أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عباس علي العلي - الإنسان وقضية الحداثة














المزيد.....

الإنسان وقضية الحداثة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4627 - 2014 / 11 / 8 - 09:31
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الإنسان وقضية الحداثة

عندما نجح الإنسان الأول في فجر الحضارة بإشعال النار وسط دهشة وذهول من كان حوله من الأفراد أعلن الثورة العالمية الثانية للتطور والرقي سبقتها الثورة الإبداعية الفريدة حينما نجح في محاولته أن يزرع ويحصد ويتعلم فن الحياة وهي الزراعة . لقد كانت العمليتان قد حدثتا في وقت متقارب على ما يظن العلماء ولذات الضرورات والأسباب وهي شعوره الحاد بأنه ليس حيوانا ليقتات على الصيد ومتابعة الفرائس , إنه يعرف أن الحياة النظامية بحاجة إلى أكتشاف عالم منتظم وراق وأكثر أستجابة لآدميته .
بهذه الثورة تمكن الإنسان أن يمهد الطريق للكثير من الأختراعات والتطورات التي مست حياته ونقلته أطوارا طورا بعد طور ليعيش عالما أقل جهد وأكثر يسرا بالرغم من أن إشعال النار في الأول لم يكن هدفا بقدر ما كان غاية قلد فيها الطبيعة وتحقق له بالملاحظة والتجريب ما عجز عنه أسلافه القريبين لأن النار كمكتشف لم تتأخر كثيرا عن وجود الإنسان المنطقي المفكر ,بها بدأ مشوار الحضارة ونجح في تكرار التجربة وتعظيم قدرة النار ليصل إلى مرحلة صهر المعادن ونجح في جعل الطين فخار يحفظ لع ما ضاع من قبل .
انتقال الإنسان من عالم الطين والماء والزراعة وما يلحق بها من طبيعية أجتماعية إلى عالم صهر المعادن وأستخدام النار كعامل رئيسي في تغير التراكيب الكيميائية والفيزيائية للأشياء ترافق أيضا مع أكتشافه الفذ في عالم الرسم الرمزي التعبيري عن فرديات الأشياء ومن ثم جمع هذه الرمزيات في منظومة مترابطة قادرة على التواصل والفهم من الأخر فأصبح به يعبر عما يريد ليس فقط بالمباشر إنما أيضا قادر على حفظ التجربة وتسطير المفاهيم عبر وسيلة الكتابة والقراءة ففجر بذلك عصر النهضة المعلوماتية ,عصر أنتقال الأفكار وتجسيدها وتخطيط الخطوة القادمة .
من الإنتكاسات التي أثرت على مسيرة التطور الإنساني والرقي أن هذه الثورة حملت جانبا سلبيا أيضا شأنها شأن أي فعل أجتماعي فحولت الصراع الإنساني البيني من صراع بارد وبوسائل بدائية قليلة التكاليف إلى صراع دموي تدميري حينما حل السيف والنار والحديد محل العصا والحجارة , فتحولت النزاعات إلى دمار كبير وعظمت الخسائر المادية والمعنوية كما خسرت البشرية اعداد مهمة منها والأخطر كان سباق التسلح وتنوع وسائل التدمير والتفنن في أساليبها .
هذا التحول قاد إلى سلسلة من المتواليات الفكرية والتقنية والأجتماعية ساهمت في أضطراب وتشويه مفهوم الحضارة والتقدم ومعنى القوة وأستخداماتها مما أفقد الشعور بجمال الوجود في ظل نظام بدأ فيه الصراع متحولا نحو السلبية وتعطيل الكثير من الأحلام الإنسانية بالرقي ,وبالرغم من أن هذه الفترة أيضا صاحبها تطور في المفاهيم الأخلاقية والمعرفية الناتجة عن الكتابة والتدوين والأرشفة التاريخية والقواعد الدينية لكنها بقت عاجزة عن لجم التوجه التدميري من قبل الإنسان لواقعه وللطبيعة التي يعيش فيها .
هنا راوحت المجتمعات الإنسانية محلها ولم تتقدم في المسيرة وظلت ألاف السنين لم تجتاز الثورة الثالثة ثورة الحرف برغم ألاف النظريات وألاف الرؤى والكتب والرسل والرجال ذوي العقول الباهرة لكنهم لم يستطيعوا أن يجتازوا تلك المأساة التي ولدت من الثورة الثانية ثورة النار والحديد وتحويل شكلية الصراع ,حتى جاء عصر العجلة المتحركة بالنار والحديد وهي الثورة الرابعة التي قلبت وجه التاريخ ومنها أنفتحت أبوابا جديدة تؤدي إلى أبواب متفرعة ومتنوعة ومتعددة حتى صار موضوع ملاحقة التطورات من الصعوبة بمكان .
لم يستعيد الإنسان التجربة المرة والمريرة في ما نتج من ثورة النار والحديد واوغل أكثر في تثوير الصراع وتأجيجه بأستخدام العجلة المسيرة بالنار والحديد لنواجه جيل جديد من حروب همجية مجنونة أطاحت بمفاهيم الحرب القديمة وأشكالها ومخاطرها حتى أصبح الحال أن ما تحدثه دقيقة واحدة من هذا الجيل من الحروب من خراب ودمار ما يعدل ما كانت تحدثه حروب ألاف السنين في بداية الصراع وتطوراته , لم يكن الإنسان مع علمه والعقل لا علميا ولا عقلانيا برغم أيضا من العقلانية والعلمية ومناهجها الفلسفية والأخلاقية .
في القرنين الماضيين التاسع عشر والعشرين وبداية العقد الأول من الواحد والعشرين خسرت البشرية أكثر مما خسرت في كل تأريخها الممتد لأكثر من خمسة وعشرين الف سنه وهذا يدل على أن الإنسان غير قادر على تسخير الحلم مقابل القوة ,الحلم بالسعادة والتكامل والسلام ليس لأن ظروفهما مستعصية ولكن لأن إرادة الأنتصار بواسطة النار والحديد أستحوذت على تفكريه العام والخاص .
هذه الخسارات والدمار والعبث في الطبيعة سببت الكثير من إشكاليات الوجود للإنسان فراح يعوض عن ما فقد وبتسارع ذا تعجيل مضطرد تواصل عبر السنوات الأخيرة حتى فاق ما أنتجه في الخمسين سنه الأخيرة كل ما صنعه الإنسان بكل تأريخه أيضا حتى وصلنا إلى الثورة الخامسة والأخيرة وهي ثورة الترقيم والترميز والنانوية الحديثة ,حيث أصبحت معادلة الثمن يساوي التبسيط والسرعة والكلية والمجموعية والسعادة والدهشة والشعور باللا مألوف كلها تأسست من فهم علاقة جديدة قائمة على تعقيل الألة ومنحها قدرة على التذاكي .
الجيل الجديد من الأجهزة الرقمية سيكون بإمكانه أن يبدأ حقيقيا بأنتاج نوع متقدم من أنواع التفكير المنطقي ليعلن بداية هزيمة المشروع الإنساني بأكمله ,هزيمة بمعنى خضوعه للترقيم والترميز وبالتالي من الممكن أن يفقد شعوره بالتفرد ويمكن أن يخسر أخر قلاعه وهو العقل عندما يمهد للجيل الذي بعده أن يحل محل عقل الإنسان في الإبداع التفكيري وسط دهشة لا حدود لها .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب في زمن العاصفة _ قصة قصيرة
- مدرسة الحسين وأفاق مشروع الحرية والعدل ح1
- مختارات فكرية
- النقد وظاهرة الأثراء والتنوع
- الأبيض يليق بالملاك _ قصة فصيرة
- الوجود الظاهر والموجود ظاهرة
- أبيض أسود
- التصنيف العقلي والديني ح2
- التصنيف العقلي والديني ح1
- العقل السوي وسلطان التعقل
- محاولة تناقض _ قصة قصيرة
- الرؤية الذاتية من الخارج
- المسير العربي بين النفق المظلم وأمل النجاة
- الخلاف والأختلاف في التقرير الرباني
- الرواية التاريخية وصياغة المشهد الحدوثي في تاريخ الإسلام وال ...
- الأنا والعولمة ح1
- الأنا والعولمة ح2
- الإنسان الحقيقة والإنسان الرمز
- مفهوم الأستقامة في السلوك والممارسة الحياتية
- محددات الأستقامة


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عباس علي العلي - الإنسان وقضية الحداثة