أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بهميدن عمر - ملخص كتاب : منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر للدكتور مصطفى أبو ضيف (3)















المزيد.....


ملخص كتاب : منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر للدكتور مصطفى أبو ضيف (3)


بهميدن عمر

الحوار المتمدن-العدد: 4650 - 2014 / 12 / 2 - 23:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الفصل الثالث : في العصور الوسطى
أولا : كتابات أوربا الغربية
كانت امتدادا لكتابات العصر المسيحي الأول من إيمان بالخوارق الطبيعية واعتقاد في الجن، وقد شهدت الحياة العلمية تدهورا انعكست صورته على المفهوم التاريخي، وقد عبر المؤرخ الألماني "هنرخ فون" عن ذلك بقوله: "ولم يكن في تلك الفترة معيار للأحكام التاريخية، ولا إحساس بالحقيقة التاريخية، ولا النذر اليسير من الحاسة النقدية، بل ساد مبدأ الحكم المطلق والسلطة الدينية". وكان لانهيار الحضارة الرومانية وظهور الاضطرابات، وعقم التعليم بسبب فقد الكتب الهامة عن التاريخ الكلاسيكي القديم مثل ما حدث لمكتبة الاسكندرية، كان لها أثرا سلبيا على تطور الكتابة التاريخية خلال العصر الوسيط.
1 ـ الحوليات التاريخية :
كانت طريقة الحوليات في كتابة التاريخ هي الشائعة في القرون الأولى التي أعقبت انهيار الثقافة الكلاسيكية، وقد كانت متبعة في مصر القديمة وبابل، ويرجع ظهور هذا النمط إلى أوائل العصر الكارولنجي، وكان الدافع دينيا، وهو تحديد عيد الفصح تحديدا دقيقا، لذلك تم اسناد مهمة كتابتها إلى القساوسة والرهبان. وقد بدأ تنفيذ الفكرة في انجلترا ومنها حملها الراهب " الكوين" وأتباعه إلى القارة الأوربية، وكان يتم تدوين ـ في الهامش المقابل لكل سنة ـ الأحداث التي يعتبرها الكاتب مهمة، وقد امتازت بالاقتضاب الشديد، بحيث لا تتعدى الحولية ذكر السنة وأهم ما حدث فيها، حتى أن الصفحة الواحدة قد تشمل تاريخ عشرين سنة تقريبا، لذلك مع مرور الزمن ستعرف تطورا مهما.
2 ـ المدونات التاريخية :
ترتبط من ناحية النشأة والتطور ارتباطا مباشرا بالحوليات، وهي عبارة عن تلخيص لأحداث تاريخية لفترة من الفترات، يقوم على أساس حولية أو أكثر مع الاحتفاظ بالتنظيم والترتيب الزمني للأحداث. وكان كاتب المدونات التاريخية يبدأ بوضع مقدمة تتضمن سردا لأحداث العالم منذ نشأة الخليقة حتى يصل إلى العصر الذي يدون أحداثه، مما أضفى على الكتابة التاريخية في ذلك الوقت طابعا عالميا. وقد كان هناك تباين كبير بين المدونات التاريخية في العصر الوسيط، فبعضها كان حكايات شخصية، والبعض الاخر تناول تاريخ البيئة المحلية، في حين أن بعضها كان سجلا لدير من الأديرة، وهناك ما اختص بتاريخ مدينة معينة خلال العصر الوسيط، وأخرى بالحروب الصليبية...وهناك من الكتاب من كانت له الشجاعة على التعرض للأحداث الدولية في أوربا كلها.
3 ـ التراجم التاريخية :
تناولت سير وتراجم زعماء السياسة ورجال الدين، ونقلت النجاح الذي حققته بعض هذه الشخصيات في العصور الوسطى، غير أن تلك التراجم كانت مليئة بالملق والمداهنة، هذا فضلا عن الصبغة الدينية التي صبغت الحياة الفكرية في تلك العصور. كذلك كان هناك نوع من كتابة السير عرف باسم "الكاتالوجات" ويضم تراجم القديسين والرهبان والنبلاء في إقليم أو مكان محدد.
ـ ملاحظات عن كتابة التاريخ في العصور الوسطى :
ـ لم يكن هناك تجميع منظم ومرتب للمصادر، والدراسة والبحث.
ـ ضعف الاتصالات بين المجتمعات كان له أثر سلبي على الكتابة التاريخية .
ـ كانت نظرة مؤرخي تلك العصور للحياة بدائية ومليئة بالخرافات والمعجزات، وركزت كتاباتهم على الفترات التي عاصروها.
ـ الغالبية العظمى من المؤرخين كانوا من رجال الكنيسة ومن الرهبان، لذلك لا عجب في تجاهلهم للمناهج التاريخية، والتحليل العميق للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي اثرت في التطور التاريخي.
ـ منذ بداية القرن الثاني عشر بدأ استخدام اللغات القومية في كتابة التاريخ في كل من فرنسا وألمانيا وانجلترا، وهو ما حال دون احتكار رجال الدين للكتابات التاريخية.
ـ كان التقويم اليهودي لا يقل أهمية عن التقويم المسيحي، لذلك اتخذته أوربا منذ القرن التاسع الميلادي، وهو المعروف ب"سنة العالم" والذي يبدأ حسب اعتقادهم بتاريخ خلق الدنيا عام 3761 قبل الميلاد.

ثانيا : كتابات العالم الاسلامي
شهدت الحضارة الاسلامية في العصر الوسيط ازدهارا كبيرا، وهو ما كان له صدى في الجانب الثقافي، وترتب عليه ظهور عدد من المؤرخين العظماء على رأسهم "عبد الرحمان بن خلدون" الذي فاق كل مؤرخي العالم المسيحي في زمانه.
وقد امتاز المؤرخون المسلمون بالقدرة على استنباط أحكام مستقلة، وسعة الأفق وعدم التعصب، فضلا عن تفوقهم في الإلمام بأساليب التقويم والترتيب الزمني للأحداث، غير أن النقد لم يكن عندهم أمرا أساسيا عند نقل الروايات والمأثور من الحديث والسنة، وبالتالي كانت أغلب الكتابات التاريخية عند المسلمين تدور حول العناية بالتاريخ الديني والسياسي، ولم يعن بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي سوى أقدر المؤرخين وأعظمهم ابتكارا.
وقد تم اقرار التاريخ الهجري كتأريخ للدولة الاسلامية في عهد "عمر بن الخطاب" بعد اتساع الخلافة الاسلامية، وحاجة الخليفة لمكاتبة الولاة وتأريخ كتبه إليهم، كما أن انفتاح العرب على كثير من الأمم والشعوب ذات الحضارات العريقة مهد لبزوغ حضارة ونهضة اسلامية كان للنشاط التاريخي نصيب وافر فيها.
وهناك عدة أسباب أدت إلى ازدهار الحركة التأريخية في صدر الاسلام منها :
ـ حاجة الخلفاء وحكام الدولة الاسلامية إلى معرفة أخبار أقرانهم من الأمم الأخرى للاستفادة من سياساتهم وتجاربهم في الحكم، ولهذا قيل أن معاوية كان يسهر ثلث الليل لسماع أخبار الملوك من العجم وسير العرب وأيامها.
ـ دخول كثير من الشعوب المختلفة في الاسلام، ومساهمتهم بتاريخهم مثل اليهود الذين أسلموا ويعلمون الكثير من تاريخ اليهودية، ويمكن الرجوع إلى الجزء الأول من تاريخ الطبري لمعاينة هذه المسألة.
ـ توجيه القران الكريم أنظار المسلمين إلى الاهتمام بالتاريخ وذلك بحكم ما فيه من قصص وأخبار الأمم السابقة، هذا فضلا عن أخبار الأنبياء منذ ادم حتى خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم.
ـ انتشار القصاص في كثير من أنحاء الدولة الاسلامية، وكانوا يقصون على الناس قصصا ذات صبغة تاريخية، وعلى الرغم من مبالغتهم في بعض الأحداث والمزج بين الواقع والخيال إلا أن أثرهم كان واضحا في تنمية الحاسة التاريخية عند الناس.
ويمكن إجمال أهم ألوان الكتابة التاريخية التي مارسها المسلمون فيما يلي :
ـ كتابة السير والمغازي : ويقصد بها سيرة الرسول وغزواته، وقد كان هذا النوع في البداية جزءا من الحديث، ثم انفصل عنه وألفت فيه كتبا خاصة. وكان أكثر كتاب السيرة الأوائل من أهل المدينة نظرا لهجرة الرسول إليها وانتشار الدعوة وخروج الغزوات منها، وكذا لأنها كانت العاصمة الأولى للدولة الاسلامية خلال معظم العصر الراشدي.
وأهم مؤرخي السيرة، ابن اسحاق وابن هشام وابن سعد، ويحتل ابن اسحق (151ه / 761م) مكانة خاصة بين كتاب السيرة، بوصفه أقدم من كتب سيرة منظمة لحياة الرسول، وقد جمع بين أساليب المحدثين والقصاص في كتاباته، معتمدا على الوثائق والمواد المكتوبة والروايات الشفوية، إلا أنه ينتقد لإعتماده على أهل الكتاب في الرواية ولأخطائه في الأنساب، وعدم تمحيص المصادر.
أما مؤرخي المغازي الدين تطورت الدراسات التاريخية على أيديهم فمن أشهرهم "محمد بن عمر الواقدي" ( 130ه ـ207ه) صاحب كتاب "المغازي" ـ أي غزوات الرسول وسراياه ـ وقد كان يتميز بالدقة في استعمال الاسناد، وتحقيق تواريخ الأحداث، كما أنه كان يهتم بالتفاصيل الجغرافية خاصة ما اتصل منها بمواقع المعارك. ويلاحظ تأثر كبير من كتاب السيرة والمغازي بالمنهج التاريخي الاسلامي في رواية الخبر ونقده، كما تفاوتت دقتهم تبعا لاختلاف مصادر أخبارهم وفتراتها الزمنية.
ـ كتابة الوقائع الاسلامية : وهي تاريخ الحوادث الاسلامية، من فتن داخلية وحروب مع الأمم الأخرى من فرس وروم وهنود وغيرهم.. ومن أسباب عناية المسلمين بتدوين هذه الوقائع ارتباطها بمسألة الجهاد، وما يدخل في ثناياه من معاملة أهل الذمة وتحديد الجزية والخراج..
ولم تصلنا كتابات رواد هذا الصنف من التدوين، إلا ما ورد من مقتطفات منسوبة إليهم في مؤلفات كل من البلاذري والطبري..ونذكر منهم "أبو مخنف" الذي كتب عن الردة وفتوح الشام والعراق..و "عوانة بن الحكم" الذي كتب سير معاوية وبني أمية..و "نصر بن مزاحم" الذي تدور كتبه حول الموضوعات التي تهم الشيعة وتدافع عن وجهة نظرها...
ـ كتابة الأنساب : عرفت الأخبار المتعلقة بأنساب القبائل العربية بالتراث القبلي، وقد حاول الرسول وضع الحد للعصبية القبلية وإحلال مبدأ الأخوة الاسلامية محلها، لكن بعد وفاته عاودت العصبية أدراجها، وكان المسلمون ينحازون في القتال إلى قبائل. ويروى أنه لما دون عمر بن الخطاب ديوان الخراج راعى الاعتبار الديني والاعتبار القبلي معا. وقد شجع الأمويون ابتداءا معاوية دراسة الأنساب، وسار على نهجهم العباسيون من بعدهم، على أنه مع مرور الوقت وتغلغل روح الاسلام في القلوب أخذت النزعة القبلية تخف تدريجيا، الأمر الذي أدى إلى تناقص الاهتمام بتاريخ الأنساب.
ـ تاريخ الأمم والأديان الأخرى التي دخلت الاسلام : أدى إلى ظهور هذا النوع من الكتابة التاريخية رغبة المسلمين في الوقوف على أصول الأمم التي فتحوا بلادها، والوقوف على تاريخها وعقائدها، كما أن القران الكريم لفت الانتباه إلى كثير من أخبار النصارى واليهود والروم وغيرهم..هذا بالاضافة إلى كون المسلمين الجدد يعرفون تاريخ أممهم، فمنهم من دونه اعتزازا به، ولعل هذا الذي دفع "ابن المقفع" وهو فارسي الأصل إلى ترجمة العديد من كتب الفرس، كما كتب "أبو حنيفة الدينوري" الأخبار الطوال" وهو أعجمي الأصل.
ـ كتب التراجم والطبقات : أي سير الأفراد من مشاهير الناس الذين لهم أثر في علم أو سياسة أو تجارة أو حرب أو حكم أو دين...وكان لعناية مؤرخي المسلمين بتسجيل فضائل الصحابة أثر كبير في نشأة كتابة التراجم. ومع اتساع الحركة العلمية شرع تدريجيا في جمع تراجم المشاهير في شتى ضروب النشاط البشري في كتاب واحد، مثلما فعل "ابن خلكان" في كتابه وفيات الأعيان، و"القفطي" في كتابه أخبار الحكماء. و"ابن أبي أصيبعة" في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء وغيرهم..وقد تناولت هذه الكتب شتى جوانب الحياة السياسية، والنظم الاجتماعية والاقتصادية، والننشاط العلمي في العصر الذي يعيشه المترجم له. والملاحظ في كتابة السير والتراجم أن المؤرخين المسلمين اتخذوا سنة الوفاة أساسا للتاريخ وتحديد الوضع الزمني للشخصية المذكورة.
ـ كتب الحوليات : ويقصد بها الكتب التي تعالج التاريخ مسلسلا وفق تعاقب السنوات، حيث يبدأ المؤرخ بالكلام عن بدء الخليقة وقصة آدم وحواء، ثم يتدرج في ذكر الأنبياء والرسل والأمم البائدة ومشاهير الحكام حتى يصل لذكر مولد الرسول وسيرته، فيلتزم في هذه المرحلة بالتاريخ الهجري، فيعالج الأحداث سنة بعد أخرى متتبعا مسيرة التاريخ الاسلامي.
ومن أشهر رواد هذا الصنف "خليفة بن خياط العصفري" (توفي سنة 246ه) و"محمد بن جرير الطبري" (ت310ه) و"المسعودي" (ت346ه) و"ابن مسكويه" (ت421ه)..وفي العصور التالية اشتهر "ابن الأثير" في القرن السادس الهجري و"المقريزي" في القرن التاسع الهجري وغيرهم...
ـ التواريخ المحلية : وهي التي تعالج تاريخ مدينة معينة، مثل مكة أو المدينة أو بغداد أو القاهرة أو فاس...ومع أن التواريخ المحلية في الاسلام نشأت من الاعتبارات الدينية والفقهية إلا أنه كان من البديهي ألا يغفل المؤرخ تاريخ بلده، ولو كان يكتب عن إقليم اخر. ومن أمثلة هذا الصنف "الأنيس المطرب بروض القرطاس" لابن أبي زرع. و"المؤنس في أخبار افريقية وتونس " لابن أبي دينار وغيرهم...
ـ كتب الخطط : هي عبارة عن موسوعات تاريخية وأثرية وجغرافية، وقد ازدهر هذا اللون عند المسلمين في أواخر العصور الوسطى، وفيه يتناول المؤلف بلدا من البلدان فيشرح معالمه الطبيعية، وأقسامه الادارية وتاريخه منذ القدم وأشهر ما فيه من مدن، ويذكر خطط تلك المدينة وطرقاتها وأسواقها، وأشهر ما فيها من منشآت اقتصادية واجتماعية ودينية..و غالبا ما يقف عند كل مؤسسة أو أثر ليذكر شيئا من أخبارها وسيرة مؤسسها.
ـ أصول وخطوات المنهج الاسلامي :
ـ نقد المعرفة النقلية بالشك في أهلية ناقل هذه المعرفة، ثم في المعرفة ذاتها، وهو ما اصطلح القدماء على تسميته بنقد الخبر.
ـ تحليل المعرفة التاريخية بالقيام بمرحلتين نقديتين: أولاهما نقد خارجي، ويتضمن تصحيح الوثيقة ونقد المصدر والترتيب النقدي للمراجع ونقد التحصيل. وثانيهما نقد داخلي، أي نقد الأمانة والدقة (العدالة والضبط) ونقد التفسير (المتن).
ـ تركيب المعرفة من خلال تجميع الوقائع ثم البرهان، وتشييد الصيغ وأخيرا العرض. (لكن هذا الأمر لم يكن في بداية التأريخ الاسلامي).
ـ في القرن الثامن الهجري وضع "ابن خلدون" نظرية في النقد التاريخي، تقوم على الشك في المعرفة التاريخية القديمة التي تقوم على النقل فحسب دون النقد والتفسير والتعليل.
تطور الكتابة التاريخية الاسلامية ما بين 240ه إلى 808ه :
فقد شهد النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ظهور مؤرخين لا تحدهم مدرسة أو اتجاه، وأول ممثل للتطور الجديد هو "خليفة بن خياط" وهو يتناول تأريخ فترة من تاريخ الاسلام تمتد من السنة الأولى للهجرة وحتى سنة 232ه، استهلها بميلاد الرسول، ثم يسوق أخبار كل سنة على حدة وما جرى فيها من أحداث ومغاز وثورات، ويذكر عهد كل خليفة وولاته في الأمصار...وبهذا العمل فهو يقدم بالاضافة إلى التاريخ السياسي الأساس الأول لدراسة تاريخ الادارة والقضاء في الدولة الاسلامية. ويلاحظ أن خليفة اعتمد في رواياته على أئمة الحديث والاثار من أهل السنة، وأهمل روايات من مالوا إلى مذهب الشيعة.
ـ "البلاذري ـ توفي 279ه" : له كتابان مهمان هما فتوح البلدان و أنساب الأشراف كان ينتقي المادة التاريخية بعد الغربلة والنقد، ويتجنب إيراد روايات متعددة حول الحادث، وقد أورد الكثير من المعلومات القيمة عن النواحي الثقافية والاقتصادية والادارية. ويتميز البلاذري بنقده للمصادر قبل الأخذ عنها ويعطي أهمية خاصة للروايات التي تعود لمنطقة وقوع الحدث.
ـ "اليعقوبي ـ ت284ه" : يعتبر تاريخه خلاصة وافية للتاريخ العالمي قبل الاسلام، ثم التاريخ الاسلامي حتى سنة 259ه. وقد راعى التسلسل التاريخي للفترات والحوادث، فهو يبدأ بالخليقة ثم تاريخ الأنبياء ثم التاريخ الايراني وتاريخ العرب قبل الاسلام ثم يتناول تاريخ الأمم الأخرى القديمة مثل الآشوريين والبابليين والهنود واليونان والرومان والمصريين والبربر والحبشة والزنوج والترك والصينيين...ويعتمد اليعقوبي على المؤلفات المترجمة، وكان يتبع أسلوب الانتقاء من الروايات بعد التدقيق، ولا يرى ضرورة لإعطاء الأسانيد.
ـ "ابن قتيبة ـ ت270ه" : هو صاحب كتاب المعارف الذي يتناول التاريخ العالمي من الخليقة إلى أيام المعتصم. وقد اعتمد على مصادر مكتوبة وشفوية، وكان أول من اعتمد على العهد القديم مباشرة، وتميزت مادته التاريخية بالحياد وبالتأكيد على الحقائق.
ـ"الطبري ـ ت310ه" : صاحب كتاب" الرسل والملوك" كان أسلوبه في الكتابة التاريخية متأثر بدراسته وثقافته كمحدث وفقيه، لذلك فالروايات عنده تتوقف على قوة أسانيدنا، لذلك شاع تاريخه وتداوله المؤرخون المسلمون من بعده حتى صار عندهم بمنزلة "ليفى" عند الرومان. إلا أنه يعاب على الطبري عدم استعمال أدلة عقلية لتمحيص الأخبار.
ـ "المسعودي ـ ت345ه " : نبذ طريقة الطبري في التأريخ الحولي، ورتب تاريخه "مروج الذهب" وفقا لتسلسل الخلفاء والأسرات الحاكمة والموضوعات. وقد وصف بأنه هيرودوت العرب لقدرته على الاستطلاع والتأمل والحماسة في جمع المعرفة، كما أنه تميز بإدخال العلوم العقلية كالفلسفة إلى حيز التأريخ.
ـ "ابن مسكويه ـ ت421ه" : كان من المعجبين بالطبري، وتميز بالذكاء النادر وبالإلمام بكثير من المعلومات الجديدة، خاصة ما تعلق منها بالأمور الإدارية والحربية، لذلك جاء كتابه "تجارب الأمم" بمعرفة جديدة، وامتاز أيضا بصدق الأحكام والبعد عن الهوى حتى فيما كان يكتبه عن الحكام المسلمين.
ـ "ابن خلدون" : يعتبر أحد مؤسسي التاريخ الاجتماعي أو ما يسميه هو "علم العمران" وهو الأساس الذي بنى عليه فهم التاريخ وكتابته، فهو يرى أن المجتمع هو الذي يخلق الانسان لا التاريخ، ولفهم هذا الانسان يجب فهم الأحوال التي تغير المجتمعات. وقد اهتم علماء الماركسية بفكره بسبب تركيزه على العوامل المادية في التاريخ لا على العوامل الالهية، واهتم به أيضا علماء السياسة لتحليلاته العميقة لطبيعة السلطة وتقلب الدول.
ويحسب لابن خلدون نقله حقل التاريخ من الحديث الفردي إلى الأحوال العامة، أي أنه على المؤرخ الإلمام بعوائد البشر وكيفية كسبهم، وبالأفكار والمذاهب التي تنشأ في الأمم والدول المختلفة وبيئة هذه الأفكار. وهذا يعني أن التاريخ عند ابن خلدون لا يعرف حقيقته إلا بالرجوع إلى البيئة (العمران) التي يتحرك فيها، مما سيؤدي إلى اكتشاف المؤثرات الخفية التي تتحكم بمسيرة التاريخ، وهو لا يتمحور في الصراع بين الخير والشر كما في التأريخ الديني، ولايتمحور أيضا في سير العظماء كما في التأريخ السياسي، بل هو تفاعل بين البشر والبيئة ومنه يمكن استنباط المبادئ والأسس الاجتماعية التي تجري عليها أحداث الماضي. ورغم كل هذا توجه بعض الانتقادات لابن خلدون من قبل اعتباره مؤرخا رسميا أو بلاطيا، وعدم التزامه بالمنهج الذي سنه في مقدمته، لكن الراسخ أنه كان كما وصفه المؤرخ الانجليزي "توينبي" : نجم مذنب لمع في سماء الحضارة العربية الاسلامية.
ثالثا : أثر التاريخ الاسلامي في الفكر التاريخي الأوربي :
المعلوم أن العرب قد ورثوا حضارة من سبقهم، فقبسوا منها وأخذوا عنها، ثم أضافوا إليها الكثير، وهكذا بدأت أوربا بدورها ـ إبان نهضتها ـ تنقل وتترجم المؤلفات العربية في مختلف العلوم، منها التاريخ. ثم أخذوا يؤلفون بعذ ذلك معتمدين عليها، وساعدهم على ذلك ظهور الطباعة.
فمنذ بداية حركة الاسترداد في القرن الحادي عشر الميلادي اهتم الملوك الاسبان بترجمة الكثير من الكتب العربية، وتم إنشاء مدرسة طليطلة للترجمة، وقامت مثيلتها في جنوب ايطاليا واستعانت بعلماء العرب لتدريس العربية ولنقل التراث الفكري الاسلامي، لذلك لا عجب أن الكاتب الايطالي "أليجري دانتي" صاحب كتاب "الكوميديا الالهية" قد تأثر ب"رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري وبما كتبه ابن عربي عن المعراج. ولاشك أيضا أن الحروب الصليبية التي استمرت من القرن الحادي عشر الميلادي وحتى القرن الرابع عشر كانت إحدى قنوات التواصل الحضاري بين الشرق والغرب.



#بهميدن_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - ملخص كتاب : منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر للدكتور ...
- - ملخص كتاب : منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر للدكتور ...
- وجهة واحدة ومصير مختلف...من مفارقات الحياة...


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بهميدن عمر - ملخص كتاب : منهج البحث التاريخي بين الماضي والحاضر للدكتور مصطفى أبو ضيف (3)