قراءة في كتابين علميين: الايثار، كيف نسلكه؟

بهروز الجاف
أكاديمي وكاتب
(Bahrouz Al-jaff)

الحوار المتمدن-العدد: 4710 - 2015 / 2 / 4 - 22:35
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

قراءة في كتابين علميين: الايثار، كيف نسلكه؟
بهروز الجاف عن مجلة نيوساينتست 2 فبراير 2015 كاتي دوغلاص، بتصرف في العنوان

صدر كتابان جديدان عن الايثار يعتمدان على علوم الدماغ في معرفة ماالذي يجعلنا نتصرف بايثار، فيما يضعان خطوات عملية للحث على الايثار.
في عام 1851، صاغ الفيلسوف الفرنسي، اوغسط كونت، وهو أبو علم الاجتماع، مصطلح الايثار (altruism) ويعني في اللاتينية (للآخرين)، كجزء من حملة من أجل انشاء دين لاديني (non religious religion) بالاستناذ على اسس علمية.
عرف كونت الايثار على انه (عمل مقصود) غايته رفاهية الآخرين على أن ينطوي، في أقل تقدير، على عدم استفادة أو ضرر الفاعل، وقد عدّه واحدا من أهم الانجازات العلمية الحديثة بالأضافة الى اكتشاف حركة الأرض. وفي ذلك الوقت أدت به دراسات سلوك الحيوان وعلم فراسة الدماغ (phrenology) الى تحديد الغرائز الأنانية (egotistical) في الجزء الخلفي من الدماغ، والايثار (altruistic) في الجزء الامامي.
أما اليوم فلدينا معرفة أكثر عمقا وتطورا بخصوص العوامل العصبية والكيموحيوية التي يرتكز عليها سلوك الخير. وتشكل هذه المعرفة الحجر الاساس للكتابين الذين يستهدفان القرّاء من عامة الناس بالاضافة الى اولئك الذين مازالوا يشككون في حقيقة الايثار على الرغم من الابحاث المستفيضة في هذا الشأن.
على أية حال فان الكتابين يقدمان، في نهاية المطاف، مادة غزيرة، عن دون قصد، للمشككين في الايثار. ففي كتاب (الدماغ المؤْثر The Altruistic Brain) لمؤلفه العالم في العلوم العصبية دونالد بفاف (Donald Pfaff)، يبني بفاف نظرية من خمس خطوات، بالاستناد على أرضية علمية صلبة، حول كيفية حصول الايثار، وتتوقف فكرته على فكرة هدامة وغير مقنعة في آن واحد. يدعي بفاف بانك لو أردت انجاز عمل خال من الأنانية عليك أن تتصور من يتقبلون ودك، ومن ثم حول صورهم، عقليا، الى نفسك، زاوية بزاوية ومنحنى بمنحنى. ولكن ماذا عن النرجسية (narcissistic)؟
في جوهر كتاب العالم البيولوجي التطوري ديفيد سلون (David Sloan)، هل يوجد ايثار؟ (Does altruismexist?) ثمة فكرة اخرى مثيرة للجدل: "يتطور الايثار كنتيجة للانتخاب الزمري- الجماعي- (group selection)"، ولكن سلون يدعم زاويته ببراعة، موفرا ردا بليغا للاعتقاد القائل بأن الانتخاب الطبيعي (natural selection) يحدث فقط عند مستوى جين الأنانية (Selfish gene) اذ يقول: " تتفوق الأنانية على الايثار خلال الزمر (المجموعات)، وتتغلب الزمر المؤْثرة على الزمر الأنانية". بعبارة اخرى، نحن نتعاون عندما يكون فريقنا على الحافة، وهذا لايعني قمة نكران الذات. فسلون يقر بهذا ولكنه يرى بأن الأفكار والمشاعر أهم من الاجراءات. واستنادا الى نظرية التطور، فان المؤْثرين الأنقياء موجودون، ولكن لماذا يلجأ الناس الى مساعدة الآخرين فهذه ليست بقضية- ربما كانت أسبابهم ضبابية حتى مع أنفسهم. القضية هي ان البشر يمكنهم تنسيق نشاطاتهم بصورة صحيحة لتحقيق أهدافهم المشتركة. الحيوانات الأخرى تعمل هذا ايضا ولكننا نحن الأسياد في هذا الشأن، اذ يقول: "العمل الجماعي هو التكيف الخاص بنوعنا (الانسان)".
يذهب بفاف الى ابعد من ذلك، مصرا على ان بيولوجية الدماغ "تجبرنا على أن نكون لطفاء". فهو يعتقد بأن هذه المعرفة لوحدها هي ما تلهم الأفراد لكي يكونوا أكثر ايثارا. ان رغبته في بناء عالم افضل مثيرة للأعجاب، وان بعضا من افكاره مثيرة للأهتمام ولكن تحليلات سلون اكثر تماسكا واكثر دقة. وبينما هي جزء من طبيعتنا، أن نكون مؤْثرين، هو يقول، نحن نمتلك اعتبارا صحيا لمصلحة ذاتية ونمتلك المقاومة لدفعها. فاي استعداد يأتي في المقدمة يعتمد على المحيط الذي نجد فيه انفسنا. يقول بفاف لايمكن تدريس الأخلاق (ethics) عند مستوى الفرد، بل هي "خاصية النظام برمته".
ان اغارة سلون الساحرة خلال الدين والاقتصاد والسياسة والحياة اليومية تكشف عن الطرق العديدة لتفعيل الايثار. ففي مشروع الحي الذي يقيم فيه، يصمم بيئات تنتخب سلوكا اجتماعيا ايجابيا. ومن خلال ذلك، عمل هو وآخرون على تعزيز تدابير ترمي الى مساعدة الجماعات لكي يؤدوا عملا أفضل، عن طريق تشجيع المساواة وعدم تشجيع المزايدات الخاسرة، على حد قوله. لايوجد ايثار نقي، بكل تاكيد، ولكن هنالك علم راسخ صحيح. عجيب هو كونت.

#بهروز_الجاف (هاشتاغ)       Bahrouz_Al-jaff#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل