نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1300 - 2005 / 8 / 28 - 10:59
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
لقد كان من المفهوم ,وربما المبرر أحيانا, في دولة تعيش نوبات غطرسة القوة ,وذات تطلعات توسعية ,أن يقوم السيد دونالد رامسفيلد وزير الدفاع,أو أحد صقور البنتاغون الباحثين عن الأهداف, بتوجيه تهديداتهم الرعناء لأحد زعماء العالم هنا وهناك ,وحشر أنوفهم بصفاقة في شؤون الزعماء والدهماء.أما أن يقوم كاهن ,مهمته التعميد وقراءة القداديس ,وترتيل الصلوات وإجازة زواج الشاذين والسحاقيات بهذه المهمة فهذا أمر مدعاة للتوقف والاستغراب.فها هي عدوى فيروس التكفير والإرهاب قد وصلت أخيرا ,وأصابت اصحابنا الأمريكان بـ"إنفلونزا الفقهاء" التي فتكت بالعربان ,والتي كانت ,أصلا ,وحتى انفجار"عبوة" روبرتسون الناسفة, حكرا ومن اختصاص أحبابنا الأعراب في البيد اليباب الذين أصبحت فتاوى التكفير والقتل وحز الرقاب عندهم أهون من شربة ماء .وكل ما نرجوه ,ونتمناه ألا تتداخل الاختصاصات وتعم فوضى الفتاوى عند الأمريكان بعد أن اجتاحت ديار الإيمان عند العربان.والخشية أن يقوم"فقيه" آخر بتكفير كل من هو غير أمريكي ,واعتبارنا "دار كفر",وأهل ذمة يجب أن ندفع النفط صاغرين ,ويجتاحونا برمشة عين في ليلة- غير مقمرة - ليلاء.
ولئن كان السيد بات روبرتسون يرتدي بذة أنيقة من انتاج إيف سان لوران ,وياقة إيطالية ,ويدلي ,من على منبر أنيق في صالة مكيفة فيها هيفاوات جميلات شقراوات وسمراوات سافرات والعياذ بالله , بفتواه الإرهابية التي تدعو لقتل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز, فهو لا يختلف كثيرا ,في واقع الأمر,عمن اعتمر الجبة والعمامة مختلفة الألوان ,والتي ربما استطالت بأكثر مما قدر لها الطواغيت ودوائر الاستخبارات ,ولبس جلباب وعباءة أبو قلادة,وأبو الخردة ,وأبو سجادة,وتمترس في لندن ,وأدلى بفتاويه التكفيرية من كهوف وأوكار تورا بورا ومدن الظلام الأخرى فقط وحصرا أمام الذكوريين الملتحين من أصحاب الشراويل الفضفاضة التي لا تظهر تفاصيل العورات ,فملة الموت والقتل والإرهاب واحدة,وليس لها دين من الأديان. وتؤكد تصريحاته هذه أن جميع فقهاء الإرهاب أخوة في الميدان,ويحملون نفس الأفكار,حتى وإن اختلفت المعتقدات,والسراويل ,والأزياء ,والمسبحات.
فلقد أفصح الكاهن الأمريكي, وربما كان زعيما لجماعة "أنصار الصليبيين" السرية, عن الوجه القبيح للإرهاب الأعمى الذي يقضي بإقصاء وقتل كل من لا يتوافق معه في التفكير ,ويختلف معه في المصالح والتوجهات. فهل سيأتي يوم قريب نرى فيه هذا الداعية,أو أحد من خلفه الصالح وهو يستل سكينا من "عبه " محاطا ببعض المتطرفين ليذبح ضحية معصوبة العينين وتقوم الـ" سي .إن .إن " بعرض الشريط في إحدى نشراتها الإخبارية بعد أن يصلها مع بيان من جماعة "الحمراوي" في بلاد العم سام ؟
و مثله مثل ديكتاتور كوبا المزمن الأوحد الذي وطدت التهديدات الأمريكية من دعائم حكمه حتى اليوم,فقد استمر السيد شافيز بالتغريد خارج السرب الأمريكي,وحاملا للسلّم السياسي بالعرض , وهو بذات الوقت رئيس ذاك البلد كامل الدسم البترولي ,في زمن عزّت فيه تلك البضاعة الثمينة,ويقع على التخوم الأمريكية التي ذهب سادتها إلى البيداء اليعربية ليحافظوا على تدفق النفط من تلك السلعة الاستراتيجية الهامة التي يسيل لها لعاب التروستات التي تحرك السياسة الخارجية الأمريكية,وفشلوا حتى الآن في "لحلحة",وتليين رأس هذا الرئيس غريب الأطوار ,وجعله كومبارسا آخرا في الجوقة الأمريكية العريضة,ولو كان رئيسا لرواندا مثلا فلن يسمع به أحد,وبالمناسبة ما هو اسم رئيس رواندا ؟ولقد كانت فتوى السيد روبرتسون تكريسا لمفهوم سياسي أمريكي قديم يوجب التخلص من كل من يقف في طريقة سياستهم مثلما حصل لنورييغا المسكين حين فكر اللعب بقناة بنما الحيوية,كما تقتضي أيضا "بتفنيش" كل من انتهت صلاحيته الزمنية وعمره الافتراضي , واستُحلب حتى النهاية ولعب دوره التراجيكوميدي في مسرح الهباء السياسي,وقبض أجره المعلوم ,ومؤخر الصداق من جيوب الفقراء,ولم يبق منه خير يرتجى كصاحبنا ابن الطايع ,وزميله البائس الآخر ,الدارس والمتخرج من جامعة عمرو موسى, بطل القادسيات الذي نشّف كل موارد العراق في طواحين الهواء العبثية.
لاحقوق الإنسان ,ولا حقوق الجان ,ولا ديمقراطية الأمريكان تقف وراء هذه الفتوى النارية التي تمثل عودة قوية للتيار "الجهادي" الغربي إلى الميدان بعد طول زمان وغياب , ولكن حقوق شركات النفط ,واستنزاف المستهلك الأمريكي, واقتصاد الحرب الذي لم يعد يحتمل الصدمات والمزحات من الأوبيك وتقلبات سوق النفط ,وهو يئن وينزف,بنفس الوقت, في غير مكان . ويبدو واضحا أن المتألمين والمتوجعين الكثر يقفون وراء هذه "الفتوى" الإرهابية التي تذكرنا بعودة سلطان كهنوت الدين لد س أنوفهم في شؤون السياسة بعد أن دُحروا وطردوا ,وكفت أياديهم الشيطانية ,ونوازعهم الشريرة غير البريئة مع ظهور نجم الدولة العلمانية. ولكنه الحنين الرومانسي الأبدي للماضي التليد حيث المكاسب والمنافع للمتعيشين من رجال الدين على الخرابيط والأوهام والأباطيل.
من المعلوم تماما,قانونيا, إن أي دعوة للقتل ,أو التحريض عليه ,أو التستر عليه ورعايته ودعمه بالأموال ,وغض الطرف عن ممارساته السوداء يعتبر مشاركة تامة في الجريمة إن وقعت ومن يجب أن يطاله القصاص العادل هو كل من يحرض على القتل والموت . لماذا شافيز بالذات ؟هل كل من يتصدى للمصالح الأمريكية عرضة للتكفير السياسي والانتقام ؟وهل استلم المبادرة رجال الدين بعد أن فشل الساسة في حمل رسالة الإصلاح والديمقراطية الأمريكية السمحاء ؟وهل هذا يعني في النهاية أن كل من ترضى عنه أمريكا باق في السلطة,ولن تطاله,في النهاية, فتاوى الخلع من السلطان أو تصيبه سهام التكفيريين الأمريكان,وسيبقى دائما في الـ safe side؟
والسؤال الأهم في نهاية هذه "التراتيل والمزامير" الحمقاء ,هل سيقوم متطرف انتحاري بتنفيذ فتوى هذا "المتفيقه" حديثا,أم سيتولى مرتزقة المارينز المؤمنين بجلالة الدولار بهذه المهمة المقدسة كما حصل مع نورييغا ,وميلوسيفيتش ,وصدام؟وهل أصبح بوش بحاجة لفتوى لشن حروبه المقدسة بعد أن فشلت مبرراته الدنيوية الزائلة,وهل هي ملزمة لهذا الرئيس المؤمن ,أم ستمر مرور كرام كل فتاوى مجلس الأمن التي تهم العربان؟هذا ما ستجيب عنه القادمات من الأيام.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟