتُ على حالي أتعذب هكذا بين الحياة والموت عذاب الملعونين.
فجأة، فتحتُ عينيّ. كانت هناك، واقفة أمامي، في قلب مكتبي، وشفتا التوت تدعواني، وعينا الحقل الأزرق الأخضر تنادياني. هزت كل كياني. فتنني جمالها الحَيَيّ الفاجر، القدسي الدنس. خلتها في ثياب الصلاة، جميلة كملاك الشهوات. كانت على مرمى يدي، فاشتقت كثيرًا لمدريد. تقدمت خطوة، وها هي مدريد تأتيني. ليس فقط مدريد، ولكن فاس أيضًا، ومراكش، وغرناطة الخائنة. بسرعة، حكيت لها قصة المفتاح. ابتسمت. بسذاجة، وضعت إصبعًا على رأسي: حصد الحلاق كل شيء! كان حبي سذاجة العظام، وحيلة الصغار الذين أبقوا على الساذجة. عدت إلى الحادث غير المتوقع للمفتاح بحثًا عن خاتمة. لو أعطتني رقم هاتفها الشخصي لكلمتها. أعطتني إياه. أردت أن أعرف إذا ما طلبت عطلتها.
- طلبتُ، قالت.
- وماذا ستفعلين؟ قلت بسذاجة وبالقدر ذاته بثقل.
- الكل يسألني نفس السؤال.
كانت تبحث عن مخرج. عطلتها كانت لنمضيها معًا، فسمعت نفسي أقول:
- اتركيني أفعل.
وفي الحال:
- كما تشاء!
سأعمل لنا برنامجًا بعيدًا عن أن يكون مضجرًا، كانت موافقة. نظرت إليها مرة على مرة مأسورًا: أحمر شفتيها، أسود شعرها، أزرق-أخضر عينيها، ونحت جسدها المتحرك أمامي.
كان وقت ذهابها، فذهبت، تاركة لي ظلها وعطرها والرعب الذي يلهمني إياه حبها.


يتبع الفصل الرابع من القسم الثالث



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الثاني
- أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الأول
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثاني عشر
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الحادي عشر
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل العاشر
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل التاسع
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثامن
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل السابع
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل السادس
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الخامس
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الرابع
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثالث
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الثاني
- أبو بكر الآشي القسم الثاني الفصل الأول
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الخامس عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الرابع عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثالث عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الثاني عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل الحادي عشر
- أبو بكر الآشي القسم الأول الفصل العاشر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - أبو بكر الآشي القسم الثالث الفصل الثالث