كمال محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 23:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الجزء الثاني من هذا الدراسة أود التطرق على أبرز مواقف القدماء مَن أسهم في اثراء التراث الفكري و موقف المؤرخين العرب و المسلمين , الذين كانوا متواجدين في الفترة القريبة من أفكار التراث العربي و الإسلامي , وما هي المسائل التي شغلت هذا الفكر , وما هي الحيادية التي أتخذها المؤرخين .
في زمان تحولات هذا الفكر من الأشكال اللاهوتية الصرف , الى الأشكال العقلانية ولكنها ضمن اللاهوتية ( هنا يدور عن , علم الكلام المعتزلة ) .ولا حقا ً الى شكلة الفلسفي الأول ( الكندي ) ونضوجا من حيث المضمون عند اللاهوت في أفكار ( الفارابي ) ....
كانت مسألة القدر, أول مسألة عرفها الفكر العربي و الإسلامي باتجاه عقلي والتي كانت اقرب أن تكون على أساس حزبي , أخذت شكل واضح في زمن المعارضة لحكم ( الأموي ). و أستمرت بين نهاية القرن الأول و الثاني الهجري ( منتصف القرن السابع ميلادي ) وكانت فترة صراع و تكفير لكل مَن يأمن أن الشر ليس من الله .
تم الخلط بين الجبرية و القدرية , أذ جرت تسمية المعتزلة ( بالقدريين ) , ويرفض المعتزلة هذه التسمية قائلين( لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره و شره من الله ) الشهرستاني ( الملل و النحل ) , حيث كانت السلطة الأموية تروج الى فكر الجبرية , لدعم وجودها من جهة و لسد أبواب الأمل أمام المعارضين , مادامت هم يحكمون بقضاء من الله وقدرة .
الدولة الأموية و النظام الاجتماعي الجديد فيها :
أن الظروف التي تميزت بها نشوء دولة معاوية , دون أن يكون له أثر كبير في عدم ديمومتها , أذ تميز الواقع : بلاد الشام , كانت يومئذ تشمل سورية و فلسطين و لبنان , وعلى صعيد التحالفات كانت تتميز بالتحالف الوطيد مع السكان الأصليين ولاسيما المسحيين والتحالف الوطيد ايضا مع أقوى القبائل العربية التي تقطن أبرز فروعها و أفواها في بلاد الشام . كانت هذه القبائل القحطانية ( ذات المنشأ الجنوبي , جنوب الجزيرة العربية ), وميزة عرب بلاد الشام القحطانية و جزء منهم مسيحيون أخذوا بالديانة المسيحية في العهود البيزنطية .
ومعاوية يتميز بانتمائه الأموي القريشي أي العرب العدنانية ( القيسية ) , ولكن كان يتميز ( كونه سياسي حاذق ) حيث كانت تحالفاته هدفها تعزيز طموحاته السياسية .ومعاوية وأسرته أصبح في حيازتهم اراضي واسعة , كانت ملكاً لإمبراطور بيزنطة و أستقراطيتها , كان من المفروض أن تكون ملكاً عاما للدولة الإسلامية , وبذلك تحولت الأراضي الى الملكية خاصة , وفي الوقت الذي فيه معاوية حاكما , كانت المنطقة منذ زمن طويل في طريق تفكك و تفسخ الاقتصاد الطبيعي و أخذت تحل محله روابط اقتصادية جديدة والتي هي سمة وامتدد الى العهود البيزنطية و الساسانية , سمة الاقطاعية المتحصنة بطابعها العسكري , ولن تنجح الثورة الاجتماعية الى أدت الى مصرع عثمان , والتي كان هدفها ايقاف ظاهرة الملكية الخاصة لأراضي الدولة وكذلك مقتل علي في ما بعد , وبذلك انتصرت الأرستقراطية شبة الاقطاعية من فرض سيطرة مفاهيمها الجديدة في بناء الدولة الجديدة و زرع قيم مثل : احتقار الأعمال الزراعية و الحرفية التي أوجدت بدورها ظروف أن يختص العبيد والسكان الأصليون بها و برزت تقاليد أخرى مبنية أو بقايا التقاليد القبلية , نزعة التعالي على غير العرب , حيث ظهرت التسمية للعناصر الغير عربية ( الموالي ).
كانت أود عبر السطور السابقة , ان اوضح الوضع الاجتماعي و الاقتصادي الجديد الذي طرئ , والذي لعب دور في ظهور الافكار الجديد من الافكار (القدرية و الجبرية).
مشكلة القدر , التي تناولها معبد الجهني و الحسن البصري في العراق , و غيلان الدمشقي و عمرو المقصوص في دمشق , والتي تركت في العقل العربي تأثير واضح و الذي تطور نحو التفكير الفلسفي على يد المعتزلة . لقد حاول الحسن البصري طرح فكرة ( أن الخير بقدر و الشر بقدر , أي أن ليس الخير و الشر من الله بصورة مطلقة , و أن مَن زعم أن المعاصي من ألله جاء يوم القيامة مسوداً الوجهة , كل شيء بقصاء وقدر ألا المعاصي ) , وبذلك وقف ضد مفاهيم الدولة الأموية الداعية ( أنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى , لدعم وجودها من جهة ولسد ابواب الأمل أمام المعارضين , أي سلطة إلهية جبرية ) . و أمتاز كل من غيلان الدمشقي و عمرو المقصوص ان يكونوا قرب منابع السلطة , حيث الأول ساهم في اقناع الخليفة عمر ابن عبد العزيز في ارجاء الاموال المسروقة من خزانة الدولة الى المحتاجين و الثاني اقنع يزيد أبن معاوية في التخلي عن السلطة أذ لم يستطع من تحقيق العدل الاجتماعي و كلا هما عذب بشكل همجي وقتل ).
ويقول ( محمد عبد الهادي ) , ان ظهور طابع حرية الاختيار على الآيات القرآنية المكية , هو أن الاتجاه العام في تلك الآيات كان يرمي الى هدم الروح الجبرية الاستسلامية التي سرت الى العرب عن الجاهليتهم وتدل عليها أشعارهم وآيات القران نفسها .
ويوضح (حسين مروة ), أن ظاهرة الجبرية التي تتجه اليها الآيات التي صدرت في المدينة , جاءت في وقت أصبح فيه الاسلام , بعد الهجرة و بعد استقراره النسبي , يواجه وضعا جديدا , احتاج معه الى رسم خريطته النظرية و الايديولوجية في شؤون العقيدة و التشريع ووضعها موضع العمل و التطبيق .
المصادر
النزعات المادية في الفلسفة العربية و الاسلامية (حسين مروة )
تاريخ الفلسفة ( محمد عبد الهادي )
#كمال_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟