أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمود عباس - لا تموت الثورات















المزيد.....

لا تموت الثورات


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4727 - 2015 / 2 / 21 - 11:25
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


زوال الأنظمة الشمولية بكل أوبئتها، جدلية حتمية. ولن يستثنى منها شرقنا، فالأطراف المتقاتلة، والصراعات المدمرة، بين التكفيريين والمنظمات الإرهابية وبين السلطات الشمولية، لا تمثل ثورات الشرق، بل تندرج ضمن جدلية القضاء على البعض، فضمورهما هي الثورة بذاتها، سيتلاشون مثلما طمر أمثالهم في أوروبا قبل قرون، ما بين القتل وجدران الكنيسة. وكل طفرة بشرية لها أثمانها، والثمن في شرقنا يدفع غاليا جداً، مثلما دفعها شعوب عديدة على مر التاريخ، وللأسف، ثقيلة نتائجها، ورهيبة مخلفاتها، وستكون مديدة ومتداخلة على قدر تراكم الفساد والأوبئة.
فالثورات لم تحصد نتائجها، وعلى مر التاريخ، إلا بعد عقود بل قرون من الزمن، وتبينت ثمارها بزوال قادتها والشرائح الانتهازيين والمارقين حولهم، وظهور أجيال متتابعة من المثقفين والرواد النيرين. حتى الأديان لم تبلغ مراميها بين الأمم إلا بعد صراعات طويلة، وقرون من الزمن، وقلما تلقف نتائجها قادتها الأولون، وما كان يتلمسونه من نجاحات كانت على أنقاض دمار رهيب، وجحيم من معاناة الشعوب عبثت ببداياتها شرائح من الانتهازيين والمنافقين وسخروها لمصالحهم.
كثيرون من قادة الانقلابات العسكرية، وزعماء أحزاب شمولية، تلاعبوا بمصطلح الثورة، ومفاهيمها، وتغطوا بأغطيتها، لإضفاء هالة حول ذاتهم أو أحزابهم، وفي شرقنا ظهر العديد منهم، فأخرق كمعمر القذافي أطلق صفة الثورة على انقلابه، ومثله فعلها حافظ الأسد وقبله سخر حزب البعث جيش من اعلامييهم ومثقفيهم لينشروا بين المجتمع تسمية الثورة على انقلاب البعث واستلاب السلطة، وكذلك جعفر النميري فعلها وصدام حسين وبعثييه، وجمال عبدالناصر وناصريته وغيرهم، هؤلاء وأمثالهم نشروا فسادا على فساد الصراعات المذهبية ضمن الثقافات التي كانت منتشرة بين المجتمع، وأغرقوها في أوبئة تحتاج إلى عقود طويلة للشفاء منها.
الثورات هي التي غيرت المجتمعات، وطورتها إلى الأفضل، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وخلقت ثقافة نوعية تلاءمت والتطور الحضاري، مثل ظهور المسيحية في بداياتها، قبل أن تسقط في حمى المسيحية السياسية، ويسيطر الطغاة على الشعوب تحت عباءة الدين المسالم، ومعهم أصبحت الكنيسة بفاتيكانيها دكتاتورية مطلقة، فأغرقوا العالم المسيحي في عصور الظلمات، إلى أن ظهرت الثورات الأوروبية، والتي كانت بمجملها ثورة واحدة، واستمرت على مدى قرنين من الزمن قبل أن تبلغ أهدافها. والحضارة الأوربية المتكالبة عليها المسلمين قبل الأخرين، من نتائج تلك الثورات، فقد كان انتهازيو تلك الفترة وتجار الحروب ومنافقيها يتهمون الثورات الأوربية بكل الشرور، وألقوا لوم الدمار الذي ألحق بأوروبا عليهم.
مثلها كان الإسلام في بداياته، ثورة، نقل شعب من العصبية القبلية ومجتمعات الرحل وقوانينها، إلى أمة واحدة، بمفاهيم وقيم عصرية، تقبلت الحضارات الموجودة حينها في الأطراف كالحضارة البيزنطية والفارسية، واستمرت الثقافة الإسلامية بالرقي، والتطور، إلى أن بلغت القمة قبل تفاقم الصراع على السلطة، وطغي ثقافة الإسلام السياسي بعنفه على الروحانية في نصوصها، وهي مراحل لا تختلف على المارة بها المسيحية، حيث طغيان شرائع أئمة مذاهب وتكفيريين، على النصوص الروحية. ما يظهر اليوم في شرقنا هي بدايات الثورة الكلية على الأنظمة الشمولية العلمانية والدينية معاً، فهما يكملان بعضهما، ويستندان على طاقاتهما للاستمرار في البقاء والاستبداد، فالثورات الجارية ظهرت وتتراكم مفاهيمها بين المجتمع، للقضاء على الطرفين، مثلما لا يستطيع الإسلام السياسي الطغي بدون سلطات شمولية، كذلك الطغاة لا يمكنهم الاستمرار بدون وجود هذا النقيض المساند والجامد بمطلقه.
الانتباه إلى ضخامة حجم الموروث من ثقافة الإسلام السياسي على مدى قرون في شرقنا، وما خلقته الأنظمة الشمولية، تؤكد على أن العمل شاق ومضني، وجحيم معاناة وراء جحيم ينتظر شعوب الشرق، المحتاجة إلى كد أجيال من المنورين، فبلوغ الغاية لن تكون على مرمى سنوات قادمة، فقط قصارى النظر، وضيقوا الأفق هم من يبحثون عن نتائجها تحت ركام المدن، وهجرة الملايين، وهم نفسهم من ينتقدون الثورات ويؤيدون مفاهيم الأنظمة الشمولية حول موت الثورات، أو عدميتها كما يدعيها حملة ثقافة الإسلام السياسي، أو التكفيريين والمنظمات الإرهابية العابثة بالأوطان، والباحثة عن أحياء تاريخ غارق في سواد الصراعات المذهبية والقومية.
إنها مسيرة عقود من الزمن، فالأمراض التي تنخر المجتمعات عديدة، وإزالة ثقافة فاسدة وزرع أخرى نقية تحتاج إلى جدلية صراع طويل ونمو المغاير، والأمثلة في التاريخ عديدة، واقربها المثال المذكور آنفاً عن المسيحية السياسية وملوكها وأباطرتها الطغاة، والتي أدت إلى جحيم معاناة لا تقل عن الجاري في شرقنا رغم أن الأسلحة حينها كانت أقل تدميرا من الحاضر. وليست صحيحة، أن كل الثورات يقودها قادة ومفكرون، ينورون دروبها، وهؤلاء غائبون في ثورات الشرق، أصحاب الحجة يتناسون أن مئتي سنة من ثورات أوروبا لم تقف عند حدود بعض المفكرين، ومجموعة من الرواد، كما ويغيضون الطرف عن شروط هذا العصر التكنلوجي، العادمة لوجود المفكر في نفس الجغرافية، فحضورهم وتأثيراتهم قد يكون من الماضي البعيد ومن مفاهيم رواد الثورات السابقة نفسها، أومن قارات أخرى، فالزمن والمكان ينعدمان في رحاب الأنترنيت. ويجب ألا ينسى أنه هناك وفي هذه الثورات مفكرون وقادة، حتى ولو كانوا على سوية غير ظاهرة كقادة كبار، لكنهم قادوا في فترة المسيرات السلمية، ومفكريها نوروا الكثير وبينوا عن أوبئتها، وكثيرون من المثقفين نبهوا إلى أن الصراع المسلح الجاري هي من خضم جدلية الثورة والمؤدية إلى ضمور الثقافتين الفاسدة والأفسد من المجتمع.
رغم الجحيم المنتشر بكل أبعاده، تبقى عظمة الثورات في الشرق، كظاهرة نادرة في التاريخ، بشرارة ظهور الشباب السلمي، بدأت بتفقيس الأورام الخبيثة التي نفثتها الأنظمة الشمولية في جسم المجتمعات، وستتمكن من تنقية الثقافات الموبوءة المتراكمة بأيدي المنظمات والأحزاب السياسية الانتهازية والإسلام السياسي.
الثورات ستستمر لعقود قادمة، وستؤدي إلى حصر الإسلام بين جدران المساجد، وستضع نهاية لشمولية السلطات وتهدمها بقوانين حضارية، الثورات لا تتجزأ، كما يقطعها البعض، فيسمي هذه ثورة اجتماعية، وذاك ثورة ضد الأنظمة الشمولية، وما شابه، الثورة هي التي تغير كلية المجتمع وعلاقاته وثقافته وبنيته وينقل بالإنسان من واقع إلى مقدمة حضارة، وإلا فهي طفرات جزئية لا ترقى بأن تسمى بالثورة.
لا شك في الشرق ثورات، وهي معا ثورة، والشعوب بها سيبلغون أهدافهم، الحرية في كل أبعادها، والتي ستؤدي إلى تغيير نوعي في كل المجالات، ولا نستبعد أن هناك حضارة تنتظر الشرق، على أنقاض المدن المدمرة وجحيم المعاناة الجارية، وسقوط الأنظمة العنصرية الشمولية وانهيار الإسلام السياسي. انتظرت أوروبا قرنين من الزمن، لكن هنا وفي عصر ثورة الأنترنيت العادمة للزمن والمسافات، سوف تختزل مراحل تحقيق الأهداف. وكل من يعتقد أن الثورات ماتت أو فشلت كسوريا، والمدافعون يؤمنون بأنها نجحت في بعض الأماكن كتونس مثلا، يخطئون في الرؤيتين، فوجود الأئمة المسلمون على الحكم أو ضباط معتقون أو متقاعدون على دفة السلطات، ووجود الصراعات بين الطرفين، تثبت أن الديمومة مستمرة وستكون طويلة، فالثورات لا تموت إلا بعد أن تحقق غاياتها، وثورة الشرق ولدت وهي في أطوارها الأولى.



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء التاسع
- ماتت الثورة!
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء الثامن
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء السابع
- خدعة ابنتي براف.. قصة واقعية
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء السادس
- ماذا فعل المربع الأمني في غربي كردستان؟ الجزء الخامس
- من حول كردستان الوطن إلى حلم؟ الجزء الأخير
- لقاء داود أوغلوا ببشار الأسد
- من حول كردستان الوطن إلى حلم؟ الجزء الثالث
- القاصرات والقاصرون بين السلاح الكردي والسياسة
- من حول كردستان الوطن إلى حلم؟ الجزء الثاني
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء الرابع
- فيدرالية بشار الأسد
- من حول كردستان الوطن إلى حلم؟ الجزء الأول
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء الثاني
- الإرهابي مخلص لإسلامه
- ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟ الجزء الأول
- المؤامرات السرية في الشرق الأوسط
- ميثم الجنابي في تعظيم سعدي يوسف برطانة القرود- الجزء الثالث


المزيد.....




- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمود عباس - لا تموت الثورات