أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد القادر الفار - الزوغزوانغ ... واستحالة اتباع الحق ..















المزيد.....

الزوغزوانغ ... واستحالة اتباع الحق ..


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 22:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اتباع الحق المطلق هو خطاب الحد الأقصى ....... وهو مسعى الحد الأقصى ... السقف الأعلى ... وفكرة "اتباع الحق" لا يمكن أن تغيب.... كخطاب وكشعار وكفكرة..... كحال كل خطابات الحد الأقصى، تشدّ في النهاية إلى حالة معتدلة من الطرف الذي كانت تدعو إليه... وإذا مالت عن الاعتدال باتجاه مُناها، جاءها جهد الطرف الآخر ليعيدها إلى رشدها، أبعد من خط الوسط، نحو انطلاقتها، وبهذا يكون الطرف الآخر قد مال، فتعيده هي إلى رشده خلف خط وسطه، حتى يتعادلا، فيميل أحدهما من جديد...

وذلك هو مثل الحق والباطل..

ولماذا لا يمكن اتباع الحق ؟.........

الاتباع يكون لمعرّف ....

والحق منثور نثرا .... ... متوزع على الخطابات والمواقف والسلوكيات والمشاعر والإرادات....in bits and pieces..... مخلوط حد الانحلال مع الباطل، خليلين وخصيمين...figure-ground ..... يجلي وجود أحدهما الآخر ويعرّفه..... وإذا كان الحق يعرف بذاته فهو أيضا يأخذ ملامحه بمعرفة الباطل، وكما أن الباطل يعرف بذاته فهو يأخذ ملامحه بمعرفة الحق .....

تتبع الحق يعني امساك كل هذه المحاليل بغية ترشيح الحقّ والباطل، والأخذ بالحق وترك الباطل، وهو أمر لا سبيل إليه.... ولو أمكن نظريا، فهو عمليّا مستحيل .... بمعنى أن تمثيل الحق الخالص على أرض الواقع غير ممكن...

فهل يمكن اتباع الباطل؟

حتى الباطل المحض لا يمكن اتباعه، ولكن... طالما أن كل ما لم يرتق إلى حد "الحق الذي لا يشوبه باطل" هو في النهاية باطل لمن أراد اتباع الحق..... فالناس بشكل عام هم أهل باطل، فضل أحدهم على غيره طفيف، ويشهد بذلك عارفو فضلهم من قوى الغيب التي هي أقرب لكل واحد من حبل الوريد............

الله أقرب إلينا من حبل الوريد...... لكننا في نفس الوقت نعرج إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ........ قريب حتى انه لأقرب للواحد من نفسه وبعيد إلى حد يصل بالبعض إلى إنكاره في الظاهر....... وكذلك الحق والباطل .... في بعدهما وقربها.......

بسيطة ..... طريق الحق إذا هو الطريق الذي يكون تركيز الحق في محلوله أعلى من تركيز الباطل ............... هذا هو الرد المباشر والظاهر والبسيط .... ولكن تركيب المحلول ليس مباشرا بحيث يمكن قياس تراكيزه...... بل ان محاليل هذا الوجود تخالط بعضها وتغير تراكيزها وتنقلب من حال الى حال.........ومن شأن إلى شأن ....حتى يصبح الحديث عن ترشيح حق لا باطل فيه استحالة لا ريب فيها

هذا عن الحق كمنهج.... أو كطريقة.... أو كمتلازمة من المبادئ ........ ولكن ... الحق أبلج في الجزئيات.. أليس كذلك؟ ..... قتل الناس مثلا... أن آتي لشخص من الباب للطاقة وأقتله .... هذا سلوك باطل لا يمكن أن نختلف عليه أليس كذلك .... ومساعدة شخص مريض او عاجز على تصريف أموره أو مساعدة يتيم أو إطعام مسكين، كل هذا حق لا ريب فيه... أليس كذلك........

نعم هذا باطل وذاك حق على المستوى الظاهر،، ولكن ما ان يزيد العلم بالتفاصيل، وببواطن مجريات الأمور، وبما حدث وسيحدث، حتى تبدأ الأمور تختلف..... فقد يصبح قتل ذلك الإنسان تجنيبا له ولغيره لقصة مأساوية كانت ستحصل لا محالة لو عاش... ويكون من قتله -حتى لو قتله عدوانا وظلما لا علماً بما سيحدث وتجنيبا له إياه- قد قام بالحق بنية الباطل ..... ومساعدة مريض أو عاجز قد يتبين أنها ستقود إلى شر كبير، لو علمه الفاعل ما فعله، فهو قام بالباطل بنية الحق .... ولكن الإجابة على هذا سهلة: الحق أبلج بقدر علمك به .... تصرف وفقا للعلم الأكيد الذي بحوزتك ...... اتبع الحق بهذه الطريقة .... وهذا يجعلك بريء الذمة..... ولنكن واقعيين، إن احتمالية شر ينتج عن مساعدة مريض أو خير ينتج عن قتل بريء هي أقل بكثير جدا من الاحتمال المعاكس، فافعل الخير الظاهر... جنب الناس الآلام وأعطهم ما يحتاجون، وزدهم من اللذات إن استطعت، وكن عادلا بينهم ... وكفى الله المؤمنين شر القتال....

أما إذا كانت الصورة الأكبر متاحة لك، وكان بوسعك تجنب الشر الأكبر من خلال شر ظاهر على المستوى الأصغر، وكان مردود الحق والخير أعلى... فاتبع ذلك الحق.... وقاتل أهل الحق الظاهر الذين سيقاتلون باطلك على المستوى الأصغر، الظاهر لهم... ولو قتلوك فهم على حق .... ولو قتلتهم فأنت على حق ..... وقديما قال الحلاج لقاتليه "اقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدين، وأكتب أنا شهيد"..........

وفي قصة موسى مع الخضر، إشارة رمزية إلى هذا التعقيد في الخير والشر.... فيروي لنا أحداثا فيها نية للحق وراء كل فعل باطل ..... ..حتى في ما يتعلق بالموت والحياة ... والقتل ... وكون الحياة الدنيا وراءها حياة أخرى لا يبطلها القتل... يجعل من يبصر ما يحدث للمقتول أو الميت بعد وفاته من استمرار لا يبالي للقتل قدر مبالاة أهل الظاهر الذين يفقدون الميت... حتى وإن غلّظ في تجريم القتل "فكأنما قتل الناس جميعا".......... فالتغليظ هو لأنه على مستوى من المستويات على الأقل سيكون الموت فاجعا...........

والقرآن بإخباره لنا هذه القصة، لم يهدف إلى أن يقول لنا إلى أن نية الخضر هي خير ولو فعل الباطل في الظاهر، فالخضر ليس معرّفا في القصة، ولا يذكر اسمه ولا يصفه..... بل الفكرة هي أن الحق والباطل يقود أحدهما إلى الآخر .... لذا فهو حين رواها لنا فتح لنا باب افتراض قصة أخرى.... يقوم بطلها بأفعال كلها خيّرة في الظاهر، ولكن كلها بنية الباطل....

ويروي بوذيو الزن القصة التالية:

فلاح مسن عمل لسنوات طويلة في الزراعة. ومرة فر حصانه بعيداً. سمع جيرانه الخبر فجاؤوا لزيارته. قالوا له بتعاطف: "إنه لحظ سيء" فقال: "ربما.

"وفي الصباح التالي عاد الحصان ومعه ثلاثة أحصنة برية. فاندهش الجيران وقالوا له: "إن هذا لحسن جداً" فقال: "ربما".

في اليوم التالي، كان ابنه يحاول ركوب أحد الأحصنة غير المروضة فرماه الحصان وكسرت ساقه. أتى الجيران مرة أخرى ليعرضوا تعاطفهم معه لسوء حظه فأجابهم الفلاح المسن: "ربما".

وفي اليوم التالي جاء رجال الدرك إلى القرية ليسوقوا الشباب إلى الجيش. وتركوا ابن الفلاح بسبب ساقه المكسورة. فهنأه جيرانه فقال: "ربما"................


الحياة سيناريوهات ظاهرة لأبطالها المباشرين، نيتك فعل الحق ضمنها، تجعلك تلتزم بالنص الذي تقرأه لدورك .... أي بمبلغك من العلم، أي أن الخضر لو رأى غلاما في الطريق وهو لا يعلم ما سيحدث من شر لو عاش، فهو مطالب بإكرام الغلام لا قتله، ولو قتله في هذه الحالة، فقد فعل إثما، حتى لو كان هناك خير من وراء الباطل، فهو لم يقصد الخير وإنما الباطل بفعله هذا .....

إنها الافيديا اذا ..... المعرفة الناقصة أو الخاطئة، هي شرط الالتزام بالأدوار.....وهي وراء تحديد الخير والشر في أي مستوى.... وليس لأهله طالما لم يتجل لهم المستوى الباطني له أن يحكموا بما لم يعلموا... (ما شهدنا إلا بما علمنا)...

ولو سقطت كل الحجب وعرف الكل كل شيء سيؤدي له كل فعل، سيتقيد الجميع، وسينظر جميع الممثلين إلى الكاميرا ثم إلى وجوه بعضهم، ولا يعود انطلاء أي شيء ممكنا بالمرة...

هذا السيناريو النظري لاتباع الحق ...... سيقود إلى حالة تعرف في الشطرنج باسم "زوغزوانج" Zugzwang.... حيث أي حركة تعني خسارة اللعبة ... وفي حالة الحق والباطل، سيصبح من حتميات أي حركة أن تميل بصاحبها عن الحق.......

هل الحركة هي الباطل والسكون هو الحق؟؟؟

ولا هذه ... بل كلاهما حق وباطل .... فالحركة إطارات والسكون شحمة..... والإطارات إلى الشحمة تبدو أحوج من الشحمة إلى الإطارات .... "تبدو".... و""لو"" اعتبرنا الحركة أو الإطارات هنا هي الباطل -فمن ناحية أخرى يمكن اعتبار الحركة بركة، وكما يقول المثل الإيد البطالة نجسة- فسيسهل علينا أن نفهم لماذا تحتاج خطابات الباطل أن تطعّم نفسها بشيء من الحق.... فتجد خطابا هو في جوهره دعوة عنصرية ولكنه يتضمن عدالة اجتماعية، أو خطاب حرب يدعو إلى العدالة .... الباطل يحتاج إلى بعض الحق ليروج لنفسه... بينما لا يبدو أن خطابات الحق تحتاج إلى تطعيم نفسها بالباطل، فالحق لا يحتاج الى الباطل ليروج لنفسه ...... وهذا لأننا محكومون بتقدم الزمن إلى الأمام،، فلا نلمح الحقيقة بسهولة، حقيقة نراها حين نعود ونمشي الطريق في الاتجاه المعاكس، فالخطاب العنصري مثلا الذي تضمن عدالة اجتماعية ظاهرة ليخفي نية الباطل، يمكن أن يصبح عدالة اجتماعية تتضمن خطابا عنصريا، وبنيّة العدالة الاجتماعية تتبنى خطابا عنصريا ضروريا... فالظاهر لنا أن الإطارات لا تستغني عن الشحمة لحاجتها إلى الحركة، بينما الشحمة لا تحتاج إلى الإطارات لتتجنب ألم سحقها بينها.... ولكن الشحمة بدون الإطارات تفقد تعريفها، ولا يعود هناك من ينتجها........

ولكن ........... ماذا لو أمكن نظريّاً ......... إنتاج خطاب يمثل الحق المطلق ............... استنطاق هذا الحق في أصفى حالاته ... ألن يكون خطابا أحق بالاتباع


في الحقيقة نعم .... سيكون أحق أن يتبع .... ولكن في نفس الوقت، لن يلاحظه أحد...... وإن فعلوا لن يهتموا له... ولو اهتموا لن يتبعوه..... فهو باهت للناظرين، ولا يغري أحدا بالاتباع، لا أهل الباطل الظاهر ولا أهل الحق الظاهر..

والعمل؟

العمل هو أن نمارس الحق الأبلج في حدود مبلغنا من العلم .... وفوق كل ذي علم عليم

وفائدة كل ما قلته في هذا المقال إذا؟

أن لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما أتانا....

ونتقبل ما نطيق تقبله..... من الأحداث بالذات ... ومن الخطابات .... ونوسّع دائرة احتمالنا وصبرنا ..... إلى أقصى مدى



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة -2
- الموقف من استمرار الوجود -4-
- الموقف من استمرار الوجود -3-
- مخافة الله... بين بوذا ومحمد
- الموقف من استمرار الوجود -2-
- الموقف من استمرار الوجود -1-
- دفاعا عن الماتريكس الحقيقي
- على أنقاض إيجو مهشم
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة
- دفاعا عن الحب المشروط
- معنى الرضا
- الحب فقط، هو ما لا يصل إليه العدم...
- معنى الرقص
- معنى الجسم البشري 2
- معنى الجسم البشري
- لا خوف من العدم .... في تصفية النية
- الآخرون ... هم مصيرك
- معنى الجاذبية الأرضية
- استحالة الإيمان
- غاية التقدم... كشف الإنسان 2


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد القادر الفار - الزوغزوانغ ... واستحالة اتباع الحق ..