أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فوزي بن يونس بن حديد - الألم سر الحياة














المزيد.....

الألم سر الحياة


فوزي بن يونس بن حديد

الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 10:09
المحور: كتابات ساخرة
    


يتألم الإنسان في حياته كثيرا، تنتابه هواجس الغضب، ينتقل من مرحلة إلى أخرى، يكتشف الأخطاء التي يرتكبها، ربما تعامى عنها وغضّ الطرف عنها، ربما لأنها لم تنهك حياته، لم تأخذ من وقته إلا قليلا، لم ينتبه لها الآخرون رغم أنها جسيمة، يتوجّع الطرف الآخر يكبت ألمه لا أحد يواسيه في مصابه، ظنّ أن العالم تغير، حوّل وجهته، لم يعد الجاني يهتم لنظرات الآخرين المريبة نحوه، استسهل الجرم فصار مألوفا، يتحسّر المألوم والمكلوم، يفرز تنهّدات عميقة تخرج من أقصى الفؤاد تعبيرا عن حزن بدأ يتنشر ويعم الجوارح كلها، يبحث عن الأمل فلا يجد إلا الألم يتصدر المشهد، حاول أن يغيّر حاله لكن حاله تفرض عليه أن يبقى في دائرة الألم، استسلم أخيرا للألم فوجد فيه متعة، لأنه عوده على جميل اسمه الصبر، ولأن الصبر جميل قال سيدنا يعقوب عليه السلام عندما فقد ولديه فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
يتألم الإنسان وذلك قدر محتوم، لأن الله عز وجل خلقه في الدنيا ليعيش المتناقضات، فيحزن ليفرح، ويتألم ليأمل، ويخاف ليأمن، ويموت ليحيا، تلك هي معادلات الوجود والفناء، لن يستطيع بشر القفز على هذه المعطيات لأنه في الأصل قاصر على تغيير المشهد كيف يغير وهو المجبول على فعل هذا أو ذاك ليس لديه خيار آخر غير الحياة أو الموت، فإما أن يحيا عزيزا رغم الألم وإما أن يموت ذليلا وقد غمّه الألم، يحتاج الإنسان إلى أسلحة لمواجهة الألم، لأن طبعه يرفضه فهو لا يرتاح أبدا في وجوده، يسبب له صداعا مريرا، يفتك بعقله ليلا ونهارا، يرصد كل خلية فيدمرها تدميرا بطيئا، يرفض تناول المسكنات والمهدئات، يمدد جسده على الفراش يضع يده على جبهته فيجدها ساخنة تفور منها حرارة تغلي غليان الماء تحت فوهات النار المشتعلة، تُرى ما يطفئ هذا اللهيب سوى الوجع نفسه عندما يغيب، عندما يعلن الهزيمة بعد أن ألحق بثورا واضحة على الوجه كأنها فقاعات تبشر بانفراج ولو بسيط.
فالألم محبوب وإن كان مكروها، ليست فلسفة ولكنه مكرمة من عند الله رب العالمين الذي خلق كل شيء بقدر، فالحقنة مؤلمة في ظاهرها ولكنها نافعة جدا للجسد الواهن الذي يبحث عن خلايا جديدة تجدد مناعته أو تحسِّنها، ولا يبدو أنها تتحسن إلا بالألم، ليبقى الألم عنوان الانتصار على النفس الموهومة بالكبرياء والفوز، والتاريخ يشهد على صحة هذه النظرية الفطرية في الإنسان ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولذلك قيل إن الإبداع لا يكون في شيء إلا دليلٌ على أن صاحبه تجرّع الألم صغُر أم كبر، فرحم الإبداع لا يقبل جنينا مشوّها، ولا يستقبل إلا نطفة مؤلمة تبحث عن بويضة تشاطرها الرأي ليتم التلاقح ويحصل الإبداع، الجنين الظاهر والمولود الباهر.
كل من لا يتألم لا يبدع، وإن أبدع بدون ألم يكون إبداعه مبتورا منقوصا لا متعة فيه، ومن لم يتلذذ بالألم لا يشعر بمتعة الإبداع، ومن لم يذق المرارة لا يشعر بالسعادة، فالقيام لأداء صلاة الفجر في جماعة مثلا يحتاج إلى عناء كبير، لأن ألم القيام علقم كبير وعقدة تكبّل روحه ويشغلها عن التفكير في مثل هذا الواجب في وقت يتلذذ فيه بنوم عميق، إن استسلم لشيطانه سيزداد تدثّره بالفراش وإن قام نافثا كل وسوسة ارتعدت فرائص الإبداع وانتفض الجسد معلنا الحرب على النفس الأمارة بالسوء، لا يشعر حينها بالمتعة بل يؤخرها المولى عز وجل إلى بعد انقضاء صلاة الجماعة، فاسأله حينئذ بماذا تشعر سيقول حتما بانشراح كبير.



#فوزي_بن_يونس_بن_حديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللجوء قسوة لا تنتهي
- أيها التونسيون ... أليس منكم رجل رشيد؟
- تركيا وسط النار
- المرأة ستظل مستعبدة مالم
- هل يفعلها السبسي مرة أخرى في الرئاسة؟
- إنه الانتصار لتونس الشعب
- الغنوشي يستحقها
- وانكشفت اللعبة الخفية
- قطع الرؤوس سياسة أموية
- جربة تنتفض على وقع النفايات
- أبو سرور الذي لم يمت
- هل هذه هي الحرية التي يريدها العرب؟
- المرأة وأزمة الاستعباد
- المرأة وأزمة الاستعباد
- أوباما يصرخ في الحادي عشر من سبتمبر
- آلآن وقد عصيتِ قبلُ
- الاهتمام بأمور المسلمين
- أمتنا في خطر
- لماذا تتزين المرأة؟
- -داعش- المحبوبة الملعونة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فوزي بن يونس بن حديد - الألم سر الحياة