إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 4733 - 2015 / 2 / 27 - 23:13
المحور:
الادب والفن
صراع أزلى بين الخير والشر، قصة معاشه ومعروفة تدور بين ظالم ومظلوم، حكاية تم سردها فى العديد من الأفلام والمسلسلات المصرية والعالمية عن زوج ينتقم لحقه ولحق زوجته، و.. و..، هذا ما اعتقدته فى الدقائق الأولى عند مشاهدتى للفيلم، وقلت فى نفسي ألم نخرج من تلك الدوائر القصصية بعد؟!، إنما مشاهد قليلة ووجدت أن دفة الأحداث تغير مسارها فى غير المعتاد والمتوقع، ورأيت معالجة جديدة لقصة نعيشها ولا تنتهى، وتتكرر بوقاحة فى يومياتنا دون توقف، قام بها القائمون على هذا الفيلم بحبكة ذكية فى السرد والأداء والإخراج، حتى خرج إلينا هذا العمل الابداعى "خطة بديلة" برسالة حيّة وحبكة مُقنعة.
التجانس الابداعى فى العمل
تتجسد البطولة الحقيقية فى هذا الفيلم فى أربعة من المبدعين من ظهورهم الفنى المتنوع، وهم المؤلف محمد علام والمخرج احمد عبد الباسط والفنان خالد النبوى والفنان تيم حسن، والذى جاء ظهورهم بثراء ابداعى متميز.
أولا عن البطولة خلف الكاميرات فابدأ بالإشارة إلى أن هذا العمل هو التجربة السينمائية الأولى إخراجيا للمخرج أحمد عبد الباسط، والذى قام بإنتاجها أيضا مع أيمن محمود، وهو ما يستحق أن يقال عنها أنها تجربة رفيعة المستوى، تعبر عن موهبة محترفة لمخرج له خبرة إخراجية وإبداعية جديرة بالاحترام، خاصة وان خبرته كانت متوجهة للإخراج فى مجالات أخرى غير السينما، كما جاء النص بحالة خاصة من معالجة لقصة متكررة فى واقع مجتمعنا، حيث حقق قدر كبير من النجاح فى عرض حالات متناقضة فى بوتقة عمل واحد، وتناقضات شخصية فى فرد، وتطورات نفسية فى نفس، ومزجهم بألوان متناقضة من السرد الدرامى تتباين فى حالات، من التشويق مع السرد، والخيال مع المنطق، والاكشن مع الرومانسية، والشهوة مع الحب، والمعلومة مع الصدمة، وجاء الإخراج محتويا لتلك الألوان النفسية والدرامية، ومستوعبا لها جيدا وعاكسها إخراجيا كما احتاج لتجسيدها النص، وقام بتقديمها فى صورة تحترم عين وذكاء المشاهد.
ولقد تميز الحوار بجمل تلخص معانى عميقة ومواقف كبيرة، حيث جاء بجمل عبقرية فى الكتابة والتى كان من ضمنها: "طبق الانتقام يتاكل بارد"، والكومبارس لو عطس يبوظ الفيلم كله"، "وانا من جزمتك ديه لجزمتك ديه"، والتى أجدها أنها جمل صائبة جديدة لمحاكاة واقع منغرس فى التكرار والمعالجات الكتابية الرتيبة.
أما ثانيا عن البطولة التمثيلية، ففى هذا العمل يقدم الفنان خالد النبوى صورة أفضل وأكثر منطقية فى تجسيد دور الاكشن، بطريقة على غير النمط السائد فى السينما المصرية، الملئ بالانفعالات المفتعلة والتوتر المبالغ في التعبير عنه، وليس ذلك بسبب أن النص يفرض المنطق على خطوات شخصية الدور، إنما أيضا لأنه كفنان أضفى روحه الخاصة على هذا النوع من الأدوار، وأدّاه بعيدا عن السطحية أو الابتذال فى التعبير عن الغضب وحركات الاكشن، وغيرها من التعبيرات التى لازمت تلك الأدوار لدى الكثير من الممثلين لدينا، واجد انه قد قدم بل وصمم له طابع خاص به فرضه بتميز كبصمة له على ادوار الاكشن فى السينما المصرية، وباستطاعته أن يحتفظ بتلك الروح التى تحفظ له حقه فى التميز الادائى، الذى يحمل طابعه الخاص بعيدا عن التكرار والنمطية والمغالاة.
ولقد استدعى أداء الفنان تيم حسن فى ذاكرتى عند مشاهدة الفيلم، لمحات من أداء الفنان أنور وجدى فى الأدوار التى جمعت فى شخصيته بين الفهلوة وخفة الدم، وبالرغم من حساسية الدور للوقوع فى فخ المبالغة بالتمادى فى هذا التعبير عن هذا الجانب من الشخصية، لكن كان لأداء الفنان تيم الذكاء الكافى لتفادى هذا الإلحاح فى التعبير، وسرعان ما أنقذه النص من التجويد فى إبداء هذا الطابع بمساندة من نقلات أخرى، والذى استطاع أيضا بأداؤه أن يَعبر بسلاسة بين تطورات انفعالية للشخصية ويُعبر عن عنها بإتقان وإقناع.
ومن أهم من تميزوا بالبطولات الثانية، هو الفنان عزت أبو عوف الذى اعتمد على تعابير وجهه أكثر من الكلام فى أداؤه للدور، والذى ملأ به ما بين الأسطر فى ما دونه النص لدوره، وهو ما قد كان له تأثيرا أكثر عمقا معبرا عن بعدا إنسانيا أكثر مصداقية من الكلام، فملامحه عبرت عن العادل العاجز والأمين مهنيا والقاصر عن المساعدة فعليا، وهذا ما كانت تحتاجه تلك الشخصية بما تمثلها من شخصية سجينة بضغط بين حجرى رحى القانون والإنسانية.
وكان لأداء الفنان عاصم سامى تميزا بالبساطة والهدوء بعيدا عن انفعال، كان من الممكن أن يفرضه الموقف حسب السياق الدرامى، إنما جاء أداؤه مسالما بقوة بعيدا عن التصنع، معبرا عن شخصية قوية تحمل قدرا من الخوف الأبوى.
أما الفنانة أمينة خليل كان لملامحها المسالمة بوداعة، وتعابير وجهها البريئة عامل اساسي فى نجاح دورها، وتقديمه بواقعية وتلقائية شديدة، وقد استطاعت أن تحقق توازنا بين ملامحها وأدائها التمثيلى والذى جاء فى محله موظفا لملامحها بشكل صحيح.
ولا ننسى البطولات الثانية الأخرى التى أبدع فيها كل من أدوها، وكان لهم مساهمة حقيقية فى نجاح العمل، وليست البطولات التمثيلية فحسب، إنما من كانوا خلف الكاميرات أيضا.
الميزان وتوظيف الرمز
كان لاستخدام رمزية الميزان فى الفيلم أهمية كبيرة، حيث انتقل من مجرد قطعة فى الديكور إلى رمز له إشارات فلسفية واجتماعية، بل كان من أهم وأميز الإشارات فى الفيلم، حيث كان هذا الميزان بشكل مبدأى عبارة عن قطعة ديكور على مكتب المحامى عادل (الذى قام بدوره الفنان خالد النبوى بالإضافة للإشارة للعدل فى اسمه أيضا)، ثم انتقل دوره من قطعة ديكور إلى رمز يتم تحريك إحدى أجزائه للتعبير عن حالات العدل والظلم، حسب ما يراها هذا ال "عادل"، من حيث وضعية الاتزان أو الاختلال أو قلب ورفع إحدى كفتيه من قبل عادل نفسه، للتعبير عن شعوره بالظلم أو تطبيقه للعدل من منظوره هو.
حتى تعود الإشارة به مرة أخرى إلى انه حقا أصبح مجرد قطعة ديكور فى واقع القضاء والمحاماة أو المجتمع بشكل عام، وأن موازين العدل قد اختلت ومعانيها وفلسفتها قد تغيرت فى هذا الواقع المتشح بالفساد والظلم، فهو فى النهاية أصبح فعليا مجرد جانب من الديكور الذى يزين واقع شرير، ويضفى عليه حالة جمالية لتجميل قبحه، فوجوده أصبح ضروريا شكلا لا جوهر، بالضبط مثلما كان موجود على مكتب عادل الذى يدرس من عليه قضاياه، أثناء ما كان محاميا مستقيما وظل موجودا أيضا حتى بعد ما أصبح محاميا متلاعبا ومُسقطا للقانون.
مرافعة لا فيلم
لقد كان هذا العمل الابداعى بمثابة مرافعة لا فيلم، حيث تخرج عزيزى القارئ كمشاهد للفيلم وكأنك كنت إحدى حضور مرافعة داخل جدران محكمة غليظة الجدران، يترافع محامي القضية لأذان غليظة الإحساس والإدراك والفهم والمسئولية، فلقد كان من الجيد أن تقدم مرافعة من فيلم سينمائي يحضرها ويسمعها مشاهدوه، فربما المؤثرات البصرية والنفسية تزحزح قليلا من طبقات الركود والسلبية التى تراكمت على مشاعرنا وسلوكياتنا.
فجدير من الإشارة إليه هنا أن المحاماة لا تقتصر على المحامون فقط، بل تشمل الفنانون بتنوعهم أيضا، ولا المرافعات تقتصر على المحاكم، إنما توجد فى السينمات أيضا، بل واللوحات والمدونات وغيرها من مظاهر الفنون الحقيقية، التى تخاطب مشاهدها بفن وإنسانية، وتستطيع أن تحقق ما لم يمكن بإمكان مرافعة فى محكمة أن تجنيه، من إنقاذ حق وثأر لمظلوم.
لذا أود أن أتقدم بالشكر لفريق هذا العمل الذى جعلنى اشعر وكأننى كنت احضر العرض لا فى قاعة سينما، إنما فى قاعة محكمة وانه ليس مجرد فيلم سينمائى، إنما مرافعة، تشرح حقوق مظلومين لا بقوانين محفوظة من كتب ويُتمتم بها، إنما بخطوط إنسانية من مشاهد حيَّة أمام المشاهدين، الذين يمثلون الفاعل والمفعول به، القاضى والمتهم، ويعرض معاناة مجتمع أمام مجتمع، هو المظلوم والظالم لنفسه، لعل المسئولون يُغيرون ولعل المشاهدين يتغيرون.
وأخيرا فلقد حاولت قدر المستطاع أن أتحدث عن الفيلم وألا اكشف عن جوانب من قصته، لأحافظ على سحره التشويقى عند مشاهدته، وألا اكسر جدار شغف القارئ بدخوله، والذى ادعوه لمشاهدته لأنه يستحق ذلك بل وأكثر من مرة أيضا.
وربما ظُلم الفيلم فى توقيت عرضه فى دور السينما، لكنه قطعا يضيف لرصيد السينما المصرية فنا وهدفا، إبداعا وتغييرا مجتمعيا، وحتما سيأخذ نصيبه من الاهتمام والتأثير عند مشاهدته على نطاق أوسع على الشاشات الصغيرة.
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟