أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - شِعريَّةُ النَّثرشِعْريِّ















المزيد.....



شِعريَّةُ النَّثرشِعْريِّ


شريف رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 01:06
المحور: الادب والفن
    


شِعريَّةُ النَّثرشِعْريِّ

تَدَاخُلاتُ الشِّعرِ وَالنَّثرِ وَتَشَكُّلاتُ النَّصِّ الجَامِعِ


" لَقَدْ آنَ الأوَانُ ، كيْ نُحَطِّمَ الحَوَاجِزَ الشَّكليَّةَ ، نِهَائيًا ، بَيْنَ الشِّعرِ وَالنَّثرِ . "

وَالت وَايتمَان (1816-1892)
عنْ : سُوزان بِرنَار –
قَصِيدَةُ النَّثرِ مِنْ بُودلير إلى أيَّامِنَا – ص: 168 .


" إنَّ الكَلامَ على الكَلامِ صَعْبٌ
فإنَّهُ يَدُورُ عَلى نفسِهِ
وَيَلْتَبِسُ بَعْضُهُ ببَعْضِهِ . "

أبو حَيَّان التَّوحِيدِيِّ
الإمْتَاعُ وَالمُؤانَسَة – الجُزْءُ الثَّاني – ص:131 .

دَأبَتْ الحَيَاةُ الأدَبيَّةُ العَربِيَّةُ على تَقْسِيمِ المُنْتَجُ الأدَبِيُّ إلى قِسْمَينِ أسَاسِيينِ : الشِّعرِ وَالنَّثرِ ، وَمَيَّزَتْ الشِّعرَ - عَنْ النَّثرِ - بِحِدودٍ شَكْليَّةٍ ؛ تَتَعَلَّقُ بِالأوْزَانِ وَالقَوَافِي (1) ، تَرْبِطُهُ بِالصِّورِ وَالأخيلَةِ وَالعَاطِفَةِ (2) ، وَجَعَلُوا لِلشِّعرِ عَمُودًا لا يُقَامُ بِدُونِهِ (3)، وَهَذِهِ الحُدُودُ الصَّارمَةُ جَعَلَتْ البَعْضَ(4)، يُخْرجُ المُتَنَبِّي وَأبَا العَلاءِ المَعَريَّ ، مِنْ دَوْلَةِ الشِّعرِ .
وَقَدْ كَانَ مَفْهُومُ الشِّعرِ حَاسِمًا ، صَارمًا ، هَكَذَا ، لأسَاسَيْنِ رَئيسيْنِ :
- 1- أنَّ هَذِهِ الحُدُودَ كَانَتْ هِيَ الحُدُودُ الأسَاسِيَّةُ لِلشَّكلِ الشِّعريِّ المُنْجَزِ، في عَهْدِ هَذَا التَّقعيْدِ ، وَفيْمَا سَبَقَهُ مِنْ مَوْرُوثٍ شِعريٍّ صُلْبٍ .
-2- نَفْي صِفَةِ الشِّعريَّةِ عَنْ الخِطَابِ القُرْآنِيِّ .
على هَذَا تَمَّ التَّفريْقُ بَيْنَ الشِّعرِ وَالنَّثرِ، كَمَا تَمَّ بَيْنَ القُرْآنِ وَالشِّعرِ ، وَعلى الرَّغمِ مِنْ هَذَا الفَصْلِ لُوحِظَ - بِوضُوحٍ - أنَّ المُمَارَسَةَ النَّظريَّةَ ، ظَلَّتْ تَحُومُ حَوْلَ مَفْهُومِ الشِّعريَّةِ ، في الشِّعرِ وَالنَّثرِ على السَّوَاءِ ؛ مُنْذُ القديْمِ ، وَكَانَ مِنْ أبْرَزِ هَذِهِ المُمَارَسَاتِ أبْحَاثُهُمْ في إعْجَازِ القُرْآنِ ، " وَقَدْ تَشَكَّلَتْ الشِّعريَّةُ العَربيَّةُ - على المُسْتَوَى النَّقدِي - مِنْ خِلالِ الدِّرَاسَاتِ القُرآنيَّةِ ؛ الَّتي سَعَتْ - في المَقَامِ الأوَّلِ - لِتَفْسِيرِ النَّصِّ القُرآنيِّ وَالكَشْفِ عن وُجُوهِ إعْجَازِهِ وَإعْجَازِ لُغَتِهِ ، وَقَدْ كَانَ هَؤلاءِ النُّقادُ وَالبَلاغِيُّونَ أكْثَرَ جُرْأةٍ في بَحْثِهِمْ ؛ إذْ رَأوا أنَّ البَرْهَنَةَ على إعْجَازِ القُرْآنِ تَتَطَلَّبُ العَوْدَةَ إلى النَّصِّ الشِّعريِّ(5) ، وَمِنْ ثَمَّ عُوْلِجَتْ بَعْضُ قَضَايَا الشِّعريَّةِ ، وَقِراءَةُ مَا ليسَ شِعْرًا مِنْ خِلالِ مُعَالَجَةِ حَلِّ المَنْظُومِ وَنَظْمِ المَنْثُورِ ، وَكَانَ عبدُ القَاهرِ الجُرْجَانيُّ أقْرَبَ الَّذينَ بَحَثُوا هَذَا الأمْرَ إلى رُوْحِ الشِّعريَّةِ المُعَاصِرَةِ ؛ الَّتي تَعْنِي التَّحرُّكَ الدَّاخِليَّ في الخِطَابِ اللغَويِّ ، لِلكَشْفِ عَنْ ظَوَاهِرهِ وَمُكَوْنَاتِهِ المُتَرَاكِبَةِ ."(6)
كَمَا أنَّ المُمَارَسَةَ الإبْدَاعيَّةَ ظَلَّتْ تَتَخَطَّى هَذَا الفَصْلَ ، وَتُشَكِّلُ مَعَهَا مَفَاهيْمَ جَديْدَةً ؛ تُقَرِّبُ الشِّعرَ مِنْ النَّثرِ، وَالنَّثرَ مِنْ الشِّعرِ، وَتُزيْحُ الحُدُودَ المَوْضُوعَةَ بيْنَهُمَا ؛عَبْرَ تَجَاربَ امْتَزَجَتْ فيْهَا آليَّاتُ الشِّعرِ وَالنَّثرِ، امْتِزَاجًا كَامِلاً ، تَوَلَّدَتْ عَنْهُ أشْكَالٌ جَامِعَةٌ ، مُتَعَاقبَةٌ ؛ تَمَثَّلَتْ في : النَّثرِ الفَنِّيِّ – النَّثْرِ الصُّوفِيِّ الشِّعريِّ – النَّثرِ الشِّعريِّ – الشِّعرِ المَنْثُورِ – قَصِيدَةِ النَّثرِ .
وَظَلَّتْ هَذِهِ المَفَاهيْمُ تُشَدِّدُ على مَشْرُوعِ النَّصِّ الجَامِعِ ؛ بِتَجَليَّاتِهِ المُخْتَلفَةِ المُتَوَاليَةِ ، وَتُوَسِّعُ مَفْهُومَ الشِّعريَّةِ بِشَكْلٍ دَائمٍ .

شِعْريَّةُ الخِطَابِ في النُّصوصِ الجَامِعَةِ
لَقَدْ تَجَاوَزَتْ آفَاقُ الشِّعريَّةِ شِعْريَّةَ الشِّعرِ ؛ لِتُعَبِّرَ عَنْ شِعريَّةِ الخِطَابِ الأدَبيِّ ، وَأدبيَّةِ الأدَبِ ، وَقدْ كَانَ مُصْطَلَحُ الأدبيَّةِ - في مُنْجَزَاتِ الشَّكلانيينَ- يَعْنِي مَا يَعْنِيْهِ مُصْطَلَحُ الشِّعريَّةِ ، كَمَا كَانَ الانْهِمَامُ في بحُوثِ الشِّعريَّةِ كَامِنًا في بحُوثِ الإعْجَازِ القُرْآنيِّ ، وَبحُوثِ البَلاغَةِ ، وَبحُوثِ الأسْلُوبيَّةِ ، وَبحُوثِ نظريَّةِ الأدَبِ ، وَبحُوثِ عِلْمِ الجَمَالِ ؛ وَبِهَذَا سَاهَمَ في بحُوثِ الشِّعريَّةِ ، وَتَحْديدِ مَلامِحِهَا وَآفَاقِهَا ، وَتَأصِيْلِهَا ، مُتَكلِّمُونَ ، وَبَلاغِيُّونَ ، وَنُقَّادٌ ، وَمُبْدعُونَ .
إنَّ الشِّعريَّةَ خَاصِيَةٌ إبْدَاعيَّةٌ ، لا تَقْتَصِرُ على النَّصِّ الشِّعريِّ وَحْدَهُ ، بَلْ وَلا على النَّصِّ الأدَبيِّ بِشَكلٍ عَامٍّ ؛ بَلْ تَمْتَدُّ لِتَشْمَلَ شِعريَّةَ المُوسِيقا وَشِعريَّةَ الألْوَانِ وَشِعريَّةَ السِّينمَا .
وَقَدْ جَاءَتْ الشِّعريَّةُ - مُنْذُ بِدَايَاتِ النَّظريَّةِ الأدَبيَّةِ - مُحَقِّقَةً مَسْعَى أرسْطُو، في كِتَابِهِ : البويطيقا ، وَهُوَ يَصِفُ الأشْكالَ الأدَبيَّةَ وَيَسْتَكْشِفُ قَوَانيْنَ الأدَبِ فيْهَا ، حِيْنَمَا اهْتَدَى إلى ذَلكَ الاسْمِ اليونانيِّ ؛ ذِي الدَّلالةِ على كيفيَةِ التَّشكِيْلِ وَالصُّنْعِ .
وَلَئِنْ تَبَدَّى الإطَارُ النَّظريُّ لِلشِّعريَّةِ ، مُتَجَسِّدًا في مَشْروعِ تزيفتان تُودوروف ، أوْ رُومان يَاكوبسون ، أوْ سِوَاهُمَا ، فَإنَّ أسَاسًا رَاسِخًا وَزَاخِرًا ، قَدْ تَنَاوَلَ الشِّعريَّةَ ، قَبْلَ أنْ تَأتِي كَعِلْمٍ يَكشْفُ عنْ القَوَانيْنِ الكُليَّةِ لِلأدَبِ - في درُوسِ الألْسُنيَّةِ وَالشَّكليَّةِ وَالبِنيويَّةِ - ، بِالإضَافَةِ إلى مَخْزُونٍ نَقديٍّ عَرَبيٍّ رَاسِخٍ ، وَقَدْ أشَارَ تُودوروف - وَهُوَ يَتَنَاولُ تَاريخيَّةَ الشِّعريَّةِ - إلى تُرَاثِ النَّظريَّةِ الأدَبيَّةِ ، في الكِتَابَاتِ الهِنْدِيَّةِ وَالصِّينيَّةِ وَالعَرَبيَّةِ ، الَّتي أُلِّفتْ عنْ الشِّعرِ، وَتَنَاوَلَتْ القَضَايَا الَّتي يَزْخَرُ بِهَا الأدَبُ وَحْدَهُ ."(7)
وَقَدْ انْشَغَلَ الدَّرسُ النَّقديُّ العَرَبيُّ كثيرًا بِكَيْفيَّةِ تَكْويْنِ الخِطَابِ ، وَدِرَاسَةِ العَنَاصِرِ الدَّاخلَةِ في مُكَوِّناتِهِ ، وَالكَشْفِ عَنْ اسْتِرَاتِيجِيَّتِهِ النَّصيَّةِ ؛ لِتَكويْنِ جَسَدٍ لُغََويٍّ خَاصٍّ ، يَكُونُ تَجَسُّدُهُ الوَظِيفيُّ هُوَ الدَّالُ على إنْجَازِهِ الخَاصِّ ، وَاتَّفَقَتْ مُسَاجَلاتُهُ وَطُرُوحَاتُهُ المَنْهَجيَّةُ على تَقْدِيمِ (اللفْظِ) على (المَعْنَى) ، في الكَشْفِ عنْ شِعريَّةِ النُّصوصِ ، وَالوَاقِعُ أنَّ مَا يَدُلُّ عليْهِ المُصْطَلَحُ أمْرٌ نُصَادِفُهُ في الدِّرَاسَاتِ النَّقديَّةِ القَدِيمَةِ ؛ بَلْ إنَّ المُصْطَلَحَ نَفْسَهُ قَدْ اسْتُخْدِمَ بنَصِّهِ وَبِدَلالتِهِ في بَعْضِهَا ، كَمَا هُوَ الشَّأنُ عندَ حَازم القُرطَاجَنيِّ وَابْنِ رُشْد وَكَذَا ابْنِ سِيْنَا مِنْ قَبْل ..إنَّ الشِّعريَّةَ مُحَصِّلَةٌ لاسْتِخْدَامٍ مُتَمَيِّزٍ في أدَاةِ الشِّعرِ ، وَالحَديْثُ في الشِّعريَّةِ يَعْنِي ، على الجُمْلَةِ ، أنَّ اللغَةَ في الشِّعرِ لا تَتَوقَّفُ عندَ حُدودِ الإفْهَامِ أوْ الإشَارَةِ أوْ الدَّلالَةِ المُعْجَميَّةِ ، بَلْ تَتَعَدَّاهَا لِتَصِلَ إلى الإثَارَةِ وَالتَّأثيْرِ أوْ الانْفِعَالِ بِمُعْطَيَاتِ الشِّعرِ وَالتَّفاعُلِ مَعَهَا ."(8)
كَمَا أنَّ التَّقديْرَ لِلْجَانبِ الشِّعريِّ - الشِّعريَّةِ - في الشِّعرِ- قَديْمٌ ، يَبْدَأُ بِمَا انْتَهَى إليْهِ الجَاحِظُ في القَرْنِ الثَّالثِ في كِتَابَاتِهِ ؛ فَالمُعَوّلُ عليْهِ -عِنْدَهُ - هُوَ اللفظُ لا المَعْنَى ؛ لأنَّ هَذَا الأخِيْرَ يَشْترِكُ في مَعْرفَتِهِ البَدَويُّ وَالقَرَويُّ ، وَالعَرَبيُّ وَالأعْجَمِيُّ ؛ وَلأنَّ المَعْنَى مَبْسُوطٌ إلى غَيْرِ غَايَةٍ ، مُمْتَدٌّ إلى غَيْرِ نِهَايَةٍ"(9)، وَقَدْ حَدَّدَ العَرَبُ أدَبيَّةَ الأدَبِ ، مُعْتَمِديْنَ نَمَطَ الشِّعرِ، في الغَالِبِ، بِخَصَائِص بِنْيتِهِ اللغَويَّةِ"(10) ؛ وَلكنَّهُمْ تَعَمَّقُوا في الشِّعريَّةِ ، بِشَكلٍ عَامٍّ أثنَاءَ ذَلكَ ، وَألَحُّوا جَميْعًا على أنَّ الشِّعريَّةَ تَقَعُ في الشِّعرِ وَتَنْدَسُّ في النَّثرِ ؛ فَتَجْعَل الحُدُودَ الفاصِلَةَ رجْرَاجَةً ، وَتَعْتَصِرُ المَسَافَةَ المُمتدَّةَ بَيْنَ النَّمَطيْنِ ، تَكَادُ تُلْغِيهَا أحْيَانًا ؛ لِذَلكَ نُلاحِظُ أنَّ الحُدودَ بَيْنَ النَّثرِ الفَنِّيِّ وَالشِّعرِ ، في الثَّقافَةِ العَرَبيَّةِ ، وَاقِفََةٌ هُنَاكَ على الشَّفيْرِ الخَطيْرِ، تَكَادُ تُمْحَى وَلا تُمْحَى"(11) ، وَألحُّوا على أنَّ حُدوثَ الشِّعريَّةَ ، يَتَأتَّى نِتَاجًا لِعَمَلٍ لُغَويٍّ خَاصٍّ ، يَرْتَفِعُ بِاللغَةِ مِنَ المُسْتَوَى العَامِّ إلى مُسْتَوَى التَّشكيْلِ الخَاصِّ ؛ المُتَميِّزِ على غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ في الأصْلِ ، وَالتَّصرُّفِ فيْهَا بِالتَّجَوُّزِ وَالعُدُولِ عَنْ النَّمَطِ وَالسَّمتِ ؛ إذْ أنَّ الشِّعرَ في جَوْهَرِهِ صُورَةٌ للغَةِ ، وَتَشْهَدُ نُصُوصُ التُّرَاثِ بِِالجُهْدِ الَّذي بَذَلَهُ النُّقادُ وَالبَلاغيُّونَ وَالمُشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الأدَبِ ؛ لِتَقريْبِ مَفْهُومِ الشَّكلِ وَالهَيْئَةِ في الكَلامِ .. فَقَدْ حَمَلُوا عَمَلَ الشَّاعرِ على عَمَلِ غَيْرِهِ مُنْطَلِقيْنَ مِنْ مُسَلَّمَةٍ مَفَادُهَا أنَّ الشَّاعِرَ صَانعُ كَلامٍ ، وَمُصَوِّرُ أشْكَالٍ ، لا يَخْتَلفُ عَمَلُهُ عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ مِنْ الصُّنَّاعِ ؛ الَّذينَ تَقُومُ صَنَائِعُهُمْ على المَزْجِ وَالتَّركِيْبِ وَالتَّمثِيْلِ بِالتَّصويْرِ"(12) ؛ فَرَأيْنَا الجَاحِظَ (-255هـ) يَقُولُ :
" المَعَانِي مَطْرُوحَةٌ في الطَّريقِ ؛ يَعْرفُهَا العَجَمِيُّ وَالعَرَبيُّ ، وَالبَدَويُّ ، وَالقَرَويُّ ، وَالمَدَنِيُّ ، إنُّمَا الشَّأنُ في إقامَةِ الوَزْنِ ، وَتَخَيُّرِِ اللفظِ ، وَسُهُولَةِ المَخْرَجِ ، وَكَثْرَةِ المَاءِ ، وَفي صِحَّةِ الطَّبعِ ، وَجَوْدَةِ السَّبكِ ؛ فإنَّمَا الشِّعرُ صِنَاعَةٌ ، وَضَرْبٌ مِنَ النَّسجِ ، وَجِنْسٌ مِنْ التَّصويرِ."(13)
وَعَبَّرَ أبُو هِلالٍ العَسْكَريُّ(-395هـ) عَنْ هَذَا الرَّأي ، بِالألفَاظِ ذَاتِهَا ، وَزَادَ عَليْهَا ، حِيْنَمَا قَالَ :
".. وَلَيْسَ الشَّأنُ في إيْرَادِ المَعَانِي ؛ لأنَّ المَعَانِي يَعْرفُهَا العَربِِيُّ ، وَالعَجَمِيُّ ، وَالقَرَويُّ، وَالبَدَويُّ . إنَّمَا هُوَ في جَوْدَة اللفظِ وَصَفَائِهِ ، وَحُسْنِهِ ، وَبَهَائِهِ ، وَنَزَاهَتِهِ ، وَنَقَائِهِ ، وَكَثْرَةِ طَلاوتِهِ وَمَائِهِ ، مَعَ صِحَّةِ السَّبكِ وَالتَّركِيْبِ وَالخُلوِّ مِنْ أوَدِ النَّظمِ وَالتَّأليْفِ ."(14)
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إليْهِ أيْضًا ابنُ رَشِيقِ (-463هـ) ، في : العُمْدَةِ ، حِيْنَ قَالَ :
" أكْثَرُ النَّاسِ على تَفْضِيْلِ اللفْظِ على المَعْنَى ، سَمِعْتُ بَعْضَ الحُذَّاقِ يقولُ : قَالَ العُلَمَاءُ : اللفْظُ أغْلَى مِنْ المَعْنَى ثَمَنًا ، وَأعْظَمُ قِيْمةً ، وَأعَزُّ مَطْلَبًا ؛ فَإنَّ المَعَانِي مَوْجُودَةٌ في طِبَاعِ النَّاسِ ؛ يَسْتَوي الجَاهِلُ فيْهَا وَالحَاذِقُ ، وَلكِنَّ العَمَلَ على جَوْدَةِ الألفَاظِ ، وَحُسْنِ السَّبكِ ، وَصِحَّةِ التَّأليْفِ .."(15)
أمَّا عبد القََاهِرِ الجُرْجَانِي (-471هـ) فَقَدْ خَرَجَ على ثُنَائيَّةِ اللفْظِ وَالمَعْنَى ؛ الَّتي شَغَلَتْ الفِكْرَ النَّقديَّ العَرَبِيَّ طَويْلاً ؛ مُنْذُ أنْ اسْتَهَلَّهَا بِشْرُ بنُ المُعْتَمِر (-210هـ)، في صَحِيْفَتِهِ الَّتي نَقَلَهَا الجَاحِظُ في: البَيَانِ وَالتَّبييْنِ ، وَتَأثَّرَ بِهَا ، جَاءَ الجُرْجَانِيُّ فَرَهَنَ شِعريَّةَ الخِطَابِ بِطريْقَةِ نَظْمِهِ ؛ حَيْثُ رَكَّزَ على دَورِ التَّراكِيْبِ النَّحويَّةِ وَالعِلاقَاتِ التَّركِيبيَّةِ وَالتَّنظِيميَّةِ للغَةِ ، في إنْتَاجِ شِعريَّةِ النَّصِّ ، وَانْتَهَى إلى نَتِيْجَةٍ مَفَادُهَا أنَّكَ لَنْ " تَرَى كَلامًا قَدْ وُصِفَ بِصِحَّةِ نَظْمٍ أوْ فَسَادِهِ ، أوْ وُصِفَ بِمَزِيَّةٍ وَفَضْلٍ فيْهِ ، إلاَّ وَأنْتَ وَجَدْتَهُ يَدْخُلُ في أصْلٍ مِنْ أصُولِهِ ، وَيَتَّصِلُ بِبَابٍ مِنْ أبْوَابِهِ."(16)
فَشِعْريَّةُ النَّصِّ ، في رَأيْهِ ، تَتَعَلَّقُ بِطَريْقَةِ نَظْمِهِ ، وَالمَجَازُ يَخْضَعُ لأنْظِمَةِ النَّحوِ وَعِلاقَاتِهِ التَّركِيبيَّةِ ، وِفْقًا لِرؤيَةٍ خَاصةٍ تَقُومُ بِإنْتَاجِ دَلالاتٍ جَديدَةٍ ، عَبْرَ بِنْيَةٍ تَرْكِيبيَّةٍ خَاصةٍ .(17)
وَكَانَ لِلْفَلاسِفَةِ المُسْلِميْنَ إسْهَامُهُمْ الوَاضِحِ في التَّركِيْزِ على شِعْريَّةِ الخِطَابِ ، فَأكَّدَ ابْنُ رُشْدِ(-595هـ)على أنَّ القَولَ لا يَكونُ لَهُ فِعْلُ الشِّعْرِ، إلاَّ بِتَوخِّي التَّغييْرِ في تَصْريفِ اللغَةِ وَبِنَائِهَا ، وَهُوَ مَا جَمَعَهُ في مُصْطَلَحِ المَجَازِ :
" وَالقَوْلُ إنَّمَا يَكونُ مُخْتَلِفًا ؛ أي مُغَيَّرًا عَنْ القَوْلِ الحَقيقِيِّ ، مِنْ حَيْثُ تُوْضَعُ فيْهِ الأسْمَاءُ مُتَوَافِقَةً في المُوَازَنَةِ وَالمِقْدَارِ وَبالأسْمَاءِ الغَريْبَةِ ، وَبِغَيْرِ ذَلكَ مِنْ أنْوَاعِ التَّغييْرِ.. وَبِالجُمْلَةِ ، بِجَمِيْعِ الأنْوَاعِ الَّتي تُسَمَّى عِنْدَنَا مَجَازًا."(18)
كَمَا أكَّدَ الفَارَابي (- 335هـ) على دَورِ التَّصرُّف في المُوَاضَعَاتِ ، في إنْتَاجِ الشِّعريَّةِ بِقَوْلِهِ :
" فَإذَا اسْتَقَرَّتْ الألفَاظُ على المَعَانِي ؛ الَّتي جُعِلَتْ عَلامَاتٍ لَهَا ، فَصَارَ وَاحِدٌ وَاحِدٌ لِوَاحِدٍ وَاحِدٍ ، وَكثيْرُ لِوَاحِدٍ ، أوْ وَاحِدٌ لِكَثيْرٍ ، وَصَارَتْ رَاتبَةً على الَّتي جُعِلَتْ دَالةً على ذَوَاتِهَا ، صَارَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلكَ إلى النَّسخِ وَالتَّجوزِ في العِبَارَةِ بِالألفَاظِ ، فَعُبِّرَ بِِالمَعْنَى بِغَيْرِ اسْمِهِ الَّذي جُعِلَ لَهُ أوَّلاً ، وَجُعِلَ الاسْمُ الَّذي كَانَ لِمَعْنَى مَا رَاتِبًا لَهُ دَالاً على ذَاتِهِ ، عِبَارَةً عَنْ شَيءٍ آخَرٍ مَتَى كَانَ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ وَلَوْ كَانَ يَسِيْرًا ، إمَّا لَِشبَهٍ بَعيْدٍ ، وَإمَّا لِغَيْرِ ذَلكَ ، مِنْ غَيْرِ أنْ يُجْعَلَ ذَلكَ رَاتبًا لِلثَّانِي دَالاً على ذَاتِهِ ، فَيَحْدُثُ حِيْنَئذٍ الاسْتِعَارَاتُ وَالمَجَازَاتُ وَالتَّجرُّدُ بِلَفْظِ مَعْنَى مَا عَنْ التَّصريْحِ بِلَفْظِ المَعْنَى الَّذي يَتْلُوهُ ، مَتَى كَانَ الثَّانِي يُفْهَمُ مِنْ الأوَّل ، وَبِألفَاظِ مَعَانٍ كثيْرَةٍ يُصَرَّحُ بِألفَاظِهَا عنْ التَّصريْحِ بِألفَاظِ مَعَانٍ أُخَرٍ، إذَا كَانَ سَبيْلُهَا أنْ يقرنَ بِالمَعَاني الأُوَلِ مَتَى كَانَتْ تُفْهَمُ الأخيْرَةُ مَعَ فَهْمِ الأوْلَى ، وَالتَّوسُّع في العِبَارَةِ بِتَكثيْرِ الألفََاظِ ، وَتبْديْلِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ وَتَرْتِيْبِهَا وَتَحْسِيْنِهَا ؛ فيبتدِئُ حِيْنَ ذَاكَ في أنْ تَحْدُثَ الخطبيَّةُ أوَّلاً ثُمَّ الشِّعريَّةُ قليْلاً قليْلاً .."(19)
وَيَكْشِفُ لَنَا هَذَا الحِرَاكُ النَّقديُّ ، في المَشْهَدِ العَرَبيِّ ، أنَّ :
- البَحْثَ في قَضَايَا الشِّعريَّةِ ، بَدَأَ مَعَ بِدَايَةِ البَحْثِ في قَضيَّةِ إعْجَازِ القُرآنِ ، ثمَّ انْتَقَلَ إلى البَحْثِ في شِعريَّةِ الشِّعرِ ، ثمَّ شِعريَّةِ الخِطَابِ الأدَبيِّ عَامَّةً .
- مَوْقِفَ الجَاحِظِ القائمِ على تَفْضيْلِ الصِّيَاغَةِ على المَعْنَى ، كَانَ مَرْكزيًّا في هَذَا المَشْهَدِ ، وَكَانَ بِدَايةً لِطَريْقٍ ، سَلَكَهَا مُعْظَمُ مَنْ أتَوَا بَعْدَهُ .
- الفَلاسِفَةَ المُسِلميْنَ انْطَلَقُوا مِنْ مَفَاهيْمِ الشِّعريَّةِ عندَ أرسْطو ، وَحَاوَلُوا بِهَا اسْتِقرَاءَ المَشْهَدِ الأدَبِيِّ العَربِيِّ ، وَهُوَ ما كَشَفَ عَنْ رُؤى مُخْتَلِفَةٍ بَعْضَ الشَّيءِ ، تَنْتَمِي إلى مَنْظُورٍ يُونَانِيٍّ لِلشِّعريِّةِ العَربِيَّةِ .

شِعْريَّةُ المَنْظُومِ وَالمَنْثُور في الخِطَابِ النَّقديِّ القَدِيْمِ
تَوَقَّفَ نُقَّادُنَا القُدَامَى طويْلاً أمَامَ شِعريَّةِ المَوْزونِ وَالمَنْثُورِ ، وَشَدَّدوا على القَوانِيْنِ وَالآليَّاتِ المُشْتَرَكَةِ لإنْتَاجِ الشِّعريَّةِ في كِلَيْهِمَا ؛ بِحَيْثُ أنَّ الشِّعريَّةَ أصْبَحَتْ جِنْسًا يَشْتَمِلُ على المَنْثُورِ وَالمَوْزُونِ ، وَيَضْطَلعُ الوَزْنُ بِالدَّورِ التَّمييزيِّ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ ؛ غَيْرَ أنَّهُمْ مَاحَلُّوا في فَضاءِ الشِّعرِ إلاَّ اسْتَغْرَقُوا في قَضَايَا الشِّعريَّةِ ؛ الَّتي تَتَخَطَّى حُدودَ النَّصِّ إلى شِعريَّةِ النَّصِّ ، في صورِهِ المُتَعدِّدَةِ .
وَقَدْ قَرَنُوا شِعْريَّةَ القَصِيدِ وِشِعْريَّةِ النَّثرِ ، وَشَدَّدوا على القِيَمِ الشِّعريَّةِ المُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا ، يَتَبَدَّى هَذَا لَدَى ابْنِ طباطبا العَلويِّ(-322هـ) ؛ الَّذي رَأى أنَّ " الشِّعرَ رَسَائلُ مَعْقُودَةٌ ، وَالرَّسَائلَ شِعْرٌ مَحْلُولٌ ، وَإذَا فَتَّشْتَ أشْعَارَ الشُّعراءِ كُلِّهَا وَجَدْتَهَا مُتَنَاسِبَةً ؛ إمَّا تَنَاسُبًا قَريْبًا أوْ بَعيْدًا ، وَتَجدَهَا مُنَاسِبَةً لِكلامِ الخُطبَاءِ ، وَخُطَبِ البَلغَاءِ ، وَفِقَرِ الحُكَمَاءِ"(20) ، وَمِنْهُمْ كَذَلكَ ابْنُ خلدون (- 808هـ) ؛ الَّذي بَيَّنَ أنَّ العَرَبَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا أسَاليْبَ الشَِّعرِ وَمَوَازيْنَهُ في المَنْثُورِ ؛ مِنْ كَثْرَةِ الأسْجَاعِ وَالتِزَامِ التَّقفِيَةِ وَتَقديْمِ النَّسيْبِ بَيْنَ الأغْرَاضِ ، وَصَارَ هَذَا المَنْثُورُ، إذَا تَأمَّلتَهُ ، مِنْ بَابِ الشِّعرِ وَفَنِّهِ ، وَلَمْ يَفْتَرقَا إلاَّ في الوَزْنِ .. وَهَذَا الفَنُّ المَنْثُورُ المُقَفَّى ، أدْخَلَ المُتَأخِّرونَ فيْهِ أسَاليْبَ الشِّعرِ"(21) ، وَمِنْهُمْ كَذَلكَ السِّيوطِيُّ (-611هـ) ؛ الَّذي لاحَظَ أنَّهُ إذَا قَوِىَ الانْسِجَامُ في النَّثرِ، جَاءَتْ قِرَاءَتُهُ مَوْزُونَةً بِلا قَصْدٍ ؛ لِقُوَّةِ انْسِجَامِهِ (22) ، وَمِنْهُمْ كَذلكَ أبُو حَيَّان التَّوحيدِيُّ (-403هـ) ؛ الَّذي رَأى أنَّ " في النَّثرِ ظِلٌّ من النَّظمِ ، وَلوَلا ذَلكَ مَا خَفَّ وَلا حَلا وَلا طَابَ وَلا تَحَلَّى ، وَفي النَّظمِ ظِلٌّ مِنْ النَّثرِ ، وَلولا ذَلكَ ما تمَيَّزَتْ أشْكَالُهُ ، وَلا عَذُبَتْ مَواردُهُ وَمَصَادرُهُ ، وَلا بحُورُهُ وَطَرَائِقُهُ ، وَائْتَلَفَتْ وَصَائلُهُ وَعَلائِقُهُ"(23).
وَتَأكيدًا على أنَّ الشِّعريَّةَ لا تَقْتَصِرُ على المَوْزُونِ ؛ بَلْ لا تَرْتَبِطُ بِأصول شِعريَّتِهِ ، أوْضَحَ عبدُ القَاهر الجُرجانيُّ أنَّ :" الوَزْنَ ليْسَ مِنْ الفَصاحَةِ وَالبلاغَةِ في شيءٍ ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ مَدْخَلٌ فيْهِمَا لَكَانَ يَجِبُ في كُلِّ قَصيدَتيْنِ اتَّفَقَتا في الوَزْنِ أنْ تَتَّفقَا في الفصاحةِ وَالبَلاغَةِ ."(24)
فَالشِّعريَّةُ ، عِنْدَهُمْ ، تُوجَدُ في المَوْزُونِ كَمَا تُوجَدُ في المَنثورِ، على السَّوَاءِ ، وَتََتَدَاخَلُ آليَّاتُ النَّوعيْنِ ، تَدَاخُلاتٍ تَتَخَطَّى الحُدودَ المَوْضُوعَةَ على الدَّوامِ .

الشِّعريَّةُ في الخِطَابِ النَّقديِّ المُعَاصِرِ
تَتَّخذُ الشِّعريَّةُ في الخِطَابِ النَّقديِّ المُعَاصِرِ دلالَتيْنِ مُخْتَلِفَتيْنِ ؛ فَمَرَّةً تَأتِي صِفَةً لِلخِطَابِ ، وَمَرَّةً تَأتِي عِلمًا لِنَظريَّةِ الخِطَابِ .

-1-
الشِّعريَّةُ بِوَصْفِهَا خَصِيْصَةً لِلْعَمَلِ الأدَبِيِّ
تَأتِي الشِّعريَّةُ هُنَا مُحَصِّلةً لاسْتِخدَامٍ أنْقى لِلغَةِ ، وَتَجَاوُزِ أنْمَاطِهَا السَّائدَةِ ، وَإبْدَاعًا لِخِطابٍ أدَبيٍّ خَاصٍّ ، تبدو الوَظيفَةُ الإبْدَاعيَّةُ لِلغَةِ فيْهِ مُهَيْمِنَةً على شَتَّى الوَظائِفِ الأخْرَى ، وَقَدْ رَأى يَاكوبسون أنَّ الشِّعريَّةَ هِيَ التَّحقُّقُ الكامِلُ لِلوَظيفَةِ الإبْدَاعيَّةِ للغَةِ ، وَأنَّ التَّركيْزَ على المُرْسَلَةِ " لِحِسَابِهَا الخَاصِّ هُوَ مَا يَطْبَعُ الوَظيْفَةَ الشِّعريَّةَ للغةِ "(25) ، وَأكَّدَ تُودوروف أنَّ" اسْتِقلاليَّةَ الشِّعريَّةِ رَهِينَةٌ بِقيَامِ الأدَبِ بذَاتِهِ "(26) ، وَبَيَّنَ يَاكوبسون أنَّ "الوَظيفَةَ الشِّعريَّةَ " للغَةِ هِيَ مَوْضُوعُ الشِّعريَّةِ ، وَأنَّهَا لا تَقْتَصِرُ على الشِّعرِ وَحْدَهُ (27) ، وَتَسَاءَلَ : ".. كَيْفَ تَتَجَلَّى هَذِهِ الشِّعريَّةُ ؟ ، إنَّهَا تَتَجَلَّى في إدْرَاكِ الكَلِمَةِ كَكَلِمَةٍ ، وَنَحْوِهَا ، وَمَعْنَاهَا ، وَشَكْلِهَا الخارجيِّ لَيْسَتْ كعَلامَاتٍ لامُبَاليَةً لِلوَاقِعِ ؛ بَلْ عَلامَاتٍ تَمْتَلكُ وَزْنَهَا الخَاصَّ وَقِيمَتَهَا الذَّاتيَّةَ "(28)، أمَّا تُودوروف فَقَدْ رَأى أنَّ " اسْمَ الشِّعريَّةِ سَيَنْطَبِقُ على كُلِّ مَا لَهُ صِلَةٌ بِإبْدَاعِ كُتُبٍ أوْ تَأليْفِهَا ؛ حَيْثُ تَكونُ اللغَةُ في آنٍ وَاحِدٍ الجَوْهَرَ وَالوَسِيْلَةَ ، لا بِالعَوْدَةِ إلى المَعْنَى الضَّيْقِ ؛ الَّذي يَعْنِي مَجْمُوعَةً مِنْ القَوَاعِدِ ، أوْ المَبَادِئِ الجَمَاليَّةِ ، ذَاتِ الصِّلَةِ بِالشِّعرِ ، وَسَتَتَعَلَّقُ كَلِمَةُ شِعْريَّةٍ في هَذَا النَّصِّ بِالأدَبِ كُلِّهِ سَوَاء أكَانَ مَنْظَومًا أمْ لا ؛ بَلْ قَدْ تَكَادُ تَكونُ مُتَعلِّقَةً على الخُصوصِ بِأعْمَالٍ نَثريَّةٍ ."(29)
إنَّ التَّركيْزَ على إبْدَاعيَّةِ الأدَاءِ اللغَويِّ ، هُوَ مَا يَصْنَعُ شِعريَّةَ الخِطَابِ الأدَبيِّ ، وَيُحَقِّقُ فُرَادَتَهُ النَّوعيَّةَ ، وَلَيْسَتْ الشِّعريَّةُ ، إذَنْ ، مَحْصُورَةً في بِنيَةِ الشِّعرِ ، وَإنَّمَا هِيَ خصيْصَةٌ إبْدَاعيَّةٌ تَتَعلَّقُ بِأدَبيَّةِ الأدَبِ ، وَ" الوَظيْفَةُ الشِّعريَّةُ " تُوجَدُ في النَّثرِ الفَنِّيِّ ، كَمَا تُوجَدُ في النَّثرِ الصُّوفيِّ الشِّعريِّ ، كَمَا تُوجَدُ في النَّثرِ الشِّعريِّ ، كَمَا تُوجَدُ في الشِّعرِ المَنْثُورِ، كَمَا تُوجَدُ في الشِّعرِ الحُرِّ ، كَمَا تُوجَدُ في قَصيدَةِ النَّثرِ .

-2-
الشِّعريَّةُ بِاعْتِبَارهَا نَظريَّةً لِلْخِطابِ الأدَبيِّ
تَشَكَّلتْ الشِّعريَّةُ كَعٍلْمٍ يَبْحَثُ في أدَبيَّةِ الخِطَابِ الأدَبيِّ ؛ لِلكَشْفِ عَنْ اسْتِرَاتِيجيَّاتِ البِنْيَةِ النَّصيَّةِ الكُلِّيَّةِ ؛ الَّتي تَتَمَظْهَرُ في هَذَا الخِطَابِ ، وَهِيَ - كَعِلمٍ لِلْبنيَةِ الأدَبيَّةِ الشَّامِلَةِ - تَتَعَامَلُ مَعَ النَّصِّ الأدَبيِّ المُبْدَعِ لا كَنَصٍّ فَرْديٍّ، تَتَجَسَّدُ فيْهِ الخَصائصُ النَّوعيَّةُ الفَرْديَّةُ ؛ بَلْ تَسْتَكْشِفُ فيْهِ أبْعَادَ النَّسَقِ الكُلِّيِّ ؛ الَّذي يُجَسِّدُهُ هَذَا العَمَلُ ، دُونَ إهْمَالِ اسْتِرَتِيجيَّاتِهِ الشِّعريَّةِ الخَاصَّةِ .
وَقَدْ جَعَلتْ الشِّعريَّةُ عَملَها الأساسِيَّ ، هُوَ" مَعْرفَةُ القَوَانيْنِ العَامةِ الَّتي تُنَظِّمُ وِلادَةَ كُلِّ عَمَلٍ ؛ وَلكنَّهَا بِخِلافِ هَذِهِ العُلومِ ؛ الَّتي هِيَ عِلْمُ النَّفسِ وَعِلْمُ الاجْتِمَاعِ .. إلخ ، تَبْحَثُ عَنْ هَذِهِ القَوانِيْنِ دَاخل الأدب ذاته ؛ فالشِّعريَّةُ إذَنْ مُقََارَبَةٌ للأدَبِ " مُجَرَّدَةٌ " وَ" بَاطِنيَّةٌ " في الآنِ ذَاتِهِ . لَيْسَ العَمَلُ الأدَبيُّ في حَدِّ ذَاتِهِ هُوَ مَوْضُوعُ الشِّعريَّةِ ؛ فَمَا تَسْتَنْطِقُهُ هُوَ خَصَائصُ هَذَا الخِطابِ النَّوعيِّ ؛ الَّذي هُوَ الخِطَابُ الأدَبيُّ ، وَكُلُّ عَمَلٍ عِندئذٍ لا يُعْتَبَرُ إلاَّ تَجَلِّيَّا لِبِنْيَةٍ مُحَدَّدةٍ وَعَامةٍ ، لَيْس العَمَلُ إلاَّ إنْجَازًا مِنْ إنْجَازَاتِهَا المُمْكِنَةِ ، وَلِكُلِّ ذَلكَ فإنَّ هَذَا العِلمَ لايُعْنَى بِالأدَبِ الحَقيقيِّ بَلْ بِالأدَبِ المُمْكِنِ ، وَبِعبَارَةٍ أخْرَى : يُعْنَى بِتِلكَ الخَصَائصِ المُجَرَّدَةِ ؛ الَّتي تَصْنَعُ فَرَادَةَ الحَدَثِ الأدَبيِّ ؛ أيْ : الأدَبيَّةَِّ."(30)
إن مَفْهُومَ الشِّعريَّةِ يَتَخَطَّى حُدودَ النَّصِّ الشِّعريِّ ، إلى شَتَّى النُّصوصِ الإبْدَاعيَّةِ ؛ الَّتي تُهَيمِنُ فيْهَا الوَظيْفَةُ الشِّعريَّةُ لِلغَةِ على غَيْرِهَا مِنْ الوَظائِفِ ، في تَشْكِيْلِ بِنْيَةِ الخِطَابِ ، تَشْكيْلاً حَدَاثيًّا ؛ يَجْذبُ الانْتِبَاهَ إلى هَذِهِ البِنْيَةِ ذَاتِهَا ؛"بِوَصْفِهَا صُنعًا مُتَميِّزًا في اللغَةِ وَبِاللغَةِ ، وَتَشُدُّنَا إلى عِلاقَاتِهَا الدّلاليَّة نَفْسِهَا ، قَبْلَ أنْ تَشُدَّنَا إلى شَيءٍ آخَرٍ قَبْلَهَا أوْ بَعْدَهَا"(31) . تُصْبِحُ هَذِهِ البِنْيَةُ فَضَاءً تُهَيْمِنُ فيْهِ الرِّسَالةُ الجَمَاليَّةُ ،" كَأنْ لَيْسَ لَهَا هَاجِسٌ سِوَى وُجُودِهَا الذَّاتِيِّ ؛ المُنْفَصِلِ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ ، وَكَأنَّ كُلَّ شَيءٍ فيْهَا لا يَفْعَلُ شَيْئًا ، سِوَى أنْ يُلْفِتَنَا إلى نَفْسِهِ.. التَّركيْزُ على الكَامِنِ في ذَاتِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَتْ كَائِنَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ ، تلْفِتُنَا إلى دَالِهَا أكْثَرَ مِنْ مَدْلُولِهَا.. كَأنَّهَا تَخْلِقُ أُسْطورَةً خَاصَّةً بِهَا.. يَبْدُو النَّصُّ نَفْسُهُ كَأنَّهُ بِنْيَةٌ مُنْغَلِقَةٌ على ذَاتِهَا ؛ تَقْتَرنُ "الشِّعريَّةُ" فيْهَا بِدَلالةٍ ذَاتيَّةٍ ، مَوْضُوعُهَا هُوَ مَبْنَاهَا ، وَمَبْنَاهَا هُوَ عِلاقَاتُهَا الَّتي لا تَشِفُّ عَنْ غَيْرِهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ المَرْءُ يُركِّزُ على زُجَاجِ النَّافذَةِ نَفْسِهِ ، وَلَيْسَ على مَا يَقَعُ وَرَاءَهُ."(32)
وَإذَا كَانَتْ الشِّعريَّةُ تُوجَدُ في نُصوصٍ شِعريَّةٍ ، كَمَا تُوجَدُ في نُصوصٍ نَثْريَّةٍ ، فَإنَّهَا كَذَلكَ تُوجَدُ في نُصوصٍ نَثْرِشِعْريَّةٍ ، وَنُصُوصٍ شِعْرنَثْريَّةٍ ، جَامِعَةٍ ؛ تَتَخَطَّى شِعْريَّاتُهَا حُدودَ الشِّعْرِ وَحُدودَ النَّثْرِ ، وَتُؤسِّسُ خِطَابَاتِهَا الأجْنَاسِيَّةَ الجَديدَةَ ، على الأعْرَافِ بَيْنَ المَنْطِقَتيْنِ المُحَدِّدتيْنِ ؛ جَامِعَةً آليَّاتِهَا مِنْهُمَا مَعًا، في خِطَابٍ جديدٍ .


الإحَالاتُ وَالتَّعليقَاتُ

(1) ابن طباطبا العَلَويّ- عِِيَارُ الشِّعرِ – تحقيق: طَه الحَاجريّ ، ومحمَّد زَغْلول سَلاَّم – المَكْتَبَةُ التّجاريَّة – القَاهِرَة – 1965- ص: 3 ، وَ: قُدَامَة بنُ جَعْفَر– نَقْدُ الشِّعرِ – تَحْقِيْق- : محمَّد عبد المُنعم خَفَاجِي – مَكتبَةُ الكُلِّيَّاتِ الأزْهريَّة – الطَّبعَة الأوْلَى-1978- ص:64 ، أبُو يَعْقُوب يُوسُف السَّكاكي – مِفْتَاحُ العُلوم – مَطْبَعَة البَابِي الحَلَبِي – القَاهِرَة – الطَّبعَة الثَّانيَة -1990- ص:181 .
(2) الجَاحِظ – الحَيَوَان – الجُزْءُ الثَّالثُ – تَحقيْق : عبد السَّلام هَارُون – مَطْبَعَة البَابِي الحَلَبِي – القَاهِرَة -1948- ص:132،: ابنُ رَشِيْق القَيْرَوانِيّ – العُمْدَةُ : في مَحَاسِنِ الشِّعرِ وَآدَابِهِ – الجُزْءُ الأوَّلُ- نَشْر: محمَّد مُحْيي الدِّين عبد الحَمِيْد – المَكْتَبَةُ التّجَاريَّةُ الكُبْرَى ، مَطْبَعَةُ الاسْتِقَامَةِ – القَاهِرَة -1955– ص:99 ،: حَازِم القُرْطَاجَنِّي – مِنْهَاجُ البُلَغَاءِ وَسِرَاجُ الأدَبَاءِ – تَحْقِيْق: محمَّد الحَبِيْب بنُ خُوجة – دَار الكُتُبِ الشَّرقيَّة ؛ تُوْنِِس – 1966- ص:71، 89 ،: محمَّد بنُ وَهْب – البُرْهَانُ في وُجُوهِ البَيَانِ – تَحْقيْق: د . حِفْنِي شَرَف- مَكْتَبَة الشَّبَاب -1969- ص:130 .
(3) المَرْزُوقِي ، في شَرْحِهِ دِيْوَان الحَمَاسَة ، لأبِي تَمَّام – نَشْر : أحْمَد أمِيْن وَعَبْد السَّلام هَارُون -1951- ص:9 .
(4) عبد الرَّحمن بنُ خلدون- مُقدِّمَة ابنِ خلدون – الجُزْءُ الثَّانِي - دَار إحْيَاء التُّرَاث العَرَبِي- الطَّبعَة الأوْلى - بيروت -1999- ص:573 .
(5) رَاجِعْ – على سَبيْلِ المِثَالِ- : دَلائِل الإعْجَاز ، لِعَبْدِ القَاهِرِ الجُرجَانِي ، طَبْعَة الخَانجِي ، بِالقَاهِرَة ،1992 ص:55 ، : إعْجَاز القُرَآن ، لِلبَاقِلاَّنِي ، دَار المَعَارف ، بِالقَاهِرَة -1963، : كِتَاب الصِّنَاعَتيْنِ ، لأبِي هِلالٍ العَسْكَريِّ ، المَكْتَبَة العَصْريَّة ، ببيروت - 1986 .
(6) محمود الضَّبع – الرِّوَايَة الجَديدَة : قِرَاءَةُ المَشْهَدِ العَرَبيِّ المُعَاصِرِ– المَجْلس الأعْلَى للثَّقافَة – القَاهِرَة -2010- ص:163 .
(7) تزفيتان تُودوروف – الشِّعريَّة – تَرْجَمَة : شُكري المَنْجُوت ، وَرَجَاء بن لامَة – دَار تُوبقال – الدَّار البَيْضَاء – الطَّبعَة الأوْلى-1987- ص: 13 .
(8) قاسِم المُومَنِي – الشِّعريَّة في الشِّعر– مجلَّة:(فُصُول)- المُجلَّد السَّابِع – العَدَد الثَّالث وَالرَّابِع -1987- ص:70 .
(9) السَّابق- ص:70 .
(10) د. عبد القَادر المِهْيري ، د. حَمَّادِي صمُّود ، د. عبدالسَّلام المَسَدِّي – النَّظريَّة اللسَانيَّة وَالشِّعريَّة في التُّرَاثِ العَرَبيِّ مِنْ خِلالِ النُّصوصِ – الدَّار التُّونسِيَّة للنَّشر-1988- ص:45 .
(11) محمَّد لُطفي اليُوسِفيِّ- أسْئلَةُ الشِّعرِ، وَمُغَالَطَاتُ الحََدََاثَة – مجلَّة:(نِِزْوََى)- العَدَد الخَامِس – يناير1996– ص:71 .
(12) د. عبد القَادر المِهْيري ، وَآخَرونَ – سَابق – ص ص:45-46 .
(13) الجَاحِظُ - الحَيَوان – تَحْقِيْق: عبد السَّلام محمَّد هَارُون – الجُزءُ الثَّالث – القَاهِرَة -1965- ص:131 .
(14) عَنْ :عبد القَادر القِطّ – مَفْهُوم الشِّعر عندَ العَرَب – تَرْجَمَة : د . عبد الحَميد القِطّ - دَار المَعَارف بِمِصْر-1982 – ص:42 .
(15) السَّابق – ص ص : 169-170.
(16) الإمَام عبد القَاهِر الجُرجَاني- دَلائِل الإعْجَاز- عَلَّق عليْهِ : السَّيد محمَّد رَشِيد رِضَا- دَار المَعْرفَة – بيروت – الطَّبعة الأوْلى-1994- ص ص:70-71 .
(17) يجبُ الإشَارَة إلى أنَّ نَظريَّةَ النَّظمِ قَدْ جَاءَتْ تَلْخِيْصًا لِعَصْرٍ مِنْ النِّقَاشِ المُتَوَاصِلِ ، وَتَتويجًا لِجُهُودٍ مُكَثَّفَةٍ تَجَاوَزَتْ القَرْنيْنِ وَنِصْف ؛ سَاهَمَ فيْهَا بَلاغِيُّونَ وَمُتَكلِّمُونَ وَنُقَّادٌ ، كَانَ مِنْهُم : الخَطابيُّ (-388هـ)؛ الَّذى بَيَّن أنَّ القُرآنَ صَارَ مُعْجِزًا ؛ لأنَّهُ جَاء بِأفْصَحِ الألفَاظِ ، في أحْسَنِ نظومِ التَّأليْفِ ، كَمَا شَدَّدَ على أهميَّةِ النَّظمِ بِاعْتبَارِهِ لِجَامَ الألفَاظِ وَزِمَامَ المَعَانِي ، وَبِهِ تَنْتَظِمُ أجْزَاءُ الكَلامِ ، وَيَلْتَئِمُ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ ؛ فَتَقُومُ لَهُ صُورَةٌ في النَّفسِ ، يَتَشَكَّلُ بِهَا البَيَان. : ثَلاثُ رَسَائِلَ في إعْجَازِ القُرَآن – حَقَّقَهَا وَعَلَّقَ عَلَيْهَا : محمَّد خَلف الله ، د. محمَّد زغلول سَلاَّم – دَار المَعَارف – الطَّبعَة الثَّالثة -1976– ص:33 .
وَكَانَ مِنْهُمْ ، أيْضًا ، الرُّمَّاني(-384هـ)؛ الَّذي أكَّدَ على دَورِ النَّظمِ وَالتَّأليْفِ بَيْنَ عَنَاصِرِ الكَلامِ ؛ حَيْثُ رَأى أنَّ " دَلالَة الأسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مُتَنَاهِيَةٌ ، فَأمَّا دَلالَةُ التَّأليفِ فَلَيْسَ لَهَا نِهَايةٌ ؛ وَلِهَذَا صَارَ التَّحدِّي فيْهَا بِالمُعَارَضةِ ؛ لِتَظْهَرَ المُعْجِزَةُ ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ انْتَهَى تَألِيْفُ الشِّعرِ، حَتَّى لا يُمَكِّنَ أحَدًا أنْ يِأتِيَ بِقَصيدَةٍ إلاَّ وَقَدْ قِيْلَ ، لَكَانَ بَاطِلاً ؛ لأنَّ دَلالةَ التَّأليْفِ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ يُوْقَفُ عِنْدَهَا ، لا يُمْكِنُ أنْ يُزَادَ عَلَيْهَا" : السَّابق – ص :107 .
وَقَدْ جَاءَ القاضِي عبدُ الجَبَّار(-415هـ) ؛ لِيَخْطُوَ خُطواتٍ وَاسِعَةً صَوْبَ نَظريَّةِ النَّظمِ ، وَيَضَعُ الأسَاسَ للنَّظريَّةِ الَّتي سَيُفَصِّلُهَا عبدُ القَاهِرِ ، فِيْمَا بَعْدُ ؛ فَقَدْ رَأى أنَّ الفَصَاحَةَ لا تُرَدُّ إلى أفْرَادِ الكَلامِ ؛ وَإنَّمَا إلى طَريْقَةِ نَظْمِهِ ؛ فَفِيْهَا تَتَفَاوَتُ القُدُرَاتِ ، وَتَتَحَدَّدُ دَرَجَاتُ الإبْدَاعِ ؛ حَيْثُ يَقُولُ :
" الفَصَاحَةُ لا تَظْهَرُ في أفْرَادِ الكَلامِ ؛ وَإنَّمَا تَظْهَرُ في الكَلامِ بِالضَّمِّ ، على طَريْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ ، وَلابُدَّ – مَعَ الضَّمِّ – مِنْ أنْ يَكونَ لِكُلِّ كَلِمَةٍ صِفَة ، وَقَدْ يَجُوزُ في هَذِهِ الصِّفَةِ أنْ تَكونَ بِالمُوَاضَعَةِ الَّتي تَتَنَاوَلُ الضَّمَّ ، وَقَدْ تَكُونُ بِالإعْرَابِ الَّذي لَهُ مَدْخَلٌ فيْهِ ، وَقَدْ تَكُونُ بِالمَوْقِعِ ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الأقْسَامِ رَابِعٌ ؛ لأنَّهُ إمَّا أنْ نَعْتَبِرَ فيْهِ الكَلِمَةَ أوْ حَرَكَاتِهَا أوْ مَوْقِعَهَا ، وَلابُدَّ مِنْ هَذَا الاعْتِبَارِ في كُلِّ كَلِمَةٍ ، ثُمِّ لابُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مِثْلِهِ في الكَلِمَاتِ إذَا انْضَمَّ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ ؛ لأنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهَا عِنْدَ الانْضِمَامِ صِفَةٌ ، وَكذَلكَ لِكَيْفيَّةِ إعْرَابِهَا وَحَرَكَاتِهَا وَمَوْقعِهَا ؛ فَعَلى هَذَا الوَجْهِ الَّذي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا تَظْهَرُ مَزيَّةُ الفَصَاحَةِ ، بِهَذِهِ الوجُوهِ دُونَ غَيْرِهَا.": القَاضِي عبد الجَبَّار – المُغنِي في أبْوَابِ التَّوحيدِ وَالعَدْلِ – الجُزءُ السَّادس عَشَر- تَحْقيْق: أمِين الخُولِي – دَار الكُتُبِ – الطَّبعَة الأوْلَى -1960- ص:199 .
وَقَدْ أشَارَ إلى إفَادَةِ عبد القَاهِرِ مِنْ القَاضِي عبدِ الجَبَّار، في تَأسِيْسِ نَظريَّةِ النَّظمِ كُلٌّ مِنْ : شوقي ضَيف ، في كِتَابِهِ : البَلاغَة : تَطَوُّرٌ وَتَاريخ – دَار المَعَارف – الطَّبعة الثَّانيَة – ص:177، د. عبد الوَاحد عَلاَّم ، في كِتَابِهِ : مَدْخَل إلى البَلاغَةِ العَربيَّةِ - مَكتبَة النَّصر-1991- ص ص : 216-220، محمَّد عَابد الجَابري- اللفظُ وَالمَعْنَى– مجلَّة :(فُصُول)- المُجَلَّد السَّادس – العَدَد الأوَّل – 1985- ص:40 .
(18) عَنْ : النَّظريَّة اللسانيَّة وَالشِّعريَّة في التُّراثِ العَرَبيِّ مِنْ خِلالِ النُّصوصِّ – ص: 50 .
(19) السَّابق – ص: 239 .
(20) ابنُ طباطبا العَلويّ – عِيَار الشِّعر – تحقيق : عبَّاس عبد السَّتَّار – دَار الكُتُب العِلْميَّة – بيروت – ص :81 .
(21) عبد الرَّحمن بن خلدون – مُقدِّمة ابن خلدون – الجُزْءُ الثَّانِي – دَار إحْيَاءِ التُّرَاث العَرَبي – الطَّبعَة الأوْلى – بيروت – 1999- ص : 567 .
(22) السِّيوطِيّ – الإتْقَان في عِلومِ القُرْآن – الجُزْءُ الثَّانِي – مَطْبَعَة حِجَازي بِالقَاهِرَة – 1941- ص : 147.
(23) أبُو حيَّان التَّوحيديِّ - المُقَابَسَات – تَحْقيْق : حَسَن السَّندوبي – دَار سُعَاد الصَّبَّاح – 1992- ص : 245.
(24) عبد القَاهِر الجُرجَانيّ – دّلائِل الإعْجَاز – سَابق – ص:302 .
(25) رُومان يَاكوبسون- قَضَايَا الشِّعرية – ترجمة: محمَّد الوليّ ومبارك حنُّون – دار تُوبيقال – الدَّار البَيْضَاء- الطَّبعَة الأوْلى - 1988- ص:31 .
(26) تزفيتان تُودوروف – الشِّعريَّة – سَابق – ص :84 .
(27) رُومان يَاكُوبسون – قَضَايَا الشِّعريََّة – سَابق – ص:25 .
(28) السَّابق – ص :35 ، فَاطِمَة الطَّبَّال بَرَكَة – النَّظريَّة الألْسُنيَّة عندَ رُومَان جَاكُوبسون: دِرَاسةٌ وَنُصوصٌ – المُؤسَّسة الجَامعيَّة للدِّراسَاتِ وَالنَّشر وَالتَّوزيع – بيروت -1993- ص:252 .
(29) تزفيتان تُودوروف – الشِّعريَّة – سَابق – ص ص : 23-24 .
(30) السَّابق – ص:23 .
(31) جابر عصفور– مَعنى الحَدَاثة في الشِّعر المُعَاصِرِ– مَجلَّة:(فُصُول) – المُجَلَّد الرَّابِع ، العدد الرابع – 1984- ص:42 .
(32) السَّابق – ص:43 .




#شريف_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فَضَاءٌ آخَرٌ ، لِشِعْريَّةٍ أُخْرَى
- الشِّعريَّاتُ الأساسيَّةُ في قصيدَةِ النَّثرِ العربيَّةِ
- شِعريَّةُ السِّيرذَاتيِّ في قصيدَةِ النَّثر المِصْريَّة
- شعريَّةُ الغنائيَّةِ الجديدَةِ في قصيدَةِ النَّثرِ المِصْريّ ...
- شِعريَّةُ الغُرفَةِ في قصيدَةِ النَّثر المِصْريَّةِ
- شِعريَّةُ المدينَةِ في قصيدةِ النَّثر المصْريَّةِ
- المفاهيمُ النَّظريَّة للأنواعِ الشِّعريَّة في شِعرِ النَّثرِ
- عَذَابَاتُ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في وَحْشَةِ العَالمِ
- شِعريَّةُ قَصِيدَةِ النَّثرِ
- لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر ا ...
- شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ ...
- تداخُلاتُ الأنواعِ الأدبيَّةِ والفَنيَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ ...
- إِشكاليَّاتُ النَّوعِ الشِّعريِّ في قَصِيدةِ النَّثْر


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - شِعريَّةُ النَّثرشِعْريِّ