أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مازن صلاح الأمير - تسذيج العلمانية















المزيد.....

تسذيج العلمانية


مازن صلاح الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 4143 - 2013 / 7 / 4 - 22:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كمن هو أعمى و يدخل متاهة ، لا تسعفه عيناه ليرى ، فكيف نطالبه بالوصول ، لن يصل إلى النهاية ، لكن إن كان مبصراً هل يستطيع أحد الجزم بأنه لم يكن ليصل لنهايته المشتهاة ، تلك هي حالة العلمانية في أقاليم الملالي و الجنرالات الواقفين على حافة عدم كريه ، تبحلق أعينهم بعيدا نحو كرسي وثير و رصاص يثقب الأفق ، و وصولها لهذه الحالة لأنها فقدت الرؤية فصار يتحكم في مصيرها غيرها ، مرهونة بنزواتهم أفكارهم الإعتباطية العابرة ، بل أضحت تستهوي تصور المغاير حبيس التاريخ أنها ستتلاشى ليتحقق بعدها إرادة العدم في تكوين دولة المحراب والسيف !!! ، ومرد ذلك إن العمل الروتيني الذي ينجيها من مظنة وهم السقوط و الذي يجب على العلمانية أن تصطبغ به هو عملية إستلهام كل منجزات الحداثة و كل فتوحات العلوم الحديثة في مسيرتها و تبني كل ما أوحى به العقل الجمعي البشري عموما و على رأسه حقوق الإنسان و الديمقراطية.
و الدافع الأساسي للبحث عن صياغات فكرية ومعرفية جديدة للعلمانية تنجيتها من الرتابة و ضجيج الشعارات هي الحالة التي أسماها جورج طرابيشي في هرطقاته (بأن العلمانية أصبحت مثل القريب الفقير نتيجة للحمولة الرجيمة للكلمة ) أي أن كل مجهودات التيار الإصولي في تكفير مؤيديها ما تأتي لهم غالباً بنتائج مبهرة وسريعة ، فالحالة التي تحيط بالعلمانية جعلت كثير من الثيوقراطيين ينفخون في رماد مواتهم الفكري لإعادته في قوالب خاوية القلب و الضمير ، لا ألومهم . و لكن بنفس المستوى لا يمكن إغفال الدور السالب و الصورة المخجلة التي قدمتها النظم المنهارة البوليسية في المنطقة و التي حاولت جاهدة أن تصور نفسها على أنها نظم علمانية كاملة الدسم وهي للأسف تحمل جنين سفاح من إقطاعيات الأسر المنحدرة من وادي ببطن بكة ، و ذلك كإنتهاز سياسي للحيلولة دون إستعداء المجتمع الدولي و إعطاء التبرير الكافي لقمع الإسلاميين و في كلا الحالتين فشلت علمانيتهم في تحقيق مبتغاهم و إن كانت العلمانية بالطبع لا توفر لهم الثانية ! ، و ليس من المستغرب أن تسعى هذه الأنظمة التي وصفت بتعبير دقيق ومناسب حين سميت أنها نظم (مافياوية) لا علاقة لها بأي نظام سياسي أو معرفي متماسك أو متناسق كالتونسي مثلا ، و الذي أظن أن الشواهد التي صرح بها المفكر التونسي الدكتور محمد الحداد تدعم ما أقول ، حيث قال أن نظام بن علي في تونس قام بإعتقال رئيس الجمعية العلمانية و سحب الجنسية منه و أيضا أشار أن هناك نصوص في الدستور التونسي مستقاة نصا من التشريع الإسلامي ، و أيضا هناك النظم الآيدولوجية العروبية أو الماركسية غالبا ، ليس من المستغرب أن تكون في إدعاءها علمانية و لكن (المسذجة) منها ، و التي سنحاول تبيان كيف أنها بتصورها للعلمانية أسقطت كثير من أعمدتها المعرفية و الإنسانية منها ، و بالتأكيد حينما نتحدث عن العلمانية لا نناظرها بعين الأيدلوجيا أو بإعتبارها المحررة و مفتاح الحداثة وحدها بل نقيسها بإعتبار ما قدمته من طرق أتاحت كثير من دواعي التقدم المعرفي و الإنساني و هي لا تتعدى إحدى شروط التقدم.
العلمانية المسذجة فيما أعنيه هي التي يحاول البعض حصرها تعريفيا في النص الوارد في دائرة المعارف البريطانية بأنها اللادينية أو فصل مؤسسات الدولة عن الدين ، و هذا التعريف بما تم تحميله به من مواقف معممة ليست ذات ملامح واضحة ضمن سياقات إدارة الدولة لم يضطلع بتبيان كيفية الوصول للسلطة و لا الموقف من الحقوق المدنية و لا محاولة الميل نحو نظريات إقتصادية أو إجتماعية ، وبهذا يكون النص مفتوحا بصورة عجائبية لكل الإجتهادات الهيرمونطيقية بغرض محايثته لمواقف المجتهدين و هذا ما تم إستغلاله بوعي و بدون وعي من أدعياء العلمانية و أعداءها في آن معا إما دفاعا عنها أو عليها ، و هو ما ساعد في خلق وعي سالب تجاه العلمانية على مستوى العقل الفاعل العربي و الإسلامي .
تجربة الأحزاب القومية التي مرت على المنطقة و آثارها المريعة ما هي إلا نتاج لطوباوية المنهج و لا عقلانيته في إطروحاتها للنهضة العربية ، و إرتباطها التنظيمي بأبشع ديكتاتوريات مرت على المنطقة على رأسها نظام الأسد في سوريا و صدام في العراق ، و إتضح جليا أن هذه النظم بالرغم من طموحاتها المرتفعة بتشكيل وحدة عربية ظلت غير قادرة على ترتيب وضعها الداخلي كي يتم وضعها في خانة الدول المثال بالنسبة للبقية التي تستهدفها رسالة الوحدة و أنتجت هذه الديكتاتوريات نزعة عنصرية سممت العلائق داخل أقطارهم بين الشعوب ذات الخلفية العربية و الأخرى المغايرة التي وقع عليها الإضطهاد تحت مسمى الخيانة و ذهولها التام عن حقيقة التباين بين مكونات المجتمعات و محاولة قولبتها قسراً تحت سقف العروبة المنخفض ، عجل من موات مشروعهم الوحدوي العروبي ، و هذا كله و نحن لم نلتفت لحقيقة أنها نظم عسكرية بحتة إعتلت سرج السلطة عن طريق الإنقلاب العسكري على نظم شرعية تاريخيا ، المشروع العروبي إستمات دعاته في فرض رؤية أنهم يتصدون لمهمة ممانعة الإمبريالية العالمية و هذا ما ساعدهم بالتأكيد في إيجاد مسوغات لتضيق الخناق على الحريات الدينية و السياسية تحت مبرر الخيانة و لكن بصورة تجيز لهم التهديد بالقتل بصورة دورية و راتبة و هو ما جعل الحياة السياسية في هذه البلدان ميتة كلياً ، و تكمن المفارقة بين النظاميين السوري و العراقي في أن الأول تقف على رأسه أسرة علوية تضطهد السنة و الأكراد الأول دينيا و الآخر بالهوية ، أما النظام العراقي فسني المذهب شيعي العدو ، مما يوضح و بجلاء من أن العلمانية (المسذجة) التي تتبناها أحزاب القوميين العرب لا تحد من شذوذهم الفكري و لا تقف حجر عثرة في مشروعهم الجهنمي ولا توقف دوغماتيكية الإعتقاد فيه .
النسخة الآيدلوجية الأكثر قسوة هي النموذج الماركسي اللينيني في فترة إستالين ، و التي لا يخفى عليكم مفارقتها و تضييقها على الحريات الفردية والعامة على السواء ، ولو هممنا بأخذ أحد الجوانب الأساسية في التنظيمات اللينينية ألا وهي الديمقراطية المركزية ، التي تؤدي و بشكل مقنن إلى الحزب و لا شئ سواه ، أو التي ترفض التلون السياسي و الفكري أو تنوع أطيافه و الذي هو سمة من سمات المجتمعات المفتوحة ، فهم بذلك كما حدث في الإتحاد السوفيتي يجعلون الحزب هو الدولة ، مما يوفر على الديكتاتورية عناء البحث عن ثغرات في الديمقراطية تتيح لها الدخول منها ، المشكل الأساسي الذي يجب أن يعترف به المركزيون _إن صح التعبير_ هو أن ما يجب عليهم فعله هو القيام بنقلات و وثبات كبيرة على منطلقاتهم الأساسية تتمحور حول أن تكون (مركزية فكرهم الديمقراطية لا أن تكون ديمقراطيتهم مركزية ) !! ، على صعيد موازي أن تتم تحولات من قوالب الديمقراطيات الإجرائية الموسمية للديمقراطيات الحديثة المجتمعية التي هي أسلوب حياة لا مجرد صناديق .
و أيضا من أهم الأسباب التي تضرب جداراً من التشويش حول العلمانية هو ما يقوم به ( العلمانيون الفقهاء ) من دعوتهم الملتبسة للدولة المدنية و التي حسب ما أعرفه ليس لها تعريف محدد في كل المراجع السياسية الأكاديمية ، و الأنكى من ذلك أن تعريف هؤلاء الفقهاء للدولة المدنية أنها (دولة مؤسسات ذات مرجعية دينية) ، و حقيقة لا أعلم أي صلة بين كلمة مدنية التي ترتبط عادة بمفاهيم جديدة حول الدولة و دلالة لفظية للتحضر بينها وبين المرجعية الدينية ، حيث قضت كل مجهودات ما بعد الثورة الفرنسية على كل محاولات تسييس اللاهوت أو العكس ، و المشكل أن البعض يحاول إيجاد مقاربات بين المدنية المدعاة من الفقهاء الجدد و العلمانية ، و في الحقيقة أن الدولة المدنية حسب التعريف أعلاه ما هي إلا مواربة خجولة للدولة الدينية في أبشع تمظهراتها أي تديين الفضاء السياسي العام و جعله مفتوحا لكل رغبات اللاهوت اللامعقلن ليفتعل بشاعاته بكل دستورية ، و هذا ما يتعارض مع العلمانية في إحدى تعريفاتها بما معناه تعريض كل النصوص المتعالية للنقد الصارم العقلي البحت .
إذن ما أشدد عليه تباعا لما أعلاه هو رفضي التام لكل ما يقال عن تقارب بين الدولة المدنية والعلمانية ، و ليس هناك ما يربطهما ببعض طالما كانت المدنية ذات مرجعية دينية ، و أن حثيث البعض لتلطيف العلمانية ليجعلوها مقبولة في مستنقع الأوباء هذا ما هي إلا كذب على الذات ، فمشكلتنا الأساسية حقيقة هي اللاهوت المسييس و القداسة الحزبية ، نحن نحتاج للعلمانية فعلاً و حوجتنا لها للتخلص من إدعاءات الدولة المدنية ذات المجعية الدينية ، أي أن تكون مرجعية الدستور و كل القوانين وضعية و لا علاقة لأي نص متعالي أو آيدلوجي بها ، وهو ما يقينا من الإنزلاق وراء الإتهام بالتعنصر أو التحيز ، و على نفس الصعيد لا يمنع هذا أبداً أن يكون هناك تشابه بين تشريع ديني و وضعي إذا أثبت الأول صحته .
هناك كثير من دعاة العلمانية الذين يقعون في فخ سمج لتبرير ضرورة العلمانية في بعض المجتمعات التي جزء من تكوينها المجتمعي عبارة عن تنوع ديني و مذهبي و ذلك بالقول أن العلمانية ضرورية للمجتمعات ذات التنوع الديني ، في الحقيقة الوقف عند هذا التبرير للعلمانية أشبه بالوقف القبيح عند بعض الآيات فهو يخل بالمعنى جملة و تفصيلا ، يجب علينا إذن تجاوز هذا التبرير لآخر أوسع يتجاوز فكرة التجانس الديني و التي كما بطبيعة الحال لا تأسس لوضع معافى ، و ذلك مستنتج من وحي التجربة البشرية
إذا نحن إزاء مفاهيم إنتقصت كثيرا من مسيرة شعوبها نحو التقدم و كما ذكرنا في بداية المقال بأنه من غير المنصف إعتبار العلمانية وحدها هي مفتاح للخروج من مغارة الجهل و التخلف إلى رحاب العالم الحديث و المتقدم و هذا ما لن يحث إلا بمفهوم جديد للعلمانية يستصحب معه هذا الكيف من البعد الإنساني و المعرفي و الذي من المفترض أن نفتح له الباب لنرى كم عاما سنختصر حينها .



#مازن_صلاح_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلاميين و فجوة العقل و الضمير
- الإسلاميين و صدمة الصعود
- العلمانية في السودان : الطريق نحو الأنسنة-*


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مازن صلاح الأمير - تسذيج العلمانية