|
حرروا الإسلام أولا
مازن صلاح الأمير
الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 18:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فزع العالم قبل يومين على أصوات طلقات صدرت من رشاش يحمله أحد الإرهابيين في مدينة الأنوار لتودي بحياة محرري صحيفة شارل آبيدو الساخرة ، و قد تكون واقعة القتل في ذاك اليوم بالذات ليست الوحيدة في رقاع العالم المدماة بالبنادق ، و لكنها كانت الأكثر بلوغاً و شقاً للآفاق ، الواقعة على عكس ما يحدث من فقد هنا و هناك ، فهي الجريمة الأكثر تأصيلا و الأكثر يقينية عند منفذها بأنه أمر الله إليه . فتحت هذه الواقعة الباب على مصراعيه أمام السؤال الأكثر إلحاحاً سؤال مجابهٌ به العالم الإسلامي و الحضارات التقليدية ذات البنى التحريمية بإمتياز ، (أنسنة الدين) ، و هو ما يفضح بالذات التبريرات الساذجة على شاكلة (لا يمثلون الإسلام) ، هم يمثلون الإسلام النصوصي خير تمثيل و بل يتقيدون بالنص حرفيا ، و هو ما يمكن إعتباره صدق مع الذات و مع الآخرين في التعبير عما يؤمنون به ، على العكس من المواربة الخجولة للبعض تحت ستائر من الخوف ، كثيرون من لم يرجف لهم جفن و هم يرون داعش تقتل و تسرق و تغتصب و تكبر الله قبل ذلك ، بل تضامنوا معهم قلبا ً. مجوهودات الترميم الديني التي قام بها عدد من المفكرين و الباحثين على رأسهم الأستاذ محمود محمد طه بمحاولة حقن الدين بالديمقراطية و العلمنة و حقوق الإنسان لا نقول أنها لا تجدي نفعا ، هي مجدية و صائبة ، لكنها محدودة جدا ، الأصوليات الدينية أثبتت أنها أكثر توطداً في جغرافيا التديين الشعبي ، و أنها أكثر موائمة لظروف التدني المعيشي و الثقافي التي ساهمت بشكل مباشر في أن تزيد من حددة خطاب الكراهية هذا ، و هو ما يجعلنا أمام تساؤل آخر ، هل إقتياد المجتمع للعلمنة من أذنه هو ما قد يحد من هذه الظواهر ، تقييد الممارسة الدينية و الثقافة بحدود حقوق الإنسان و الديمقراطية هو ما سيجدي نفعا ؟ ، أسئلة مثل هذه أيضا تضعنا مباشرة أمام متاهة من الأسئلة حول بنية الإسلام في ذاته ، هل هو قابل لأن يتم إصلاحه و ترميمه من الداخل أم هي مجرد إرتعاشات عرضية في جسد الدين و السبب مركزية النص في الإسلام كديانة ، و هل صعود سلطة قاهرة كما حدث في الأنموذج التركي هو ما سيثمر ؟ . هذه الحالة للأسف لا يقتصر تأثيرها على الشرق الأوسط فقط ، بل أن أوربا أيضا موعودة بصعود الأصولية و اليمين الأوربي من سباته التي أدخلته فيها أمواج العلمنة العاتية ، اليمين الأوربي لن يجعل هذه الحادثة تمر من تحت أعينه بهدوء ، هاهو يمد أياديه ليلتقطها كي تكون له سندا في أي إنتخابات قادمة ، قضية وقف الهجرة و أسلمة أوربا هي قضية القضايا ، و الأمر إذ ننظر أنه نكسة كبيرة و نكوص كبير عن قمم الحداثة و الأنسنة التي أنارت أوربا و صدرتها للعالم ، لكنه مبدئيا سجعلنا ننظر للفعل الذي أنتج ردة الفعل هذه ، و ردة الفعل هذه بطبيعة الحال لها نتائجها على المستوى المحلي في الدول الإسلامية ، نحتاج نحن لهذه الهزة كي نتداوى من فخاخ النص و سلطته . المعركة التي أمامنا يمكن تسميتها بإمتياز معركة (تحرير الإسلام) الإنسحاب الغير مبرر الذي تقوم به القوى العلمانية و المثقفين في العالم الإسلامي من المهمة الأساسية بتحرير النص الديني من سلطته لذاته و من إستغلال الجهادين له ، قد يضعنا عتبة أعلى في سعينا المحوم نحو التحديث و الدمقرطة ، و هذا الإنسحاب هو ما أفرغ الفضاء العمومي للإسلام النصي ليسيطر عليه إلا جزر هامشية في سياق المجتمع و تفاعلاته يتواجد فيها بعض القرآنيون و الجمهوريون ، و الأنكى من ذلك أنه و من السهل التوقع أنه في حال سقوط أي من نظم العسكريتاريا و خصوصا في السودان فإن من سيهب متوثبا نحو السلطة هي القوى الأصولية ذات نفسها ، قرون من التعمية و صم الآذان لن يحل وثاقه بتظاهرة تطيح بنظام سياسي ، بل سنحرر نفسنا منه بالمعرفة و إستحقاقات التصدي له و تلك كلفة باهظة ، هي في إنتظارنا مهما طال أمد هروبنا .
#مازن_صلاح_الأمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داعش و السودان
-
الحجر الذي أباه البناؤون
-
تسذيج العلمانية
-
الإسلاميين و فجوة العقل و الضمير
-
الإسلاميين و صدمة الصعود
-
العلمانية في السودان : الطريق نحو الأنسنة-*
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
-
المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس
...
-
الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف
...
-
الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج
...
-
هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
-
اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة
...
-
خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض
...
-
تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل
...
-
“toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة
...
-
فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|