|
الكلمة الصادقة
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 09:23
المحور:
الادب والفن
من براعم الياسمين تولد الكلمة الصادقة مفعمة بشلالات من الأحاسيس... تتألق على سطور صفحات من الأوراق البيضاء برقص دائم لا يعرف الانتهاء ... تتناثر حولها الحروف والفواصل بمداد غارق بالندى... كلمة تلو كلمة تخفق في كل الجهات.
تُطل الكلمة الصادقة بوشوشات أوتار شجية يبلغ رنينها أقاصي الكون... ينبضُ الليل الرمادي على أجنحتها في رحاب السكون ... شيئاً فشيئاً تنساب عبر الليل، وتلونُ وجه الصبح بألوان ربيعية.
تَرسم الكلمة الصادقة ما طاب من الحروف في مسامات السطور... تتناثر الأفكار على إيقاعها في كل شيء ... وما إن يتم تشكيل الأفكار وترتيبها حتى تتفتح الأوراق متمايلة بتويجات أكاليل تكتحل بها العيون.
يُدرك القارئ إذ ذاك كيف تدبق الحروف على مقابض متتاليات من الصور الجميلة، وتنغرس في زحام منابت تكوينات مفهومية دقيقة تلاحقه وهو يقرأها، يستدفئ بها ويحسُ على إيقاعها برغبة جامحة للاقتراب أكثر فأكثر من عناقيد اختلاجات ثقافية وأدبية وفكرية يسودها العمق والصدق... تنهدل ُحوله كانثيال الأضواء.
يتابع القارئ مجريات الكلمة الصادقة بمختلف لمساتها وانسيابها وبريقها الوهاج ... يتابعها وكأنها أسرجة له في فضاءات الحروف والمفردات المنقوشة في مفارش الأوراق، يتشابك معها بكل إشاراتها وأخيلتها وإحالاتها ... يطيل اللقاء معها ... يُعلقها حوله على امتداد المدى، ويبحرُ معها على امتداد الأيام.
هكذا تتألق الكلمة الصادقة بصياغاتها اللفظية وأفكارها ومفاهيمها، وبكل ما تنسجه بقطرات الحبر من عبارات ترتعش النصوص على إيقاعها بتجلياتها المختلفة، وبكل ما يتصل بها من تفسير وتحليل وتعليل وتأويل واستحضار أدلة وحيثيات مطولة.
وفي ثنيات الحروف يبقى كاتب الكلمة الصادقة معها في أبهى حضور، تتصفحه عيون القراء، يدخلون عالمه، يدقون أبواب سطوره، ويُعمدون قرابة فكرية معه تمتد في عروق الأوراق.
الكاتب الصادق ينشد المزيد دوما في مسارب الحياة، معنيٌ بملاحقة الحروف... يصنع أشرعة لها لتمخر في لجة الحياة، بكل ما فيها من أفكار وشعور وميول... ميمماً شطر سياقات كثيرة، لا يترك المصابيح مضاءة حول ما يخفق به فكره وما يؤمن به فحسب، بل يكشف بالكلمة الصادقة كل الأفكار... كل أطياف الدلالات والحقائق دون قيد وبمعزل عن كل أشكال الضبط وممارسات الرقابة والتسلط.
يقول في هذا الشأن "بروكس" بأن الكاتب أو الشاعر الصادق هو الذي يقدر على إعادة تشكيل المتناقضات والانفعالات المتباينة التي تحفل بها الحياة، في شكل منسجم قابل للقراءة دون إيحاءات وصور ضبابية، حتى يساعد القارئ على إدراك ما يجول حوله من تجليات اجتماعية وسياسية وفكرية وأدبية متعددة... وهكذا فإن الكاتب مرآة تعكس لنا الحياة الواقعية... تعكس رؤاه ومضامينه التقييمية لكل ما يجول حوله، و ما يراه من حلول مناسبة يطلقها دون زيف ورياء... تساعد على معالجة إشكاليات مجتمعه السائدة .
من نافل القول أن الكاتب لا يستطيع القيام بكل هذا في منأى عن الحرية، لأنها المفتاح السحري لقدراته الإبداعية، بها وحدها توقظ الكلمة الصادقة... يحتاجها لكي يكتب بمصداقية وصوغ ما يفيد القراء... من هوائها ونورها يستمد حروفه، ويعلن بها ما هو مخفي في فكره، وما يجري في الحياة الخارجية السائدة في بيئته... بالحرية وحدها يكون في ميسور الكاتب الالتزام بمجتمعه وقضاياه... ومن دونها ينتهج نهجا آخر، يسطر حروفه على كثبان الرمال، تظهر لفترة قصيرة ومن ثم تمحى... تتطاير مع همهمات الرياح.
في مزيج الحروف والفواصل، تتألق الكلمة الصادقة شامخة على جسور السطور، تمضي بدفق دائب في أرجاء شتى، هي البدء وهي خبز الإنسان، بها يرى الكاتب الصادق واقعه المعيش على حقيقته، يغوص فيه... يرسمه بمنظومة من الكلمات، يتكئ عليها شكلا وموضوعا، وينقل للقراء من خلالها أفكاره ورؤاه إلى صور محسوسة من الأحلام مرخاة العنان تتلمس خير الإنسان، تبقى خالدة بعد رحيل كاتبها لا تنال منها عوادي الزمن.
تبقى الكلمة الصادقة محمولة على رافعات منصوبة فوق قباب النجوم... تتوالى على رفوف صور دائمة الصدى... تبقى خالدة لا تنسى .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأوزون وظِلال الحُروب الموحِشة
-
مقتل فنان في بغداد
-
مَقاطعٌ لها
-
أمة إقرأ لا تقرأ
-
عن مصر وأقباطها
-
المرأة الحديدية
-
أشهر فضيحة ثقافية في القرن العشرين
-
عيد الميلاد
-
نقولا زيادة الحاضر الغائب
-
لماذا يسرقون أرضنا ؟
-
العشق في مصادر التراث
-
جبرا إبراهيم جبرا: متى يُكرم؟
-
طفولة شاعر
-
ألوانُكِ
-
بطاقات شعرية صغيرة
-
في البدء كانت الكلمة
-
مدينة النجوم
-
لمن تدق ُ الأجراس
-
دين الحب
-
بمصابيح عكا يلمع القمر ُ
المزيد.....
-
بين الذاكرة والإرث.. إبداعات عربية في مهرجان الإسكندرية السي
...
-
شاهد: معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
-
السفير الإيراني في دمشق: ثقافة سيد نصرالله هي ثقافة الجهاد و
...
-
الجزائر.. قضية الفنانة جميلة وسلاح -المادة 87 مكرر-
-
بمشاركة قطرية.. افتتاح منتدى BRICS+ Fashion Summit الدولي لل
...
-
معرض الرياض للكتاب يناقش إشكالات المؤلفين وهمومهم
-
الرئيس الايراني: نأمل ان نشهد تعزيز العلاقات الثقافية والسيا
...
-
-الآداب المرتحلة- في الرباط بمشاركة 40 كاتبا من 16 دولة
-
جوامع الجزائر.. فن معماري وإرث ديني خالد
-
-قيامة ليّام تقترب-.. الصور الأولى من الفيلم السعودي -هوبال-
...
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|