أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - النَّثرُ الصُّوفيُّ الشَّعريُّ















المزيد.....



النَّثرُ الصُّوفيُّ الشَّعريُّ


شريف رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4726 - 2015 / 2 / 20 - 18:21
المحور: الادب والفن
    



النَّثرُ الصُّوفيُّ الشَّعريُّ

وَمُرَاوغَاتُ " مَا وَرَاءَ اللغَةِ "


" يا هَذَا ! إنَّكَ إنْ عَرفْتَ هَذِهِ اللغَةَ
وَاسْتَخْرَجْتَ حَالَكَ مِنْ هَذَا الدِّيوَانِ
وَحَصَّلْتَ مَالَكَ وَعَليْكَ مِنْ هَذَا الحسَابِ
أوْشَكَ أنْ تَكونَ مِنَ المجذُوبيْنَ إلى حٌظٌوظِهِمْ
الرَّاسِخِيْنَ في عِلْمِهِمْ
وَالخَالِدِيْنَ في نِعْمَتِهِمْ
وَإنْ كُنْتَ عَنْ هَذِهِ الكِنَايَاتِ عَمِيًّا
وَعَنْ هَذِهِ الإشَارَاتِ أعْجَمِيًّا
طَاحَتْ بِكَ الطَّوائِحُ
وَنَاحَتْ عَليْكَ النَّوائِحُ
وَلَمْ تُوجَدْ في زُمْرَةِ الغَوَادِي وَالرَّوَائِح ."

أبُو حَيَّان التَّوحِيديُّ
الإشَارَاتُ الإلهِيَّةُ – ص : 49 .




ليْسَ كُلُّ النَّثرِ الصُّوفيِّ شِعريًّا ؛ فمِنْهُ نَثْرٌ يَسْرِدُ نظريَّاتِ التَّصوُّفِ ، وَفَلْسَفَاتِهِ ، وَأشْكَالَ الأحْوَالِ وَالمقَامَاتِ ، وَحَالاتِ الشَّطحِ وَالتَّرقِّي الصُّوفيِّ ؛ مُركِّزًا على رِسَالةِ التَّوصِيلِ ؛ بِإيرَادِ المَعْنَى بِوضُوحٍ ، والتَّدليل ِعليْهِ ، وَرَسْمِ النَّظريَّةِ وَالتَّأويْلِ (1)، وَمِنْهُ نَثرٌ صُوفِيٌّ آخَرٌ، يتجسد في نصوص سردية إبداعية، تشدد على الرسالة الجمالية ؛ باشتغالها على مَادةِ اللغَةِ ، وَإعَادَةِ تَشْكِيلِهَا تَشْكِيْلاً خَاصًّا ، وَيُشدِّدُ - هَذَا النَّثرُ - عَلى اللغَةِ كَدَالٍ ؛ لَهُ كِياَنُهُ الفِيْزيقِيُّ وَالإيقَاعِيُّ ، وَعَلى فِعْلِ الكِتَابةِ ؛ كَخَلْقٍٍ فَنِّيٍّ وَتَأسِيْس ٍ إبْدَاعِيٍّ خَاصٍّ ، مُعَادِلٍ لِحَركَة التَّجربَةَِ الصُّوفيةِ ، بِكُلٍّ مَا تَمُورُ به مِنْ تَوْق ٍ، وَتَوَقُّدٍ ، وَتَوَحُّدٍ ، وَاجْتِثَاتٍ ، وَاكْتِوَاءٍ ، وَإشَارَاتٍ ، وَحُجُب ٍ، وَتَلْويحَاتٍ ، وَتَطوُّحَاتٍ ، فَهِيَ لَيْسَتْ - فَقَط - تَجْربَةَ كِتَابَةٍ ؛ وَبِالتَّالِي فَهِيَ لا تَنْطَلِقُ مِنْ شَكْلٍ مُحَدَّد ٍ .
وَيَتَمَيَّزُ التَّعبيْرُ هُنَا بِالإبدَاعيَّةِ ؛ وَالاكْتِفَاءِ ، وَالتَّكثِيفِ الشَّديدِ ، وَهَذَا مَا حَدَا بِالبَعْضِ أنْ يَنْظُرَ إلى بَعْضِ مُنْجَزَاتِ النَّثرِ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ ، بِاعْتِبَِارِهَا أقْدَمَ نََمَاذجِ قَصِيدَةِ النَّثرِ(2) ؛ على الرَّغْمِ مِنْ أنَّ بَعْضَ أصْحَابِهَا لَمْ يُدْرجُوهَا كِشِعْرٍ ، وَقَدْ حَدَثَ هَذَا مُنْذُ تَفَجَّرَّ الوعِيُ بِحُدُوثِ الشِّعريَّةِ خَارَجَ الوَزْن .
لَمْ يَبْدَأْ النَّثرُ الصُّوفيُّ الشِّعريُّ ، كَنُصُوصٍ طَويلَة ٍوَمُكْتَمَلَة ٍ ، في مَرْحَلةٍ وَاحِدَةٍ ، فإنَّ مَا وَصَلَنَا - مِن بداياتهِ - لا يَعْدُو كَوْنِهِ شَذَرَاتٍ مَجَازيَّة ٍ مُكثَّفة ٍ ، رُبَّما يَكونُ أقدُمَهَا هَذِهِ الشَّذَرَاتُ المُكثَّفَةُ المَشْحُونَةُ ، الَّتي تَعْقُبُ خُطَبَ الإمامَ عليّ بن أبِي طَالِب ، في : نَهْجِ البَلاغَةِ ، وَتَلِيْهَا مَرْحَلَةُ البِدَايَاتِ التَّأسِيسيَّةِ لِكِتَابَةِ النَّثرِ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ ، وَكَانَ ذَلكَ في القَرنيْنِ الثَّاني وَالثَّالثِ الهِجريَّينِ ، حَيْثُ بَدَأَ مُتَصوِّفةُ القَرْنِ الثَّاني صِياغَة تَجَارِبِهِمْ في عِبَارَات ٍ مُكثَّفة ٍ ، أمْسَتْ ، فِيْمَا بَعْدُ ، أقوالاً مَأثُورَةً ، وَفي القَرْنِ الثَّالثِ دَخَلَ النَّثرُ الصُّوفيُّ الشِّعريُّ مَرْحَلَةََ التَّدويْن (3)، حِيْنَمَا بَدَأتْ نَظَريَّاتُ التَّصوفِ تَظْهَرُ في أنْسَاقٍ كِتَابيَّةٍ جَديدَة ٍ .
لَقَدْ ظَلَّ النَّثرُ الصُّوفيُّ الشِّعريُّ ، ينمو في الهَامِشِ ، بِمَعْزَل ٍعَنْ آليَّاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ ، المُتَاخِمِ لَهُ ، وَالمُهَيْمنِ عَلى المَشْهدِ الإبْدَاعيِّ ، مُتَّحِدًا بِتَجْربَتِهِ الخَاصةِ ، وَمُبْتكِرًا لَهَا لُغَتَهَا الخَاصةًَ وَإجِرَاءَاتِ إنْتَاجِ دلالاتَِها ؛ فَمِنْ مَرْحَلةِ البِدَايَاتِ ؛ بِعِبَارَاتِهَا الأقْرَبِ إلى بِنْيَةِ الأقْوَالِ المَأثُورَةِ وَالتَّوقِيعَاتِ - تَحَوَّلَ النَّصُّ إلى كِتَابَةٍ ، تَتَجَسَّدُ فِيْهَا لُغَةُ مَا وَرَائيَّاتِ اللغَةِ ؛ لُغَةُ إشَاريَّةٌ ، تُشِيرُ دَائِمًا ، وَأحْيَانًا لا تُشِيرُ إلاَّ إلى ذَاتِهَا ، وَوَاصَلَ هَذَا النَّصُّ تَجْربَتهَُ وَمُغَامَرَاتَهُ ، في الدُّرُوبِ المَجْهُولةٍ ، حَتّى وَلَجَ إلى مَنْطِقةِ تَفجِيْرِ اللغَةِ ؛ وَتَشْييئِهَا والاسْتِغرَاقِ في آليَّاتِ الحَالَةِ الصُّوفيَّةِ ؛ كَالفَنَاءِ وَالمْحوِ وَالحِلُولِ وَالاتِّحَادِ وَالتَّجريْدِ ، وَيَبْدُو أبُو يَزِيد البِسْطَاميُّ (-261هـ أو 243 هـ)(4) عَلامَةً فَارِقَةً في هَذِهِ المَنْطِقَةِ ؛ حَيْثُ تَوَسَّعَ في اسْتِعْمَالِ أشْكَالِ التَّجريدِ التَّصويريَّةِ ، والتَّعبيرِ عَنْ حَالاتِ الفَنَاءِ ، تَعْبيْرًا مُدْهِشًا ، وَمِنْ ذَلكَ قَولُهُ : "خَرَجْتُ مِنْ بَايَزيدِ يَّتي كَمَا تَخْرُجُ الحَيَّةُ مِنْ جِلْدِهَا "(5)، وَقَولُهُ : " انْسَلَخْتُ مِنْ نَفْسِي كَمَا تَنْسَلِخُ الحَيَّةُ مِنْ جِلْدِهَا ، ثُمَّ نَظَرْتُ إلى نَفْسِي ، فَإذَا أنَا هُوَ"(6) ؛ حَيْثُ يَتَجَرَّدُ وَيَفْنَى وَيَتَّحِدُ ، وَفي قِصَّةِ مِعْرَاجِهِ الَّتي رَوَاهَا ، يَقُولُ : " صَعَدْتُ إلى السَّمَاءِ ، وَضَرَبْتُ قُبَّتِي بِإزَاءِ العَرْش"(7) ، وَمِنْ أبْرَزِ تعبيرَاتِهِ عَن المَحْوِ وَالفََنَاءِ قَوْلُهُ :" أشْرَفْتُ عَلى مَيْدَانِ الليسيَّةِ ، فَمَا زِلْتُ أطِيْرُ فيْه عَشْرَ سِنيْنَ ، حَتَّى صِرْتُ مِنْ لَيْسَ بلَيْسَ في لَيْسَ ، ثُمَّ أشْرَفْتُ عَلى التَّضييعِ ، حَتَّى ضِعْتُ ضَيَاعَا ، وضعتُ ، فَضِعتُ عن التَّضييعِ ، بلَيْسَ في لَيْسَ ، في ضَيَاعَةِ التَّضييعِ"(8)، وَهِيَ مَقولَةٌ في الفَنَاءِ لا مَزيدَ بَعْدَهَا ؛ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ فيْهَا التَّعبيرُ عن الفَنَاءِ التَّامِ ؛ بِتَغْيبِ الفَنَاءِ عَن الفَنَاءِ ، وَقَدْ دَفَعَهُ الاسْتهلاكُ في شُهودِ الجَلالِ - ذَاتَ مَرَّةٍ- إلى أنْ يَخرُجَ إلى النَّاسِ، وَيَسْألُهُمْ عنْ نَفْسِهِ ، يُفتِّشُ عنْهَا ، وَيَطْلُبُهَا مَعَ الطَّالبيْنَ"(9) ، كَمَا دَفَعَهُ شُعورُهُ بِفَنَائِهِ وَاتِّحَادِهِ إلى أنْ يَلْهَجَ : " سُبْحَانِي مَا أعْظَمَ شَانِي "(10) ، وَلمْ يَتَوسَّلْ أبُو يزيد بِالتَّصنيعِ البَلاغِيِّ ؛ لِلتَّعبيْرِ عنْ أحْوَالِهِ وَمَقَامَاتِهِ الفَذَّةِ ؛ بَلْ اعْتَمَدَ على تَرْميْزِ لُغَةٍ أقرَبَ إلى تَجْربَتِهِ في الخُصوصِيَّةِ ، لُغَةٍ تَنُوءُ بِمَا تُضْمِرُهُ في حَنَايَاهَا ، وَتُراهِنُ على حُضُورِهَا الفَيَّاضِ ، وَاسْتَثمَرَ إبْدَاعِيَّةَ الشَّطحِ ؛ فَتَحَدَّثَ عنْ المَشْي في الهَوَاءِ ، وَالمَشْي على المَاءِ ، وَالعُرُوجِ إلى السَّمَاءِ .
وَقَدْ بَلَغَتْ لُغَتُهُ دَرَجَةً عَاليَةً مِنَ التَّصويْرِ الدَّالِ ، وَكَثَافَةِ التَّعبيْرِ ، على نَحْوِ مَا نَجِدُ في قَوْلِهِ:
" كُنْتُ أطُوفُ حَوْلَ البيْتِ أطلُبُهُ ، فَلمَّا وَصَلْتُ إليْهِ رَأيْتُ البيْتَ يَطوفُ حَوْلِي ."(11)
وَقَولُهُ : طَلَبْتُ قَلْبي لَيْلةً مِنَ الليالِي فلَمْ أجدْهُ ، فلمَّا كَانَ في السَّحَرِ سَمِعْتُ قائِلاً يقولُ لِي : يَا أبَا يزيد ، هُوَ ذَا تَطْلُبُ غَيْرَنا؟! ."(12)
وَقَولُهُ : " أدْخَلَنِي مَعَهُ مُدْخَلاً أرَانِي الخَلْقَ كُلَّهُمْ بَيْنَ إصْبَعِي ."(13)
وَقَولُهُ : " أنَا اللوحُ المَحْفُوظُ كُلّهُ ." (14)
وَقدْ كَانَ أبُو يزيد - بِهذَا المَنْهَجِ - بِدايَةً ، نَسْتطِيعُ أنْ نَلْحَظَ اسْتمرَارَهَا - بِوضُوحٍ - فِيْمَنْ أتَوا مِنْ بَعْدِهِ ، وَمِنْهُمْ الجُنَيْدُ (-297هـ) ، وَالشِّبلِيُّ (-334هـ) ؛ الَّذي قَالَ يَوْمًا لأصْحَابِهِ: يَا قَوْمُ ! أمُرُّ إلى مَا لا وَرَاءَ ، فََلا أرَى إلاَّ وَرَاءَ ؛ وَأمُرُّ يَمينًا وَشمَالاً إلى مَالا وَرَاءَ ، فَلا أرَى إلاَّ وَرَاءَ ، ثمَّ أرْجعُ فَأرَى هَذا كُلَّهُ في شَعْرَةٍ مِنْ خِنْصَرِي ."(15)
وَقَالَ أيْضًا :" لَوْ دَبَّتْ نَمْلةٌ سَوْدَاءُ، عَلى صَخْرَة ٍ صَمَّاءَ ، في ليْلةٍ ظَلْمَاءَ ، وَلَمْ أشْعُرْ بهَا ، أوْ لمْ أعْلَمْ بهَا لقُلْتُ : إنَّهُ مَمْكُورٌ بي ."(16)
وَقَالَ أيْضًا : " أنَا الوقْتُ ، وَلَيْسَ في الوقْتِ غَيْري ، وَأنَا مَحْق ."(17)

وَ على الرَّغمِ مِنْ هَذا المَنْهَجِ التَّعبيريِّ ،وَهَذِهِ الرُّوحِ ، نَقرَأُ رَأيًا للشِّبليِّ في أبِي يزيد ، يقولُ فيْهِ : " لَوْ كَانَ أبُو يزيدُ ، رَحِمَهُ اللهُ ، هَا هُنَا ، لأسْلَمَ (!) عَلى يدِ صبْيَاننَا ."(18)
غَيْرَ أنَّ أبَا يزيد - في الوَاقعِِ - كَانَ بِدايَةًً انْطلقَ مِنْهَا كثيرُونَ ، وَقَدْ مَثَّلتْ تَجربَتُهُ حدًّاً فَاصِلاً بيْنَ مَا قبلَهُ وَمَا بَعْدَهُ ، وَحَقيقََةُ الأمْرِ أنَّ" كُلَّ أخْلافِ أبِي يزيد إنَّمَا نَسَجُوا على مِنْوَالِهِ ، وَأقوَالُهُمْ يُمْكنُ أنْ تَنْدَرجَ في نَفْسِ الأبوَابِ الَّتي ابْتدَعَهَا وَأطلَقَ فيْهَا القولَ "(19) ؛ وَبِهَذَا شَرَعَ النَّثرُ الصُّوفيُّ الشِّعريُّ يَشقُّ طَريقَهُ ، بِتَجليَّاتٍ وَتحوُّلاتٍ ، شَتَّى ، تُحَافِظ ُ – في مُجْمَلِهَا – على نَسِيجٍ لُغَويٍّ يَعْمَلُ على مُسْتَوييْنِ ؛ مُسْتَويً ظَاهِريٍّ ، وَمُسْتَوىً بَاطِنيٍّ ؛ مُسْتَوىً قَريْبٍ ، وَمُسْتَوىً بَعيدٍ ، وَقَدْ تَجَلَّى حُضُورُهُ في تَجَارِبَ عَديدَةٍ ، يقفُ في طَلِيعَتِهَا : (رَسَائلُ) الجُنَيْد ، وَ(طَوَاسِيْنُ) الحَلاَّج (-309هـ) ، وَ(المَوَاقِفُ وَالمُخَاطَبَاتُ) لِلنَّفَّريِّ (-354هـ) ، وَ(الإشَارَاتُ الإلهيَّةُ) لِلتَّوحِيدِيِّ(-309هـ) ، وَ(الغَوثيَّةِ)(20)، وَ(الفَتْحُ الرَّبَّانِيُّ وَالفَيْضُ الرَّحمَانِيُّ)، لعبد القادر الجِيْلانِي (-561هـ) ، وَ(فُصُوصِ الحِكَم) ، وَ(الفُتُوحَاتُ المَكيَّةُ) ، وَ(رَسَائِلُ) مُحيي الدِّين بنِ عَرَبيِّ (-638 هـ) ، وَ(الجَوْهَرَةُ المُضِيْئَةُ) ،وَ(جَوْهَرَةُ الدِّسُوقيِّ) – وَهِيَ الصُّورَةُ المُصَغَّرَةُ مِنَ (الجَوْهَرَةِ المُضِيْئَةِ) – لإبرَاهيم الدِّسوقي (- 676هـ) .
وَبِهَذِهِ الأعْمَالِ اسْتَطَاعَ النَّثرُ الصُّوفيُّ الشِّعريُّ، أنْ يُحدِّدَ مَعَالمَ دَوْلَتِهِ في خَريطَةِ الإبدَاعِ العَربيِّ ، وَأنْ يُحَافظَ َعلى قَوْمِيَّتِهِ الخَاصةِ ، بِرُؤاهُ الخَاصةِ ، وَأدائِهِ المُتَفرِّدِ .

العُكُوفُ عَلى جَمَاليَّاتٍ خَاصةٍ وَبَدِيلَةٍ
أثْبَتَتْ تَجَاربُ النَّثرِ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ، بِمَلامِحِهَا الخَاصة ِ ، وَوَعْيهَا الفَريْد ِ، أنَّها نِتَاجُ وَعيٍٍ خَاصٍّ وَمُسْتقلٍّ ، وَجَاءَ أدَاؤهَا مُلائِمًا لِهَذِهِ التَّجربَةِ ، غَيْرَ بَاحِثٍ لَهَا عَنْ تَجَسُّدٍ في صِيْغةٍ قَائِمَةٍ ، وَهَذَا مَا جَعَلَهَا كِيَانًا خَاصًّا قَائِمًا ، أمَامَ كِيَانَاتِ النَّثر الفَنِّيِّ الغَفِيْرَةِ ، المُهَيْمنَةِ على خَريْطَةِ الإبْدَاعِ العَربِيِّ ، وَإنْْ كَانَ هَذَا الكِيَانُ الخَاصُّ قَدْ ظَلَّ مَحْكُومًا عليْهِ بِالإقَامَةِ في الهَامِشِ ، لِعُهُودٍ طَويلَةٍ .
وَلَقدْ أثْبَتَتْ تجَاربُ النَّثرِ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ ، أنَّهَا ليْسَتْ امْتِدَادًا إلاَّ لِذَاتِهَا ؛ وَلِهَذَا فَقَدْ مَثَّلَتْ الوَجْهَ الآخَرَ، الغَائِبَ ، لِلنَّثرِ الفَنِّيِّ ؛ ذَلكَ الوَجْهُ ، البَاطِنيُّ ؛ الَّذي لا يقلُّ حُضُورًا، أوْ تَوَقُّدًا عَنْ الهَيْئةِ الظَّاهريَّةِ .
تَجَلَّى اسْتِقلالُ النَّثرِ الصُّوفيُّ الشِّعريُّ ، عنْ آليَّاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ ؛ الَّتي هَيْمَنَتْ عَلى المَشْهَدِ الإبْدَاعيِّ في القَرْنِ الرَّابعِ الهِجريِّ ، في عِدَّةِ مَظَاهرَ ؛ أجْلاهَا أنَّ مَدَارَاتَهُ الأسَاسِيَّةَ قدْ ظَلَّتْ مَشْغُولةً بِتَصوُّرَاتِ الحَالَةِ ، وَلَيْسَتْ بِمُقْتَضَيَاتِ الغَرَضِ ، وَتَخَلَّتْ عَنْ سَرَطَاَنَاتِ الزَّخْرَفَةِ البَلاغيَّةِ ، وَعَمَدَتْ إلى تَفْجيْرِ أضْرَحَةِ اللغَةِ ، وَتَفْجيْرِ أغْوَارِ الحَالَةِ الإنْسَانيَّةِ في حُقُولِ اللغَةِ ، وَالكَشْفِ عَنْ لَوَاعِجَ تَتَضَوَّرُ في أعْمَاقِ الرُّوحِ الجَيَّاشَةِ ، وَحَرَكةِ الرُّؤي البَاطِنيَّةِ ِ ، وَمَجَازَاتِ الكُشُوفِ وَالتَّرقِّي الرُّوحيِّ ، وَكَشَفَتْ عَنْ حِسٍّ مِيتَافيزيقيٍّ مُتَضرِّمٍ وَمُتَأرجِحٍٍ ، بيْنَ الانْفِصَالِ وَالاتِّصَالِ ، وَالغِيَابِ وَالحُضُورِ ، وَالتَّشظِّي وَالاتِّحَادِ ، وَالمَحْوِ وَالإثبَاتِ ، وَامْتَلأتْ بِالمُنَاجيَاتِ الفَيَّاضَةِ المَكلُومَةِ ، في إيقَاعيَّةٍ مُكثَّفةٍ ؛ هِيَ إيقاعيَّةُ تَجْربَتِهَا الإنْسَانيَّةِ ذَاتِهَا ؛ فَحَجْمُ العِبَارَةِ وَبِنْيَتُهَا التَّركِيبيَّةُ يَتَحَدَّدانِ بِمَدَّاتِ الإيقَاعِ وَدَرَجَتِهَ وَحَالتِهِ ، وَجَسَّدَتْ أنْسِجَتُهَا اللغويَّةُ انْزيَاحَاتٍ عَنْ النَّمُوذَجِ الفَنِّيِّ المُهَيْمِنِ ؛ وَالمُتَمَثِّلُ في الإنْشَائيَّاتِ اللغويَّةِ الثَّقيلَةِ ، وَالزَّخمِ البَديعِيِّ وَالبَيَانِيِّ الكَثِيفِ ، وَالتَّوَازي الإيقاعِيِّ المُتَكرِّرُ؛ الشَّبِيْهِ - في دَائِرِيَّتِهِ - بِنِظَامِ البَيْتِ ، في الشِّعرِ البّيْتِيِّ المَوْزُونِ المُقَفَّى ، وَاسْتَخْدَمَتْ السَّجْعَ أحْيَانًا ؛ وَلكِنَّهُ اسْتِخدَامٌ خَاصٌّ ؛ لِتشْكِيْلِ مُنَاخٍ مُخْتلِفٍ عمَّا ألَحَّ عليْهِ كُتَّابُ النَّثرِِ الفَنِّيِّ المُبْدِعونَ ، وَهُوَ مَا سَوْفَ يَبْدُو لَدَى الحَلاَّجِ ، وَالتَّوحِيديِّ ، وَابْنِ عَرَبيِّ .
وَقَدْ اتَّسَمَتْ هَذِهِ التَّجَاربُ بِالإشَارَةِ ، الدَّائِمَةِ ، إلى مَا وَرَاءَ اللغةِ ؛ إلى ذَلكَ الكَامن ِ، الَّذي لا يُمكِنُ الإمْسَاك بهِ ؛ وَلِهَذَا اسْتَوْجَبَتْ مُجَاهَدَاتٍ وريَاضَاتٍ لِلْفَوزِ بِالأسْرَارِ بَعْدَ كَشْفِ الحُجُبِ ، ثمَّةَ لُغَةُ نَزَّاعَةُ إلى التَّرمِيْزِ وَالإيمَاءِ وَالإشَارَاتِ وَالتَّلويحَاتِ ؛ بِأضْوَاءٍ خَفيفةٍَ عَنْ عَوَالِمَ خفيَّةٍ لا تُحَدُّ وَلا تُنَالُ ، عَوَالِمَ عَامِرَةٍ وَكامِنَةٍ في العَالَمِ المَنْظورِ، وَفيْمَا وَرَاءَ هَذَا العَالمِ المَنْظُورِ ، وَالنَّصُّ ، ذاتُهُ ، يُجَسِّدُ هَذِهِ الحَالة َ المُرَاوغَةَ الخَلاَّقَةَ .
وَتُشَدَِّدُ الشِّعريَّةُ هُنَا عَلى تَحَقُّقِ الحُضُورِ الفِيْزيقِيِّ للغَةِ ، وَعَلى إبْرَازِِ نبْرَةٍ بَاطنيَّةٍ كَثِيفَةٍ وَعَمِيقَةٍ ، بَوْحُهَا أقرَبُ إلى تَضْمِيدِ الرُّوحِ ، وَلَمْلَمَةِ أشْتَاتِ الذَّاتِ الفَانيَةِ في عَرَاءِ المَلكُوتِ ، وَتَتَوَهَّجُ الأعْضَاءُ ، المُصْغِيَةُ ، بِفُيوضِ الأسْرَارِ ، وَتُصْبِحُ الكِتَابَةُ نَزْفًا مُنْدفِقًا عَلى الأعْرَافِ بيْنَ عَالَمَيْنِ : عَالَمِ الحُضُورِ وَعَالَمِ الغِيَابِ ، وَكِلاهُمَا في مَرْحَلَةِ التَّجَلِّي الفَيَّاضِ ، وَقَدْ اسْتَجَادَ عبدُ القَاهِرِ الجُرجَانيُّ هَذَا المَنْزَعَ ؛ حِيْنَ رأى أنَّهُ "يَجِبُ الفَضْلُ إذَا احْتَمَلَ في ظَاهرِ الحَالِ غيرَ الوَجْهِ الَّذي جَاءَ عليْهِ وَجْهًا آخَر."(21)
وَبِهَذَا حَقَّقَتْ لُغَةُ النَّثر الصُّوفيِّ الشِّعريِّ شِعْريَّتَهَا ؛ القَائِمَةَ عَلى الكَشْفِ عَنْ أصْوَاتٍ أخْرَى ، كَامِنَةٍ في اللغَةِ ، وَأشَارَتْ إلى أسْرَارٍ وَحُجُبٍ لا تَنْتَهِي في فَضَاءَاتِهَا ، وَمَا بَيْنَ المُسْتَوَى الظَّاهِريِّ لِلغَةِ وَالمُسْتَوَى المُضْمَرِِ، تَتَوهَّجُ الأرْوَاح ُ، وَتَتَدَّفقُ أمْوَاجُهَا ، وَمَا بَيْنَ جَدَليَّةِ الظَّاهِرِ وَالبَاطنِ ، وَالحَاضِرِ وَالغَائِبِ ، يَتَبَدَّى السَّعْيُ الدَّائمُ إلى " الإمْسَاكِ بِمَا هُوَ " بَاطِنيٌّ " وَرُوحِيٌّ "(22).
وَالإيقَاعُ ،هُنَا ، لَيْسَ عُنْصُرًا تَزْينيًّا ، أوْ خَلْفيَّةًً لِلْمَشْهَدِ اللغَويِّ ،أوْ إطَارًا لَهُ ؛ بَلْ هُوَ جُزْءٌ أسَاسِيٌّ مِنْ مُكَوِّنَاتِهِ ، وَرُبَّمَا كَانَ أوَّلَ هَذِهِ المُكوِّنَاتِ ، وَهُوَ يَقُومُ هُنَا بِمَا " يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِِالرَّوحَانيَّةِ ؛ حَيْثُ يَتَجَاوزُ حُدُودَ المَعْنَى المُبَاشرِ إلى مَنْطقةٍَ ، يُمْكنُ أنْ نُطلِقَ عليْهَا : مَنْطِقَةَ " مُخَاطبَةِ الأرْوَاحِ ."(23)
وَارْتَبَطَ المَجَازُ، هُنَا، بِالإشْرَاقَاتِ ، وَتَعلَّقَ بِفِيوضِ الأحْوَالِ وَالمَقَامَاتِ وَتَرَقِّّيَاتِ الرُّوحِ وَمَجَازاتِ الجَسَدِ وَحَالاتِ الشَّطحِ . وَكَانَ الحَذَرُ وَالحِرْصُ على عَدَمِ الجَهْرِ بِمَا يَتَرَاءَى في الخُلُواتِ حَافِزَينِ على إسْدَالِ السَّتائرِ الشَّفَيفةِ على" الحَقيقَةِ"، وَأصْبَحَتْ العِبَارَةُ الرَّهِيفَةُ تَتَفَتَّحُ على مَتَاهَاتِ الدَّلالاتِ البَعيدَةِ ، وَأمْسَتْ "اللقطَةُ" الدَّالةُ تُؤدِّي مَا تُؤدِّيهِ " الصُّورُ البَلاغيَّةُ" ، وَنَهَض السَّردُ البَاطِنيُّ الرَّهِيفُ ، البَعيدُ عَنْ جَلبَاتِ الزَّخَارفِ بِتَأسِيسِ مناخٍ خاصٍّ للشِّعريَّةِ ، وَلَمْ تَكُنْ المَرَائِي - الَّتي نَرَاهَا في إبْدَاعَاتِهِمْ - وَسِيْلةًً للإيمَاءِ بِشَيءٍ ؛ بَلْ كَانَتْ - بِالنِّسبَةِ إليْهِمْ - حَقَائقَ مَعِيْشَةً في حَالاتِ الشَّطحِ .
وَسَعَتْ هَذِهِ التَّجَاربُ إلى إيْجَادِ عَالمٍ لُغَويٍّ ، نَزَّاعٍ إلى التَّعبيْرِ عَمَّا هُوَ خَفِيٌّ ، وَشَائِكٌ، وَقَصِيٌّ ، وتوَّاَقٍ إلى الإمْسَاكِ بِمَا يَصْعُبُ الإمْسَاكُ بِهِ ؛ النَّبْضِ الخَفِيِّ لِلرُّوحِ ، وَهِيَ تَلْتَاعُ في تَوْقِهَا، وَشَطَحَاتِهَا ، وَصَبَوَاتِهَا المُدَمِّرَةِ ، وَيَسْتَمِدُّ شِعْريَّتَهُ مِنْ بِئْرِ الرُّوحِ ، وَمِنْ تَفَجُّرِِ لُغَتِهَا الإشْرَاقيَّةِ ، وَمِنْ انْثِيَالِهَا الطَّليْقِ الغَضِِّ المُتَنَاقِضِ كَالحُلْمِ ."(24)
وَاللغَةُ ، هُنَا ، ذَاتَ طَبيعَةٍ خَاصةٍ ؛ لأنَّهَا مُلْتَبِسَةُ بِتَجَاربَ خَاصةٍ ، وَصَادرَةٍ عَنْهَا في الأسَاسِ ، لاعَنْ كِتَابَةٍ سَابِقَةٍ مُتَمَثَلَةٍ ؛ وَبِالتَّالي تَتَبَدَّى صَاعِدَةً مِنْ أعْمَاقِ الرُّوحِ ، مُتَوقَِّّدَةً ، أسْيَانَةًً ، مَكْلُومَةً ، وَحُرَّةً ، وَيَتَأسَّسُ حُضُورُهَا الكِتَابيُّ هُنَا بِاعْتبَارِهَا نَقْشًا وَحَفْرًا وَخَلاصًا ، وَهِيَ تَعْكِسُ توتُّرًا حَادًّا بَيْنَ وَجَعِ اللحَظةِ الآنيَةِ المَعِيشَةِ وَالزَّمنِ السَّرمَديِّ المُطلَقِ ، وَيَبْرزُ هَذَا التَّوتُّرُ في تَوقُّدِ الحُضُورِ اللغَويِّ وَالتَّراكِيبِ الخَاصةِ ، في ألَقٍ وَشُبُوبٍ وَجَيَشَان ٍ وَشَبَق ٍ وَلَوْعَةٍ وَعَرَامَةٍ وَطاقَةٍ سِحْريَّةٍ مُشِعَّةٍ ، وَتَعْكسُ أبْنَيَةُ اللغَةِ انْفِجَارَاتِ الرُّوحِ ، وَمَا يَمورُ فِيْهَا مِنْ اكْتِوَاءِ وَجُنُوح وَعتْمَةٍ وَانْشِطَارَاتٍ ، وَقَدْ عَكَسَتْ هَذِهِ الحَالةُ سَعْيَ الذَّاتِ المُبْدعةِ إلى إيْجَاد ِلُغَةٍ مُعَادلَةٍ لِتطوُّحاتِهَا وَشَطَحَاتِهَا وَتَوقُّداتِهَا ، لُغَة ٍ تُجَسِّدُ الصُّرَاخَ في دَيَاجيْرِ العَدَمِ ، وَالتَّوقِ إلى التَّمَاهي في مِساحَاتِهَا البَعيْدَةِ العَصِيَّةِ ؛ وَلِذَا نَزَعَتْ ، في كَثيْرٍ مِنَ الحَالاتِ ، إلى المُخَاطَبَاتِ وَالمُنَاجَياتِ وَالبوْحِ وَالارْتمَاءِ في أفضِيَةِ الكُشُوفِ البَاهِرَةِ ، وَالعُرُوج ِ مِنْ حُدُودِ الجَسَدِ ، وَالنُّزوعِ إلي الفَنَاءِ ؛ الَّذي يَكونُ شَرْطًا للاتِّحَادِ وَالالتِئامِ وَالخَلاصِ وَتَمَاهِي الجُزْءِ في الكُلِّ ؛ وَلِهَذَا فَهِيَ لُغةُ الذَّاتِ المَبْتُورَةٍ مِنْ نَفْسِهَا ؛ بِكُلَِّ مَا يَتَوقَّدُ في عَتْمَتِها المُوْحِشَةِ الرَّحيبَةِ ، مِنْ لَواعِجَ وَشَبَقٍ عَارمٍ للذَّوَبانِ في المَدَى العَامِرِ البَاهِرِ، وَبِهَذَا انْسَجَمَ النَّصُّ معَ ذاتِهِ ، وَانْخَرَطَ في بِنْيَةٍ تَنْصَهرُ بِهِ ، وَتَتَلَّونُ أسْلُوبيًّا بِلواعِجِهِ وَتَوَقُّدِهِ الجَيَّاشِ .

المَشْهَدُ الإبْدَاعِيُّ لِلنَّثرِ الصُّوفيِّ الشِّعْريِّ
تَعَدَّدتْ التَّجليَّاتُ الإبْدَاعِيَّةُ للنَّثرِ الصُّوفيِّ الشَِّعريِّ ، وَلكنْ بَرَزَتْ فيْهِ ، بِقُوَّة ٍ، تَجَارِبُ مُهَيْمِنةُ ، تَتَمَتَّعُ كُلٌّ مِنْهَا بِخُصُوصِيَّةٍ الأدَاءِ وَفَرَادَتِهِ ، وَلكنَّهَا تَشْتَركُ ، كُلُّهَا ، في خَصِيْصَةٍ أسَاسَيَّةٍ ؛ هيَ إبْدَاعيَّةُ الخِطابِ وَاكْتِنَازِهِ بِالدَّلالاتِ الفَيَّاضَةِ ، وَالتَّركيزُ على قِيْمةِ الخَلْقِ الشِّعريِِّ لِمَادَةِ اللغَةِ نَثْرًا، وَعلى إبْرَازِ آليَّاتِ التَّشكُّلِ ؛ الَّتي تَفَجَّرَتْ في حُمَيًّا هَذِهَِ التَّجَِاربِ ، وَشكَّلَتْ شِعْريَّتِها الخَاصةِ ، تَتَبَدَّى هَذِهِ الخَصِيْصَةُ بِوُضُوحٍ ، في تَجَارِبِ أبْرَزِ مُبْدِعي النَّثرِ الشِّعريِّ الصُّوفيِّ ، وَهُمْ :

الحَلاَّج (25)
كَانَ التَّحدِّي الأكْبَرُ الَّذي وَاجَهَ الحَلاَّجَ هُوَ حَاجِزُ اللغةِ الصُّلبِ ، بِكَهَنوتِهِ التَّاريخِيِّ وَسُلْطَتِهِ الاجْتمَاعيَّةِ ، وَكَيفيَّة اخْتِرَاقِهِ وَتشْييد لُغَةٍ خَاصَّةٍ على أنْقَاضِ اللغَةِ ، وَبِمَعْزلٍ عَنْ اسْتِرَاتِيجيَّاتِهَا التَّليدَةِ ، شَرَعَ الحَلاَّجُ في تَفْريْغِ الدَّوَال مِنْ حُمُولاتِهَا الدَّلاليَّةِ المُكَدَّسَةِ فيْهَا ، ثُمَّ دَفَعَ بِهَا في سِيَاقاتِهِ الخَاصَّةِ ؛ لِتُصْبِحَ لُغَتَهُ الخَاصَّةَ ، بِأنسَاقِهَا الخَاصَّةِ ، وَآلياتِهَا الشَّخصِِيَّةِ .
هَذِهِ اللغةُ الخَاصَّةُ هِيَ الأسَاسُ الفِعليُّ الَّذي شَكلَّتْ عَليْه (الطَّواسِيْنُ) بِنْيَتَهَا الخَاصَّةَ المُسْتَقلَّةَ المُحْكَمَةَ ، حَيْثُ تَبْدُو الجُمَلُ ، فِيْهَا ، فَاقدَةً لأيَِّ عِلاقَةٍ تَاريخيَّةٍ سَابقَةٍ عَليْهَا سِوَى عِلاقَةِ التَّركيْبِ النَّحويِّ ، الَّتي يَسْتَحِيْلُ اسْتِبعَادَهَا ، هَذَا التَّشديدُ القَويُّ على تَحقيْقِ الوَظيفَةِ الشِّعريَّةِ للنَّصَِّ ، بإبْرَازِ خُصُوصِيَّتِهِ الأدَبيَّةِ الذَّاتيَّةِ ،هُوَ مَا يُذكِّرُنَا بِطُمُوحِ الشَّكلانيِّنَ في إنْتَاجِ " كَلامٍٍ يَتَكلَّمُ ، وَلكنَّهُ لا يَقولُ شَيْئًا ، وَلا يَقُومُ بِغَيرِ الكَلامِ ، كَلامٍ فَارِغٍ ، وَلكنَّهُ ليْسَ أبَدًا كَلامَ الفَرَاغِ ؛ إنَّهُ لا يُبِيْنُ وَإنَّمَا يُشِيْرُ ، وَهَكَذَا بِوَاسِطَةِ هَذَا الكَلامِ نَفْسِهِ ، يَنْكَشِفُ المَجْهُولُ ، وَيَبْقَى مَجْهُولاً ."(26)
هَكَذا بَدَا الخِطَابُ خَالِصًا لِذَاتِهِ ، مُتَجَرِّدًا مِنْ أيَِّ حَرَكَةٍ خارجيَّةٍ ، وَمُسْتَغرِقًا في حَرَكتِهِ المُسْتَقلَّةِ ، وَإيقَاعَاتِهِ الطِّلَّسَمِيَّةِ السَِّحريَّةِ :
" خُرُوجُهُ مَعْكُوسٌ في اسْتِقرَارِ تَأريْسِهِ ، مُشْتَعلاً بنَارِ تَعْريْسِهِ، وَنُورِِ تَرْويْسهِ . مِيْرَاضُهُ مَخِيْلُ رَميْض ، مِقْيَاضُهُ مَعِيْلُ وَميْض ، شَرَاهِمُهُ بَرْهَميَّةٌ ، صَوَارمُهُ مُخَيليَّة ، عَمَايَاهُ بَطْهَميَّة.
هَاهِ ! يَا أخي لوْ فهِمْتَ لترَضَّمتَ الرَّضمَ رَضْمًا ، وَتَوَهَّمتَ الوَهْمَ حَتْمًا ، وَرَجِعْتَ غَمًّا وَفنيْتَ هَمًّا."(27)
لَقَدْ اسْتَغْرَقَ الحَلاَّجُ في تشيئِ اللغَةِ ، وَالتَّركيْزِ على أبْعَادِهَا الصَّوتيَّةِ وَالفِيزيَائيَّةِ ؛ لِتَجْسِيدِ أفُقٍ هَادِرٍ وَعَصِيٍّ مَعًا ؛ مُكْتَنِزٍ بِالأسْرَارِ، وَنَزَّاعٍ لِلإشَارَاتِ البَرْقيَّةِ ، مِنْ خِلالِ نَسيْجٍ لُغَويٍّ مَهْجورٍ وَحُوْشِيٍّ .
وَقَدْ جَسَّدَتْ تَجْربَةُ الحَلاَّجِ الهَادرَةِ ، وَضْعِيَّةَ الذَّاتِ المُفَارقَةِ لِلْمَعرفَةِ السَّائدَةِ وَطُرُقِهَا المُعَبَّدَةِ ، الذَّاتِ المُجَاهِدَةِ لإيجَادِ صِيْغَةٍ فَرديَّةٍ ، شَدِيدَةِ الخُصُوصِيَّةِ وَالانْفِصَالِ ، صِيْغَةٍ تَتَخَطَّي الآنِيَّ إلى مَا وَرَاءَهُ ، وَمَا وَرَاءَهُ إلى مَا وَرَاءَهُ ؛ حَيْثُ الأزَلُ الأبَدِىُّ الكَامِلُ ، في تَكثيْفٍ شِعْريٍّ دَقيْقٍ وَنَزَّافٍ .
وَلَمْ يَكتَفِ الحَلاَّجُ بِاللغَةِ ؛ لِتَحْقيْقِ تَأثيْرِهِ الطِّلَّسِميِّ السَِّحْريِّ ، وَإنَّمَا ضَمَّ إلى عُنْصرِِ اللغَةِ مَادَةً أخْرَى لِلتَّعبيْرِ؛ هِيَ الرُّسُومُ الرَّمْزيَّةُ ؛ لِتَتَجَاوَرَ لُغَةُ الحُروفِ وَلُغَةُ الخُطُوطِ ِ، في تَشْكِيْلِ فَضَاءَاتِ النَّصَِّ .
فَيَسْتَهِلُّ – على سَبيْلِ المِثَالِ- : طَاسِين التَّنزِيهِ ، هَكَذَا :

الأوَّلُ مَفْعُولاتُهُ ، وَالثَّانِي
مَرْسُومَاتُهُ ، وَالدَّائرَةُ الكَوْنَيْنِ .
وَالنُّقَطُ مَعْنَى التَّوحِيْدِ ، وَإنْ انفَصَلَ عَنْ الدَّائرَةِ .
هَذِهِ الدَّائرَِةُ الثَّانيَةُ مِنْ جُمْلَةِ الجُمَلِ على أقَاويْلِ أهْلِ المِلَلِ وَالمُهَلِ وَالمُقَلِ وَالسَّيَلِ .
فَالأوْلَى ظَاهِرَةٌ ، وَالثَّانيَةُ بَاطِنَةُ ، وَالثَّالثَةُ إشَارَةٌ .
هَذِهِ كُلُّهَا مَكْنُونَةٌ مَكْنُوسَةٌ ، مَرْجُوزَةٌ مَطْرُوزَةٌ ، مَشْمُوزَةٌ مَرْكُوزَةٌ ، مَغْرُوزَةٌ مَبْهُورَةٌ ، في ضَمَائرِ الضَّمَائِرِ ، في الدَّائِرِ وَالحَائِرِِ ، وَالغَائِرِ وَالنَّائِرِ وَالمَائِرِ.(28)
كَمَا جَسَّدَ الحَلاَّجُ ، بِشَخْصِهِ - بِامْتِيَازٍ - ضَرَاوَةََ الرِّحلَةِ الأبَديَّةِ المُسْتَحِيلَةِ ، مِنْ أقْطَارِ الوَاقِعِ المَنْظُورِ الجَيَّاشِ ، إلى مَا وَرَاءَ الوَاقِعِ المَوَّارِ، وَمِنْ حُدُودِ المَعْنَى القَائِمِ ، إلى مَا وَرَاءِ المَعْنَى ، وَهِيَ رِحْلَةٌ ضَاربَةٌ ، في غُربَةٍ كَامِلةٍ ، إسْرَاءٌ مُتَوَاصِلٌ ، إلى المَاوَرَاءَ ، دُوْنَ وُصُولٍ ، إسْرَاءٌ تَظَلُّ فيْهِ اللغَةُ مُسْتَودَعًا وَمَتَاهَةً .
كَانَتْ المَعْرفَةُ ذَاتُهَا حِجَابًا ، وَكَانَ الجَسَدُ قيْدًا وَسِجْنًا وَمَنْفيً للرُّوحِ المُبْدِعَةِ الجَوَّابَةِ . وَكَانَتْ تِرْحَالاتُهُ المَوْصُولَةُ إلى المَجْهُولِ الضَّارِي وَالكَامِنِ ، ضُرُوبًا مِنْ الفَقْدِ المُتَوالِي وَالوَجْدِ المُتَأرجِحِ، لَمْ تَعُدْ الإشَارَاتُ تكْفِي ، وَصَارَتْ اللغةُ حِجَابًا لا طَريْقًا ، وَمَا عَادَتْ العِبَارَةُ تَتَّسعُ ، وَكَانَتْ الرُّوحُ - المُنْفَردَةُ في المَنْفَى المُلْتَهِبِ - قَدْ اكْتَظَتْ بِالاكْتِمَالِ ، حِيْنَمَا شَرَعَ يَصْرُخُ- في شَوَارِعِ بَغْدَادَ - :" أنَا الحَقُّ " ، وَكَانَتْ الرُّوحُ قَدْ احْتَشَدَتْ وَهَيْمَنَتْ [وَتَلاشَى حُضُورُ الجَسَدِ ]، حِيْنَمَا كَانَ يُجْلَدُ ، وَحِيْنَمَا أُخْرِِجَ لِلْقَتلِ؛ يَتَبَخْتَرُ في قَيْدِهِ وَيُرَدِّدُ: " حَسْبُ الوَاجِدِ إفْرَادُ الوَاحِدِ لَهُ "(29) ، وَكَانَتْ الرُّوحُ المُبْدِعَةُ قَدْ وَصَلَتْ إلى حَقيقَةِ البَدْءِ ، حِيْنَمَا سُئِلَ عَن التَّصوُّفِ ، وَهُوَ مَصْلُوبٌ ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ :" أهْوَنُهُ مَا تَرَى "(30) ؛ فَتقْطِيْعُ الجِسْمِ ، وَالانْفِصَالُ عَنْهُ ،أدْنَى مَرَاقِي الذَّاتِ المُبْدعَةِ إلى فَضَاءَاتِ اللانِهَائيَّةِ ، وَانْتِهَاءُ الحَقيقَةِ إيْذَانٌ بِابْتِدَاءِ الحَقيقَةِ ، لَقَدْ كَانَ شُعُورُهُ بِمَا وَرَاءَ اللغَةِ ، وَمَا َورَاءَ المَادَّةِ ، وَمَا وَرَاءَ الوُجُودِ ، حَادًّا ، وَمُتَجَاوِزًا شُعُورَهُ بِجَسَدِهِ ؛ بَلْ كَانَ شُهُودُهُ الكَامِلِ لِلَمَا وَرَاءِ لا لِلْمُتَعَيَّنِ ، كَانَ المُتَعَيَّنُ بَابًا إلى مَا وَرَائِهِ :
" النُّقطَةُ أصْلُ كُلِّ خَطٍَّ ، وَالخَطُّ كُلُّهُ نُقَطٌ مُجْتَمِعَةٌ ، فَلا غِنَى( لِلْخَطِّ ) عَنْ النُّقطَةِ ، وَلا النُّقطَةِ عَنْ الخَطِّ ، وُكُلُّ خَطٍّ ، مُسْتَقِيْمٍ أوْ مُنْحَرِفٍ فَهُوَ مُتَحَرِّكٌ عَنْ النُّقطَةِ بعْينهَا ،وَكُلُّ مَا يَقعُ عَليْه بَصَرُ أحَدٍ فَهُوَ نُقْطةٌ بَيْنَ نُقْطَتيْنِ ."(31)
كَمَا تَجَسَّدَ وَعْيُهُ بِمَا وَرَاءَ المَادَّةِ - أيْضًا - حِيْنَمَا " أُتِيَ بِهِ يَوْمَ وَقْعَتِهِ مُسَلْسَلاً مُقيَّدًا ، وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ في قَيْدِهِ ، وَهُوَ يَضْحَكُ "(32) ، كَانَ الفَنَاءُ ، في الحَقَِّ قَدْ اسْتولَى على جَميْعِ كِيَانِهِ ، وَكَانَ انْطَلاقُهُ مِنْ حُدودِ الجَسَدِ إلى فَضَاءَاتِ المُطْلَقِ الأزَليَِّ المَاوَرَائِيِّ تَخَليًّا كَامِلاً ؛ بَلْ غِيَابًا ، عَنْ فَرْدَانِيَّتِهِ الظَّاهريَّةِ الغَريْبَةِ .
وَلَقَدْ جَسَّدَ الحَلاَّجُ بِكُلِّهِ غُرْبَةَ النَّصِّ المُوَاجِهِ ، وَقِيَامَةِ الكِتَابَةِ المُغَايرَةِ لِمَنْطِقِِ ذَاكِرَةِ السُّلْطةِ وَآليَّاتِهَا وَمَنْطِقِهَا ، بِكُلِّ حُضُورِهَا الوَهَّاجِ :
" أفْهَامُ الخَلائِقِ لا تَتَعلَّقُ بالحَقيْقَةِ ، وَالحَقيْقَةُ لا تَليْقُ بالخَليْقَةِ ، وَالخَواطِرُ عَلائِقُ ، وَعَلائِقُ الخَلائِقِ لا تَصِلُ إلى الحَقائِقِ ، الإدْرَاكُ إلى عِلْم ِ الحَقيْقَةِ صَعْبٌ ، فَكيْفُ إلى حَقيْقَةِ الحَقيْقَةِ ؟، وحقُ الحَقِّ وَرَاءَ الحَقيْقَةِ ، وَالحَقيْقَةُ دُونَ الحَقِّ . الفَرَاشُ يَطِيْرُ حَوْلَ المِصْبَاحِ إلى الصَّبَاحِ وَيَعَودُ إلى الأشْكالِ فيُخْبرُهُمْ عَنْ الحَالِ بَألْطَفِ المَقالِ ، ثُمَّ يَمْرَحُ بالدَّلالِ طَمَعًا في الوُصُولِ إلى الكَمَالِ ، ضَوْءُ المِصْبَاحِ عِلْمُ الحَقيْقَةِ ، وَحَرَارَتُةُ الحَقيْقَةُ ، وَالوُصُولُ إليْهِ حَقُّ الحَقيْقَةِ .
" لَمْ يَرْضَ بضَوْئهِ وَحَرَارَتهِ ، فيُلْقي جُمْلَتَهُ فيْهِ ، وَالأشْكَالُ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَهُ لِيُخْبرَهُمْ عَنْ النَّظرِ حِيْنَ لَمْ يَرْضَ بالخَبَرِ، فحينئذ ٍ يَصِيْرُ مُتَلاشِيًا مُتَصَاغِرًا مُتَطَائِرًا ، فَيَبْقَى بلا رَسْمٍ وَجِسْمٍ وَاسْمٍ وَوَسْمٍ فبأيِّ مَعْنَىًً يَعُودُ إلى الأشْكَالِ وَبأيِّ حَالٍ بَعْدَ مَا صَار؟ ، مَنْ وَصَلَ وَصَارَ إلى النَّظَر، اسْتَغْنَى عَنْ الخَبَر ، وَمَنْ وَصَلَ إلى المَنْظُورِ اسْتَغْنَى عَنْ النَّظَرِ، لا تَصِحُّ هَذِهِ المَعَاني لِلْمُتَواني وَلا الغَاني ، وَلا الجَاني ، وَلا لِمَنْ طَلَبَ الأمَاني ، كَأنِّي كَأنِّي ، أوْ كَأنِّي هُوَ، أوْ هُوَ أنِّي :لا يَرُوعُني إنْ كُنْتُ أنِّي .
" يَا أيُّهَا الظَّانَّ ، لا تَحْسَبْ أنِّي أنَا الآنَ ، أوْ يَكُونُ ، أوْ كَانَ ، لا بَأسَ إنْ كُنْتُ أنَا لكِنْ لا أنَا ."(33)
وَمَا كَانَ تَقْطيْعُهُ وَضَرْبُ عُنًقِهِ ، وَإشْعَالُ النَّارِ في رُفاتِهِ ، وَحَمْلُ رَمَادِهِ إلى قمَّةِ مَنَارَةٍ؛ ليُنْثرَ وَتَذْورُهُ الرِّيحُ في مِيَاهِ دِجْلةٍ أوْ سَمَاءِ الخِلافَةِ ، بِقَادِرٍ عَلى مَحْوِ رِحْلَةِ الحَلاَّجِ ، مِنْ الوُجُودِ ، فَسَوفَ تَسْري إلى النَّاسِ فيْمَا يَتَنَفَّسونَ ، وَسَوْفَ تَأتي طَائفَةُ ، بَعْدَ ذَلكَ ، تَعْتقِدُ بِمَبْدَأ الحُلولِ وَتنْسِبُهُ إليْهِ - في مُنْتَصَفِ القَرْنِ الخَامِسِ الهِجْريِّ - وَتُحوِّلُهُ إلي زعِيْم ٍ تَعْتَقدُ في مَهْديَّتِهِ وَرُجُوعِهِ ، وَيُنْتدَبُ الغَزَاليَِّ : الشَّافعيُّ الأشْعريُّ ، وَعبْدُ القَادرِ الجِيلانِيِّ: الحَنْبَليُّ، وَغَيْرُهُمَا ، لِلدِّفاعِ عَنْ الحَلاَّجِ ، وَإعَادَةِ الاعْتِبَارِ إليْهِ ، وَاعْتِبَارِهِ شَهِيْدًا وَقِدَِّيسًا ، مُنْذُ القَرْنِ الخَامِسِ الهِجْريِّ(34) ، وَهُوَ مَا سَيَقودُ إلى بَعْثٍ جَديْدٍ لِلْحَلاَّجِِ ، وَإقامَةٍ دَائِمَةٍ لِنَارِهِ الجَوَّابَةِ .

النَّفَّريُّ (35)
شَكَلَّتْ تَجْربَةُ النَّفَّريِّ ؛ المُتَجَسِّدَةُ في:(المَوَاقِفِ وَالمُخَاطَبَاتِ) ، اخْتِرَاقًًا حَقيقيًّا لرَغَاوي اللغَةِ وَزَبَدِهَا ، اخْتِرَاقًا رَهِيفًا يَشُقُّ الحُجُبَ ، وَيصِل ُ إلى أعْمَاقِ التَّجربَةِ التَّحتيَّةِ المَوَّارَةِ المُتَّقدَةِ ، في قلْبِ اللغَةِ ، بِمَعْزلٍ عنْ التَّعقيدِ اللغَويِّ ، وَبِالقَليْلِ مِنَ التَّراكِيبِ اللغَويَّةِ تَتَفَتَحََّّ في العِبَارَةِ مَسَالكُ الدَّلالاتِ المُشِعَّةِ الَّتي تَتَوَاشَجُ في فَضَاءِ النَّصِّ .
فِعْلُ الكتابةِ ، هُنَا، فِعْلُ إصْغَاءٍ ، وَمُتَابَعَةُ لِلْمُكاشَفَاتِ وَمَا يَرِِدُ على القَلْبِ مِنْ أحْوَال ٍ وَتَضَوُّرَاتٍ ، لَيْسَ جَوْهَرُ الشَّكلِ عِنْدَ النَّفَّريِّ " صْيْغَةَ كِتَابَةٍ ؛ وَإنَّمَا هُوَ صِيْغَةُ وُجُودٍ ، أعْنِي أنَّهُ وَعْدٌ بِبِدَايةٍ دَائِمَةٍ ، وَمِنْ هُنَا لا يَنْطلِقُ النَّفَّريُّ مِنْ أوَّلانيَّةٍ شَكليَّةٍ ، بَلْ يَنْطلِقُ ، عَلى العَكْسِ ، مِنْ أوْلانيَّةِ اللاشَكْلِ ، كِتَابَةُ النَّفَّريِّ تَصْدُرُ ، ضِمْنَ التَّراثِ العَرَبيِّ ، عنْ أصَالَةٍ شَخْصيَّةٍ مُطْلَقَةٍ .. لا أثَرَ فِيْهَا لأيِّ نَمُوذَجٍ سَابقٍ ، وَلا أثَرَ فِيْهَا للذَّاكرةِ الجَمَاليَّةِ "(36) ؛ حَيْثُ لا تَسْتَنِدُ عَلى تَقَاليدِ الشِّعرِ العَرَبيِّ المَعْرُوفَةِ ، أوْ مَوْضُوعَاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ المُحَدَّدةِ ، في تَخْليْقِ شِعْريَّتِهَا الخَاصةِ ، وَإنَّمَا تَعْتَمِدُ عَلى حَرَكَاتِهَا الدَّالةِ وَأصَالَةِ أدَائِهَا ، في لُغَةٍ شَفَّافةٍ ،عَامِرَةٍ بالتَّرميْزِ والتَّكثيْفِ ، وَإيقَاعٍ بَاطنيٍّ رَهِيفٍ ، لا يَنْهَضُ على فَاعِليَّةِ النَّبرِ وَحْدَهَا ؛ وَإنَّمَا يَسْتَثْمِرُ بِدَايَاتِ السُّطورِ الثَّابتةِ في تَشْكِيلِ قَافيَةٍ مَعْكُوسَةٍ ، بِالإضَافَةِ إلى مِسَاحَاتِ السُّطورِ، وَتَفَاوتِهَا طُولاً وَقِصَرًا ، حَسَب حَرَكةِ التَّجربَةِ .
وَعَلى قَدْرِ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ الخِطَابُ الإبْدَاعِيِّ لـ(المَوَاقِفِ وَالمُخَاطَبَاتِ) مِنْ أصَالَةٍ شَديدَةٍ في الأدَاءِ - الَّذي هُوَ انْعكِاسٌ لأصَالَةِ التَّجربَةِ - فَإنَّهُ يَبْدُو عَميْقَ الأوَاصِرِ بِالصِّيَغِ الإبْدَاعيَّةِ للأحَاديْثِ القُدْسيَّةِ(37)، وَهَذِهِ الأوَاصِرُ لا تُقلِّلُ مِنْ اسْتِقلاليَّةِ الإبْدَاعِ، وَخُصُوصيَّتِهِ، وَأصَالةِ نَبْرَتِهِ ، في (المَوَاقِفِ وَالمُخَاطَبَاتِ) .

مَوْقِفُ البَحْرِ (38)

أوْقَفني في البَحْرِ فَرَأيْتُ المَرَاكِبَ تَغْرَقُ وَالألْوَاحَ تَسْلَمُ ، ثمَّ غَرَقتْ
الألْوَاحُ ، وَقالَ ليِ : لا يَسْلَمُ مَنْ رَكب .
وَقالَ لي : هَلَكَ مَنْ ألْقى بنَفْسِهِ وَلمْ يَرْكَبْ .
وَقالَ لي : في المُخَاطرَةِ جُزْءُ مِنَ النَّجاةِ ، وَجَاءَ المَوْجُ فَرَفَعَ مَا تَحْتَهُ ، وَسَاحَ على السََّاحِل .
وَقالَ لي: ظاهِرُ البَحْرِ ضَوْءٌ لا يُبْلَغُ ، وَقَعْرُهُ ظُلْمَةٌ لا تُمَكَّنُ ، وَبَيْنَهُمَا حِيتانٌ لا تُسْتأمَنُ .
وَقالَ لي: لا تَرْكبُ البَحْرَ، فَأحْجُبُكَ بالآلةِ ، وَلا تُلْقِ نَفْسَكَ فيْهِ فأحْجُبُكَ بهِ .
وَقالَ لي : في البَحْرِ حُدُودٌ ، فَأيُّهَا يُقلُّكِ .
وَقالَ لي: غَشَشْتُكَ إنْ دَللتُكَ على سِوَايَ .
وَقالَ لي: إنْ هَلَكْتَ في سِوَايَ كُنْتَ لِمَا هَلَكْتَ فيْهِ .
وَقالَ لي: الدُّنيَا لِمَنْ صَرَفْتُهُ عَنْهَا ، وَالآخِرَةُ لِمَنْ أقبَلَتُ بهَا إليْهِ وَأقبَلْتُ بهِ عَليَّ .

مِنْ الوَاضِحِ أنَّ هَذِهِ الكِتَابَةََ ، تَبْدَأ مِنْ تَحْطِيمِ الحُدُودِ المَنْطِقيَّةِ المُتَعَارَفِ عَليْهَا ؛ لِتُؤسِّسَ مَنْطِقَها الخَاصَّ ؛ ففي البَحْرِ ( لا يَسْلَمُ مَنْ رَكِبَ) ، وَفي الوَقْتِ نَفْسِهِ (خَاطَرَ مَنْ ألْقَى بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَرْكَبْ) ، وَكَذَلكَ (هَلكَ مَنْ رَكِبَ وَلَمْ يُخَاطِرْ) ، وَفي الوَقتِ نَفْسِهِ نَجِدُ الغَرَقَ لا يُمِيْتُ: (إذَا وَهَبْتَ نَفْسَكَ لِلبَحْرِِ فَغَرَقْتَ فيْهِ كُنْتَ كَدَابَةٍ مِنْ دَوَابِهِ) .
كِتَابَةٌ تَتَحَرَّكُ مِنَ المُتَعَّيْنِ الوَاضِحِ ، وَتَنْتَهِي بِمَتَاهَاتٍ تَتَفَتَّحُ ، كِتَابَةُ تَنْطلِقُ مِنْ مَعَالِمِ الحُضُورِ ، إلى مَدَارجِِ الغِيَابِ . مَتَاهَاتٌ تَتَفتَّحُ ، في إثْرِ جُمَلٍ بَسِيْطَةِ التَّركيْبِ ،عَاريَةً مِنَ الزَّخَارِفِ ، تَبْدَأُ بِمَقولَةِ : (قَالَ لِي) ، وَأيْنَ هُوَ النَّفَّريُّ الوَاقِفُ؟، إنَّهُ وَاقِفٌ في جَلالِ الشُّهُودِ وَشُهُودِ الجَلالِ ، وَتَلْعَبُ المُفَارَقَةُ دَوْرًا رَئِيْسًا في صِيَاغَةِ الشِّعريَّةِ ؛ حَيْثُ يُقَوِّضُ ظَاهِرُ الجُمْلَةِ مَا قَبْلَهَا ؛ لِتَتَحَطَّمَ حُدُودُ المَنْطقِ الظَّاهريَّةِ ، وَحَيْثُ تَتَجَسَّدُ اللغَةُ في دَرَجَةٍ عَاليَةٍ مِنَ الكَثَافَةِ وَالتَّنغِيْمِ ، دَرَجَةٍ أقْرَبِ إلى حَرَكَةِ المُحِيْطِ الهَادِئِ العَميْقِ ، وَتَتَدَفَّقُ النَّبرَةُ الشِّعريَّةُ خَافتَةً عَمِيْقَةً .(39)

لَقَدْ جَاءَتْ تَجْربَةُ النَّفَّريِّ فَريدَةً ؛ لأنَّهَا نِتَاجُ حَيَاةٍ فَريْدَة ٍ، تَجربَةٌ خَاصَّةٌ وَمُنْعَزلَةٌ عَنْ السِّيَاقِ العَامِ ، وَضَاربَةٌ في فَضَائِهَا الخَاصِّ ؛ كَالنَّفَّريِّ ذَاتِهِ ، الَّذي عَاشَ جَوَّابًا في أقْطَارِ الأرْضِ، حَتَّى وَفَاتِهِ ، في مُسْتَهَلِّ النِّصفِ الأخَيْرِ مِنَ القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْريِّ ، وَقَدْ كَانَ يُدَوِّنُ (المَوَاقِفَ) وَ (المُخَاطبَاتِ) ،على " قُصَاصَاتٍ مِنَ الوَرَقِ ، نُقِلَتْ ، بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ فَلَقدْ كَانَ هَائِمًا في الصَّحَاري ، وَلَمْ يَقُمْ في أرْض ٍ مُعَيَّنَة ٍ مُحَدَّدةٍ إقَامَةََ اسْتِقرَارٍ ، كَمَا لَمْ يُتَحْ لأحَدٍ أنْ يَعْرِفَ عنْهُ شَيْئًا ."(40)
هَكَذا جَاءَتْ لُغَةُ النَّّفََّريِّ خَاصَّةً .
وَهَكَذَا جَاءَ خِطَابُهُ خِطَابًا تَتَّسعُ (الرُّؤيَا) في مَشْهَدِهِ .
وَ" كُلَّمَا اتَّسعَتْ الرُّؤيَا ضَاقَتْ العِبَارَةُ"، كَمَا يَقُولُ .

أبُو حَيَّان التَّوحِيديُّ (41)
عَلى المِحْورِ نَفْسِهِ، يُردِّدُ أبُو حَيَّان التَّوحيديُّ :
" هَيْهَاتَ ضَاقَ اللفظُ ، وَاتَّسعَ المَعْنَى ، وَانْخَرَقَ المُرَادُ ، وَتَاهَ الوَهْمُ وَحَارَ العَقْلُ ، وَغَابَ الشَّاهِدُ في الغَائبِ ، وَحَضَرَ الغَائِبُ في الشَّاهدِ ، وَتَنَكَّرَتْ العَيْنُ مَنْظُورًا بهَا ، وَمَنْظُورًا إليْهَا، وَمَنْظُورًاً فيْهَا، فَكَيفَ يُمْكِنُ البَيَانُ عَنْ قِصَّةٍ هَذَا إشْكَالُهَا ؟ ، وَأيْنَ الدَّوَاءُ وَالعِلَّةُ هَذَا إعْضَالُهَا ؟ ، اليَأسَ اليَأسَ ، القُنُوطَ القُنُوط َ! ، الوَيْلَ الوَيْلَ". (42)
إنَّهَا مِحْنَةُ الذَّات ِالكُليَّةِ المَبْتُورَةِ عَنْ كِيَانِهَا الأكْمَلِ ، مِحْنَتُهَا في عَالَم ٍ شَاسِعٍِ وَخَاوٍ وَضَارٍ ، تَدَاخَلَتْ فيْهِ المَسَالكُ المُخْتَلِفَةُ ، وَوَقَفَتْ فيْهِ اللغَةُ مَشْدُوهَةً وَعَاجزَةً عنْ احْتِوَاءِ تَجْربَةٍ فَوَّارةٍ مُتَشَابِكَةٍ وَغَامِرَةٍ ، لَيْسَ في مُسْتَطاعِ الذَّاتِ المُبْدِعَةِ في هَذِهِ الحَالةِ ، سِوى العُوَاءِ وَالتَّطايُرِ في حُمَمٍٍ ؛ لِيُصْبِحَ فَضَاءُ النَّصُّ مُعَادِلاً لِلْجَسَدِ المُبْدعِ ؛ الَّذي يَنُوءُ بِفُيوضِ الرُّؤى في دُرُوبِهِ ، هَذِه الفُيوضُ الَّتي تَتَوالَى عَليْهِ وَتَغِيْبُ ، وَهُوَ - مُلْتَبِسًا بِهَا وَمُتَّحدًا - يَحْضُرُ وَيَغيْبُ ، وَيَتَشَظَّى وَيَتَّحدُ ، وَيَفْنَى وَيَعُودُ ، وَلا يَثْبُتُ على حَالٍ ، يَتَّحدُ المَجَالُ اللغَويُّ بِمَدَارَاتِ التَّجربَةِ اتِّحَادًا كَامِلاً ؛ فَحَيْثُ يَنُوءُ الجَسَدُ بِمَا يَحْمِلُ تَنُوءُ اللغَةُ بِمَا يَتَوَاشَجُ في ضُلوعِهَا، وَمَا يَفِيضُ على أوْعِيتِهَا ؛ فَحَدَاثَةُ النَّصَِّ لَيْسَتْ حَدَاثَةَ كِتَابَةٍ ، بَلْ هِيَ حَدَاثَةُ تَجْربَةٍُ مَعِيْشَة ٍ ، مُرَاوغِةٍ وَجَيَّاشَةٍ وَعَارمَةٍ ، وَالأدَاءُ اللغَويُّ الخَاصُّ يُجَاهدُ أنْ يَتَّحدَ بِخُصوصِيَّةِ التَّجربَةِ .

" يَا هَذَا ، إنَّ الَّذي صَمَدَكَ إليْهِ ، وَوَلَهَكَ فيْهِ ، وَإيمَاؤكَ نَحْوَه ، وَإعْجَابُكَ مِنْهُ ، حَاضِرُهُ غَائِبٌ ، وَغَائبُهُ حَاضِرٌ ، وَحَاصِلهُُ مَفْقُودٌ ، وَمَفْقُودُهُ حَاصِلٌ ، وَالاسْمُ فيْهِ مُسَمَّى ، وَالمُسَمَّى فيْهِ اسْمٌ ، وَالتَّصريْحُ بهِ تَعريضُ ، وَالتَّعريضُ بهِ تَصْريْحُ ، وَالإشَارةُ نَحْوَهُ حِجَابُ ، وَالحِجَابُ نَحْوَهُ إشَارَةٌ ، وَهَذِهِ قِصَّةٌ لا تُعَرَفُ إلاَّ بهِ ، وَحَالٌ لا تُعْزَى إلاَّ إليْهِ ، وَشَأنٌ لا يُوجَدُ إلاَّ لهُ ، لأنَّهُ بائِنٌ مِنَ الأشْيَاءِ بمَا هُوَ بهِ هُوَ ."(43)
ثَمَّةَ حِرْصٌ وَاضحٌ على تَوزيْنِ الجُمَلِ عنْ طريقِ الازْدِوَاجِ ، وَحِرْصٌ مُمَاثِلٌ عَلى تَوسِيْعِ آفَاقِ الدَّلالةِ عنْ طريقِ عِلاقَاتِ التَّضادِ ؛ الَّتي تَتِمَّ بِتَبَادُلِ مَوَاقعِ كَلمَاتِ كُلَِّ فَاصِلَتيْنِ .
وَثمَّةَ كُشُوفٌ مُتًواليَةٌ ، وَأحْوَالٌ مُتَبًايِنَةٌ ، وَمَقَامَاتٌ مُتَعاقِبَةٌ ، وَتَطوُّحَاتٌ لا تَنْتَهِي :
"يَا هَذَا ! أمَا تَرَى كَيْفَ أدِيْرُكَ مِنْ بَابٍ إلى بَابٍ ، وَكَيْفَ أصفُ لكَ حَالاً بَعْدَ حَالٍ ، وَكيْفَ أُلْقِي إليْكَ فَنَّا بَعْدَ فنٍّ ، وَكيْفَ أُقوِّي رَجَاءَكَ حَتَّى تَكَادَ تَطمَئِنُ ، وَكَيْفَ أُغلَِّبُ بَأسَكَ حَتَّى تَكَادَ تَرْجَحَنَّ؟ ، وَكَيْفَ أُنَاغِيكَ بِالسَّلوَةِ عَنْ الدُّنيَا ؟، وَكَيفَ أُسَارُّكَ بِأعَاجيبِ المَولَى؟، وَكيْفَ أجْذِبُكَ إليَّ تَارَةً ثُمَّ أنْجَذِبُ مَعَكَ أخْرَى."(44)

وَيُفَسِّرُ هَذِهِ العَلاقَةَ الحَمِيْمَة ، قَوْلُ النَّفَّريِّ:
" أنْتَ ضَالتِي ، وَأنَا ضَالتُكَ ، وَمَا مِنَّا مَنْ غَابَ ."(45)
أمَّا مَوقِفُ التَّوحِيديِّ مِنَ النَّثرِ الفَنِّيِّ المَسْجُوعِ ؛ الَّذي هَيْمَنَ على كِتَابَاتِ مُعَاصِريْهِ - في القَرْنِ الرَّابعِ الهِجريِّ- فَيَبْدُو في كِتَابِِهِ: الإمْتَاعِ وَالمُؤانَسَةِ ، كَمَا يبدُو - بِالتَّفصيْلِ - في كِتابِهِ : مَثَالبِ الوَزيرينِ ؛ حَيْثُ أوْرَدَ في: الإمْتَاعِ وَالمُؤانَسَةِ ، رَأيًا في ابْنِ العَميْدِ ؛ زَعيْمِ التَّيَّارِ التَّزيينِيِّ المَسْجُوعِ في النَّثرِ الفَنِّيِّ ، قَالَ فيْهِ :
أوَّلُ مَنْ أفْسَدَ الكَلامَ أبُو الفَضْلِ ؛ لأنَّهُ تَخَيَّلَ مَذْهَبَ الجَاحِظِ ، وَظَنَّ أنَّهُ إنْ تَبِعَهُ لََحِقََهُ ، وَإنْ تَلاهُ أدْرَكَهُ ، فَوَقَعَ بَعيدًا عَن الجَاحِظِ ، قَريبًا مِنْ نَفْسِهِ ."(46)
وَالتَّوحِيديُّ نَفْسُهُ كَانَ يُرَاوحُ بَيْنَ السَّجعِ وَالمُزَاوَجَةِ "؛ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الجَاحظُ ؛ الَّذي ارْتَضَاهُ إمَامًا في حَيَاتِهِ العَقليَّة وَالأدبيَّة ."(47)
وَعلى الرَّغمِ مِنْ رَأي التَّوحيديِّ في شَكلِ الكِتَابَةِ الفنيَّةِ المُهَيْمنِ في عَصْرِهِ ، فَإنَّنَا نقرأُ لَهُ رَأيًا مُتَحَمِّسًا في كِتابِ : التَّاجِي ، لِلصَّابِي - وَهَذَا الأخَيْرُ مِنْ فَريْقِ الصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد وَابْنِ العَميْدِ ؛ اللذيْنِ خَصَّصَ التَّوحيديُّ كِتَابَهُ : مَثَالِبِ الوَزيريْنِ، في قَدْحِهِمَا - يقولُ فيْهِ : " لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ بِهِ أعْرَقَ النَّاسِ في الخَطابَةِ ، وَأعْرَقَ الكُتَّابِ في الكِتَابَةِ ، هَذَا ، وَنَظُمُهُ مَنْثُورُهُ ، وَمَنْثُورُهُ مَنْظُومُهُ ، إنَّمَا هُوَ ذَهَبٌ إبْريْزٌ ؛ كَيْفَمَا سُبِِكَ فَهُوَ وَاحِدٌ ، إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِمَا يُصَاغُ مِنْهُ وَيَشْكُلُ عَليْهِ. "(48)
وَالوَاقِعُ أنَّ المَوقِفَ مِنَ الوَزيْرَيْنِ ، يَرْتبِطُ بِسَبَبٍ شَخْصِيٍّ بيْنَ التَّوحيديِّ وابْنِ عبَّاد تَحديْدًا ؛ فَقَدْ كَانَ التَّوحيدِيُّ يَعْمَلُ نَسَّاخًا لِلْكُتُبِ لَدَى الَصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد ، وَقَدْ لَقِىَ مِنْهُ أسْوَأَ مُعَامَلَةٍ ، وَمِنْ ذَلكَ أنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ شَيْئًا ، فَلَمَّا أبْصَرَ الصَّاحِبَ بنَ عَبَّاد أمَامَهُ قَامَ وَاقِفًًا ؛ احْتِرَامًا لَهُ ،" فَصَاحَ بِحَلْقٍ مَشْقُوقٍ : اقْعُدْ ؛ فَالوَرَّاقُونَ أخَسُّ مِنْ أنْ يَقُومُوا لَنَا! ."(49)
وَقَدْ عَانَى التَّوحيديُّ - بِشِدَّة ٍ- مِنْ وَطأةِ العُزْلَةِ المَفْرُوضَةِ عليْهِ ، وَالإهْمَالِ المَضْرُوبِ على مَشْهَدِهِ ، وَقَدْ رَصَدَ لَنَا ذَاتَهُ حِينَئذ ٍ بِقَوْلِهِ :
" فقَدْتُ كُلَّ مُؤنِس ٍ وَصَاحِبٍ ، وَمُرْفِق ٍ وَمُشْفِق ٍ ، وَاللهِ ! لَرُبَّمَا صَلَّيْتُ في الجَامعِ فَلا أرَى إلى جَنْبي مَنْ يُصَلِّي مَعي، فإنْ اتََّفقَ فبَقَّالٌ أوْ عَصَّارٌ أوْ نَدَّافٌ ، أوْ قَصَّابٌ ، وَمَنْ إذَا وَقفَ إلى جَانبي أسْدَرَني بصُنَانِه ، وَأسْكَرَني بنَتنهِ ؛ فَقدْ أمْسَيتُ غَريْبَ الحَالِ ، غَريْبَ اللفظِ ، غَريْبَ النِّحلَةِ ، غَريْبَ الخلْقِ ، مُسْتأنسًا بالوَحْشَةِ ، قانِعًا بالوحْدَة ِ، مُعْتادًا للصَّمْتِ ، مُجْتَنِفًا على الحَيْرَةِ ، مُحْتَمِلاً الأذَى ، يَائسًا مِِنْ جَميْعِ مَنْ تَرَى ."(50)
وَقَدْ سَاهَمَ المَوْقِفُ الاجْتِمَاعِيُّ في تَشْكيْلِ المَوْقفِ الجَمَالِيِّ ؛ المُفَارقِ لِجَمَاليَّاتِ المَرْحَلةِ ، لَدَى التَّوحِيديِّ ، فَقَدْ شَكَّلتْ الظُّروفُ القَاسِيَةُ ، ثَقيلَةُ الوَطءِ ،على رُوحِ التَّوحيديِّ ، مَوْقفًا مُضَادًا لأيدلوجيَا الكِتَابَةِ المُجَايلَةِ لَهُ ، وَالمُهَيْمِنَةِ ؛ الَّتي تَتَأسَّسَ عَلى اسْتِنفَادِ طَاقَاتِ السَّجعِ وَالبَديْعِ ، وَالتَّفنًّنِ في التَّزيينِ وَالزُّخْرفِ الهَنْدسِيِّ ، غَيْرَ أنَّ التَّوحيديَّ ، في حَقِيقَةِ الأمْرِ- كَغيْرِهِ مِنَ المُتَصَوِّفَةِ – كَانَ يَسْجَعَ أحْيَانًا ، وَعَلى الرَّغمِ مِنْ هَذَا فَلْنَتَأمَلْ ثَوْرَتَهُ عَلى طَرَائِقِ التَّصنِيْعِِ الزُّخرفيِّ الهَنْدسِيِّ الخَارجِيِّ بِقَوْلَه :
" يَا هَذَا ! ذَهَبَ اللفظُ المُنَمَّقُ ؛ فهَاتِ الآنَ المَعْنَى المُحَقَّقَ ، طالَ القَولُ المُزَيَّنُ ؛ فَحَصِّلْ المُرَادَ المُعَنَّنَ ، وَكَثُرَتْ العِبَارَة ؛ فَحَقِّقْ الإشَارَة ، تَرَدَّدَ الهَذَيان ؛ فَقرِّبْ أنْتَ البَيَان ."(51)

عبدُ القَادِر الجِيلانِي (52)
بِالإضَافَةِ إلى كِتَابيْهِ : الفَتْحِ الرَّبَّانِي وَالفَيْضِ الرَّحمَانِي، وَ: الغُنْيَةِ ، نَجِدُ لِلْجِيلانِي مَجْمُوعَةً مِنَ النُّصُوصِ الصَّغيْرَةِ ، مِنْ أجْلاهَا : الغَوْثيَّةُ ؛ وَفيْهَا عَمَدَ الجِيْلانِي إلى تَقْنيَةٍ أثيْرَةٍ في النَّثرِ الصُّوفِيِّ الشَِّعريِّ ، هِيَ المُنَاجَاةُ ؛ لِيُؤسِّسَ بِهَا شِعْريَّةَ نَصَِّهِ ، بِمَا تُتِيْحه من إنشاديَّةٍ باطنيَّةٍ ، وَبَوْحٍ غِنَائِيٍّ سَيَّالٍ ، وَهُوَ، هُنَا ، يَعْتَمِدُ - دَاخِلَ مَجْرَى المُنَاجَاةِ - على رَهَافةِ الحَالَةِ ، وَعلى وَهَج ِ البَوْحِِ ،وَعَلى تَوَازِي التَّضَادِ ، وَتَوَازي التَّركِيْبِ ، وَالتَّوازي النَّاتِجِ عَنْ تِكرَارِ الفَوَاتِحِ في بِدَايَاتِ السُّطورِ ، بِمَا يُشَكِّلًُ قافيَةً مَعْكُوسَةً ، تُحَقِّقُ النَّبْرَ دَاخِلِ الخِطَابِ ، بَيْنَمَا تَقِلُّ ، هُنَا، المُغَامَرَةُ اللغَويَّةُ ؛ الَّتي تجَّلَتْ في: الطَّواسِين ،وفي: المَوَاقِفِ وَالمُخَاطبَاتِ، وفي: الإشَارَاتِ الإلهيَّةِ ؛ فَتقِلّ - بِالتَّالِي - عَنَاصِرُ الحُضُورِ اللغَويِّ المُدْهِشِ ؛ بِأدَائِهِ الكَثِيْفِ الرَّهِيْفِ ، وَتَظَلُّ اللغَةُ مُحْتَفِظَةًً بِوَظيْفَتِهَا الإخْبَاريَّةِ ، وَتَتحَقَّقُ الشِّعريَّةُ ، هُنَا ، ِمنْ تَدَفُّقِ البَوْحِ الاسْتبْطَانِيِّ العَميْقِ ، وَمِنْ غِنَائيَّةِ النَّجْوَى المُتَدفِّقَةِ ، وَمِنْ بَاطنيَّةِ النَّبرَةِ :
" يَا غَوْثُ الأعْظَمُ ،أنَا مَأوَى كُلِّ شَيءٍ وَمَسْكَنِهُ ، وَمُنْتَظِرُهُ.. وَإليَّ المَصِيْرُ .
يَا غَوْثُ الأعْظَمُ ، لا تَنْظُرْ إلى الجَنَّةِ وَمَا فِيْهَا ، تَرَانِي بلا وَاسِطَةٍ ،وَلا تَنْظُرْ إلى النَّارِِ وَمَا فيْهَا تَرَانِي بلا وَاسِطَةٍ .
يَا غَوْثُ الأعْظَمُ ، أهْلُ الجَنَّةِ مَشْغُولُونَ بالجَنَّةِ.. وَأهْلُ النَّار مَشْغُولونَ بالنَّار.. وَأهْلِي مَشْغُولونَ بي .
يَا غَوْثُ الأعْظَمُ ، إنَّ لِي عِبَادًا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ يَتَعَوَّزُونَ مِنَ النَّعيْمِ ، كَأهْلِ النَّار يَتَعوَّزُونَ مِنَ الجَحيْم .
يَا غَوْثُ الأعْظَمُ ، أهْلُ القُرْبِ يَسْتَغيثُونَ مِنْ القُرْبِ ، كَأهْلِ البُعْدِ ." (53)
وَفي: الفََتْحِ الرَّبَّانِي وَالفَيْضِ الرَّحْمَانِي ، يُقَدِّمُ - بِامْتيَازٍ- خِطابِ النَّثرِ الفَنِّيِّ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ ، المُتًحرِّرٍ مِنْ رَتابَةِ الازْدِوَاجِ وَتَوَازيَاتِ الجُمَلِ ، وَالقَابِضِ على شِعْريَّةِ الحَالةِ الصُّوفيَّةِ ؛ بِمَرَائيْهَا الفَيَّاضَةِ المَجْلوَّةِ الَّدالةِ ، وَلُغَتِهَا الكَثِيْفَةِ الإشَارَاتِ ، في نَبْرَةٍ بَاطنيَّةٍ عَمِيْقَةٍ وَدَافِئَةٍ مُتَصَاعِدَةٍ مِنْ قَاعِ الرُّوحِ ، عَاريَةً مِنَ الزَّخَارفِ، مُشِيْرَةً ، دَائِمًا، إلى مَا وَرَاءَ اللغَةِ ، يَتَبَدَّى هَذَا الأدَاءُ في مَوَاضِعَ عَديدَةٍ، في خِطَابِ: الفَتْحِ الرَّبَّانِي وَالفَيْضِ الرَّحْمَانِي ، مِنْهَا النَّمَاذِجُ التَّاليَةُ :-
"(وَيْحَكَ) ، في فتِيْتِكَ زُجَاجُ مُكَسَّرٌ ، وَأنْتَ تأكُلُهُ ، وَلا تَعْلَمُ بهِ ؛ لَِقوَّةِ شَرهِكَ ، وَغَلَبَةِ شَهْوتِكَ ، وَهَوَاكَ ، وَشِدَّةِ حِرْصِكَ ."(54)
"(وَيحْكَ) ، تَهْرَبُ مِنِّي وَأنَا شُحْنَتَكَ أحْفَظُهَا؟ ، مَكَانُكَ عِنْدي ، وَإلاَّ فَأنْتَ هَالكٌ ، يَا جُويْهِلُ ، حُجَّ إليَّ أوَّلاً ،ثُمَّ إلى البَيْتِ ثانيًا ، أنَا بَابُ الكَعْبَةِ، تَعَالَ..، سَوْفَ تَرَونَ إذَا انْجَلَى الغُبَارُ، اقْعُدُوا يَا سُيَّاسِي ، احْتَمُوا بي فَإنِّي قَدْ أُعْطيْتُ القُوَّةَ ."(55)
"يَا جَاهلُ اتْرُكْ الدَّفتْرَ مِنْ يدَيْكَ ، وَتَعَالَ ، اقْعُدْ هَاهُنَا بَيْنَ يَديَّ عَلى رَأْسِكَ ."(56)
"لا تُبَالِ أيْنَ كُنْتَ وَأيْنَ حَلَلْتْ ،لأنَّكَ أيْنَمَا سَقَطْتَ لُُقِطْتَ ، يَخْدِمُكَ الحكمُ وَالعِلمُ وَالقَدَرُ وَالإنْسُ وَالجنُّ وَالمَلَكُ."(57)
" إنَّي في حِبَالِكَ أفْتلُ أقْبلْ لا تُعَاديْني . أنَا مَسْجدُ لِصَلاتِكَ ، وَلإزَالةِ نَجاسَتِكَ وَأوْسَاخِكَ ، أُطَرِّقُ لكَ الطَّريْقَ ."(58)
"أنْتَ قَبْرٌ تأتي قَبْرًا مِثلكَ ، مَيِّتٌ تأتي مَيِّتًا مِثلكَ ، أنتَ زَمَنٌ يَقُودُكَ زَمَنٌ مثلُُكَ ، أعْمَى يَقُودُكَ أعْمَى مِثلُكَ ."(59)

إنَّ شِعريَّةَ الخِطَابِ ، هُنَا ، تَتَأسَّسُ على قاعدَةِ الغِنَائيَّةِ ، عَبْرَ بِنْيَةِ المُخَاطََبِ ، في وَحَدَاتِ سَرْدِ شِعْريَّةٍ ؛عَاليَةِ التَّكثيْفِ ، تَعْتَمدُ تَنَوُّعَ الأسَاليْبِ الإنشَائيَّةِ ، بِالإضَافَةِ إلى التَّصويْرِ ، وَالنَّبرَةِ البَاطنيَّةِ العَميْقَةِ ، وَتَتَعَاضَدُ هَذِهِ الآليَّاتُ ؛ لِبَثِ حَالَةِ صُوفيَّةٍ ، بَثًّا شِعْريًّا خَالِصًا ، تُصْبِحُ بِهِ - مَعَ : المَوَاقِفِ وَالمُخَاطبَاتِ ، وَ: الإشَارَاتِ الإلهيَّةِ - نَوْعًا غِنَائيًّا ، في مَشْهَدِ النَّثرِ الصُّوفِيِّ الشِّعريِّ ، فِيْمَا تُمَثِّلُ : الطََّواسِيْنُ ، وَحْدَهَا ، نَوْعًا آخَر، في هَذَا المَشْهَدِ الخَاصِّ .

مُحْيي الدِّين بن عَرَبيِّ(60)
عِنْدَ مُحيي الدِّين بنِ عَربِيِّ تَتَعَدَّدُ تَجَليَّاتُ النَّثرِ الصُّوفِيِّ الشِّعريِّ ؛ فَتَجْربَتُهُ في الإبْدَاعِ النَّثريِّ ، مُتَعدِّدَةُ المَلامحِ ، زَاخِمَةُ التَّجليِّاتِ ، كَثِيفَةُ الدَّلالاتِ ، غَريْزَةُ التَّحوُّلاتِ ، وَمِنْ نَاحيَةِ الكَمِّ هُوَ الأغْزَرُ إنْتَاجًا ، بِالإضَافَةِ إلى أنَّهُ صَاحبُ أكْبَرِ نَظريَّةٍ في التَّصوُّفِ الإسْلامِيِّ ، وَمِنْ أهَمِّ المَلامِحِ الَّتي بَرَزَتْ في إبْدَاعَاتِهِ النَّثريَّةِ : شُيُوعُ التَّجَسُّدِ اللغَويِّ المَاديِّ لِلنَّصَِّ عَبْرَ أبْعَادِهِ الفِيْزَيقيَّةِ وَالإيقاعيَّةِ ؛ الَّتي تَتَوَالَى إشَارَاتُهَا وَتَتَنَوَّعُ أسَاليْبُهَا ، في جُمَلٍ مُكثَّفةٍ ، مَجْلُّوةِ الإيقَاعِ .

"لَيْتَ اللَّهَ أوْقفَنِي عَلى مَا جَنيْتُهُ ، وَلَوَّحَ لي بالذَّنبِ الَّذي ارْتَكبْتُهُ وَأتيْتُهُ، فأسْتَقْبلُ المَتَابَ على التَّعيين ، وَأنْتقلُ مِنْ سِجِّين إلى عَلِّيين ، تَرَادفَ عَليَّ هيمَان ، إذْ كِتابُهُمَا مَرْقومَان، كَيْفَ يقعُ التَّميزُ بَيْنَ الكِتَابيْنِ ، وَنَقِفُ عَلى حَقيْقَةِ المِثالَيْنِ ، ارْفَعْ الهِمَّةَ في خَديْمكِ أيُّهَا الخَديْمُ الجِحْجَاح ، فَقَدْ سَوَّيتُ قَوَادَمَ الجنَاح ، وَأخَذْتُ في المَيْلِ وَالإجْنَاح ، وَتَخَلَّصْتُ مِنْ رقِّ الإمْسَاءِ وَالإصْبَاح ، وَبَعَثْتُ نَحْوَكَ طِرْسًا مَلأتُهُ سَوَادًا ، وَجَعَلْتهُ لِلتَّعريْفِ بمَقامِكَ العَليِّ مِهَادَا."(61)

إنَّه، هُنَا ، يَسْتَنْفِدُ كَافةَ الخِبرَاتِ الَّتي ارْتَادَتْهَا تَجْربَةُ الإبْدَاعِ الشِّعريِّ ، في النَّثر الصُّوفِيِّ الشِّعريِّ مِنْ قَبْلِهِ ، وَيَصْهَرُهَا في أتُونِ تَجْربَتِهِ الخَاصَّةِ، وَيَحْمِلُهَا في نَبْرَتِهِ البَاطنيَّةِ العَميْقَةِ ، وَاسْتِخْدَامه السَّّجْعَ يَنْتَمِي إلى اسْتِخْدَامِ المُتَصوِّفَةِ إيَّاهُ ؛ كَطَاقَةٍ إيقَاعيَّةٍ تُطوِّعُهَا تَجْربتُهُ وَتَجْعلُهَا وَسِيْلةً لِتَشْكيْلِ مُنَاخِ الحَالَةِ الرُّوحِيَّةًُ لُغَويًّا ، في صُورَةِ مُعَادَلاتٍ لُغَويَّةٍ مُكثَّفةٍ وَفيَّاضَةٍ ، تُحِيْلُ إلى التَّتابُعِ الزَّمَنِيِّ الخَاصِّ بِالتَّجْربَةِ ، وَبِالتَّالي إلى الإقَامَةِ في حُدودِ النَّصِِّ ، الَّذي يُشِعُّ ولا يَخْضَعُ إلاَّ لِنِظَامِهِ الخَاصِّ .
وَقَدْ اسْتَثْمَرَ مُحيي الدَِّين بن عَربِيّ كَافةِ الإمِكانَات الَّتي عَرِفَهَا النَّصُّ الصُّوفيُّ ، مِنْ قَبْلِهِ ، وَأضَافَ إليْهَا ، مُعَبِّرًا عَنْ شَتَّى أطْوَارِ التَّجربَةِ الصُّوفيَّةِ ، وَبِمُخْتَلِفِ طَرَائِقِهَا التَّعبيريَّةِ ، وَمِنْ تِلْكَ الإمْكانَاتِ الَّتي تَوَفَّرَتْ في إبْدَاعِهِ النَّثرِشِعريِّ ، شيوعُ التَّراكِيْبِ الصُّوفيَّةِ المُمَيَّزَةِ لِلْكِتَابَةِ الصُّوفيَّةِ ، كَمَا نَجِدُ في قَوْلِهِ :
" إنَّكَ أنْتَ الرَّقيمُ ، وَإنَّكَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيْمُ ، وَأنْتَ السَّالكُ وَإليْكَ تَسْلُكُ ."(62)
كَذَلكَ اسْتَحْدَثَ طَريقَةً لِلتَّعامُلِ مَعَ النَّصِّ القُرآنِيِّ ، دَعَاهَا بـ(التِّلاوةِ الإلهِيَّةِ) ، وَتَتَمُّ بِأنْ يَأتِي بِالسُّورَةِ القُرآنيَّةِ ، وَيُقَسَّمُهَا إلى آيَاتٍ ، وَبَيْنَ هَذِهِ الآيَاتِ يَضَعُ جُمَلَهُ ؛ الَّتي تَحْتَذِي إيْقاعَ الآي نَفْسَهُ ، في خِطَابٍ مُتَجَانِسِ الأدَاءِ ، وَمِنْهُ :
" وَالنَّجمِ إذَا هَوَى ، في قلبٍ تَعَرَّى عَنْ الهَوَى ، مَا ضَّلَّ صَاحبُكُمْ وَمَا غَوَى ، وَلكِنَّهُ شَرِبَ فارْتَوَى ، وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الهوَى ؛ لِخُرُوجِهِ مِنْ كُرَةِ الهَوَى ، إنْ هُوَ إلاَّ وَحْي يُوْحَى ، أنْزَلنَاهُ عَليْهِ بلا وَاسِطَةٍ كَشْفًا وَتَلْويْحَا ، فَكَانَ بهِ عِنْدَ نُزولِ الوَاسِطةِ في عَالَمِ الألفَاظِ عَجُولاً فصيْحا ، عَلَّمَهُ شَديْدُ القُوَى ، بحَضْرَةِ الاسْتوَا ، ذُو مِرَّة ٍ فاسْتَوَى ، بمَا أيَّدَهُ مِنَ القُوَى ، وَهُوَ بالأُفُقِ الأعْلَى ، غَايَةَ مَرَاتبِ رُوْحَانيَّاتِ العُلَى ، ثُمَّ دنَا فَتَدَّلى ، عَلى المَقَامِ الأجْلَى ، فَكَانَ قابَ قوسِيْنِ أوْ أدْنَى ، مِنَ المَقَامِ الأسْنَى ، خَلْفَ حِجَابِ العِزَّةِ الأحْمَى ، فَأَوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أوْحَى ، فَمَا أمْسَى عليْهِ يَوْمٌ وَلا أضْحَى ، مَا كَذَبَ الفُؤادُ مَا رَأى ، مِنْ حُسْنِ الرُّؤى ، أفَتُمَا رُونَهُ على مَا يَرَى ، وَهُوَ بحَيْثُ لا يُرَى ، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَة ً أخْرَى ، عِنْدَ الصَّيْحَةِ الكُبْرَى ، عِنْدَ سِدْرَةِ المنْتَهَى ، وَمُسْتَقَرِّ الحُسْنِ وَالبهَا ، عِنْدَهَا جَنَّةُ المأوَي المَحْفُوفَةُ بالبَلْوَى.."(63)

وَهَذِهِ الطَّريقَةُ تَطْويْرٌ لِطَريْقَتِهِ في تَأويْلِ القُرَآنِ ؛ الَّتي أوْرَدَهَا في : الفُتُوحَاتِ المَكِيَّةِ (64) ،وَإنَّهُ لَيَسْرِدُ لَنَا سَرْدًا عَاديًا تَرُجُّهُ إشْرَاقاتُ الصُّوفيَّةِ ، ارْتِجَاجَةً شِعريَّةً ، في عِدَّةِ مَوَاضِعَ ، وَكَثيرًا مَا يَحْمِلُ لنَا سَرْدُهُ تَعْبيرَاتٍ تُضَارعُ الصُّورَةَ السِّريَاليَّةَ ، تَأثيرًا ، مِثْل :

" ثُمَّ وَقَفَ وَقالَ لي : انْظُرْ مَا تَرَكْتَ خلفكَ ، فنَظَرْتُ ، فَرَأيْتُ الطَّريْقَ الَّذي مَشَيْتُ كُلَّهُ شَوْكًا يَصِلُ إلى مَعْقدِ الإزَارِ ، وَشَوْكًا آخَرَ مُنْبَسِطًا في الأرْضِ ، قالَ : انْظُرْ إلى قدَمَيْكَ ، فنَظَرْتُ إلى قدَمَيَّ فلَمْ أرَ لهُمَا أثَرًا ."(65)

" وَقَالَ أريْدُ سَفَرًا ، فخَرَجَ إلى القرْيَةِ الَّتي كَانَ مِنْهَا في الشَّرقِ على فَرْسَخَيْنِ ، كُلَّمَا وَصَلَ إليْهَا مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ."(66)

"وَجَاءَهُ رَجُلٌ وَأنَا عِنْدَهُ في جَمَاعَةٍ ، وَفي عيْنيْهِ وَجَعٌ شَديْدٌ ، يَصيْحُ منْهُ مِثْل النُفَسَاءِ ، فَدَخَلَ عليْهِ وَقدْ شَقَّ عَلى النَّاسِ صِيَاحُهُ ، فاصْفَرَّ وَجْهُ الشَّيخِ ، وَقَعَدَ وَقلَعَ يَدَهُ المُبَارَكةَ وَوَضَعَهَا عَلى عيْنَيْهِ ، فَسَكَنَ الوَجَعُ مِنْ جَبيْنهِ وَاضْطَجَعَ الشَّخْصُ كَأنَّهُ المَيِّتُ ، ثمَّ قامَ وَخَرَجَ مَعَ جَمَاعَة."(67)

إبرَاهِيْمُ الدِّسُوقِيُّ (68)
يَتَأسَّسُ الخِطَابُ الإبْدَاعيُّ لإبرَاهيم الدَِّسوقيِّ ، في مِحْرَقةِ أحْوَالِهِ الخَارِقَةِ ، وَمَقَامَاتِهِ السَّامِيَةِ ؛ حَيْثُ تتدفَّقُ في مَجْرَاهُ الخَوَارِقُ القُدسِيَّةُ ، وَتَتَبَدَّى الذَّاتُ المُبْدعَةُ في حَالةٍ كونيَّةٍ شَامِلَةٍ وَقادِرَةٍ على التَّصريْفِ المُطلَقِ وَالخَوَارقِ المُبْهِرَةِ ، وَالتَّجَدُّدِ في كُلَِّ عَهْدٍ ؛ فَهِيَ مُتَجَاوزةٌ قانونَ الزَّمَنِ ، وَهُوَ- كَمَا يَسْرِدُ في كِتَابِهِ : الجَوْهَرَةِ ، وَكَمَا يَذْكُرُ الشَّعرَانيُّ(898-972هـ) في طَبَقاتِهِ الكُبْرَى - أحَدُ الَّذين صَرَّفَهُمْ اللهُ في العَالَمِ ، وَخَرَقَ لَهُ العَادَات .(69)
وَالدِّسُوقيُّ صَاحِبُ لغَةٍ يَغْلِبُ عليْهَا الشَّطْحُ ، وَتَحْتَشِدُ بِالفُيُوضِ الرُّوحِيَّةِ ، وَتَزْخَرُ بِالتَّرمِيْزِ ، وَهُوَ يَنْطَلِقُ مِنْ عَالَمِ الحُضُورِ إلى دَوائِرِ الغِيَابِ ، وَمِنْ لُغَةِ الحَالِ إلى لُغَةِ الرُّقَى وَالتَّعاويْذِ وَالألغَازِ وَالإبْهَامِ ، في شَظَايَا لُغَويَّةٍ ، تَعْكِسُ حَالاتِ الرُّوحِ الذَّائبَةِ ، وَاسْتِعْصَائِهَا على البَوْحِ وَالتَّوَاصُلِ .
وَقَدْ كَانَ يَرَى أنَّ عُلمَاءَ الحَقيْقَةِ ، يَتَكَلَّمونَ بِكُلَِّ لِسَانٍ ، وَأنَّ مَا لَيْسَ مِنْ لُغَةِ العَرَبِ ، لا يَفْهَمُهُ إلاَّ مَنْ لَهُ قَلْبٌ أوْ فَهَّمَهُ الرَّبُّ ، وَلا إنْكَارَ على أنَّ عُلمَاءَ الحَقيْقَةِ هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكُلِِّ لِسَانٍ وَلَهُمْ لُسُنُ عِجَامٍ(70)، وَقَدْ قَالَ الشَّعرَانِيُّ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ " يَتَكَلَّمُ بِالعَجَمِيِّ وَالسَِّريَانِيِّ وَالعبْرَانِيِّ وَالزِّنجِيِّ وَسَائرِ لُغَاتِ الطُّيورِ وَالوَحْشِ"(71) ، وَكَانَ إذَا اعْتَرَاهُ الحَالُ ، تَدَفَّقَ بِخِطَابٍ زَاخِرٍ بِالغَرَائبيِّ وَالسِّحريِّ .
وَيَتَبَدَّّى مَنْهَجُهُ النَّصِيُّ في خِطَابٍ ، يَحْتَفِي بِالرُّمُوزِ، وَبِالإبْهَامِ في كثير مِنْ الحَالاتِ ، وَهُوَ لا يَرَى أنَّ هَذِهِ الرُّمُوزَ اللغَويَّةَ المُسْتَغْلََقَةَ (إلاَّ على خَاصةِ الخَاصةِ مِنْ أهْلِ الطَّريْقِ) عَاريَةًٌ مِنَ الدَّلالةِ ؛ بَلْ هِيَ مُتَّصِلَةٌُ بِالكَوَامِنِ ، وَمُتَرجِمَةٌ لِلْخَوَافِي ، وَيُبَيِّنُ أنَّ أهْلَ العِرْفَانِ " لَهُمْ مِنْ إشَارَاتِ العِبَارَاتِ ، عِبَارَاتٌ مُعْجَمَةٌ ، وَألْسُنٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَكَذَلكَ لَهُمْ في مَعَانِي الحُرُوفِ ، وَالقَطْعِ وَالوَصْلِ ، وَالهَمْزِ، وَالشَّكْلِ ، وَالنَّصبِ ، وَالرَّفعِ ، مَا لا يُحْصَرُ، وَلا يَطَّلعُ عليْهِ إلاَّ هُمْ ، وَكَذَلكَ لَهُمْ الاطِّلاعُ على مَا هُوَ مَكْتُوبٌ على أوْرَاقِ الشَّجرِ، وَالمَاءِ ، وَالهَوَاءِ ، وَمَا في البَرِّ، وَالبَحْرِ ، وَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ على صَفْحَةِ قُبَّةِ خَيْمَةِ السَّمَاءِ ، وَمَا في جِبَاهِ الإنْسِ وَالجَانِ ، مِمَّا يَقَعُ لَهُمْ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، وَكَذَلكَ الاطِّلاعُ على مَا هُوَ مَكتُوبٌ بِلا كِتَابَةٍ ، مِنْ جَميْعِ مَا في الفَوْقِ ، وَمَا تَحْتَ التَّحْتِ ."(72)
كما يُوضِّحُ أنَّ لَهُمْ ألُسُنٌ ،" إذَا دَخَلُوا الحَضرَاتِ ، مُخْتَلِفَةٌ ، وَفي إشَارَاتِهِمْ ، وَكَلِمَاتِهِمْ ، مَا يُفْهَمُ ، وَمِنْهَا مَا لا يُفْهَمُ ، وَكَذلِكَ مِنْ أحْوَالِهِمْ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ ، وَمِنْهَا مَا لا يُعَبَّرُ عَنْهُ ، وَكَذلكَ في أسْرَارِهِمْ مَا لا يَصِلُ إليْهِ مُؤوِّلٌ ، وَلا مُعَبِّرٌ، وَلا مُطَّلِعٌ ، وَلا مُفَسِّرٌ"، وَأضَافَ أنَّهُمَْ " تارَةً يَتَكلَّمُونَ بِلِسَانِ التَّمزيْقِ ، وَتَارَةً بِلِسَانِ التَّحقيْقِ ؛ حَسَب الحَضرَاتِ الَّتي يَدْخُلُونَهَا"(73) ، وَيُعَدُّ هَذَا الكَلامُ مَدْخَلاً مُلائِمًا لِلولِوجِ إلى رِوَاقِ شِعْريَّةِ نَثْرِ إبْرَاهيم الدِّسُوقيِّ ؛ الَّذي يَتَأسَّسُ على القَطيعَةِ اللغَويَّةِ ، وَتَحْقيْقِ أعْلَى دَرَجَاتِ الاسْتِقلالِ اللغَويِّ، وَشَخْصَنَةِ الخِطَابِ، وَمِنْهُ هَذِهِ الرِّسَالَةُ ؛ الَّتي أرْسَلَهَا - مَعَ الحَجيْجِ - إلى الرَّسُولِ (ص) :

" سَلامٌ عَلى أميْرٍ حَيي ِّ المُحَيَّا جَميْلِ المَعْنَى سَخيِّ المَرَاشِفِ رَخيِّ المَعَاطفِ كَريْمِ الخُلقِ سَنيِّ الصَّدقِ عَرْفُوط الوقتِ وَرْدسَانيِّ الفَهْمِ ثَاقبِ المَرْحَبِ مَحْبُولِ الرَّحبِ قَطَّابَةِ النَّفلِ قيْدُوحِ النَّمَاطةِ لَيْدُوحِ النَّبَاطةِ سَرْسَامِعِ الوَحْبِ بهْدَيانيِّ الوَعْبِ بهْسَانيِّ الحَدَاقةِ سَهْبَريِّ النَّسَاقةِ مَوْزالرُّمُوزِعَمَّوزِالنُّهُوز سِلاحَاتِ أفُقِ فَرْدَفَانيَّة أمِقِ شَوَامِقِ اليَرَامِقِ حَيْدُو فرْقيْد وَفرْغَاط الأسْبَاط وَمُبيِّط البسَاط الكَرْقوليَّة وَالقدد القيلوليَّة إنْ جَدوَلَ شَذُولٌ وَإنْ عَرْذَلَ خَرْدَلَ السُّبل السُّبل ببط العُقود النَّمَّاحَة النَّيَّاحَة جَاجُويّ نيَاكلكويّ سَبَا مُقْطَّعَات حِيْم وَمُحَكَّمات حَكيْم بَدَايع لَوَايع إنْ شَدَتْ أنْشَدَتْ عَنيقَبات رَسْمَانيَّة نَاتُوتيَّة نَابْهَتنيَّة بَابليَّة أرْسَى أرْسُون كَميْن كبيُوت نَاتُون نُون وَجيْم وَنُقْطَة عيْن تَنْعيْم أزْمَح هَمْدَج تَنْسَج هَيْج دَهْبَرعَبُوت قَيْدَاف قيْدُوف عَرَائش مجليَّات شَعْشَانيَّة على قطط النَّبَط لا النَّمَط وَالبُعْد لا الشَّطَط فلاَّق القَنْدًَم خَلاَّق الزَّيْدَم وَابقيّ الهَنْدَم إنْ طَاطَا فَطَاوَمَا وَإنْ تَعَاطَى فاسْتَبْرَق يَسْمَع عَنيْن النَّبَك وَعَنيْن الثَّبَك مِنْ أرْبَاح فَوائد وَأدْرَاج قلائد ليش مِن لفظِ قسِّ الأيادي وَ لا لَهُ بهَا أيَادي نَهْدَانيَّة البَهَاسَبْهَانيَّة الرَّبَاقل تَيَشْلَقتْ بالنَّباهَة أبَبَا وَتَعَطرَفَت بالسِّيَاحَة عَبَبَا طَرَايقا عَجيْنَا عَرَائفُهَا جَبَا إنْ تَمَادى تَمَدَّى وَإنْ بَعَّدَا عَدَّدَا لفْظُهُ بَارقٌ لَخْطُهُ حَاذقٌ إنْ يَنْشد فرْدَقُونيَّة قدْ أعدَّت بالرَّشْطَاط مِنْ قُرُورُبَان وَجَرْمُوز إنْ كُروم المُرتَبْلاه وَلا أشْيَاءَ ألَمْ تَكُ وَالدتُكَ وَالدتُكَ ."(74)

إنَّهُ لا يَكَادُ يَدْخُلُ في الحَال ، حَتَّى يَتَشَظَّى ، وَيَتَشَظَّى خِطَابُهُ ،في فَضَائِهِ العَارمِ ، تَتَدَافَعُ كَلِمَاتُهُُ المَتَشظيَّةُ ، بِِكُلِّ غَريْبٍ وَبِكُلِّ لِسَانٍ ، مُجْتَاحَةً فَضَاءَ النَّصِّ بِضَرَاوةٍ ؛ وَبِهَذَا فَقَدْ تَمَكَّنَ الدِّسُوقيُّ مِنْ جَعْلِ اللغَةِ خَارجَةً على فِعْلِ التَّوصِيْلِ ، وَغيْرِ رَاغِبَةٍ في الكَشْفِ عَمَّا وَرَاءَهَا ، وَمُكتَفيَةً بِتَخْليْقِ حَالَةٍ مِنَ الهَوَسِ اللغَويِّ الصُّوفيِّ ، حَالَةٍ مِنَ الغِيَابِ في الحَالَةِ الصُّوفيَّةِ ، وَتَوَقُّدَاتِ التَّعبيْرِ العَنِيْفِ العَصِيِّ ؛ الَّذي لا يَكْشِفُ أكْثَرَ مِنَ الحُضُورِ الفِيزيقيِّ لِلْكَلِمَاتِ ، وَالهَيَاكِلِ الصُّوتيَّةِ المُجَرَّدَةِ لَهَا .
وَمِنْ رِسَالَةٍ إلى بَعْضِ مُريْدِيْهِ :
"إنَّ شَجَرَةَ القُلُوبِ إذَا هُزَّتْ فاحَ مِنْهَا شَذَا يُغَدِّي الرُّوحَ فيَسْتَنْشِقُ مَنْ لا عِنْدَهُ زَكَمٌ فَتَبْدُو لَهُ أنْوَارٌ وَعُلُومٌ مُخْتَلِفَةٌ مَانِعَةٌ مَحْجُوبَةٌ مَعْلُومَةٌ لا مَعْلُومَةٌ مَعْرُوفَةٌ لا مَعْرُوفةٌ غَريْبَةٌ عَجيْبَةٌ سَهْلَةٌ شَطَّةٌ فائقَةٌ طَعْمٌ وَرَائحَةٌ وَشَمُّ يَمُّ مَحَلٌّ جَميْلٌ جُهْدُ رَاب عَلوبٌ نَفْط نَبْوط هَوْبَط سَهْبَط جَرْموا غميطًا غَلَََب عَمن عَسَب غَلَب عَرْمَاد عَلمُود على عَروس عَلْمَاس مَسْرُود قَدْ قدْ فرْسم صَبَّاع صَبْع صَبُوغ نبوب جَهْمَل جَمَايد حَربُوعَس قنْبُود سمَّاع بنَّاع سَرْنُوع خَتْلُوف كدَّاف كَرُّوب كمْتُوف شَهْدا سَهْنَبيل خَتْلُولف خَتُوف رَصص مَا من فمن قرْفنيود سعي طبُوطاطا برْطاكمْط كهْرَجَة جهد بيد فيلُودَات كهلُودَات كيْكل كلُوب فافهم مبْرَم وقرْم منْعَم وَأخبْرَ سَهْدَم سُوس سُفيوس كلاَّ فيدلاَّ تهترُّ عن عنيلاَّ سَعْسَد سَج تَزَيْد وَلا تَتَكوْكع زَنْدَحْدَام هِدَام سَكَهْدَل ."(75)
إنَّ الُّدخُولَ في الحَالِ ، إيذَانٌ بِالخُرُوجِ مِنَ الدَّلالَةِ المُحِيْطَةِ ، المُهَيْمِنَةِ ، وَالدِّسُوقيُّ ، هُنَا ، لا يُفَرِّغُ اللغَةَ مِنْ كُلَِّ مُحْتَوَىً مُسْتَقرٍّ ، فَقَط ، وإنَّمَا يَتَعَدَّى ذَلكَ إلى إقَامَةِ أشْكالٍ مِنَ الكَلمَاتِ الغَرَائِبيَّةِ المُتَدَافِعَةِ ؛ لِيَصْنَعَ لُغَةً في اللغَةِ ؛ لُغَةً مُغْلَقَةً على ذَاتِهَا ، وَلا تَفِي إلاَّ لاحْتِيَاجَاتِهَا الخَاصةِ .


خَاتـِمـَةٌ
لَقَدْ اسْتَطاعَتْ شِعريَّةُ النَّثرِ الصُّوفيِّ ، أنْ تَحْفُرَ مَشْهَدَهَا الخَاصَّ المُتَمَيِّزِ، في خَريْطَةِ الشَِّعريَّةِ العَربيَّةِ ، عَبْرَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الطَّرائِقِ الإبْدَاعيَّةِ ؛ الَّتي شَكَّلَتْ اخْتِرَاقًا شِعريَّا حُرَّا ، وَعَاريَّا مِْن آليَّاتِ المَفْهُومِ الشِّعريِّ القَائِمِ ، وَمُتَخَطِّيًّا - حَتَّى اللحْظَة الشِّعريَّة الرَّاهِنَة - في كَثيْرٍ مِنَ الأحْيَانِ - إنْجَازَاتِ الشِّعريَّةِ المُعَاصِرَةِ - في أشْكَالِهَا المُخْتَلفَةِ - بِتَجَاربَ خَلاَّقةٍ ؛ تَتَخَطَّى الأُطُرَ المُسْتقرَّةَ وَغَيْرَ المُسْتَقرَّةِ ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ أجْلى الإنْجَازاتِ القَُصْوَى ، الَّتي تَحَقَّقتْ في هَذِهِ التَّجَاربِ : تَوَقُّدُ التَّجربَةِ البَاطِنيَّةِ ، وَتَثْويْرِ بِنْيَةِ الخِطَابِ الشِّعريِّ المُهَيْمِنِِ ، وَالتَّمَاهِي في دَوَائرِ الأحْوَالِ وَمَدَارَاتِ المَقَامَاتِ ، وَالتَّجَسُّدُ الشَّخْصَانِيُّ للغَةِ ، وَالتَّكثيْفُ الشَّدَيْدُ ، وَهَيْمَنَةُ الإيْقَاعِ البَاطِنيِّ ؛ الَّذي يُجَسِّدُ حَرَكَةَ الشُّعورِ، وَبِالإضَافَةِ إلى هَذَا الإيْقَاعِ البَاطِنيِّ اسْتَخْدَمَ النَّثرُ الصُّوفِيُّ الشِّعريُّ السَّجْعَ أحْيَانًا ، وَهَذَا الاسْتِخْدَامُ جَعَلَهُ يَتَمَاس - شَكْليًّا - مَعَ حَرَكَةِ النَّثرِ الفَنِّيِّ ؛ وَلكِنَّ سَجْعَهُ لَمْ يَكُنْ عُنْصُرًا زُخْرُفيًّا تَزْيينًا ؛ بَلْ كَانَ جُزْءًا مِنْ طُقُوسِيَّةِ الحَالَةِ الصُّوفيَّةِ المَشْبُوبَةِ المُتَضَورِّةِ النَّزَّاعَةِ - أحْيَانًا - إلى التَّوازيَاتِ الصَّوتِيَّةِ .
وَظَهَرَتْ- في هَذَا المَشْهَدِ - حَالاتٌ خَلاَّقةٌ كَانَتْ تحْفُرُ مَجْرَاهَا الخَاصَّ في أرَاضٍ أجَادبَ ، وَتَوَقَّدَتْ نِيْرَانُهَا الرُّوحيَّةُ في وَحْشَتِهَا الضَّاريَةِ ؛ فَهيَ إبْدَاعَاتٌ تُجَسِّدُ - كَمَا أصْحَابُهَا - غُرْبَةََ النَّصِِّ الطَّليعِيِّ وَتَهْمِيْشِهِ ، وَهِيَ مُسَاويَةٌ لأصْحَابِهَا تَمَامًا ؛ كَالنَّفَّريِّ الَّذي ظَلَّ في غُرْبَةٍ مَوْصُولَةٍ ، وَمِنْ غُرْبَةٍ إلى غُرْبَةٍ ، رَحَّالاً بِلَوَاعِجِهِ الضَّاريَةِ ، حَتَّى وَافتْهُ المَنيَّةُ دُونَ أنْ يَجْمَعَ قُصَاصَاتِ (المَوَاقِفِ) وَ(المُخَاطَبَاتِ) ، أوْ يَجِدَ مُسْتَقَرًّا بِأرْضٍ ، وَكَالتَّوحِيديِّ الَّذي أحْرَقَ كُتبَهُ يَأسًا وَقُنُوطًا ، بَعْدَ حَيَاةٍ خَانِقَةٍ ، وَكَالحَلاَّجِ الَّذي انْقَلَبَ عليْهِ حَائِطُ اللغَةِ الَّذي عَاشَ يُحَطِّمُ فيْهِ دُونَ أنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إسْقَاطِهِ ؛ لِيُلاقِيَ - بِاطْمئنَانٍ - أضْرَي مَا يُلاقِيْهِ النَّصُّ الآخَرُ، وَلكنَّهُ قُُبَيْلَ الرَّحيْلِ خَطَّ لنَا: الطَّواسِيْنَ ؛ الَّتي سَتَبْقَى - بِجَانِبِ قَصَائِدِهِ وَمَقْطُوعَاتِهِ الشِّعريَّة - مِنْ بَيْن خَمْسِيْنَ مُصَنَّفًا ذَهَبَتْ في تَلافيْفِ الضَّيَاعِ .
هِيَ حَالاتٌ مُتَشَظِّيَةٌ في مَشْهَدِ التََّاريْخِ ، وَلكنَّهَا تُشَكِّلُ ، مُجْتَمِعَةً ، وَبِإجْرَاءَاتِهَا الخَاصَّةِ المُخْتَلفَةِ ، وَآليَّاتِهَا المُتَبَاينَةِ ، مَلامِحَ المَشْهَدِ الإبْدَاعِيِّ الخَاصِّ للنَّثرِ الصُّوفِيِّ الشِّعريِّ ؛ الَّذي سَتَرَى فيْهِ الطَّليْعَةُ الشِّعريَّةُ النَّثريَّةُ ، مَوْرِدَهَا القَومِيَّ ، الَّذي سَتَنْهَلُ مِنْهُ مَا يُؤصِلُ مَسْعَاهَا وَيُعَزِّزُهُ .


















الإحَالات وَالتَّعليقَات

الَّذي نَعْنِيْهِ بِمُصْطَلَحِ: مَا وَرَائيَّاتِ اللغَةِ ، يَخْتَلِفُ عَمَّا أبْرَزَتْهُ النَّظريَّةُ النَّقديَّةُ المُعَاصِرَةُ ؛ فَنَحْنُ نُريْدُ مِنْ هَذَا المُصْطَلَحِ ، الدَّلالَةَ على شَخْصَنَةِ اللغَةِ وَتَجَسُّدِها، وَعَلى مَا تَتَوَالَى إشَارَاتُهُ وَرَاءَ تَجَسُّدِهَا ؛ بِحَيْثُ يَتَوَازَى الحُضُورَانِ ؛ الظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ ،المُتَعَيْنُ وَالمُضْمَرُ، الحَاضِرُ وَالغَائِبُ ، بَيْنَمَا وَرَدَ المُصْطَلَحُ عندَ يَاكُوبسون ،وَ جِيرار جِينه ، وَرولان بارت ؛ لِلدَّلالَةِ على لُغَةٍ تَتَحَدَّثُ عَن اللغَةِ ؛ فَقَدْ ذَكَرَ ياكوبسون - وَهُوَ يُعرِّفُ الوَظيفَةَ الـ" مَا وَرَاءَ لُغَويَّة " لِلغَةِ - أنَّ " مَا وَرَاءَ اللغَةِ ، هِيَ لُغَةٌ تَتَحَدَّثُ عَنْ اللغَةِ ، إنَّهَا شَفْرَةٌ تُشِيْرُ إلى شَفْرَةٍ سَابِقَةٍ لَهَا" ؛ وَوِفْقًا لِهَذَا سَتَكُونُ الدِّراسَاتُ اللغويَّةُ وَالأسْلُوبيَّةُ وَالنَّقديَّةُ ضُرُوبًا لِمَا وَرَاءَ اللغَةِ . ( رَاجِعْ مَا وَرَاءَ اللغَةِ : الشِّقَاق"، في مُلْحَق جَريدَة: الأهْرَام ، صَفْحَة:11 ؛ ثَقَافَة ، بِتَاريخ 14/4/2000) .

(1) مِنْ ذَلكَ أعْمَالٌ عَديدَةٌ لِمُحيي الدِّين بْنِ عَربيِّ ، لا تَخْلُو - تَمَامًا - مِنَ النَّثرِ الصُّوفِيِّ الشَِّعريِّ ، مِنْهَا : فُصُوصُ الحِكَم - الفُتُوحَاتُ المَكِّيَّةُ - رَسَائلُ ابْنِ عَرَبِيِّ - مَوَاقِعُ النُّجُومِ وَمَطالِعُ أهِلَّةِ الأسْرَارِ وَالعُلومِ - الأنْوَارُ فيْمَا يُمْنَحُ صَاحِبُ الخُلوَةِ مِنْ أسْرَار- شَجَرَةُ الكَوْنِ" ، وَلابْنِ عَطََاءِ اللهِ السَّكندَريِّ : اللهُ "القَصْدُ المُجَرَّدُ في مَعْرفَةِ الاسْمِ المُفْرَدِ " ، وَلَعَبْدِ الكَريمِ الجِيليِ : الإنْسَانُ الكَامِل في مَعْرفَةِ الأوَاخِر وَالأوَائِل .
(2) رَاجِعْ: مُحمَّد دِيب - الجِنْسُ الأدَبِي بَيْنَ المَوْهِبَة الفَرديَّةِ وَالرَّافدِ الغَربِيِّ - مَجَلة: (عَلامَات) - ج12/م3 - يونيو1994 - ص:161. وَالإشَارَةُ هُنَا إلى تَعْليْقِ أدُونيسَ على كِتَابَةِ النَّفَّريِّ . كَذَلَكَ قَرَنَ مُحيي الدِّين اللاذِقَانيّ قَصِيدَةَ النَّثرِ العَربيَّةِ ، بِمَوَاقِفِ النَّفَّريِّ وُمُخَاطبَاتِهِ ، وَطَواسِيْنِ الحَلاَّجِ ؛ بِاعْتبَارِهَا مَثَائِلَ ، وَجُذورًا في تُرَاثِنَا الفَنِّيِّ الخَصِبَ . رَاجِعْ كِتَابَهُ : آبَاء الحَدَاثَة العَربيَّة ، طبعة الهيئة العَامة لِلْكتاب ، 2003، ص ص : 136-137.
(3) تُرَاجَعُ مَرَاحِل تَأسِيسِ النَّثرِ الصُّوفِيِّ , في بِدَايتِهَا التَّأسيسيَّةِ لَدَى : أبي بَكْرِ الكلاباذري - التَّعرُّف لِمَذْهَبِ أهْلِ التُّصوُّف - تحقيق: محمود النَّوادِي - مكتبة الكُليَّات الأزْهريَّة - القَاهرة - 1400هـ/ 1980م - ص:36 ، وَمَا بَعْدَهَا .
(4) أبو عبد الرَّحمن السَّلميُّ - طَبَقَاتُ الصُّوفيَّة - تحقيق :نُور الدِّين شريبَة - مكتَبَة الخَانجِي - القاهرة – الطَّبعة الثَّانية - 1986- ص : 27 .
(5) فريد الدِّين العَطَّار النَّيسَابُوريّ - تَذْكرَةُ الأوْليَاءِ - المُجلَّد الأوَّل - تَرجَمَة وَتَقدِيم وَتَعْليْق: مَنَال اليَمَنِي عبد العزيز - الهيئة المِصْريَّة العَامة لِلْكِتَاب - 2006 - ص:380، نيكلسون - في التَّصوُّفِ الإسْلامِيِّ - تَرْجَمَة وَتَعْليْق :الأستاذ الدُّكتور أبُو العِلا عفيفي - مطبعة لجنة التَّأليف وَالنَّشر - القاهرة - 1956- ص:78 .
(6) النُّور مِنْ كَلمَاتِ أبي طَيْفور، لِلسِّهلَجِيِّ - ضِمْنَ : شَطَحَات الصُّوفيَّة ، لعبد الرَّحمن بدوي - الجزء الأوَّل - أبُو يزيد البِسْطامِي – الطَّبعة الثَّالثة - وكالة المَطْبُوعَات - الكويت - 1978 - ص:151 .
(7) أبُو نَصْر عبد الله بن على السّراج الطُّوسيّ - اللُمَع في التَّصوُّفِ - نَشْرَة ألن نيكلسون - ليدن 1914- ص :391 ، وَقَدْ وَرَدَتْ قِصَّةُ مِعْرَاجِهِ كَامِلَةً في كِتَابِ : تَذْكرَة الأوليَاءِ - الجُزْءُ الأوَّل - سابق - ص ص: 397 - 402 ، وَذَكَرَ ابْنُ الجُوزيّ أنَّ أهلَ بسْطَامِ أنْكَرُوا على أبِي يزيدَ حِكايَةَ مِعْرَاجِهِ ، وَبِسَبَبِهَا أخْرَجُوه مِنْ بسْطَام . رَاجِعْ لابْنِ الجُوزيِّ : نَقْد العِلْم وَالعُلَمَاء ، أوْ: تَلْبِيْس إبْلِيس - مكتبة صُبِيح - د.ت - ص:162، وَرَاجِعْ أيضًا : د . عبد الحليم محمود - سُلْطَان العَارفيْنَ : أبُو يزيد البسْطَامِي - دار المَعَارف - 1985 - ص: 60.
(8) اللُمَع في التَّصوُّف - سابق - ص: 387 .
(9) النُّور مِنْ كَلِمَاتِ أبي طَيْفُور، ضِمْنَ : شَطَحَاتِ الصُّوفيَّةِ - سَابق - ص95، ص:151، وَ: الرِّسَالة القُشَيْريَّة - طبعة المَكتبَة التَّوفِيْقيَّة - د. ت - ص: 134 .
(10) وَرَدَتْ في كَثيرٍ مِنَ المَصَادرِ، مِنْهَا : اللُمَع في التَّصوُّفِ - سابق - ص:390، وَ: تَذْكرَة الأوْليَاءِ - سَابق - ص: 357، وَ: شَطَحَات الصُّوفيَّة - سَابق - ص:143، وَ: نَقْد العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ ، أوْ تَلْبِيس إبْلِيس - سابق - ص:334 .
(11) النُّور مِنْ كَلمَاتِ أبي طَيْفُور - ضِمْنَ : شَطَحَات الصُّوفيَّة - سَابق - ص: 100 .
(12) السَّابق - ص: 101.
(13) السَّابق - ص : 102 .
(14) السَّابق - ص : 145.
(15) اللُمَع في التَّصوُّف - سَابق - ص : 402 .
(16) شَطَحَات الصُّوفيَّة - سابق - ص: 44 .
(17) اللُمَع في التَّصوَّف - سَابق - ص:404 .
(18) اللُمَع في التَّصوُّف - سَابق - ص :397 .
(19) شَطَحَاتُ الصُّوفيَّة - سَابق - ص: 48 .
(20) نَشَرَهَا د. يُوسف زيدان ، ضِمْنَ نُصُوصٍ أُخْرى غَيٍْرهَا ، وَقَصَائِدَ ، فِي: دِيوَانِ عبد القَادر الجِيلانِي: القَصَائِد الصُّوفِيَّة ، وَالمَقَالات الرَّمزيَّة - مُؤسَّسة أخْبَار اليَوم - القَاهِرة - 1990.
(21) عبد القَاهِر الجُرْجَانِيّ - دَلائِل الإعْجَازِ - تَعْلِيق : السَّيد مُحمَّد رَشِيد رِضَا - دَار المَعْرفَة - بيروت - الطَّبعة الأولى - 1994- ص:192.
(22) فاسِيلي كَاندينسكي - الرَّوحَانِيَّة في الفَنِّ - تَعْريْب: فهمِي بَدَوي، وَتَقدِيم : محمود بقشِيش - الهيئة المِصْريَّة العَامة لِلْكِتَاب - 1994 - ص:52 .
(23) السَّابق - ص:48 .
(24) علي جَعفر العَلاَّق - الشِّعرُ خَارجِ النَّظْمِ ، الشِّعرُ دَاخِل اللغَةِ - مجَلَّة: (نِزْوى) - عُمَان - العَدَد الأوَّل - نوفمبر 1994- ص: 30 .
(25) أبُو المُغِيث ؛ الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُور الحَلاَّج (244 - 309هـ مقتولا) ، أصْلُهُ مِنْ بَيْضَاءِ فَارسَ ، نَشَأَ بِوَاسِطِ ، في العِرَاقِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى تَسْتُر؛ حَيْثُ صَحِبَ سَهْلا بن عبد اللهِ التَّستريّ (- 283هـ) ، لِمُدَّةِ عَاميْنِ ، ثُمَّ صَحِبَ عُمَرَ بنَ عُثْمَانَ المَكِّيَّ ؛ الَّذي ألْبَسَهُ خِرْقَةَ الصُّوفيَّةَ ، حَتَّى وَصَلَ إلى بَغْدَاد ، وَأخَذَ عَن الجُنَيْدِ (- 298هـ) ، ظَهَرَ أمْرُهُ أوَّلَ مَا ظَهَرَ سنة 229هـ ، وَهُوَ زَعيْمُ القَائليْنَ بِالحلُولِ ، وَكَانَ في بِدَايَةِ أمْرِهِ يُظْهِرُ التَّشييعَ لِلْعبَّاسِيينَ ، وَكَثُرَتْ الوشَايَاتُ إلى الخَلِيفَةِ العَبَّاسِيِّ المُقْتَدرِ ؛ فَقُبِضَ عليْهِ وَسُجِنَ ، وَعُذِّبَ ، وَقُطِّعَتْ أطْرَافُهُ الأرْبَعَة ، ثُمَّ قُتِلَ ، ثُمَّ حُزُّ رَأسُهُ ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ جُثَّتُهُ ، وَأُلْقِيَ رَمَادُهَا في نَهْرِ دِجْلَةِ ، وَنُصِبَ رَأْسُهُ على جِسْرِ بَغْدَاد . أوْرَدَ ابْنُ النَّديمِ لَهُ أسْمَاءَ سِتَّةً وَأرْبعيْنَ كِتَابًا ،غَريبَةَ الأسْمَاءِ ، مِنْهَا : الكبريتُ الأحْمَرُ - قُرآنُ القُرآن وَالفُرْقَان - هُوَ هُوَ - اليَقِيْنُ . وَأُحْرِقَتْ كُتُبُهُ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا سِوى: الطَّواسِيْن ، وَالدِّيوَان .
(26) تُودُورُوف - نقدُ النَّقد - ت : سَامي سوَيْدَان - مركز الإنمَاء القَومِيّ - بيروت – الطَّبعة الأولى- 1986- ص : 60 .
(27) الحَلاَّج - الدِّيوان ، يلِيْهِ كِتَابُ الطَّواسِيْن - تَحْقيْق وَتَصْحيْح (الطَّواسِيْن ) بُولس بُويا اليَسُوعِيّ - منشورَات الجَمَل - كُولونيَا ، ألمانيا - 1997- ص : 139 .
(28) السَّابق – ص: 143 .
(29) عَنْ : الطَّبقَات الكُبْرَى ، لِلإمَام عبد الوَهاب الشَّعرَانِيّ ـ الجزء الأوَّل ـ المكتبَة التَّوفِيقيَّة ـ د.ت ـ ص : 186 .
(30) الطَّبقَاتُ الكُبْرَى ـ سَابق ـ ص : 185، أخْبَارُ الحَلاَّج ، لِمَاسِينون وب كِرَاوس ـ مطبعة القلم ـ باريس ـ 1936ـ ص : 36 .
(31) أخْبَارُ الحَلاَّج ـ سابق ـ ص : 16 .
(32) السَّابق ـ ص :34 .
(33) الطَّواسِيْن ، ضِمْنَ كِتَاب: الدِّيوَان ، يَليْهِ كِتَابُ الطَّواسِيْن ـ سَابق ـ ص ص : 122ـ 123 .
(34) كَامِل مُصطفَى الشَّيبي ـ مُقَدِّمَة المَرْجع السَّابق ـ ص : 19 ، وَرَاجِعْ كَذَلكَ : مَيْثَم الجنَابِي ـ السَّمَاعُ لِحَقَائِق المُطْلَق ـ مَجلَّة: (نِزْوى) ـ عُمَان ـ العدد الحَادي وَالعِشْرُون ـ يناير2000 ـ ص ص : 75ـ 82 .
(35) مُحمَّد بن عبد الجَبَّار النَّفَّريُّ ( ؟ ـ 354هـ) ، يُمَثِّلُ الصُّورَةَ المُثْلَى لِلصُّوفِيِّ الرَّحَالِ المُتَوَحِّدِ ، لِلدَّرَجَةِ الَّتي لا نَعْثُرُ عَلى شَيءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ حَيَاتِهِ ، سِوى إشَارَاتٍ قَليْلَةٍ وَمَقْتَضَبَةٍ ، تُبَيِّنُ أنَّهُ كَانَ جَوَّابَ آفَاقٍ ، في أقْطَارِ الأرْضِ ، وَأنَّه كَانَ إمَامًا بَارعًا في كُلِّ العُلومِ ، وَأنَّه تُوفِيَ بِالقَاهرَةِ سَنَةَ 354هـ ، وَأنَّه تَرَكَ وَرَاءَهُ قُصَاصَاتِ المَوَاقِفِ وَالمُخَاطَبَاتِ ؛ لِيَجْمَعَهُمَا مِنْ بَعْدِه ، ابْنُهُ .
(36) أدُونِيس - تَأسِيْس كِتَابَةٍ جَدِيْدَة III – مَجلَّة: (مَوَاقِف)III-17/18- نُوفمبر/ ديسمبر1971ـ ص:7 .
(37) رَاجِعْ ـ على سَبيْلِ المِثَال ـ : الاتحَافَات السَّنيَّة بالأحَاديْثِ القُدْسِيَّة ـ لِزَيْنِ الدِّين عبد الرَّءوف بنِ تَاجِ العَارفيْنَ بنِ عليّ بنِ زَيْنِ العَابدِيْنَ الحََدَّادي ـ الطَّبعة الرَّابعة ـ مكتبَة وَمَطْبَعَة مُحَمَّد علي صُبيح ـ 1973ـ ص ص: 38 ـ 39 .
(38) مُحمَّد بنُ عبد الجَبَّار النَّفَّريُّ ـ المَوَاقِفُ وَالمُخَاطَبَاتُ ـ تَحقيْقِ : آرثر أرْبِري ـ تَقْديم وَتَعليْق : د . عبد القَادِر محمود ـ الهيئة المِصْريَّة العَامة لِلْكِتَاب ـ 1985ـ ص:71 .
(39) هَذِهِ النَّبرَةُ الشِّعريَّةُ ؛ الَّتي حَمَلَتْهَا كِتَابَةُ النَّفَّريِّ ، كَانَ لَهَا فِعْلُ السِّحْرِ في جِيْلِ الخَمْسِينيَّاتِ ـ في الشِّعرِ العَرَبِيِّ ـ الَّذي اقْتَرَنَ عَمَلُهُ الطَّليعِيُّ بِمَا سُمِّيَ بـ(قَصِيْدَةِ النَّثرِ) ـ ؛ فَأدُونِيسُ ، في أوَّلِ دِرَاسَةٍ لَهُ عَنْ قَصِيْدَةِ النَّثرِِ ـ نُشِرَتْ في مَجلَّة:(شِعْر)، صَيْف1960ـ أشَارَ إلى أنَّ هَذَا الجِنْسَ الشِّعريَّ ، نَشَأَ أسَاسًا في الأدَبِ العَرَبِيِّ ، بِخَاصةٍ نَثْر المُتَصَوِّفَةِ ، وَحَاوَلَ أدُونِيسُ أنْ يُقِيمَ جِسْرًا بَيْنَ النَّثرِ الصُّوفِيِّ وَالتَّجربَةِ الشِّعريَّةِ النَّثريَّةِ الجَديدَةِ ، كَمَا قَدَّمَ أدُونِيسُ كِتَابَةَ النَّفَّريِّ ، كَنَمُوذَجٍ (قَديْمٍ) لِكِتَابَةٍ (جَديدَةٍ) ، كَانَتْ خُرُوجًا على الشَّكليَّةِ الكِلاسِيكِيَّة ، وَتَأسِيسًا لِشَكْلٍ شِعْريٍّ آخَر .
وَاعْتَبَرَ كِتَابَ المَوَاقفِ وَالمُخَاطَبَاتِ ، لِلنَّفَّريِّ ، أَهَمَّ مَصَادرِ قَصِيدَةِ النَّثرِ ، وَقَالَ :" لا أعْرفُ كَيْفَ أصِفُ دَهْشَتِي - حِيْنَ قَرَأتُهُ - ؟ أعْرفُ أنَّني شَعَرْتُ ـ وَأنَا أقْرؤهُ - أنْ لِمَا أقْرؤهُ فِعْلَ القَتْلِ : قَتْلِ مُعْظَمِ الشِّعرِ الَّذي سَبَقَهُ ، وَمُعْظَمِ الشِّعرِ الَّذي أتَىَ بَعْدَهُ ، هَكَذَا أدْرَكْتُ أنَّني أمَامَ شَاعرٍ عَظيْمٍ"، وَأوْضَحَ أنَّهُ يَعْتَمِدُ اللاشَكْل وَالنِّظَام ، وَلا يُكرِّرُ لُغَةً مَعْرُوفَةً ، وَأنَّهُ يَكْتَشِفُ لُغْةً غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ ، وَأنَّ اللغَةَ عِنْدَهُ خَالِقَةً وَلَيْسَتْ مَخْلُوقَةً ، وَأرْجَعَ قيْمَةَ الشِّعريَّةَ عِنْدَهُ إلى كَوْنِهَا ، تُوحِي بأكثر مِنْ مَعْنَى ، وَفي كَوْنِهَا لا تَكْتَمِلُ بلْ تَظَلُّ مَفْتُوحَةً ، وَفِي كَوْنِهَا نُقْطَةَ انْطِلاقِ لا نُقْطَةَ وُصُولٍ ، وَفي كَوْنِهَا كالإنْسَانِ ذَاتِهِ ، يَتَحَرَّكُ أبدًا صَوْبَ وُجُودٍ مَفْتُوحٍ أبدًا ." رَاجِعْ: أدُونِيس ـ تَأسِيس كِتَابَةٍ جَديدَةٍ III ـ مَجلَّة:(مَوَاقِف)III 17ـ 18نوفمبر / ديسمبر1971 .
وَذَكَرَ إبرَاهيم شُكْرَ الله ـ في مُقدِّمَةِ ديوانِهِ : مَوَاقِفِ العِشْقِ وَالهَوَانِ وَطُيُورِ البَحْرِ؛ الصَّادرِ عَنْ دَار العَالَم العَربِيّ لِلطِّبَاعَة ـ 1982ـ وَلْنَتَأمَّلْ العُنْوَانَ جَيِّدًا ـ أنَّهُ وَقَفَ " طَويْلاً أمَامَ كتَابِ المَوَاقِفِ وَالمُخَاطَبَاتِ، لِلنَّفَّريِّ ، أتَأمَّلُ في انْبِهَارِ كَثَافَةِ اللغَةِ ، وَاحْتِدَامِهَا ، وَتَجَاوزهَا لِوَظيْفَتِهَا ، عِنْدَ الشُّعرَاءِ التَّقلِيديينَ ؛ فَهِيَ لَيْسَتْ إطَارًا بَيَانيًا تَزْويقيًّا ، وَألفَاظًا مُتَوَرِّمَةً ؛ بَلْ هِيَ حَرَكَةٌ مِنَ العِلاقَاتِ المُتَدَاخِلَةِ ؛ الَّتي تَسْتَطيعُ التَّعبيْرِ عَنْ الحَقيقَةِ الزِّئبقِيَّةِ ؛ الَّتي لا يُمْسِكُ بِهَا المَرْءُ حَتَّى تَنْفَلِتَ ؛ مُنْزَلِقَةً مِنْ بَيْن أصَابِعِهِ ، أوْ تَتَحَوَّلُ إلى حَقيْقَةٍ أُخْرى أشَدّ شُمُولاً... وَآثَرْتُ مَنْهَجَ النَّفَّريِّ؛ حَيْثُ الإيْقَاعُ حَرَكَةُ تَنَاغُمٍ دَاخِليٍّ ، وَلَيْسَ تَطَابُقًا نَغَمِيًّا ، بَيْنَ أجْزَاء خَارجِيَّةٍ شَكْليَّةٍ " .
(40) مُقَدِّمَةُ كِتَابِ: المَوَاقِفِ وَالمُخَاطَبَاتِ ـ سَابِق ـ ص:19، كَذَلكَ لَمْ يَذْكُرْ الشَّعرَانِيُّ ، في كِتَابِهِ: الطَّبَقَات الكُبْرَى ، مَعْلُومَاتٍ أسَاسِيَّةً ،عَنْ حَيَاةِ النَّفَّريِّ .
(41) أبُو حَيَّان التَّوحِيديُّ (310 ـ 414ه) ، عَليٌّ بن مُحمَّد بن العَبَّاس التَّوحِيديُّ ، فَيْلَسُوفٌ ، وَمُتَصَوِّفٌ ، مُعْتَزلِيٌّ ، وَصَفَهُ يَاقوتٌ بِأنَّه " شَيْخٌ في الصُّوفيَّةِ ، وَفيْلَسُوفُ الأدَبَاءِ ، وَأدَيْبُ الفَلاسِفَةِ ، وَمُحَقِّقُ الكَلامِ ، وَمُتَكَلِّمُ المُحَقِّقيْنَ ، وَإمَامُ البُلَغَاءِ "، وُلِدَ في شِيْرَاز (أوْ في نَيْسَابُور) ، وَمَكَثَ مُدَّةً في بَغْدَاد ، ثمَُّ ارْتَحَلَ إلى الرِّي فَصَحِبَ ابْنَ العَمِيْدِ وَالصَّاحِبَ بنَ عَبَّاد ، فَلَمْ يَحْمَدْ قُرْبَهُمَا ، ثُمَّ وُشِيَ بِهِ إلى الوزيرِ المهَلَّبيِّ ؛ فَطَلَبَهُ ، فَاسْتَتَرَ مِنْهُ ، وَأثَنْاءَ اسْتِتَارِهِ تُوفِّيَ . تَحَمَّسَ التَّوحِيديُّ لِطَريْقَةِ الجَاحِظِ في الكِتَابَةِ وَمَوْسُوعِيَّتِهِ ، وَآثَرَهَا عَلى طَريْقَةِ ابْنِ العَمِيْدِ وَالصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد ؛ الَّتي هَيْمَنَتْ عَلى كِتَابَةِ عَصْرِهِ ، وَأنْجَزَ آثَارًا عَديْدَةً ، أَحْرَقَ مُعْظَمَهَا ، في مِحْنَتِهِ ، كَمَدًا ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ مَا نُقِلَ قَبْلَ الإحْرَاقِ ، وَهِيَ : الإمْتَاعُ وَالمُؤانَسَة ـ الإشَارَاتُ الإلَهيَّةُ ـ المُقَابَسَاتُ ـ الصَّدَاقَةُ وَالصَّديْقُ ـ البَصَائِرُ وَالذَّخَائِرُ ـ المُحَاضَرَاتُ وَالمُنَاظَرَاتُ ـ تَقْرِيْظُ الجَاحِظِ ـ مَثَالِبُ الوَزيْرَيْنِ ، وَلَمْ يَسْلَمْ التَّوحِيدِيُّ مِنْ تُهْمَةِ الزَّنْدَقَةِ ، قَالَ ابْنُ الجُوزِيُّ : زَنَادِقَةُ الإسْلامِ ثَلاثَةٌ : ابْنُ الرَّواندِيّ ، وَالتَّوحِيدِيّ ، وَالمَغْربِيّ ، وَشَرُّهُمْ التَّوحِيدِيُّ؛ لأنَّهُمَا صَرَّحَا وَلَمْ يُصَرِّحْ .
(42) أبُو حَيَّان التَّوحِيدِيِّ ـ الإشَارَاتُ الإلهِيَّة ـ تَحْقِيْق: عبد الرَّحمن بَدَوى ـ الهيئة العَامة لِقُصُور الثَّقَافَة ـ فبراير1996ـ ص :178 .
(43) السَّابق ـ ص:278 .
(44) السَّابق ـ ص:170 .
(45) المَوَاقِفُ وَالمُخَاطَبَاتُ ـ ص :107.
(46) الإمْتَاعُ وَالمُؤانَسَة ـ صَحَّحَه وَضَبَطَه وَشَرَحَ غَرِيْبَهُ : أحْمَد أمِين وَأحْمَد الزَّين ـ الجُزْءُ الأوَّل ـ المَكتبَة العَصْريَّة ـ بيروت ـ د.ت ـ ص:66 .
(47) د . زكِي مُبَارَك ـ النَّثرُ الفَنِّيُّ في القَرْنِ الرَّابِعِ ـ الجُزْءُ الأَّول ـ مَطْبَعَة السَّعَادَةِ بِمِصْر ـ الطبعةَّ الثَّانية ـ 1957ـ ص:115 .
(48) الإمْتَاعُ وَالمُؤانَسَة ـ الجُزْءُ الأوَّل ـ سَابِق ـ ص : 68 .
(49) عَنْ : المُقَابَسَاتِ ، لأبي حَيَّان التَّوحِيدِيِّ ـ تَحْقِيْق وَشَرْح : حَسَن السَّندوبِي ـ دَار سُعَاد الصَّبَّاح ـ الطبعةَّ الثَّانية ـ 1992ـ ص: 95. وَتَفْصِيْلُ هَذَا المَوْقِفُ ، وَهَذِهِ العِلاقَةِ ، في كِتَابِهِ : مَثَالِبُ الوَزيْرَيْنِ . وَقَدْ كَانَ لِهَذَا الكِتَابِ أسْوَأُ الأثَرِ، على أبي حَيَّان ؛" لأنَّ الصَّاحِبَ ابْنَ عَبَّاد ، بِمَا كَانَ لَهُ مِنْ وَاسِعِ السُّلْطَةِ وَالعَطَايَا الدَّارةِ على الأدَبَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَأهْلِ الفَضْلِ ؛ قَدْ سَلَّطَ عليْهِ كُلَّ ذِي لُسُنٍ وَبَيَانٍ ؛ فَتَصَدُّوهُ بِالإسَاءَةِ مِنْ سَائرِ نَوَاحِيْهِ ، حَتَّى اخْمَلُوا ذِكْرَهُ ، وَغَمَرُوا اسْمَهُ ، وَجَعَلُوهُ طَريْدًا شَريْدًا ، لا يَأويْهِ حَجَرٌ وَلا يَسْكُنْ إلى مَدَرٍ ، حَتَّى قَالَ يَاقوتٌ : وَلَمْ أرَ أحَدًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ ذَكَرَهُ في كِتَابٍ وَلا دَمَجَهُ في ضِمْنَ خِطَابٍ ، وَهَذَا مِنْ العجَبِ العُجَابِ" . عَنْ تَصْديْرِ كِتَاب: المُقَابَسَاتِ ـ الطَّبعة الثَّانية ـ ص: 13 .
(50) أبُو حَيَّان التَّوحِيدِي ـ رِسَالَةُ الصَّدَاقَةِ وَالصَّديْقِ ـ عُنِىَ بِتَحْقِيْقِهَا وَالتَّعْلِيْقِ عليْهَا : إبرَاهيم الكِيلاني ـ دار الفكر ـ دمشق ـ 1964ـ ص:7 .
(51)الإشَارَات الإلَهِيَّة ـ ص : 246 .
(52) عبدُ القََادر الجِيلانِي (470 ـ 561 هـ) ، عبدُ القَادر بن مُوْسَى بن عبد اللهِ بن جنْكِي دُوْست الحُسْنِيّ ، وُلِدَ في جِيلان ، وَرَاء طُبْرُسْتَان ، وَيَنْتَسِبُ إليْهَا ، ثُمَّ انْتَقَل إلى بَغْدَاد في شَبَابِهِ سَنَةَ 488هـ ، فَاتَّصَلَ بِشيُوخِ العِلْمِ وَالتَّصوُّفِ ، وَبَرَعَ في أسَالِيْبِ الوَعْظِ وَالفِقْةِ ، وَتَصَدَّرَ لِلتَّدريسِ وَالإفْتَاءِ ، لَهُ طَريْقَةٌ مَعْرُوفَةٌ في التَّصوُّفِ ؛ هِيَ الطَّريْقَةُ القَادِريَّةُ، كَرَامَاتُهُ كَثِيْرَةٌ ـ بَعْضُهَا فيْهَا شَطْحٌ كَثيْرٌ ـ ذَكَرَهَا اليَافِعِيُّ ، في : نَشْرِ المَحَاسِنِ ، مِنْ مُؤلَّفَاتِهِ : الفَتْحُ الرَّبَّانِي ، وَالفَيْضُ الرَّحْمَانِي ـ الغُنْيَة : لِطَالِبِي طَريْقَ الحَقِّ ـ دِيْوَانُ شِعْرٍ ، قَامَ بِجَمْعِهِ وَنَشْرِهِ د. يُوسُف زِيدان ، تَحْتَ عُنْوَان : دِيوان عبد القَادر الجِيلانِي ـ صَدَرَ عَنْ دَار أخْبَار اليَوم ـ 1990 .
(53) دِيوَان عبد القَادر الجِيلانِي : القَصَائِدُ الصُّوفيَّةُ ، المَقَالاتُ الرَّمْزيَّة ـ دِرَاسَة وَتَحْقِيْق : د. يُوسُف زيدان ـ مُؤسَّسة أخبَار اليَوم ـ القَاهرة ـ 1990ـ ص : 217. وَالغَوثُ هُوَ القُطْبُ ، وَيُبيِّنُ الجُرجَانِيُّ أنَّهُ سُمِّيَ " غَوْثًا بِاعْتبَارِ التجَاءِ المَلْهُوفِ إليْهِ ، وَهُوَ الوَاحِدُ ؛ الَّذي هُوَ مَوْضِعُ نَظَرِ اللهِ في كُلِّ زَمَانٍ ، أعْطَاهُ الطَّلِّسَمَ الأعْظَمَ مِنْ لَدُنهُ ، وَهُوَ يَسْري في الكَوْنِ ، وَأعْيَانِهِ الظَّاهرَةِ وَالبَاطنَةِ ، سَرَيَانَ الرُّوحِ في الجَسَدِ ، بِيدِهِ قِسْطَاسُ الفَيْضِ الأعَمّ وَزْنه . يَتْبَعُ عِلْمَهُ ، وَعِلْمُهُ يَتْبَعُ عِلْمَ الحَقِّ ، وَعِلْمُ الحَقِّ يَتْبَعُ المَاهيَّاتِ الغيْرِ مَجْعُولَةِ ؛ فَهُوَ يَفيْضُ رُوحَ الحَيَاةِ ، على الكَونِ الأعْلَى وَالأسْفَلِ ، وَهُوَ على قَلْبِ إسْرَافيْل ؛ مِنْ حَيْثُ حِصَّته المَلَكيَّة ، الحَامِلَة مَسْألَةَ الحَيَاةِ وَالإحْسَاسِ ، لا مِنْ حَيْثُ إنْسَانيَّتِهِ ، وَحُكْمُ جِبْريْل فيْهِ ، كَحُكْمِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ في النَّشْأةِ الإنْسَانيَّةِ ، وَحُكْمُ مِيْكائِيْل فيْهِ ، كَحُكْمِ القُوَّةِ الجَاذبَةِ فيْهَا، وَحُكْمُ عَزْرَائيْل فيْهِ كَحُكْمِ القُوَّةِ الوَاقِعَةِ فيْهَا .": التَّعريفََات – ص : 119 .
(54) عبد القَادر الجِيلانِي ـ الفَتْحُ الرَّبَّانِي ، وَالفَيْضُ الرَّحْمَانِي ـ دَار الرَّيَّان للتُّرَاثِ ـ د.ت. رَقم الإيدَاع: 1988 ـ ص : 89 .
(55) السَّابق ـ ص : 176 .
(56) السَّابق ـ ص : 411 .
(57) السَّابق ـ ص : 241 .
(58) السَّابق ـ ص : 243 .
(59) السَّابق ـ ص : 248 .
(60) مُحْيي الدِّين بن عربيّ (560 ـ 638 هـ)، مُحمَّد بن عَليّ بن مُحمَّد بن عَرَبِيّ ، أبُو بَكْرٍ الحَاتِمِيّ الطَّائيّ الأنْدَلُسِيّ ، مُتَصَوِّفٌ ، مِنْ أئِمَّةِ المُتَكلِّمِيْن في كُلِّ عِلْمٍ ، وُلِدَ في مَرْسَيَّة ، بِالأنْدَلُس ، سَنَةَ 560هـ ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى أشْبِليَّةََ ، وَقَامَ بِرِحْلَةٍ وَاسِعَةٍ ، زَارَ فيْهَا : المَغْربَ ، وَمِصْرَ ، وَالشَّامَ ، وَبِلادَ الرُّومِ ، وَالعِرَاقِ ، وَفي مِصْرَ أنْكَرَ عَليْهِ البَعْضُ شَطَحَاتٍ صَدَرَتْ عَنْهُ ، فَسَعَوا إلى إرَاقَةِ دَمِهِ ، وَحُبِسَ ، ثُمَّ خَرَجَ نَاجِيًا ، بِمُسَاعَدَةِ عَليٍّ بنِ فَتْحِ اليحْيَائِيِّ ، ثُمَّ زَارَ الحِجَازَ ، وَاسْتَقَرَّ في دِمَشْقَ حَتَّى وَفَاتِهِ ، في ليْلَةِ الجُمْعَةِ ، في 28 مِنْ رَبيْع الآخر 638 هـ ، بَيْنَ اتْبَاعِهِ الصُّوفيَّةِ ، وَدُفِنَ في الصَّالِحِيَّةِ ، بِسَفْحِ قَاسِيُونَ ، وَابْنُ عَرَبِيّ ـ كَمَا يَقولُ الذَّهَبِيُّ ـ : قُدوَةُ القَائلِيْنَ بِوحْدَةِ الوجُودِ ، لَهْ نَحْو أرْبَعمِائَةِ كِتَابٍ وَرِسَالَةٍ ؛ مِنْهَا : الفُتُوحَاتُ المَكِّيَّةُ ـ فُصُوصُ الحِكَم ـ عَنْقَاءُ مَغْرب ، في التَّصوُّفِ ـ مُحَاضَرَةُ الأبْرَارِ وَمُسَامَرَةُ الأخْيَارِ ـ كُنْهُ مَا لابُدَّ لِلْمُريْدِ مِنْهُ ـ مَوَاقِعُ النُّجومِ وَمَطَالِعُ أهِلَّةِ الأسْرَارِ وَالعُلُوم ـ شَجَرَةُ الكَوْنِ ـ دِيْوَانُ: فَتْح الذَّخَائر ِوَالأغْلاقِ ـ شَرْحُ: تُرْجُمَان الأشْوَاق ـ دِيْوَان شِعْرٍ في التَّصوُّف .
(61) مُحْيي الدِّين بن عَرَبِيّ ـ كِتَابُ الكُتُب ، ضِمْنَ : رَسَائِل ابْنِ العَرَبيِّ ـ الجُزْء الثَّاني ـ الهيئة العَامة لِقُصُور الثَّقَافة ـ 1998ـ ص : 4 .
(62) كِتَابُ التَّجليَّاتِ ، ضِمْنَ : رَسَائل ابْنِ العَرَبِيِّ ـ الجُزْء الثَّاني ـ سَابق ـ ص : 3 .
(63) مُحْيي الدِّين بن عَرَبِيّ ـ التَّنزيلاتُ المَوْصِليَّة ـ رَاجَعَهَا وَعَلَّقَ عَليْهَا : عبد الرَّحمن حَسَن محمود ـ مكتبة عَالَم الفِكر ـ القاهرة ـ الطَّبعة الأولى ـ 1986ـ ص :221 .
(64) رَاجْعْ : الفُتُوحَات المَكِّيَّة ـ السِّفر الثَّاني ـ الطَّبعة الثَّانية ـ الهيئة المِصْريَّة العَامة لِلْكِتَاب ـ 1985ـ ص : 206 .
(65) رِسَالة رُوْحِ القُدْس ـ قّدَّمَ لَهَا : بَدَوي طه علاَّم ـ مكتبة عَالَم الفِكر ـ القَاهرة ـ ط1ـ 1989ـ ص : 93 .
(66) السَّابق ـ ص : 96 .
(67) السَّابق ـ ص : 99 .
(68) إبرَاهيم الدِّسُوقيُّ (623ـ 676هـ) ، بُرْهَان الدِّين بن عبد العَزيز ، يَنْتَهِي نَسَبُهُ لأبيْهِ إلى الإمَامِ الحُسَين بن عَليٍّ بن أبي طَالَبٍ ، وَنَسَبُهُ لأمِّهِ إلى القُطْبِ الصُّوفيِّ أبِي الفَتْحِ الوَاسِطيِّ ، وُلِدَ في مَدينَةِ دسُوق سَنَةَ 623هـ ، وَإليْهَا يَنْتَسِبُ ، حَفِظَ القُرآنَ الكَريمَ وَتَفَقَّهَ عَلى مَذْهَبِ الإمَامِ الشَّافِعيِّ في صِبَاهُ ، وَيُرْوَى أنَّهُ دَخَلَ الخلْوَةَ ، وَهُوَ في الخَامِسَةِ مِنْ عُمْرِهِ ، وَلَمْ يُغَادِرْهَا إلاَّ وَهُوَ في الثَّالثَّة وَالعِشْريْنَ في سَنَةِ 646هـ ، حِيْنَ تُوفِّيَ وَالدُهُ ، وَقَدْ اسْتَجَابَ لِدَعْوَةِ مُريدِيْهِ وَأتْبَاعِهِ بِالخُرُوجِ إلى الحَيَاةِ العَامَّةِ ، وَعُرِفَ بِطَريْقَتِهِ البرْهَامِيَّة ؛ نِسْبَةً إلى اسْمِهِ ، وَتُعْرَفُ ، أيْضًا ـ بِالبُرْهَانيَّة ؛ نِسْبَةً إلى لَقَبِهِ ، وَبِالدِّسُوقيَّةِ ؛ نِسْبَةً إلى مَسْقَطِ رَأسِهِ ، عَيَّنَهُ الَملِكُ الكَامِلُ مُحمَّد الأيُّوبِيُّ شَيْخًا للإسْلامِ ، وَقَدْ نَهَضَ بِهَذَا العَمَلِ رَافِضًا الحُصُولِ على أيِّ أجْرٍ ، ثُمَّ تَفَرَّغَ لِمُريْديْهِ ، وَيُرْوَى أنَّهُ شَارَكَ في صَدِّ الحَمْلَةِ الصَّليبيَِّةِ الأخِيْرَةِ بِقِيَادَةِ لويس التَّاسِع ، في عَهْدِ الصَّالِحِ نَجْمِ الدِّين أيُّوب ، وَتَتَّفِقُ المَصَادِرُ الَّتي أرَّخَتْ لِحَيَاتِهِ أنَّهُ ظَلَّ عَزبًا ، وَذَكَرَ الشَّعْرَانيُّ أنَّهُ كَانَ صَاحِبَ كَرَامَاتٍ ظَاهِرَةٍ ، وَمَقَامَاتٍ فَاخِرَةٍ ، وَأحْوَالٍ خَارقَةٍ ، وَأنْفَاسٍ صَادقَةٍ ، كَانَ يُجِيْدُ عِدَّةَ لُغَاتٍ ؛ مِنْهَا السِّريَانيَّةُ وَالعِبْريَّةُ . وَقَدْ وَضَعَ العَديْدَ مِنْ المُؤلَّفَاتِ في الفِقْهِ وَالتَّوحِيْدِ ، وَلَهُ كِتَابٌ ضَخْمٌ في التَّصوُّف ، بِِعنوَانِ : الجَوْهَرَةِ المُضِيْئَةِ ؛ وَبَعْضُهُ مَنْشُورٌ بِاسْمٍ: جَوْهَرَة الدِّسُوقيِّ ، تُوفِّيَ سَنَةَ 676هـ ، وَهُوَ فِي الثَّالثَةِ وَالأرْبَعيْن ، وَدُفِنَ في المَكَانِ الذي فيْهِ مُصَلاَّهُ .
(69) الإمَامُ عبد الوَهَّاب الشَّعْرَانيُّ ـ الطَبَقَاتُ الكُبْرَى ـ المَكتبَةُ التَّوفِيقيَّةُ ـ د. ت . ص: 280، وَرَاجِعْ كَذَلكَ: جَوْهَرَةَ الدِّسُوقيِّ ـ طَبْعَة الحُسَين الإسْلامِيَّة ، بِالأزْهَر ـ د.ت ـ ص ص : 105ـ106.
وَمِنْ ذَلكَ كَلاَمٌ يَفيْضُ بِالأعَاجِيْبِ الخَارِقَةِ ؛ كَأَنْ يَقُولَ أنَّهُ وَقَفَ على كُلِّ خَارقَةٍ، مُنْذُ خَلْقِ البَرِيَّةِ ؛ فَأمْسَكَ مَنْ تَحْمِلُهُمْ الرِّيحُ ، وَأمَْسَكَ مَنْ يُمْسِكُ الرِّيحَ ، وَفُتِحَ لَهُ قَدْرُ خرْمِ إبْرَةٍ ؛ فَرَأى مَا بَيْنَ المَشْرقِ وَالمَغْربِ ، وَهُوَ ابْنُ أرْبَع سِنيْنَ ، كَمَا أنَّهُ ـ حِيْنَئذٍ ـ قَدْ وَجَدَ تُفَّاحَةً جَميْلَةً ، قَدْ سَقَطَتْ في حِجْرِهِ ، فَنَتَرَهَا مِنْ حِجْرِهِ ؛ فنودي أنَّ يَا إبْرَاهيمُ ارْمِِ مَابَقِىَ مِنْهَا ، فَإنَّهُ يَكفِيْكَ مَا أكَلْتَهُ ؛ فَرَمى النِّصفَ الآخَرَ، وَنُودِيَ أنَّ يَا إبْرَاهيمُ انْظُرْ مَا حَصَّلَ قَلْبُكَ ؛ فَرَأى رُوْحَهُ قَدْ جَالَتْ في المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى اللوحِ المَحْفُوظِ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ سِنِينَ ، وَجَعَلَ الدُّنيَا كُلَّهَا في يَدِهِ كَالكُرَةِ أوْ كَالخَاتَمِ في إصْبَعِهِ ، يُقَلِّبُهَا حَيْثُ يَشَاءُ، وَيُحَرَِّكُ مَا هُوَ سَاكنٌ في الكَوْنِ ، وَيَقْعُدُ على الثَّرَى، وَيَرَى مَا يَخُطُّهُ القَلَمُ في اللوحِ المَحْفُوظِ ؛ كرُؤيَةِ أحَدِنَا الإنَاءَ في يده ..] رَاجِعْ : الطَّبَقَات الكُبْرَى - سَابق - ص : 308 ، جَوْهَرَة الدِّسُوقِيِّ - سَابق - ص ص :105 -106[ ، وَتَتَّسِقُ هَذِهِ التَّجليَّاتُ وَالفُيوضَاتُ ، مَعَ نظريَّةٍ مِنْ أسَاسِيَّاتِ الفِكْرِ الصُّوفِيِّ ؛ أرْسَى مَعَالِمَهَا ، وَوَضَعَ حُدُودَهَا ، وَصَاغَهَا : عبد الكَريم الجِيلِي (- 805هـ) ، في كِتَابِهِ: الإنْسَانِ الكَامِلِ في مَعْرفَةِ الأوَاخِرِ وَالأوَائِلِ ، وَتَتَحَدَّثُ عَنْ القُطْبِ الَّذي تَدُورُ عليْهِ أفْلاكُ الوُجودِ مِنْ أوَّلهِ إلى آخِرهِ ، وَتَرَى أنَّهُ أَحَدٌ فَرْدٌ ، مُنْذُ بِدَايَةِ الخَلْقِ حَتَّى الأبَدِ ، وَأنَّهُ يَتَجَلَّى في كُلِّ زَمَانٍ ؛ بِمَا يُنَاسِبُ هَذَا الزَّمَانَ ، وَيَتَسَمَّى بِأسْمَاءَ مُتَنَوِّعَةٍ ، وَأنَّهُ مُحمَّد (ص رَاجِعْ في تَفْصِيْل ذَلكَ- : الإنْسَان الكَامِل في مَعْرفَةِ الأوَاخِرِ وَالأوَائِل – عبد الكريم إبْرَاهيم الجِيلِي- المَكْتبَة التَّوفِيقيَّة- د. ت- ص ص :226-232[ .
(70) الطَّبقات الكُبرَى – سَابق – ص :285.
(71) السَّابق- ص : 283.
(72) السَّابق- ص : 187،: جَوْهَرَةُ الدِّسُوقِي – سابق- ص ص : 74-75.
(73) الطَّبقَات الكُبرَى – ص :288.
(74) السَّابق- الصَّفحة نفسُهَا .



#شريف_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النَّثْرُ الفَنيُّ
- شِعريَّةُ النَّثرشِعْريِّ
- فَضَاءٌ آخَرٌ ، لِشِعْريَّةٍ أُخْرَى
- الشِّعريَّاتُ الأساسيَّةُ في قصيدَةِ النَّثرِ العربيَّةِ
- شِعريَّةُ السِّيرذَاتيِّ في قصيدَةِ النَّثر المِصْريَّة
- شعريَّةُ الغنائيَّةِ الجديدَةِ في قصيدَةِ النَّثرِ المِصْريّ ...
- شِعريَّةُ الغُرفَةِ في قصيدَةِ النَّثر المِصْريَّةِ
- شِعريَّةُ المدينَةِ في قصيدةِ النَّثر المصْريَّةِ
- المفاهيمُ النَّظريَّة للأنواعِ الشِّعريَّة في شِعرِ النَّثرِ
- عَذَابَاتُ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في وَحْشَةِ العَالمِ
- شِعريَّةُ قَصِيدَةِ النَّثرِ
- لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر ا ...
- شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ ...
- تداخُلاتُ الأنواعِ الأدبيَّةِ والفَنيَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ ...
- إِشكاليَّاتُ النَّوعِ الشِّعريِّ في قَصِيدةِ النَّثْر


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - النَّثرُ الصُّوفيُّ الشَّعريُّ