الحصار الاقتصادي للدونباس

عبد المطلب العلمي

الحوار المتمدن-العدد: 4643 - 2014 / 11 / 25 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

قام حكام كييف و بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانيه ، باتخاذ حزمه من القرارات التي تعني عمليا فرض حصارا اقتصاديا على الاراضي التي اصبحت تسمى جمهوريه دونيتسك الشعبيه و جمهوريه لوغانسك الشعبيه ، او بتسميه اخرى نوفاروسيا"روسيا الجديده" .اهم هذه القرارات هي مرسوم الرئيس باغلاق فروع جميع البنوك سواء الاوكرايينيه او الاجنبيه الحائزه على تصريح عمل من كييف ،على جميع الاراضي التي لا تخضع لسلطه كييف .عمليا تم حسب هذا المرسوم ايقاف حركه التبادل النقدي سواء داخل الجمهوريات او مع اوكرايينا و الدول الاخرى ،لعدم قيام المتمردين بتاسيس بنوك الى اليوم . في اليوم التالي قرر صندوق التقاعد المركزي ايقاف دفع رواتب التقاعد ، و حذت حذوه وزاره الرعايه الاجتماعيه بايقاف دفع جميع انواع المعونات ، كذلك اعلنت دائره الخزينه المركزيه عن ايقاف رواتب الموظفين الحكوميين .
كرد فعل و ليس كخطوه مجهزه سابقه حسب رائي ،قام الانفصاليين بتاسيس بنك مركزي (اسميا) و فرض باقه من الضرائب ،مثل ضريبه الدخل13% ،الضريبه على الارباح 20% ، الضريبه على الحرفيين بمبلغ مقطوع يتراوح بين150 الى300 غريفنا(بالمناسبه العمله الاوكرايينيه) .كذلك يوجد مصدر دخل مؤقت و هو الدخل من بيع الفحم الى اوكرايينا بمعاملات نقديه .هنا يجب الايضاح سبب اعتباري ان مصدر هذا الدخل مؤقت .المالك الرئيسي للمناجم و كذلك مصانع تخصيب الفحم و مصانع الحديد و الصلب الاوليغارخ احميدوف، كان قد هرب الى كييف تارك ورائه مصانعه و مناجمه التي تم اعلانها ملكيه شعبيه.امتنعت كييف عن شراء الفحم الدونباسي و لجأت الى شراء نصف مليون طن من جنوب افريقيا ، و تعاقدت على مثلها مع استراليا و على مليون طن من روسيا . الفحم الجنوب افريقي وصل و تم استهلاكه ،اما الاسترالي ما زال في الطريق و لم يصل بعد.اما الفحم الروسي فلا يصل بانتظام وذلك لان السكك الحديديه الروسيه لم تستطيع تامين العدد الكافي من المقطورات بسبب عدم حجزها من قبل اوكرايينا قبل فتره كافيه. لذلك ترسل كييف الشاحنات الضخمه (سكك الحديد مدمره) و يسمح الجيش لها بالمرور، فتشتري الفحم نقدا و تعود به الى اوكرايينا . طبعا بعد وصول الفحم الاسترالي و حل مشكله القطارات و المقطورات الروسيه ،سوف يتوقف"تصدير"الفحم.
هذا الحصار الذي و بلا شك خطط له المستشارون الاوروبيون و الامريكيون ، يضع سواء روسيا او الجمهوريات الجديده في وضع لا يحسدوا عليه . بعد ان توقفت عمليا المعارك الكبيره و لم تبقى الى على ثلاث محاور ،محور ديبالتسفو فهي عقده السكك الحديديه الرئيسيه في المنطقه،و محور ماريوبل كميناء بحري و محور مطار دونيتسك . و بعد قناعه كييف بانها عملاتيا غير قادره على دحر الانفصاليين ،هذا مع الاحتمال الكبير لخسارتها للمحاور الثلاثه اعلاه ،لجأت الى الحصار الاقتصادي.
هكذا اصبح امام روسيا احتمالان لا ثالث لهما،اما التخلي عن الدونباس او تحمل كافه تبعات الحصار ،اي تامين الدعم المادي الكافي للجمهوريات ، التخلي لم يدخل سابقا في استراتيجيه الكرملين ، في عقده المواجهه الروسيه الامريكيه ،كان يمكن جزئيا التخلي عن سوريا لكن عن اوكرايينا فالامر مرفوض و ليس فقط لاعتبارات جيوسياسيه بل و اقتصاديه ايضا . اما الدعم المادي ، فالحمل اثقل من ان تتمكن منه موسكو و خصوصا بعد العقوبات الاقتصاديه المختلفه التي تعرض له اقتصادها و التدهور الهائل لسعر النفط . روسيا ذات اقتصاد ريعي الى درجه معينه ،خام برنت اصبح اقل من 80-$- ،و خام اورال الروسي بالعاده ارخص بدولارين . فاذا اخذنا بعين الاعتبار ان مبلغ90-$- هي ثمن البرميل الذي يذهب الى الميزانيه العامه و ما فوقه يذهب الى صندوق الاستثمار السيادي.و بحسبه سريعه نرى عجز الميزانيه بما لا يقل عن12-$- عن كل برميل يصدر من النفط.و لا مجال لتعويض هذا العجز حيث ان اموال صندوق الاستثمار موجوده على شكل اسهم و اصول في البلدان الراسماليه و لا يمكن التخلص منها في وقت سريع . من جهه اخرى ثمن الغاز سوف ينخفض اعتبارا من الفصل القادم ،فكما هو معروف ان ثمن الغاز يحسب فصليا حسب معادله معتمده بها كثير من الثوابت و لكن متغير واحد هو معدل سعر برنت في بورصه لندن للثلاثه اشهر السابقه .
هذا من الناحيه الاقتصاديه ،لكن لا يمكننا اهمال العوامل السياسيه ،فلا الاتحاد الاوروبي و لا الناتو سوف يصمتوا اذا ما بادر الكرملين لتبني كامل للدونباس . من جهه اخرى الشتاء على الابواب ،فاذا لم يتم تدارك الامور فكارثه انسانيه على الابواب ،و لن يتهم احد كييف بها! . اتفاق مينسك ،الذي املت بموجبه روسيا تجميد المشكل على الاقل للصيف القادم.ذلك الاتفاق الوحيد الذي وقعه ممثلو الجمهوريات الجديده بالاضافه لممثلي كييف و موسكو. تلك الورقه التي كانت تعني حينها القبول بالامر الواقع و الانسحاب المتزامن للقوات لانشاء منطقه حرام و ادخال مراقبي وقف اطلاق النار و تبادل الاسرى و غيره الكثير،لم يتطرق الى القطيعه الاقتصاديه بل تطرق الى اقرار وضع خاص (للاراضي المحتله) الخ من الامور التي كانت تبشر بتجميد الاشكال. لكن يبدو ان هذا الاتفاق لم يروق للمعلمين في العواصم الغربيه . فاتت الاوامر اولا بالغاء مراسيم الوضع الخاص للدونباس ثم المراسيم الاقتصاديه . الكره الان في الملعب الروسي ،و اللاعب الروسي كبالع الموسى، فلا هو قادر على اخراجه و لا الى ابتلاعه للنهايه.

#عبد_المطلب_العلمي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات