أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المنعم عبد العظيم - الدبلوماسية الاسلامية















المزيد.....



الدبلوماسية الاسلامية


عبد المنعم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العلاقات الخارجية فى الاسلام
كتب عبدالمنعم عبدالعظيم
جاء الإسلام ليرسى دعائم الاخوة الإنسانية ذلك أن الدولة الإسلامية دولة حضارية غير منعزلة عن غيرها تهدف إلى التعايش مع الآخر وتبرأ إلى الله تعالى من عهدة الأمانة الملقاة على عاتقها في تأصيل مبادئ الإسلام إلى الآخر بالطرق السلمية، وهذا يبين تألق الحضارة الإسلامية في وقت يعاني منه العالم من قيام السفارات بأعمال دموية وتخريبية وتجسسية وكذب وافتراء.
ان سمو الفكر السياسي الإسلامي ظهر جليا من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلتى وصلت الى أعلى المراتب الحضارية مبلوراً شخصيته الإسلامية المستقلة والمميزة، لقد زعم الفكر الغربى أن الحضارة الإسلامية غير قادرة على إنشاء دولة مدنية عصرية تسهم في علاج مشكلات الحضارة من منظور إسلامي.
ولكن المتتبع للسفارات النبوية التى تشكل أسس العلاقات الخارجية في الإسلام يرى أن من المقاصد التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخاها في سفاراته إلى الدول القائمة في زمانه، هو تحقيق الاعتراف المتبادل بين الدول الإسلامية بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين غيرها من الدول، يظهر هذا من خلال:
1. سفاراته صلى الله عليه وسلم إلى الدول القائمة في زمانه، فقد أرسل إلى هرقل دحية الكلبي بكتاب جاء فيه (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم...) وأرسل إلى المقوقس بكتاب جاء فيه (من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط...) وأرسل على كسرى بكتاب جاء فيه (من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس...) فدلالة ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب هؤلاء الزعماء بما هم عليه من الرئاسة والتسلط على أقوامهم، فخاطب هرقل بعظيم الروم، وكذا المقوقس بعظيم القبط، وكذا كسرى بعظيم فارس، وأثبت له لقبه وهو كسرى، فإن ملك الفرس يلقب بكسرى كما أن ملك الروم يلقب بقيصر
كل هذا يدل على اعتراف من النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة قائمة في زمانه وكانت سفارته إليهم دليلاً على هذا الاعتراف. بل إن مجرد بعث السفير، ثم قبوله في الدولة المبعوث إليها يعد دليلاً على هذا المقصد، وإن لم يصرح به.
2. وقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذه السفارات بعض مما أراد، فقد اعترفت دولة الروم، وكذا دولة القبط، بدول الإسلام الفتية، بينما رفضت دولة فارس هذه الفكرة، وعبرت عن هذا الرفض بتمزيق الكتاب النبوي وعدم احترام السفيرومما يدل على تحقيق الاعتراف من قبل دولتي الروم والقبط بدولة الإسلام بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، ما يأتي:
أ. تعظيم الكتاب المبعوث مع السفير من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن حجر نقلاً عن السهيلي:" أنه بلغه أنَّ هرقل وضع الكتاب في قصبةٍ من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه، حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سبطه، قال: فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكنه من تقبيله، فامتنع".
قال ابن حجر رحمه الله:" وأنبأني غير واحد عن القاضي نور الدين بن الصائغ الدمشقي، قال: حدثني سيف الدين فليح المنصوري، قال: أرسلني الملك المنصور قلاوون ملك الغرب بهدية، فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها، وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت، فقال لي: لأتحفنك بتحفةً سنية، فأخرج لي صندوقاً مصفحاً بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خرقة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا، أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه، ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا. ويؤيد هذا ما وقع في حديث سعيد بن أبي راشد أن النبي صلى الله عليه وسلم. عرض على التنوخي رسول هرقل الإسلام، فامتنع، فقال له:" يا أخا تنوخ إني كتبت إلى ملككم بصحيفة فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير".
وكذلك أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من مرسل عمير بن اسحق، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، فأما كسرى فلما قرأ الكتاب مزقه، وأما قيصر فلما قرأ الكتاب طواه ثم رفعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هؤلاء فيمزقون، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية"، ويؤيده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جواب كسرى قال:(مزق الله ملكه). ولما جاءه جواب هرقل، قال: (ثبت الله ملكه). والله أعلم.
ب‌. إرسال كل من هرقل والمقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسفراء يحملون الخطابات الودية والهدايا كإشارة لقبول سفارة النبي صلى الله عليه وسلم واعترافاً منهم بدولة الإسلام.
فعن سعيد بن أبي راشد، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص، وكان جاراً لي قد بلغ الفندأو قرب. فقلت:" ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟"
وفي الرواية الثانية: عن سعيد بن أبي راشد (مولى لآل معاوية)، قال قدمت الشام، فقيل لي: في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلنا الكنيسة، فإذا أنا بشيخ كبير. فقلت له: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم. قلت: حدثني عن ذلك. قال: بلى (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك. فبعث دحيةً الكلبي إلى هرقل. فلما أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم باباً، فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال:
"يدعوني أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو أن نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرأون من الكتب: ليأخذن ما تحت قدمي، فهلُّمَّ نتبعه على دينه، أو نعطيه ما لنا على أرضنا".
فنخروا نخرة رجل واحد، حتى خرجوا من برانسهم، وقالوا:" تدعونا إلى أن ندع النصرانية، أو نكون عبيد الأعرابي جاء من الحجاز؟" فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده، أفسدوا عليه الروم... قال:" إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم".
ثم دعا رجلاً من عرب تجيب كان على نصارى العرب، فقال:" ادع لي رجلاً حافظاً للحديث، عربي اللسان، أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه". فجاء بي. فدفع إلي هرقل كتاباً، فقال:" اذهب بكتابي إلى هذا الرجل..
وفي رواية أبي عبيد عن بكر بن عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام. فلما أتاه رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر منادياً، فنادى:" إلا أن قيصر ترك النصرانية واتبع دين محمد صلى الله عليه وسلم". فأقبل جنده قد تسلحوا، حتى أطافوا بقصره، فأمر مناديه فنادى:" إلا أن قيصر إنما أراد أن يجربكم كيف صبركم على دينكم. فارجعوا، فقد رضي عنكم". ثم قال لرسول النبي صلى الله عليه وسلم:" إني أخاف على ملكي" وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني مسلم" وبعث إليه بدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ الكتاب:" كذب عدو الله، ليس بمسلم، ولكنه على النصرانية". قال: وقسم الدنانير بين أصحابه، قال أبو عبيد: فأرى الدنانير التي وصلت إليه من هرقل، إنما وصلت إليه بتبوك
وقد نقل محمد حميد الله رواية أخرى شبيهة بما تقدم في جواب إمبراطور الروم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ:(إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى، من قيصر ملك الروم، إنه جاءني كتابك مع رسولك، وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم. وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك).
أما المقوقس عظيم القبط فقد أجاب بأحسن جواب، وأتحف النبي صلى الله عليه وسلم بالهداياوقد جاء جوابه على هذا النحو: (لمحمد بن عبد الله من المقوقس: سلام، أما بعد: فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت، وما تدعو إليه. وقد علمت أن نبياً قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام. وقد أكرمت رسلك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها. والسلام)
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأهل مصر، قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا فتحتم مِصْرَ فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمةً ورحماً"
ومما تقدم:
1. إن السفارة وسيلة لتحقيق الاعتراف بالدولة الإسلامية، وأن هذا المقصد مشروع ومطلوب، فقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن سعادته بجواب هرقل والمقوقس وإن لم يسلما، تمثل ذلك بوصفه لهرقل بأن ملكه يثبت، ووصايته بأهل مصر، كما عبر عن استيائه وغضبه من كسرى بدعائه عليه بتمزيق ملكه. ولو كان المقصد الوحيد المطلوب من السفارة النبوية هو دخول هؤلاء في الإسلام، لدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم جميعاً، لأنهم في الكفر سواء، وقد قال صلى الله عليه وسلم عن هرقل لما ادعى الإسلام (كذب عدو الله، ليس بمسلم، ولكنه على النصرانية).
2. أما ما تقدم من أن سفارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الدول دليل على مشروعية الاعتراف بالدول القائمة، فإنه قد يعرض على هذه الفكرة ما قاله الإمام النووي في شرح قولـه صلى الله عليه وسلم (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم)، قال:(فلم يقل ملك الروم، لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تنفذه الضرورة)
وتابعه على قولـه هذا الأمام ابن حجر، حيث قال:(فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة، لأنه معزول بحكم الإسلام، لكنه لم يخله من إكرامٍ لمصلحة التألف).
ويجاب عن هذا بالآتي: إن ما ذكره كل من الإمامين النووي وابن حجر- رحمهما الله- يفيد عدم شرعية هذه الأنظمة القائمة على الاستبداد والظلم وتحريف الحقائق ولكن هذا لا يمنع من الاعتراف بهذه الأنظمة كحقيقة واقعة، والتعامل معها على هذا الأساس، فهو اعتراف لا يصل إلى ما يسمى- في زماننا- بالاعتراف القانوني وله ما يؤيده في قولـه تعالى:( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير) [الحجرات:13]
قال ابن العربي: (خلق الله الخلق من الذكر والأنثى، أنساباً وأصهاراً وقبائل وشعوباً، وخلق لهم منها التعارف، وجعل لهم بها التواصل للحكمة التي قدرها وهو أعلم بها)
وقال الزمخشري: (وقرئ:" لتتعارفوا"، و"لتعارفوا" والمعنى: أن الحكمة التي من أجلها رتبكم على شعوب وقبائل هي أن يعرف بعضكم نسب بعض
وقال ابن كثير: (المراد بالشعوب بطون العجم، وبالقبائل بطون العرب، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل... فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية... منبهاً على تساويهم في البشرية...).
فالإسلام يعترف بوجود الآخرين، ولكنه يعاملهم بناءً على هذه الأسس
ومن أهم المبادئ التي يجب على الدولة الإسلامية إظهارها والتعايش مع الآخرين على أساسها والتي تعتبر مميز أساسي للشخصية المسلمة ما يأتي:
1. المحافظة على النفس البشرية، وذلك من خلال إيقاف سفك دماء الآمنين الأبرياء في الحروب والمنازعات الدولية التي توقدها أيدي الشر في هذا العالم. قال تعالى:( كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) [المائدة: 64].
2. المحافظة على الحقوق الإنسانية، كحق الإنسان في الاعتقاد، وحقه في العمل والزواج، ومحاربة العنصرية.
3. القضاء على مشكلة الفقر. قال تعالى:( ويطعمون الطعام على حُبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله ) [ الإنسان: 8-9]
4. المحافظة على الكون وموجوداته، وهو من أهم مقاصد الدين، وفي ذلك يقول ابن عاشور-رحمه الله-: "إذا نحن استقرينا موارد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع، استبان لنا من كليات دلائلها ومن جزيئاتها المستقرأة، أن المقصد العام من التشريع فيها هو حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه، صلاح عقله، وصلاح عمله، وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه".قال:" إن مقصد الشريعة من التشريع حفظ نظام العالم، وضبط تصرف الناس فيه على وجه يعصم من التفاسد والتهالك، وذلك أنما يكون بتحصيل المصالح، واجتناب المفاسد، على حسب ما يتحقق به معنى المصلحة والمفسدة".
ومن هذا المبدأ تنطلق دعوة الدولة الإسلامية إلى محاربة كل ما يفسد الكون من مفاعلات نووية وقنابل ذرية وغازات سامة، وغيرها من السموم التي تفسد الأرض والسماء والهواء، وما أشبه ذلك من الأدخنة التي تفسد الطبيعة، وتقضي على توازنها، وتهلك الحرث والنسل
5. التعاون المشترك للقضاء على جميع أنواع الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال إظهار مبادئ الدين الإسلامي الذي يدعو إلى الشورى ويحارب الربا وتمركز رؤوس الأموال، ويحارب الرذيلة والخيانة الزوجية وتعاطي المخدرات والمسكرات...الخ.
وبالجملة، فإن مبادئ الإسلام الإنسانية العالمية والتي لا يختلف العقلاء على مصداقيتها وشرعيتها، هي عنوان الملحقية الثقافية في السفارة الإسلامية المعبرة عن الشخصية العالمية للدولة الإسلامية..
المطلب الثاني: التعاون الاقتصادي:
والدولة الإسلامية تتعايش مع الآخرين من خلال التبادلات التجارية، والتعاون الاقتصادي، وهذا مقصد معتبر من مقاصد السفارة، وينبغي على السفارة أن تقوم بواجبها في تحقيق التعاون الاقتصادي بين الدولة الإسلامية والدول الأجنبية المعتمدة لديها، وقد تحدث الأمام ابن عاشور عن المصالح التي تعود على الجماعات العظيمة مثل العهود المنعقدة بين أمراء المسلمين وملوك الأمم المخالفة، في تأمين تجار المسلمين، بأقطار غيرهم، إذا دخلوها للتجارة، وتأمين البحار التي تحت سلطة غير المسلمين، بأقطار غيرهم، إذا دخلوها للتجارة، وتأمين البحار التي تحت سلطة غير المسلمين، لتمكين المسلمين من مخرها آمنين...، والعقود المنعقدة مع تجار غير المسلمين إذا دخلوا مراسي الإسلام على عشر أثمان ما يبيعونه ببلاد الإسلام من السلع والطعام، أو على نصف العشر إذا جلبوا الطعام إلى الحرمين خاصة.
ومثل هذه الاتفاقيات لا تتم دون سفارة، سواء كانت مؤقتة أو دائمة، هذا وقد استخدم
النبي صلى الله عليه وسلم السفراء لتنظيم التعاون الاقتصادي، ومن ذلك بعثه لأبي عبيدة للإتيان بما اتفق عليه مع أهل نجران من أموال، ودروع. مما يكون فيه النفع للطرفين، ومن ذلك أيضاً ما أوصى به صلى الله عليه وسلم في كتابه لأهل نجران، المتقدم في أدلة المشروعية- مما يعتبر وثيقة شرعية في التعاون الاقتصادي مع الغير
وقد أمتن الله تعالى على قريش في أن هيأ لها رحلة الشتاء والصيف، فقد قيل: بأن أصحاب الإيلاف، المخاطبين بقوله تعالى:(لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) [قريش: 1-4] هم: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل، وهؤلاء هم بنو عبد مناف، فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك الشام، أي: أخذ منه حبلاً وعهداً يأمن به في تجارته إلى الشام، وأخوه عبد شمس إلى الحبشة، والمطلب إلى اليمن، ونوفل إلى فارس، ومعنى يؤلف: يجير. فكان هؤلاء الأخوة يسمون:المجيرين، فكان تجار قريش يختلفون إلى الأمصار بحبل هؤلاء الأخوة، فلا يتعرض لهم
قال الزهري: الإيلاف: شبه الإجارة بالخفارة، يقال: آلف يؤلف إذا أجار الحمائل بالخفارة، والحمائل جمع حمولة
وهذا الذي ورد في حق قريش يبين أن هناك معاهدات قديمة بينهم وبين تلك الدول، وقد يقال في وصفها بالمصطلح الحديث (علاقات قنصلية) ومن واجباتها تنظيم أمور التجارة، فلما دخلت قريش بالإسلام، أصبحت هذه العلاقات مهددة، قال الشافعي رحمه الله:" وكانت قريش تنتاب الشام إنتياباً كثيراً مع معايشها منه، وتأتي العراق، فلما دخلت في الإسلام، ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع معايشها بالتجارة من الشام والعراق، إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام، مع خلاف ملك الشام وملك العراق لأهل الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وأجابهم على ما قالوا له، وكان كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ووجه الاستدلال بسورة قريش: أن الله أمتن عليهم بهذه التجارة التي يسرها لهم فأطعمهم من جوع، وأمتن عليهم بهذه العلاقات والأحلاف فآمنهم من خوف. وظهور المنيِّة دليل المشروعية.
وقد نقل ابن حجر- رحمه الله- قصة ثمامة بن آثال التي ذكرها ابن هشام عن ابن اسحاق:"...فإنه بعد أن أسلم خرج معتمراً، فلما قدم مكة قالوا: أصبوت يا ثمام؟ فقال: لا، ولكني اتبعت خير الدين، دين محمد، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ خرج إلى اليمامة، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم".
وقد استدل الحنفية بهذه الرواية على جواز نقل الطعام إلى أهل الحرب، قالوا:" القياس فيه أن يمنع من حمله إلى دار الحرب، لأنه به يحصل التقوى على كلِّ شيءٍ والمقصود إضعافهم، إلا أنا عرفناه- أي نقل الطعام إليهم- بالنص، يعني حديث ثمامة، وحديث إسلامه".
قال الميرغناني:" فإنه عليه الصلاة والسلام أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه
المطلب الثالث: عقد العهود وإجراء الصلح:
وهو من مقاصد السفارة المعتبرة بدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، في سفارته لأهل قريش قبيل صلح الحديبية، وفي سفاراتهم له، الأمر الذي تمخض عنه عقد معاهدة الصلح. وقد تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع، قال:" ثم إن المشركين راسلونا الصلح حتى مشى بعضنا في بعض، واصطلحنا
وتحقيق التعايش مع الآخر من خلال إجراء الموادعة والمصالحة، يتم من خلال السفارة، على مرحلتين:
المرحلة الأولى: بعث السفراء في مهمة إجراء الصلح خاصة، ولأجل التفاوض مع الدولة الأخرى، وهؤلاء السفراء ينطبق عليهم ما ينطبق على البعثات الخاصة، بسبب طبيعة
المهمة المؤقتة التي يقومون بها. وتستمد هذه المرحلة مشروعيتها من حديث مسلم المتقدم، ومن النصوص الشرعية الكثيرة التي تدعو إلى الصلح مع الأعداء لأجل الدعوة الإسلامية وهي معروفة مشهورة تغني معرفتها عن ذكرها في هذه المقام.
أما المرحلة الثانية: فإذا تمهدت سبل الصلح، وتم الاتفاق على إجراء معاهدة سلام بين الطرفين يمكن القيام بممارسة التمثيل الدبلوماسي الدائم عن طريق إقامة علاقات ودية وطيبة فيما بينهما. وتستمد هذه المرحلة مشروعيتها من فعله صلى الله عليه وسلم، في إجراء صلح الحديبية، قال الشافعي رحمه الله: "قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش، ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به قريش، فجمعت له، وجدّت على منعه، ولهم جموعٌ أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتداعوا الصلح، فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم...، ونزل عليه في سفره في أمرهم (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً) [ الفتح: 1]، قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، كانت الحرب قد أخرجت الناس، فلما أَمِنوا، لم يتكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله، فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك
فكانت تلك الهدنة نظراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في كفهم عن القتال، ودخول الناس بعد الأمن في الإسلام
وجه قول الشافعي رحمه الله: أنَّ الصلح تحقق بعد أن تداعى المسلمون والكافرون إليه، ثم إن هذا الصلح قد حقق خيراً عظيماً، وهو الذي دفع كبار الحنفية كالميرغناني وابن الهمام رحمهما الله إلى وصف الجهاد بأن له صورة، ومعنىً. فأما صورته فهو القتال، وأما معناه فهو: المسالمة، إذا كان فيها خير للمسلمين، لأن المقصود دفع الشر، وهو حاصلٌ بالموادعة والمسالمة
وقد انتقد ابن الهمام رحمه الله من عرَّف الموادعة بأنها ترك للجهاد، وهو القتال، وأن الصلح هو الاستثناء أو الضرورة، بقوله:" الموادعة: المسالمة، وهو جهاد معنىً لا صورة، وما قيل بأنه ترك الجهاد، وترك الشيء يقتضي سبق وجوده، فغير صحيـح، بل يتحـقق ترك الزنا، وسائر المعاصي، ممن لم توجد منه أصلاً، ويثاب على ذلك، وكيف وهو مكلف بتركها في جميع عمره، وإلا كان تكليفاً بالمحال
وهذا الذي ذكره الميرغناني وابن الهمام رحمهما الله في أن المسالمة أو الموادعة جهادٌ معنى، إذا كان فيه تحقيق لمصلحة للمسلمين، ودفع لشر أعدائهم، أمرٌ في غاية الجودة، ويعالج إشكالية علمية كبيرة دارت في هذا الزمان، "هل الأصل في علاقة المسلمين مع الدول الأجنبية السلم أم الحرب؟" فمن ذهب إلى القول بأنها السلم، أُجيب: بأنه ترك للجهاد. ومن ذهب إلى القول بأنها الحرب، أُجيب: بأنه تقليدي يأخذ بتراثٍ قديم، له واقعة الخاص الذي يخالف واقعنا في هذا الزمان
والأحسن من القولين أن يقال: إن علاقة المسلمين بغيرهم هي الجهاد، وهو يتحقق بالقتال كما يتحقق بالموادعة والمسالمة، وأن إمام المسلمين يختار من بين هذين الأسلوبين- القتال أو المسالمة- ما يراه مناسباً لاستمرارية الجهاد الإسلامي، لتحقيق مصلحة المسلمين، ودفع شر عدوهم، ومن الأدلة على أن علاقة المسلمين مع غيرهم هي علاقة جهادية، وهي أوسع من اختصاصها بالقتال قوله تعالى: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً) [الفرقان: 52].
فقولـه تعالى: (وجاهدهم به) أي بالقرآن، من خلال توضيح مقاصده ومبادئه ومفاهيمه، وقولـه تعالى:(جهاداً كبيراً)، أي جهاداً قوياً دائماً مستمراً، ووصف هذا بأنه جهاد والحث عليه بهذه الصيغة التي تفيد الوجوب، هي ما ينبغي أن تبتنى عليه علاقة المسلم بغيره من المسلمين، ولا يتحدد هذا النوع من الجهـاد بقتـالٍ أو مسالمة، بل إن المسالمـة في الغالب تكون أنفـع في هذا النوع من الجهاد
والقتال ليس مقصوداً لذاته، وكذا الدعوة أو الجدال، وإنما هي وسائل لتحقيق المقصد الأسمى وهو دخول الناس في دين الله أو الأعذار إليهم بالشهادة على تبليغهم، وهذا هو واجب المسلمين تجاه غيرهم.
والإمام يختار من بين الأساليب ما يؤدي إلى تحقيق المقصود، بشرط أن يكون هذا الأسلوب أبلغ وأنفع في أداء المقصد. والقتال أسلوب علاجي أخير، لا يلجأ إليه إلا إذا تعذرت بقية الأساليب، أو أصبحت لا تحقق المقصود. لذا فإن السفارة الإسلامية تقوم بممارسة مهماتها ومقاصدها، وتحقق التعايش مع الآخرين من خلال وجود معاهدة سلام بين البلدين، ويعزز هذه المشروعية، قولـه تعالى:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين) [ الممتحنة: 8]، فإن إرادة الدولة الأجنبية الموادعة لإيجاد جو خالٍ من الاعتداء والقتال، وعدم إخراج المسلمين من دورهم، أو تهجيرهم عن أوطانهم، أو إيذائهم بأي نوع من أنواع الإيذاء، فإن هذه الإرادة تجيز للمسلمين أن يعاملوها بالبر والعدل، وإقامة علاقات سلمية معها.
المطلب الرابع: متابعة ما يجري داخل البلد المرسل إليها ومراعاة المسلمين فيها:
1. متابعة الأحداث في البلد المرسل إليه أمر ضروري- كما نصت على ذلك اتفاقية فيينا لعام 1961م- ولا يعتبر ذلك من التجسس المنهي عنه لأنه نوع من الرعاية والنظر للمسلمين، من قبل ولي أمر المسلمين، وهو مراعاة لجانب الحيطة والحذر من الآخرين قبل وقوع المحذور، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) [النساء: 71] ويقول:( وإما تخافن من قوم خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ) [الأنفال: 58] والسفير في هذا يعتبر كالمراقب لمدى احترام الدولة الأجنبية للعهود والمواثيق التي عقدتها مع دولة الإسلام.
ثم إن السفراء لا يخبرون إلا بما يرونه فلا يتكلفون خفايا الأمور ولا يتجسسون، فإن ذلك لا يليق بهم، بل هم أمناء على ما يرونه في الدولة التي يعيشون فيها، وعلى مدى مراعاة الدولة المضيفة للعهود والمواثيق، وكما أن ولي الأمر مكلف بمعرفة ما يجري في دولته، فهو كذلك مكلف بمعرفة ما يجري حوله من الأحداث، لأن هذا من تمام الرعاية والنظر، ومن وصايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص قائد معركة القادسية ما نصه "واكتب إليَّ بجميع أحوالكم، وتفاصيلها، وكيف تنزلون، وأين يكون منكم عدوكم، واجعلني بكتبك إلى كأني أنظر إليكم، واجعلني من أمركم على الجلية
لاحظ قولـه رضي الله عنه:" واجعلني بكتبك إلى كأني أنظر إليك" فأن عمر-رضي الله عنه- استخدم السفارة في متابعة الأحداث، كأنه يعيش بين ظهرانيهم ينظر إليهم، وهذا من الواجبات المهمة التي تطالب بها السفارة، قال الجويني- رحمه الله-:" ومن واجبات نظام الملك، وما عليه الإحاطة بالأخبار والأحوال، وعليه الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار، فإن النظر في أمور الرعايا، يترتب على الإطلاع على الغوامض والخفايا، وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف، وأسبلت العماية دون معرفتها...، ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية...، امتدت أيدي الظلمة إلى الظعفة بالإهلاك والإتلاف. قال: والتيقظ والخبرة أسُّ الإيالةوقاعدة الإمرة، وإذا عمى المعتدون أخبارهم، وأنشبوا في المستضعفين أظفارهم، فقد يفضي هذا إلى ثوران الثوار، في أقاصي الديار، وليس من الحزم الثقة بمواتاة الأقدار، فقد يثور المحذور من مكمنه، ويؤتى الوادع الآمن من مأمنه، على أن هذا الخطب الخطير قريب المدرك، يسيرٌ، فلو اصطنع الإمام من كل بلدة زمراً من الثقات على ما يرى، ورسم لهم أن ينهوا إليه تفاصيل ما جرى، فلا يغادروا نفعاً ولا ضراً إلا بلغوه، لتوافت دقائق الأخبار وحقائق الأسرار، فإذا استشعر أهل الخبل والفساد، أنهم من صاحب الأمر بالمرصاد، آثروا الميل طوعاً أو كرهاً إلى مسالك الرشاد، وانتظمت أمور البلاد والعباد"
وهذا النص الذي ذكره الجويني وإن كان يتحدث عن الأقاليم الداخلة تحت سيادة الدولة الإسلامية، ولكن فحوى النص أوسع من ذلك، فإنه يعني أن يكون الإمام دائم التيقظ والحذر، وإن يظل متابعاً لما يجري حوله من الأحداث، فإن هذا من تمام الرعاية والنظر، وقد كتب عمر ابن الخطاب إلى عمر بن العاص عامله على مصر يقول له:" أما بعد يا عمرو: إذا أتاك كتابي فابعث إلي جوابه، تصف لي مصر ونيلها وأوضاعها، وما هي عليه كأنني حاضرها".
حت سيادة الدولة الإسلامية، ولكن فحوى النص أوسع من ذلك، فإنه يعني أن يكون الإمام دائم التيقظ والحذر، وإن يظل متابعاً لما يجري حوله من الأحداث، فإن هذا من تمام الرعاية والنظر، وقد كتب عمر ابن الخطاب إلى عمر بن العاص عامله على مصر يقول له:" أما بعد يا عمرو: إذا أتاك كتابي فابعث إلي جوابه، تصف لي مصر ونيلها وأوضاعها، وما هي عليه كأنني حاضرها".
2. أما مراعاة أحوال المسلمين في تلك الدولة المضيفة، فإنه من هم الأمور التي تنشأ السفارات لها، والدليل على ذلك ما جرى من المراسلات في صلح الحديبية بغرض تحقيق الصلح للحفاظ على أرواح كثير من الأبرياء المسلمين الذين يعيشون في مكة.
قال تعالى:( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محله ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً) [ الفتح: 25].
فإن الآية تصرح بأن من الأسباب المباشرة لمنع الحرب، وجود مؤمنين في مكة غير معلومين، فكان الصلح الذي نجم عن هذه السفارات وسيلة لحقن دماء المسلمين، فإذا كان في الصلح أحياءٌ لنفوس المسلمين فهو أمرٌ لازم مطلوب
لأنه أصبح وسيلة لهذا، ومن قواعد الفقه: أهمية الوسائل بقدر أهمية المقاصد. يفعل بخصوص تحقيق مبدأ التعايش بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول.
العلاقات الخارجية فى العصر العباسى
وصلت الدولة العربية الإسلامية أوجها في عهد الدولة العباسية ، ولقد عرفت هذه المرحلة انتقال العاصمة من دمشق إلى بغداد، وظهور
الدولة العباسية كأكبر دولة في العالم آنذاك،
وكانت عاصمتها ملتقى للوفود
والسفارات من مختلف بقاع الأرض، بالإضافة لمشاركة عناصر
غير عربية في الحكم.
ومن ابرز مظاهر تطور العلاقات الدولية في الدولة العباسية كان استحداث منصب الوزارة. وهو مصطلح عربي في أصله استدعته الظروف والرغبة
فبرز الحاجة إلى شخص
يتمتع بحكمة ودراية ومؤهلات خاصة

يعينه الخليفة في تدبير أمور
الدولة سياسياً وإدارياً وتقديم المشورة ومتابعة تنفيذ أوامر الخليفة. وقد
تطورت مهمة الوزارة مع تطور الاتجاهات السياسية والإدارية ونزعة الخلفاء العباسيين وقوتهم. ويعتبر مهمة متابعة العلاقات الدبلوماسية من المهام الأساسية لمنصب الوزارة.
وطور العباسيون الدواوين الخاصة بالعلاقات الخارجية،
واهتموا بتوسيع علاقاتهم السياسية.
وكان اتساع الدولة العباسية قد جعلها قريبة من العديد من الدول مما
فرض عليها أن تنظم علاقات سليمة
بينها وبين هذه الدول.
وتسوية المنازعات الناشئة بينها.
ودبلوماسية مع الدول المعاصرة لها صديقة كانت أو عدوة.

عن طريق السفارات والبعثات السياسية التي كان لها أهدافا
إلى جانب المواصفات والمؤهلات
التي لابد أن يتحلى بها من يختار للسفارة. كما ترسخت أعراف وتقاليد استقبال السفراء واستضافتهم وتوديعهم وتمتعهم بالحصانات والامتيا زات الدبلوماسية. وهذا ما تميز به تاريخ الدولة العباسية
وأصبح سمة علاقاتها الدولية.
وكان الرسل والسفراء الذين ينتمون إلى فئة عمال الدولة
يتقاضون الرواتب ويأخذون النفقات من الدولة ويلبسون ملابس خاصة.
ومن الممتع أن نجد بعض الإشارات إلى الزي الرسمي الذي كان يرتديه السفراء العرب حين مقابلتهم رؤساء الدول الأجنبية، فقد ظهر نصر بن الأزهر الذي أرسله الخليفة العباسي المتوكل إلى القسطنطينية عام 861 م بالزي الرسمي العباسي الأسود متمنطقاً سيفاً وخنجراً. وهناك تشابه بين الزي الذي يرتديه سفراء العصر مثل
السموكن والنواك وزي السفراء العباسيين من حيث طغيان اللون الاسود والتمنطق بسيف مرصع بالجواهر في المناسبات الكبرى
أو حين تقديم أوراق الاعتماد عند بعض السفراء.
وبالنظر لتطور العلاقات الدولية فقد ظهرت في عهد الدولة العباسية العديد من المؤلفات العلمية الخاصة بإدارة العلاقات الدولية. فصدرت موسوعات تناولت الدبلوماسية والسياسية الخارجية بأسلوب حديث متطور. ومن ابرز ذلك كتب السير والمغازي (السلام والحرب) والوقائع والفتوح والأنساب والأمم والأديان والتراجم والطبقات والحوليات والخطط.
وعرف العباسيون نظام المراسم واستقبال الرسل والاحتفاء بهم. إذ كانوا يخصون السفير ومرافقيه باستقبال حافل على الحدود ومرافقته حتى دخول العاصمة، حيث يجد بانتظاره شخصية سامية، وينزل ومرافقه قي قصر الضيافة،
وقد جرت العادة على أن يستقبل السفير من قبل وزير مكلف
بالمهمة (الوزير أدخلها الفرس للدولة العباسية)
يحدد معه موعد لمقابلة الخليفة (أمير اوعندما يحظى بمقابلة أمير المؤمنين يقدم له كتاب (سيده) رئيس دولته، ومن ثم الهدايا التي يحملها له.
نشطت الحركة التجارية في عهد الدولة العباسية
واتسمت بالعالمية لشمولها العالم المعروف في ذلك الوقت في بغداد جعلها تملك قلب العالم وتشرف على اغلب الطرق التجارية الممتده آسيا والصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
وقد اعتمد العباسيون الأسلوب الدبلوماسي في حل مشاكلهم مع الدول المجاورة خاصة بعد أن ازدادت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء ومنها السفارات الثلاث التي أرسلها هارون الرشيد لشارلمان ملك الإفرنج أعوام 801 و802 و807 ميلادية، وكذلك سفاراتهم للقسطنطينية وروما ومملكة البلغار والهند والصين.
بالإضافة إلى أن العباسيين استخدموا الدبلوماسيين ليس فقط للتمثيل والمفاوضة وجمع المعلومات بل ادخلوا عليها ولأول مرة مهمة التعاون والتبادل العلمي والثقافي كسفاراتهم لإحضار علماء ومترجمين من بيزنطة أو إرسال طبيب عربي لمعالجة شارلمان.
وطبق العباسيون مبدأ المقابلة بالمثل. فكانت معاملتهم للأجانب تنطلق من معاملة هؤلاء لرعايا الدولة العباسية. فإذا قامت الدولة الأجنبية بإعفاء رعايا الدولة العباسية من الرسوم أو فرضت عليهم رسوما أخرى أو منحتهم مزايا فان رعايا تلك الدولة في الدولة العباسية يعاملون بذات المعاملة. وكان من نتيجة التطور الدبلوماسي أن نصت العديد من المعاهدات التجارية المعقودة بين الدولة العباسية والدول الأخرى على مبدأ المقابلة بالمثل.
وكخلاصة نستطيع القول أن الدولة العباسية قدمت
الكثير في مجال العلاقات الدبلوماسية وأكثر من كل معاصريها والسبب أنها كانت أقواهم وأوقفت وهي في اوجج قوتها استخدام الحرب كأداة تنفيذية لسياستها الخارجية واستبدلتها بالدبلوماسية، التي أصبحت خلافة ومبدعة وابتعدت عن اللجوء للمكر والخداع والانتهازية والخيانة والكذب كما فعل معاصروها وخاصة البيزنطيون وحكام المدن- الدول الإيطالية، وهذا شيء طبيعي وراجع للعقيدة الإسلامية السمحاء التي جمعت بين الدين والدنيا والتي لم تستخدم الدين كأداة للدنيا ...... فالسياسة أخلاق بالنسبة لها.
وباختصار نقول بان الدولة العربية الإسلامية بمراحلها الأربعة التي ذكرناها سالفاً قد تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى التي عاصرتها في
مختلف المجالات، واستخدمت جميع الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات
الدولية. واهتمت بإرسال الرسل واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين.
الدبلوماسية ومفهومها
. ولم يلتفت الفقه الغربي إلى الدور الذي حققته الشريعة الإسلامية في إقامة علاقات دولية قائمة على المساواة والعدل والحق، ووضع قواعد دبلوماسية قائمة على الأخلاق و الفضيلة والإنسانية. وذا كانت اللغة العربية لم تستخدم مصطلح العلاقات الدولية ولا تعرف مصطلح الدبلوماسية لأنه مصطلح لاتيني، إلا أن مفهوم الدبلوماسية وقواعدها عرفها العرب بقيم وأخلاق إنسانية قبل أن
تظهر في أوروبا بقرون عديدة.
إن فلسفة العلاقات الخارجية في الإسلام كانت ولا تزال موردا ثريا للفكر الدبلوماسي العالمي والإسلامي بشكل خاص



#عبد_المنعم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدودة مصرية
- الاطعمة فى الاسلام
- هذه امكم يابنى ماء السماء
- مهرجان السينما المصرية الاورؤيبة
- هل تزوجت السيدة مريم من يوسف النجار
- الاقصر فى حياة شاعر الكرنك احمد فتحى
- بعد اعلان حركة القتال النوبية كتالة
- محطات رى الغريرة واالرزيقات
- الصعيدى العنيد عبداللطيف ابو رجيلة
- افتتاح مقبرة مرينبتاح
- هيموروس يقتبس رائعته الالياذة من اصول مصرية
- الحلقة الثانية من التراث الذى اغتالوه فى الاقصر
- التراث الذى اغتالوه فى الاقصر
- قراءة فى ملف الاخوان المسلمين
- ديمقراطية العسكر
- موزار يعزف على نايه السحرى فى بيت رب الارباب امون يالاقصر
- عندما كان شرب القهوة جريمة
- قلبى مع حمدين صباحى
- سرقة سجل الملوك من معبد الكرنك
- البابا شنودة زجالا وشاعرا شعبيا


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المنعم عبد العظيم - الدبلوماسية الاسلامية