أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سجاد الوزان - سوسيولوجيا المجتمع (بين عقلانية الفرد وتكوين الوعي الاجتماعي)















المزيد.....


سوسيولوجيا المجتمع (بين عقلانية الفرد وتكوين الوعي الاجتماعي)


سجاد الوزان

الحوار المتمدن-العدد: 4679 - 2015 / 1 / 1 - 14:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ociology (Between Rationalization the Individual and the Formation of social Consciousness)
مقدمة:-

تعرف السوسيولوجيا أو علم الاجتماع بأنه العلم الذي يعنى بدراسة المجتمعات والقوانين التي تحكم تطوره والتغيرات التي تطرأ عليه، وترجع أصول هذا العلم إلى عصور قديمة، ففي اليونان حاول ديمقريطس وأرسطو وأفلاطون تفسير أسباب حدوث التغيرات الاجتماعية والقوى التي تحرك الناس وعامة أفراد المجتمع كما بين أصل الدولة والقوانين التي تحكمها والسياسة.
وكما نجد في كتابات ابن خلدون والذي غلب ذلك في مقدمته حول علم الاجتماع ودراسة طبيعة المجتمعات، وكما في كتابات توما الاكويني ومكيافيللي واسبينوزا وهيجل وغيرهم الكثير، وقد برز استخدام كلمة (سوسيولوجيا) على يد أوجست كونت.
أوجست كونت (Auguste Conte) هو عالم فرنسي بدأ حياته العلمية سكرتيراً لسان سيمون الفيلسوف الفرنسي، لذا حاول كونت أن يطبق فكرة أستاذه سيمون في (أن الظواهر الاجتماعية يمكن أن تدرس بطريقة علمية)، لذلك وجب إيجاد علم يتفرع لدراستها أسماه (Sociology) وخصص كونت لهذا العلم جزءاً من من كتابه الذي وضعه بعنوان (دراسات في الفلسفة الوضعية) - Cours de Philosophie Positive-، والذي استغرق وضعه حوالي 12 عام، وينقل إن كونت قد تعصب في هذا الكتاب لعلمه الجديد فوضعه على رأس العلوممن ناحية الأهمية وذلك حين صنف العلوم كالآتي (1):
1) علم الرياضة (Mathematics) 2) علم الفلك (Astronomy)
3) علم الطبيعة (Physics) 4) علم الكيمياء (Chemistry)
5) علم الحياة (Biology) 6) علم الاجتماع (Sociology)

ونحن لسنا بصدد دراسة تاريخ علم الاجتماع وبداية نشأته وتطوره، بقدر ما نريد دراسة موضوع معين أخذ يطفح على بنية المجتمع وسلوكه.

نص البحث:-

إن ثقافة أي مجتمع تعتمد بالدرجة الأولى على وجود تنوع ثقافي بارز على واقعه الخارجي، كما وإنه لا يمكننا أن ننتج أي عملية وعي في المجتمع وبالخصوص عند أفراده من دون أن يغلب على طابع المجتمع وأفراده جانب العقلانية والتفكير العقلاني أو على الأقل ظهور ما هو بصدد تشكيل عقلانيتهم والتي ستكون مقدمة بنيوية للمجتمع عامة.

والصورة الأقرب لتشكيل عقلانية الوعي هذه هو أن يكون انفتاح المجتمع على الغير إيجاباً، ومن ثم قراءةً نقديةً أو بغيةً للوصول لثقافات أخرى منسجمة أو غير منسجمة هادفة أو غير هادفة صالحة لأن تكون كثقافات بديلة أو غير صالحة، وإنما وجودها كموروث ثقافي بين أفراد المجتمع هو كفيل بأن يوسع دائرة العقلانية والوعي بها بما يديم عملية التفكير والقبول أو عدمه وغير ذلك.

ونفس موضوع الانفتاح على الثقافات وقبولها لا بكونها ثقافة بديلة ولا بكونها عقلية جديدة لهذا المجتمع بل بكونها توسعة أطر الثقافة لأفراد المجتمع والتي بدورها ستحاول نزع جهل معين باتجاه تلك الثقافات أو تأييدها.
وإذا اعتبرنا إن علم الاجتماع هو من العلوم النظرية (Theoretical) حيث يهدف من وراء دراسته للظواهر الاجتماعية إلى المعرفة واكتشاف الحقائق وإنتظام حدوث الظواهر في المجتمع دون اعتبارية الاستخدام المعرفي أو التطبيقي العملي لهذه الاكتشافات، لأن التطبيق كما هو معروف من اختصاص علوم أخرى تعرف بالعلوم الإجتماعية التطبيقية (Social Applied Sciences) حيث لها طرق وسياسات مختلفة.

قانون الحالات الثلاثة برأي كونت :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لخص كونت تطور الفكر البشري، فالبشرية في تطورها تمر المعرفة عندها عبر ثلاثة عصور تتوافق مع المراحل التاريخية الثلاثة:
1) العصر اللاهوتي أو التخيلي (Fictif):
وهو طفولة البشرية، وفيه يبحث الذهن عن سبب الظواهر إما أن تنسب إلى الأشياء أو المواد، أو بافتراض وجود كائنات خارقة للطبيعة (تعدد الآلهة) أو وجود إله واحد (التوحيدية).
حيث " يتمثّل الذهن البشري الظواهر كمنتجات للفعل المباشر والمستمر لعوامل خارقة للطبيعة عديدة إلى هذا الحد أو ذاك " حيث يعتبر إن هذا هو زمن المعتقدات السحرية، الفتشية، الأرواح، الأديان، عالم يتجه إلى ما هو أبعد من الواقع أو إلى الآخرة نحو عبادة الأسلاف علمٌ حيث الموتى يحكمون الأشياء.
ومع إن عنوان طفولة البشرية لا اختلاف عليه، إلا إن ما ننسبه من معتقدات وسلوكيات لهكذا مرحلة بشرية هي لا تجعلها بدائية ولا طفولية بهذا المعنى، فمثلا فكرة تعدد الآلهة أو واحدية الإله هي لا تنتج نتيجة سذاجة بشرية أو مرحلة فرضية بل نتيجة وجود عملية تفكير متقدم، وإذا سلمنا بوجود هكذا مرحلة بشرية فسنكون في المقابل في تناقض مع تصورات هذه المرحلة وواقعها بل إني اعتقد إن البشرية بدأت بجانب معرفي له أصل يحركه هدف وغاية لأن نفس فكرة خارقية الطبيعة أو سحرية المعتقدات (أو قل العقيدة) تحتاج إلى أصل معرفي تنتج منه فكرة الخارقية أو فكرة الإلوهية وتعدد الآلهة أو اختزالها بالواحدية.
فانتقال البشرية من مرحلة تعدد الآلهة إلى واحديه الإله في الوجود هي في حد ذاتها عملية تحتاج وعي، وقلنا إن أي عملية وعي تتطلب سبقها بعقلانية بذلك الموضوع.
وبداءة وسذاجة التفكير والسلوك الفعلي لتلك المجتمعات البدائية لا لأنها غير واقعية وخالية من أي عملية وعي، بل باعتبار تقدم الوعي عندنا أو عند المجتمعات التي انفصلت عنهم، وحيث إننا نعتقد بمجتمع الإنسان لا بإنسانية المجتمعات، لذا فتعدد المجتمعات هو نتيجة تعدد الوعي واختلافها في الوصول لعقلانيتها ووعيها فنتجت تجمعات بشرية مختلفة، وما الصراعات التي قامت في تاريخ البشرية إلا نتيجة اختلاف عقلانية ووعي البشر، لذا فإن أساس توزيع المجتمعات مبني على نمطية الوعي السلوكي للبشر لا إن البشر مختلفين في أصل إنسانيتهم وجنسهم، بل ونعتقد إن اللغة نتجت على أساس كونها عملية ترجمة للأفكار الإنسانية، واللغة في بدايتها ليست جزء من التفكير بل هي تعبير عن الأفكار، لذا فلا أهمية للغة بقدر ما توجد أهمية للأفكار التي تحاول ترجمتها هذه اللغة.

2) العصر الميتافيزيقي أو المجرد (abstrait):
وهو عصر شباب الفكرة، وفيه تُخلي العوامل الخارقة للطبيعة مكانها إلى قوى مجردة، مثل "الطبيعة عند اسبينوزا" و"الإله المهندس" عند ديكارت و "المادة" عند ديدرو، وهذه المرحلة تقدم مقارنة مع مرحلة التشبه بالبشر (anthropomorphique) السابقة.
ويعتقد إن عملية التفكير هنا عبارة عن تصورات فلسفية مجردة حول الكون والحياة ودائماً ما يرجع الواقع لمبادئ أولية.

3) العصر الوضعي:
والذي يصفه كونت على أنه (الحالة الرجولية لعقلنا) حيث يرفض الذهن الوضعي عن (لماذا نهائية) بخصوص الأشياء من أجل تفحص الوقائع وقوانينها الفعلية، أي علاقتها الثابتة في التعاقب والتشابه. إن اللجوء إلى الوقائع إلى التجربة واختبار الواقع هو ما يسمح بالخروج من الخطابات التأملية، هذا هو المبدأ الأول في الوضعية، في حين إن الذهن الميتافيزيقي يلجأ إلى تصورات أبدية وكونية لا يُخضعها للواقع، فإن الذهنية الوضعية تواجه الفرضيات مع العالم الواقعي.(2)

لذا تقوم الوضعية على التخلي عن التأملات التي لا طائل منها والتصورات الآتية من التخيل، كي تقتصر على معارف تجريبية وملاحظة للواقع.
وتقسيم تطور الفكر البشري ومروره بهذه المراحل هو غير سليم وغير دقيق، لأن كل مجتمع بشري وحتى في عصرنا الحاضر لا يخل من هذه المراحل، بل إن كل مجتمع توجد فيه هذه التصورات ولم نجد مجتمع خالي من طفولية الفكرة أو شبابيتها أو وضعيتها بحسب تعبير كونت، بل إن طبيعة أي مجتمع تعاني تكيفاً وتطوراً على غرار الواقع الذي تتواجد فيه، فقد تميل مجموعة بشرية في تعيش في مجتمع معين إلى الأختراع وإيجاد أشياء لم تكن موجودة، وقد تميل الأخرى إلى أن تكون فكرية وذات سمات تفكير نظري أكثر من غيرها وفي نفس الحقبة الزمنية، وما يفرض هذه الميولات هو الواقع نفسه وحاجاته، والحاجة هي من تصنع وعياً معيناً وهي من تنشأ عقلنة خاصة بهذا المجتمع دون غيره.

فلوكانت حاجة البشرية الآن وميولاتها بنسق واحد وبمستوى واحد، لكان الوعي نفسه عند الجميع، في حال إن الطبائع المختلفة لكل إنسان هي من تصنع مفارقات على مستوى المجتمع وعلى مستوى التفكير الفردي ووعي الأفراد.
ولا توجد نظرية واضحة وحقيقية في سبب تغير وتحرك المجتمعات من حالة إلى حالة أفضل أو أدنى، إلا إن الملاحظ هو إن الأديان لعبت دوراً بارزاً ومهماً في تحريك المجتمعات إلى الأمام في مناطق معينة، وكانت سبب في تدمير وعي المجتمعات في مناطق أخرى، ويعتقد إن السبب الأساسي في مفاهيم الإنسان نفسه وعقلانية الوعي التي يشكلها بما يستجيب لموضوع معين ولقضية معينة دون سواها.
فمثلا ازدهار مجتمعات معينة متدينة ومعتقدة بعقيدة ودين معين، وتخلف مجتمعات أخرى تمارس نفس العقيدة، أو عقائد أخرى يجعل عملية تشكيل العقلانية والوعي بها باتجاه قضية معينة مرتبطة ارتباط وثيق وغير منفك بالمفاهيم التي ينتزعها الإنسان المعني من تلك القضية أو الدين أو المعتقد، فلو كانت العقلانية والوعي بها (مجتمعيا) تهدف إلى نزع مفاهيم أكثر فائدة وأكثر إيجابية في عملية ترميم الوعي فتجد إن تلك المجتمعات تصح على طبقات ثقافية متعددة وأفكار جديدة وممارسة أخلاقية غير معهودة، لأن الإيجابية في تشكيل العقلانية تكون هدف في بناء وعي صالح لبناء الفرد والمجتمع وتقويض عمليات الهدم عنده بل وسيكون البناء تصاعدياً ولا يعاني هبوط مع استمرارية الحالة.

علم الاجتماع ودوره في بناء المجتمع:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعلم الاجتماع دور مهم في عملية إعادة ترميم بنية المجتمعات من خلال ما يقدمه من إحصائيات ونسب حقيقية ووفقا لما يأخذه عالم الاجتماع اليوم من إحصائيات واقعية وتتبع أحداث وتغيرات ونسب واقعية.

فدراسة عملية تطور العنف في نفس العائلة الواحدة، يستتبع بالنتيجة وجود عملية عنف على مستوى المجتمع، وكلما كانت العائلة أكثر عنفاً كلما كان أفرادها أعنف في تصرفاتهم مع الآخرين من أفراد المجتمع، وظهور مجتمع عنيف تمارس فيه ظواهر مخالفة لحالة الإنسان بكونه يمارس دوره كإنسان طبيعي يسير بقيم ومبادئ.

وقد لا حظ دور كايم أن الانتحار على الدوام أعلى في المدينة منه في الريف، وهو أكثر في العزوبية منه في حالة الزواج، وأكثر عند المتزوج من دون أبناء، وأكثر في حالة غياب الدين منه إذا كان الفرد جزءا من جماعة دينية، كذلك يقل انتحار الفرد عندما تكون بلاده في حالة حرب أو هي في أزمة اقتصادية قاسية، أي إن الروابط الاجتماعية تعيد اللحمة في الحالات العصيبة.
وما نلاحظه نحن إنه كلما ضعفت نقاط المجموعة الرابطة كالدين مثلاً أو العائلة ككل كلما فقد الفرد في المجتمع نقاط الاستناد في المجتمع وخروجه عن المجموعة، وهذا ما يجعل الفرد في المجتمع الغربي يذوب في الدولة ويعطيها قدسية كبيرة، بعكس الفرد في المجتمعات العربية يقدس المجموعة (كالعشيرة مثلاً، أو المذهب بكونه نقطة قوة له، أو الحاكم بكونه من حاشيته) دون اهتمامه بما يجري على الآخرين.

وموت الفرد وذوبانه بمفهوم الدولة أهون من موته وذوبانه بمفهوم المجموعة والزمرة رغم الرابطة القوية التي تصنعها والقوة التي تعطيها للمجتمع، لأن الدولة تمارس دوراً بكونه الممثل لكل الزمر والمجاميع في المجتمع، بعكس المجموعة في الدولة التي تمثل زمرة واحدة.

والمقارنة الي نلاحظها والتي نوه لها دور كايم هو إن المجتمع القديم يتصف بتضامن ميكانيكي، حيث يمكن للأفراد أن يحل بعضهم محل البعض (راح شيخ أمحمد، أجه سيد علي) أي هو استبدال لأسماء لا لمفاهيم، ولشخصيات لا لآراء وأفكار ومعتقدات، فوعيهم بكامله مهموم بالأخلاق والمعتقدات الجماعية.

في حال إن المجتمع الجديد يتصف بتضامن عضوي، مؤلف من أفراد متمايزين بشكل صريح بسبب تأثير تقسيم العمل، وللوعي الفردي دور مهم وبارز في واقع المجتمع، فاينشتاين لا يمكنه أن يكون هو نيوتن، كما إن الفرد البروتستانتي والقهر الذي يشعر به لا يمكنه أن يكون شبيه بالكاثوليك أو اليهود الذين هم أقل قهرا من المسيحية نتيجة الصراع الذي مرت به، كما إن القهر الذي يشعر به المتعلم والمفكر أو المثقف ليس كالقهر والهم الذي يشعر به الغير متعلم والغير مثقف، فترى إن المتعلمين ينتحرون بنسب كبيرة في الغرب، على عكس غير المتعلمين.

كما ونلاحظ وجود ظاهرة العسكرة (تجييش أفراد المجتمع) لدى المجتمع العربي أكثر منه عند المجتمعات الغربية وغيرها، وقد زادت هذه الظاهرة بحيث أدت إلى بناء تشكيلات مسلحة ومن طراز العسكرية المدربة بجدية وتهيئتها كحالة بديلة عن هيبة الدولة وكيانها وأجهزتها، وعسكرة المجتمع العربي هي من الظواهر الخطيرة التي نمر بها لكون عملية العسكرة تستلزم التبعية العمياء الخالية من التفكير للقيادة، وهذا بدوره سيهدم أسس المعرفة في مجتمعاتنا.
وخير دليل على عملية العسكرة الجديدة في البلاد العربية هو العسكرة في الفكر السني بعنوان (القاعدة وداعش والنصرة وغيرها، وعسكرة الشيعة في الجانب الآخر، فظاهرة المشي على الحسين ابن علي (ع) لم تكن معهودة وليست شعيرة لدى الشيعة بحسب نصوصهم ولا يوجد أي آثر نفسي أو فكري أو عقائدي على نفس وكيان الشخصية التي تمارسها بقدر ما تبني منها شخصية عسكرية مجهزة للقتال، وهذه ظواهر خطيرة بقدر بقائها، فممارسة العقائد شيء بحسب عقلانيتها ومخالفتها لمدنية المجتمع وعملية وعيه شيء آخر.

مفهوم الوعي وإفرازات الواقع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن مفهوم الوعي بقي أسير نظريات وأفكار ولا يوجد تعريف ومفهوم حقيقي باتجاهه إلا إنه يقال إن الوعي هو "" مجيء الأنا إلى العقل "" بحسب بعض الفلاسفة.
وحسب ميكانيك الكم هو إن الشيء نفسه يعيش الحياة والموت فعبارة (قطة شرودنكر حية وميتة في الوقت نفسه) عبارة علمية تنتمي لنظرية ميكانيك الكم.
ولو طبقنا عملية الوعي بهذه العبارة ومع غياب الجانب العلمي تصبح باطلة ومتناقضة في آن واحد لاستحالة أن يوجد الشيء بوجودين لأن الوجود واحد في مقابل العدم، إلا إن ميكانيكا الكم تجعل عملية الوعي بهذه العبارة صحيحة باعتبار وجود أكوان أخرى، والأشياء تستحيل إلى الدقائق والأجسام الدقيقة، فقد تكون قطة شرود نكر الآن في عالم من عوالم الكون لاستحالتها شيئاً آخر بعد موتها.
إلا إن وعينا بالقطة وماهيتها نفسه ولم يختلف، إلا إننا وفي نفس الوقت صدقنا بكونها موجودة في عالم آخر غير مرئي، وصدقنا بوجودها مستند فقط للنظرية العلمية، لذا فالوعي أسير نظرياتنا التي صاغها وعي سابق لنا ونحن جل ما فعلناه وعينا بذلك الوعي السابق، أي تحصيل الأنا الخاصة بنا بالخارطة التي كونها الدماغ لينتج العقل.
ومع إن مفهوم الوعي وتعريفه ليس دقيق عند كل الفلاسفة، إلا إن بمجرد شعورك بالأنا مع وجود عملية عقلنة بها وبصور الدماغ يكفي أن تسمي تلك العملية (وعي) والوعي يحتاج إلى وجود (أنا) وعاقل وما يقوم فوقهما هو الوعي.
ومع بقاء مفهوم الوعي أسير النظريات وآراء الفلاسفة والمفكرين وحيث إن هذه النظريات وبمجرد التفكير بها ستجد السهولة في نقدها وذلك لعدم ارتكاز مفهوم الوعي على قاعدة أو منطلق أصيل نتحرك منه، إلا إننا وببساطة نقول إننا جميعاً كعقلاء نشعر بوعينا وبعملية الوعي لدينا أو هو العمليات التي فوق عملية العقلانية أو هو المعرفة بأننا نعقل الأشياء بعد خوضها في عمليات التفكير والاستيعاب.
وأما وعي المادة فهو إشكال جدلي أثير مؤخراً بعد دراسة نظرية الكم ومعادلة شرود نكر وقد هيأة تفكير جديد حول المادة بوجودها ومفهومها.

فمثلاً في بعض الأحيان يعترف البعض بأنه لا عدم وإن الظاهر للعيان هو الوجود وهو السبب في انعدام تعريفه لشدة ظهوره والوجود يحتاج لموجد وواجد لكون انبثاق الشيء من العدم وبلا مؤثر محال، في حال إنهم يعتبرون الموت هو عدم وفناء نهائي للإنسان ولوجوده في حال إننا نعي وبصورة واضحة وفي مقابل النظريات العلمية بأننا سنستحيل شيءً آخر على مستوى البدن، إلا إن السؤال الذي يطرح هل إن عمليات الوعي التي مارسها الإنسان كانت مفصولة عن بدنه مع إن الدماغ عبارة عن خلايا تنتج تفاعلات كيميائية تصنع خارطة الدماغ.
وعندما يطرح سؤال (ما الذي يدفع هذه الخلايا للعمل بهذه الطريقة) ؟؟؟ .

فسيسارع المتدين إلى إرجاع العلة للخالق وهو الله ومن دون عملية تفكير بالمسألة، لأنه مسلم مسبقاً بأن كل شيء من الله وإلى الله.
وحتى لو صح هذا الأمر إلا إن عملية التسليم للقضايا والأحداث الواقعة وإرجاعها لمسبب فقط وعلة واحدة هو أمر خطير ويؤثر على عملية وعي افراد المجتمع وهم يقوم بتفويت الفرصة على صناعة أي عملية عقل وعقلانية لهم ولبيئتهم لكشف واقعهم وقضاياهم المصيرية التي هي أغلبها نتاج أخطائهم المتكررة والتقاعسية.

كما وإن التسليم المتكرر للأحداث أو ما يحدث في الكون أو المجتمع لمصدر واحد هي عملية مدمرة للوعي وناكثة لعهد الإنسان الذي عهده بوجوده ككائن مفكر وعاقل يعي ويعقل ويحلل ويستنتج ويحل قضاياه المصيرية بنفسها ويضع لها الحلول، ودائماً ما تكون هذه الطريقة دافع لسلوك طريق اليقين والحقيقة وبلا تفكير، وهنا يكون الوعي منقوص نتيجة يقينيات صادقة أو غير صادقة لكونه لا يعي صدقها إلا من طريق المسلمات المسبقة المستوحاة من تدينه فقط لا غير.
كما وقلنا سابقاً بأن الوعي هو نتيجة الأنا والعقل الناتج من الخارطة التي يكونها الدماغ، ولا دليل عليه سوى شعورنا بذلك عند إتحاد الأنا مع العقل لا غير وهذا الشعور هو كافي لفرض حصول عملية الوعي، لأنك الوحيد من يملك هذا الشعور وبالتالي حصوله عند حصوله واقع عملي يسلكه الشعور بمعرفته الحسية.

ومع إن الوعي متفاوت والشعور به متفاوت تبعاً لدرجة الوعي الناتجة من مستوى العقلانية التي يبنيها الفرد لنفسه، أو التي يصنعها المجتمع لأفراده، إلا إن الوعي هو إسير عقلانية الفرد والمجتمع وهو الذي يصنع وعيه ويبني مفاهيمه.
وكل سلوك يقوم به الإنسان هو نتاج عملية التعلم التي يمر بها، وأي سلوك مضطرب هو نتاج عملية تعلم خاطئة من البيئة أو المحيط الذي يتواجد فيه الإنسان .
وللبيئة دور مهم في تعلم السلوك أكثر من دور العامل الوراثي للإنسان، وعندما ننظر إلى سلوك بعض الأفراد نراه مرتبط بمثيرات معينة تلحقها استجابة معينة مؤطرة بعنوان طويل عقائدي أو فكري يلتصق بذلك السلوك فيظهر وكأنه هو المؤثر لأسجابة بعض الأشخاص ذو السلوك المضطرب، وكما يحصل اليوم في المنطقة العربية .

فإفرازات المحيط والبيئة العربية كانت ولا زالت تنتج سلوكيات مضطربة لأشخاص يعانون مشكلات اجتماعية مع الغير، وكما هي الحركة الوهابية والحركات المتطرفة وأفرازاتها المضطربة بالسلوكيات العبثية .
ومن يدرس علم السلوك النفسي، والتاريخ سوية بموضوعية ومنهجية أكاديمية يجد إنه لا دور للدين في صناعة هكذا سلوكيات مضطربة وعبثية، لأنها كانت تمارس قبل إعلان الشريعة الإسلامية وقبل وجود أي حركات دينية على وجه البسيطة، بل إن دور الدين يستجاب له بطريقة فطرية فتلصق تلك السلوكيات المضطربة تلقائيا بالأديان نتيجة الانتقال من حالة مضطربة إلى حالة تستجيب لها تلقائياً وبدون مقدمات .
لذا فسلوكيات البيئة العربية هي بطبيعتها مضطربة وتعيش الانهزام والنظر إلى الآخر بكونه الأفضل على الدوام، لذا فلم تستطع وعلى مدى هذا الزمن الطويل أن تكون مجتمع مثالي وذو سلوك قويم ومتعايش بحب وسعادة ومتوافق فكرياً بالرغم من كون الشريعة التي يحتكمون لها واحدة.
ونحن نعتقد وكما يعتقد الكثير من المفكرين اليوم إنه قد أبتلي الإمام أحمد ابن حنبل، كما أبتلي الإمام مالك وأبي حنيفة وغيرهم بأنهم أصحاب مذاهب دينية على مستوى الفكر الإسلامي.
ومن خلال تتبع الكثير من العلماء لهذا الأمر، وجد إنهم قدم آرائهم ومفاهيمهم حول الدين وشريعته، ولم يقدم مذهب ومدرسة لغرض أن تتبعهم طائفة من الناس دون أخرى وتصبح الأمة شذر مذر، إلا إن خوفهم وصمتهم في ذلك الزمن وخوفهم من السلطان هو ما جعلنا لا نسامحهم في ذلك وإرشاد العامة للدين وفهمه .
لأن عبارة مذهب فكري أو مدرسة فكرية هي عبارة عن برمجة الإنسان على طريقة فكرية معينة دون أخرى والقبول برأي دون آخر، وهذا ما جعل البعض مبرمج على مذهبه دون الآخر، ويجعله وعيه أسير المذهب وأفكاره فقط لا غير لذا نرى إن منطقة الصراع الطائفي في البلاد العربية تتوسع ولا تضيق تسير ولا تتوقف.



مصادر البحث:
ــــــــــــــــــــــ
(1): علم الاجتماع، د. عبد الحميد لطفي، دار النهضة – بيروت 1981، ص 262.
(2): علم الاجتماع من النظريات الكبرى إلى الشؤون اليومية، ترجمة د. إياس حسن تحرير فيليب كابان – جان فرانسوا، دار الفرقد، ص25-26



#سجاد_الوزان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية والشخصية والعلاقة بينهما (الحادثة التاريخية)
- الدين وأزمة المتدين (قراءة في الواقع)
- قراءة التاريخ وعصرنته (رؤية فلسفية مختصرة)
- الظلم والمظلومين نظرة عن كثب في مسيرة الإنسان
- نظرة مختصرة في واقع الأمة العربية
- الإشعاعات الذرية استعمالاتها ومخاطرها وطرق الوقاية منها
- قانون السببية وخلق العالم
- الوجود والعدم ( Being and Nothingness ) ج3
- قراءة في التعددية الفكرية وشرعية الاختلاف
- قراءة في كتاب بداية التفكير الديني والبعد الكوني لسجاد الوزا ...
- الوجود والعدم ( Being and Nothingness ) ج2
- الوجود والعدم ( Being and Nothingness ) ج1
- الثقافة البصرية بين التغييب والترهيب والاستعادة
- القدرة الكونية ( كتصور مفهوم وأزلية المادة ) The capacity of ...
- الهروب إلى الجحيم الإنساني ( الباطن يحترق )
- القدرة الكونية ( الصدفة وعلاقة المادة بالطاقة) The capacity ...
- القدرة الكونية ( مرجعها بين وجود المطلق ونسبية الموجود ) The ...
- موت الثقافة وانهزام المثقف ( العراق أنموذجاً )
- العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci ...
- العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci ...


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سجاد الوزان - سوسيولوجيا المجتمع (بين عقلانية الفرد وتكوين الوعي الاجتماعي)