أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمّد نجيب قاسمي - قراءة هادئة في رواية ثائرة / - سفر حبر وبياض - لجليلة عمامي (1)















المزيد.....

قراءة هادئة في رواية ثائرة / - سفر حبر وبياض - لجليلة عمامي (1)


محمّد نجيب قاسمي

الحوار المتمدن-العدد: 4720 - 2015 / 2 / 14 - 16:41
المحور: الادب والفن
    


قراءة هادئة في رواية ثائرة / " سفر حبر وبياض " لجليلة عمامي (1)

" سفر حبرٍ وبياضٍ " نصٌّ إبداعيٌّ جديدٌ هوَ باكورةُ قريحةٍ بِكرٍ لجليلة عمامي يأخذُ قُرّاءَه في سَفَرٍ مُمتعٍ نحو كلِّ الاتّجاهات وفي كُلّ الثّنايا ولكنْ بين دفّتيْ كِتابٍ صحائفُهُ بيضٌ ، بياضَ عالمٍ الكاتبةِ الدّاخليّ المليءِ جُموحًا وخيبةً ، طموحًا وأملاً ، عشقا وبُغضاً، هدْمَا وبناءً ، عواطفَ وأفكارًا. وحبرُهُ أسْودُ سوادَ الظّلم والقهرِ واليُتم والفقر والاستبداد وغير ذلك ممّا عاشته جميعًا ورَفضْتْه جميعا صاحبةُ السِّفْرِ وبطلةُ السَّفَرِ إن ْلم تكونا واحدةً .
ينفتح هذا النصّ بسردٍ يوهمُك بأنّه تقليديُّ نمطيٌّ عن أحداثِ البداياتِ تحكيه الرّاوِيةُ عن نفسها فتتوهّمُ أنك َإزاء سيرةٍ ذاتيّة للكاتبة فتطمَع في انكشافها لك لتُرضيَ نهم حبّ الاطلاع لديك على دواخلها وسيرتها وأسرارها وكلّما تقدمتَ تجد ما يغريك ويرضي نهمك وطمعك هذا ولكنْ تشعر في الآن نفسه بضُعف الطّلب وتفاهتِه أمام سَيْلٍ منَ الرُّؤى الفلسفيّة والنفسيّة والنّضاليّة والثّوريّة والوطنيّة والإنسانيّة والمشاعر الجيّاشة .
إنْ كنتَ ممّن يقرأُ طلبًا لمتعةِ التّشويقِ في أحدَاثٍ الرّاوياتِ وعُقَدِها فلنْ تعثُر على بُغيتك. بيْدَ أنّ متعةٍ أخرى سترافقك على مدى سَفرك وستنسيك طلبك الأوّل وهي متعةُ ألم السّؤال و الحيرةِ مبعث ِكلّ تفلسف..فأنت لن تجد النّظام في هذا النصّ بل الفوضى ، فوضى المشاعر وفوضى المعيشةِ وفوضى الحواسّ وفوضى اللّغة وسَيسْكُنك طلبُ النّظام في الفوضى كما طلبتهُ "ريحانة " كُنية سنوات الجامعة أو "الفرس" الجموح كما كان يدعوها والدها الذي افتقدته في سنٍّ مبكّرة وبعده عرفت اليُتم في صُوره البغيضة.
عادت بنا الرَّاويَة كما يفعل معظم رُواةُ القَصص إلى البدايات ، إلى أيام الطفولة وبراءتها حين نشأت في أحضان الأحراش والأودية والجبال التي يسكنها اليُبس والقحط والغبار والنباتات الشوكيّة ويعلق بها الفقر والخصاصة تعلّق الشيطان بالشر ّ. ولم تطلعنا - من كلّ تلك المرحلة - سوى على " عادة سرّية" كانت تمارسها هي "فعل السؤال وتدوين الكلمات " وعن فشلها في محاولاتها التي أطلقت عليها ب"الخربشات "..ورغم اكتفائها بما سمّته " وصْف المُجريات" حين كانت تسجّل من حين لآخر بعض ما يجري من حركة تحت أنفها خشية " فضيحة الحبر على البياض " فإنها ظلت مسكونة ب" الأسئلة والرغبة في فهم الحياة" ...
وكانت أُولى الأسئلة " سُؤالُ الفَرْق " ، الفرقُ بين الذّكر والأنثى .وكان القادح لهذا السؤال الجوهري رسالةٌ من شابّ جامعيّ أثارت في نفسها ما يصلها بالجنس الآخر وهو الحبّ تلك العاطفة ذائعة الصّيت .. وكانت الفرصة مناسبةً لممارسة الكتابة بالردّ على الرسالة وهزّنا الشوق إلى قراءة رسالةٍ بكرٍ من فتاة مراهقة في أولى تفاعلها مع مشاعرها وهوايتها ولكن كانت خيبة المرسِل والقارئ معًا حيث اختارت الردّ الشفوي على المكتوب فحرمت نفسها أوّلا وغيرها ثانيا من لذّة " الحبر على البياض"
ثمّ كانت الرّحلة إلى عوالم متشابكة متداخلة اختلط فيها الذّاتي بالموضوعي والعاطفي بالعقلي والماضي بالمستقبل والريف بالمدينة والصّمت بالصّخب والضّعف بالقوّة والصّبر بالجزع .فمرّة تبوح الرّاوية بتجاربها في الدراسة والبطالة والعمل والوظيفة والنّضال والعشق ومرّةً تُشرّح واقعها الموضوعي وما فيه من زيف وخذلان ورداءة.
تجدُها بُنيّةً تَحبو في الصّغر في بيتها الرّيفي الفقير وسط إخوة صغار كُثْرٍ تتعلّم الخطى وتتمرّغ في تراب الوطن وليس على سجّاد أو"موكات"و دون "خوف على تحفة تسقط أو مزهريّة تتهشّم " ص 129فحفظت عشق تراب الوطن ولم تتعلّم الخوف والحذر " فبتّ على ما أنا عليه اليوم لا أخشى فعلا أو قولا أو تصريحا" ص ..129وترافقك في " مدرسة ابتدائية عل أطراف بعض مرتفعات وهضاب " ص 183 " بألوان رماديّة داكنة معدّة مسبقا لغرض المقاومة والصمود أمام الرّمل والول وحسابات الزمن " ص 184ثمّ نلتقي بها تلميذة في المعهد الثانوي بالمكناسي تقيم الأسبوع كلّه بالمبيت وتنهل من المعرفة وتختلط بأبناء أرياف مترامية الأطراف يجمعهم كلهم الفقر والحرمان والبداوة وحب العلم ولم يكن الاستثناء قائما سوى في ما قلّ من التلاميذ وكانت منهم بنيّة رقيقة بضّة عليها سمات النّعمة بقيت محفورة في ذاكرة الساردة /الكاتبة "احداهنّ كانت معي في الفصل ، لم نكن على نفس الخطّ الاجتماعي ، الفرق كان واضحا، في نعومة البشرة ، في ثياب نرتديها، في غذاء يغذّينا . " ص 184.وقد يكون لذلك بداية نشأة مضغة جنين للإحساس بالفوارق الاجتماعية بين من يشقى في الحصول على رغيف وكرّاس وكتاب ومعلوم مبيت وهندام يستر البدن وبين من يكون لباسه أفخم وخدّه أنعم وأدواته المدرسيّة أكثر وفرة " معها بدأ الإحساس بالغربة عن المكان وبدأت الأسئلة.." ص 185.ولكن لا يخرج ذلك أبدا عن الفرق بين من هو فقير حدّ الخصاصة وبين من هو أقلّ فقرا..
من هناك بدأت أولى براعم الوعي بالذات وبالموضوع وانطلق الموقف يتشكّل بصورة غامضة ولكن بسرعة متزايدة لم يكبحها سوى ضيق المكان الذي لم يتجاوز الريف والقرية وحدودهما القاهرة والحالة العامة للناس ووضعهم الساكن المستسلم في خضوع خادع لقدر البؤس والخصاصة ..
وكان الانتقال ضروريًّا إلى مكان أرحب وفوارق أوسع ومعرفة أعمق لتعميق الوعي والجرح معا فكانت الحياة الجامعية بكل تناقضاتها وملاذها وأوجاعها ونضالاتها في مدينة أرحب ذات حركيّة عالية ونشاط حثيث " مدينة صناعية سكانها أرباب العمل وعملته بامتياز ..مدينة لا توحي لك بالجمال ولا بالبشاعة متّزنة في تجلّيها ، لا هي ببذخ الجمال ورونقه ولا هي بالكئيبة المملّة " ص 89 هي بلا شك مدينة صفاقس قبلة أهالي جهتنا وعاصمتهم وسوقهم ومستشفاهم ومنتجعهم السياحي ومدرسة المعرفة والعمل والنظام والانضباط...هناك عرّفتنا الرواية بريحانة طالبة جامعية يسارية تنتمي الى "منظمة الشيوعيين الثوريين " و توزّع المناشير وتفوق الرجال شجاعة في تحدّي البوليس ومخاطر السجن " ذات يوم من أيام شهر جانفي 1991 شابّة جامعيّة نحيفة بخفّة ومظهر الذكور وفي تمرّد على أنوثة التّقاليد " ص 89
فارتفعت إلى "مرتبة الشابة المناضلة التي على فقرها ويتمها لم يكن بها فقط هاجس الوظيفة بقدر ما تحمل هاجس الوطن " ص 91..هناك في صفاقس التقى السؤال بالسؤال وتناطحا وتجاذبا وتحاورا ونشأت من كل الإشكاليات شابة في مقتبل العمر تحمل شهادة جامعية مرموقة في شعبة يتجنبها الكثيرون هي شعبة الفلسفة ولا تحمل من زاد سوى المعرفة ، معرفة طرح السؤال وصناعة الأسئلة وكما قال كارل ياسبرز " إن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة " فكان لنا كائن غريب " غربة الغريبة في غربتها وفي مكانها " ص ،185، شيمته الرفض ، يكره الخط المستقيم و يعيش غليانا داخليا لا حدّ له ...يحمل هموم العالم كلّه و مستعدّ لفناء العمر في التمرد على " أزمنة الرداءة " وصنّاعها .ولكنّ أسلحته ذات مفعول بطيء جدا ...فالوعي بالقهر وإدراك سبل الخلاص منه واليقين بالنصر ثالوث أين منه سرعة السلحفاة البطيئة؟..
وتكون العودة إلى نقطة البداية ،مسقط الرأس ، بكثير من الأحلام والأوهام والأوجاع وتنعم في شقاء البطالة القاتل مثلها مثل الآلاف من خريجي الجامعات التونسية منذ عشرية التسعينات من القرن الماضي " الذين ما عاد حلم الشهادة عندهم وظيفة " ص 27 فكانت المرارة ترتسم على كامل تفاصيل وجهها وكانت " تبكي إذا ما كان بد للبكاء ودوما كان لا بدّ منه " ص 28 ..وهنا ترسم لنا الرِّوَائِيَّةُ الرَّاوِيَّةُ لوحة رائعة و مؤلمة عمّا عاشته هي ويعيشه منذ زمن جيل كامل من معاناة مفروضة بالجبروت والفشل حيث تنقل لنا مشهدا عن مشاركة خريجي الجامعات التونسية في مناظرة " الكفاءة المهنية للتدريس" سنة 1998بمدينة سيدي بوزيد تلك التي ستكون شرارة الثورة في تونس و مهدها بعد ذلك : " يومها كان أحد أشدّ أيّام الحزن والانكسار ، أصدقاء وزملاء الجامعة الذين كنت أرى فيهم شبابا وسيما مثقّفا سيبني وطنا جميلا وحلما رسمت ملامحه مع بعضهم ، بدوا لي يومها وبلا استثناء يعلنون ملامح الانكسار والموت البطيء .." ص 28…….( يتبع)



#محمّد_نجيب_قاسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التّعليمُ فِي تُونِسً من مِصْعَدٍ اجْتِمَاعِيّ إلى مَسْرَحٍ ...
- رحلة شيقة إلى بلاد نفزاوة الساحرة ..بلاد المرازيق الأشاوس
- الْأَمَانَةُ ( قصة للأطفال)
- تحليل نصّ : - الشكّ طريقٌ إلى اليقين - للجاحظ
- نسبيّة المعرفة الحسّيّة
- ما يزال هنا ..عبد النّاصر
- أمريكا تحشد -الدّواعش - لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية المعر ...
- أمريكا تحشد -الدّواعش - لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية المعر ...
- اِنْقَطَعَ الْكَهْرَبَاء ..وَغَرِقَ النَّاسُ فِي الْعَمَى:
- الطَّرِيقُ إِلَى السَّعَادَةِ : عِشْ حَيَاتَك .... عِشْ أنْت ...
- مخاض الأحزاب السياسية قبل الانتخابات : من صعوبات الحمل إلى آ ...
- مَخَاضُ الأَحْزَابِ السِّيَاِسيَّةِ قَبْلَ الانْتِخَابَاتِ : ...
- كُرْدُسْتَانُ الْعِرَاقِ مِنَ التَّشْرِيدِ ...إِلَى التَّشْي ...
- مِنْ قَهْرِ الْحُكَاّمِ إِلَى انْفِلَاتِ الشُّعُوبِ ... مَا ...
- لن ينشد العرب العزّة ..ولو هلكت كلّ غزّة
- أتاوة على الزواج في انتظار شباب تونس أم تيئيس من الزواج؟
- حرب على الإسلام أم حرب باسم الإسلام؟ ( الجزءالاول والثاني )
- حرب على الإسلام أم حرب باسم الإسلام؟ (الجزء الأول )
- مَاذَا لَوْ حَكَمَتِ الْمَرْأَةُ الْعَالَمَ؟
- الْحُبُّ زَمَنَ العَوْلَمَةِ


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمّد نجيب قاسمي - قراءة هادئة في رواية ثائرة / - سفر حبر وبياض - لجليلة عمامي (1)