أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنظلة الأممي - رحلة الموت من أجل الحياة















المزيد.....

رحلة الموت من أجل الحياة


حنظلة الأممي

الحوار المتمدن-العدد: 4622 - 2014 / 11 / 2 - 21:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تقديم:
أهداف عدة، تلك التي دفعتني لتناول هذا الموضوع و في هذا الظرف بالضبط، فمن التفاعل، إلى التأريخ، إلى استفزاز المناضلين و تحريك الركود، الذي عودنا ألا يتحرك إلى مع الكفن و لسويعات معدودة. دفعتني اللهفة النضالية لمحاولة سبر أغوار (ولو جزئيا) ما تعودنا عليه مسموعا إلا من أرشيف ليس بحجم التضحيات المقدمة. تجارب تتناقلها الألسن بشكل مقتضب يفقدها الكثير من معانيها السامية، مما يتيح للأعداء فرصة اختزالها و نقلها بشكل مبتذل و مشوه، فمن غير المعقول / المقبول أن يتقاعس المناضلون عن تأدية الأدوار التي تساهم في المزيد من فضح بشاعة جرائم المستغلين (بكسر الغين)، و بالمقابل حجم التضحيات و التفاني و الإخلاص الذي يبديه المناضلون المبدئيون في خدمة قضية المستغلين (بفتح الغين). لكن يبقى أهم هاته العوامل هو تطورات اللحظة الراهنة: فمن جهة، تضحيات جسام يقدمها المناضلون المخلصون، وصلت حد استشهاد مصطفى مزياني الذي أعاد الإضراب عن الطعام للواجهة كشكل راقي لنكران الذات و تسخيرها لخدمة قضية المقهورين، و تجاوزت 40 يوما من الإضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضه المعتقلون السياسيون الخمسة بسجن عين قادوس بفاس، و عمت مجموعة من السجون. و من جهة ثانية الطوق المضروب و تشديد الخناق حول هاته التضحيات و محاولة التعتيم عليها و طمسها و تشويهها و إنكار المسؤولية المباشرة في نتائجها، الشيء الذي يتفنن النظام في إنجازه، و يساعده في ذلك أبواقه و جوقة الملتفين حوله، بل و يساهم في هذا التعتيم و التشويه حتى أشباه المناضلين، ممن ينتظرون من "تضامنهم" مقابلا.
فإضراب الجوع، الإضراب عن الطعام، الأمعاء الفارغة، ... هي تعابير بالإضافة إلى أخرى لشكل من بين أهم أشكال الاحتجاج و المقاومة، تحدي الآلام و الأوجاع، و الضغوط لتحقيق هدف أو أهداف، قد يكون محدودا أو غير محدود أو حتى رمزيا في بعض الأحيان، و ذلك باختلاف أهدافه المرجوة، و اختلاف القناعات. و تتمثل هاته الخطوة ـــــ الأقسى و الأخطر في ذات الحين ـــــ في الامتناع عن تناول كافة أنواع الأغذية الصلبة و السائلة، إلا من الماء و السكر أو الماء و الملح (مع الاختلاف الحاصل بين التجارب، لكن يبقى أكثرها انتشارا، هي التي يتناول خلالها المضربون عن الطعام الماء و السكر، و هي ما سنتحدث عنه في هذا العمل)، و تسجل حالات من التصعيد يتم الامتناع خلالها حتى عن تناول الماء. و الإضراب عن الطعام هو تعبير عن رفض واقع قائم، و وسيلة للنضال من أجل الإسهام في تغييره، من خلال استنهاض ثقافة الرفض و المقاومة، و تحريك ضمائر تم تخديرها، هو تسخير للجسد في خدمة طموح مشروع، و هو أداة ضاغطة على النقيض، و ذلك متوقف بشكل كبير على حشد الدعم و التضامن و التعاطف اللازم من طرف المناضلين و عموم الجماهير مع المضرب عن الطعام و قضيته عموما.
من صفحات التاريخ:
بالعودة إلى صفحات التاريخ، رغم ندرة المادة المتعلقة بالموضوع، نجد أن الإضراب عن الطعام كشكل احتجاجي ظهر بمئات السنوات قبل الميلاد، و يشير بعض المؤرخين إلى كون الهنود و الايرلنديين أول من لجأ إلى هذا النوع من الاحتجاج، و ترسخ كتقليد يمارسه كل من تعرض لظلم أو حيف أمام منزل "الظالم أو المعتدي"، لإحراجه و إجباره على التنازل عن ظلمه لما قد يلحق به من عار في حال وفاة المظلوم أمام باب بيته، و مع نهاية القرن 19 وصولا إلى يومنا هذا أصبح معظم من يلجأ إلى هذا النوع من الأشكال النضالية معتقلين بخلفية سياسية. ففي البدايات الأولى للقرن 20 لجأ مجموعة من أسرى الجيش الجمهوري الايرلندي في السجون البريطانية إلى إحياء هذا التقليد النضالي و خاضوا إضرابا عن الطعام انتهى بإطلاق سراحهم بعد أقل من 3 أسابيع من انطلاقه، و تكرر بعد ذلك مرات و مرات مع كل فوج من المعتقلين عرفت العديد من الوفيات، احتجاجا على عدم معاملتهم كأسرى حرب. و بصم "المهاتما غاندي" بقوة في تاريخ الإضرابات الطعامية إبان فترة الانتداب/الاستعمار البريطاني بالهند، فلجأ مرات عدة إلى الاحتجاج جوعا كانت تتميز بزخم و تجاوب جماهيري عارم، و ساهمت في إحداث هزات و تغييرات كبيرة في سياسات الاستعمار البريطاني بالهند.
السجون البريطانية قد تكون الأوفر نصيبا من حيث عدد الإضرابات الطعامية التي خيضت بها مع بداية القرن العشرين، حيث دخلت المرأة عالم الاحتجاج جوعا بالسجون، و بعد تكرر مثل هاته الحالات في بريطانيا لجأت النسوة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى نفس الأسلوب احتجاجا على عدم ممارسة "الحقوق السياسية".
الأسرى الفلسطينيون دونوا بطولات مشهودة في سجون الاحتلال الصهيوني، و توالت إضرابات الجوع، عبر مجموعات كبيرة من الأسرى انطلقت مع نهاية ستينيات القرن الماضي، حققت مكاسب كبيرة للأسرى، و من أشهر هاته الإضرابات إضراب سجن نفحة بتاريخ 14/7/1980، الذي عرف استشهاد الأسيرين "راسم حلاوة" و "علي الجعفري"، و كذلك الإضراب الجماعي سنة 2012 الذي انخرط فيه أزيد من 3000 أسير.
خلال ثمانينيات القرن الماضي وبعد الانقلابات العسكرية، ازدادت حدة قمع الحركات الماركسية اللينينية بتركيا، أفضت إلى اعتقال أعداد كبيرة من المناضلين الثوريين في شروط قاسية و غير إنسانية، و احتجاجا على المعاملة الوحشية و الحاطة بالكرامة الإنسانية، انطلق أول إضراب عن الطعام في تاريخ تركيا سنة 1984 دام قرابة عقد من الزمن، دون من خلاله الماركسيون اللينينيون بتركيا أروع ملاحم الصمود و التحدي، و شهد استشهاد أربعة من المناضلين الثوريين تباعا: “عبد الله ميرال”، “حيدر بسباق”، “فاتح أوكتولموس”، “حسن تيلسي”، تلتهم أعداد كبيرة في السنوات الموالية، تجاوزت حاجز 50 شهيدا، و قد مارس المعتقلون المضربون عن الطعام بتركيا تقاليد و طقوس نضالية خاصة في خضم معركتهم التي أصبحت مع مرور الزمن ذات بعد تجاوز حدود مطالب تحسين الوضعية داخل المعتقل.
الماركسيون اللينينيون المغاربة بدورهم لجأوا لهذا الأسلوب النضالي في مواجهة البطش الأسود، و عقود من الاعتقال و سنوات من التعذيب الوحشي، و إسهاما منهم في مسار تحرر الشعب المغربي، فكانت سنوات السبعينات من القون الماضي شاهدة على أولى التجارب من داخل المعتقلات بالمغرب، و التي آذنت بانطلاقها مجموعات المعتقلين السياسيين الماركسيين اللينينيين (معتقلي الحملم)، توجت بأول شهيدة "عربية" بعد 40 يوما من الإضراب عن الطعام سنة 1977 "سعيدة المنبهي" ، لتتوالى بعدها قوافل الشهداء (القاعديين منهم على الخصوص) بدءا بالدريدي و بلهواري، مرورا بشباضة، وصولا إلى الشهيد مصطفى مزياني، و قوافل أخرى من أصحاب العاهات المستديمة جراء مضاعفات الإضرابات الطعامية طويلة الأمد، و من أبرز هاته التجارب نذكر تجربة مجموعة 1984 التي دامت 6 سنوات و عرفت سقوط الشهيدين مصطفى بلهواري و مولاي بوبكر الدريدي سنة 1984 و عبد الحق شباضة سنة 1989. و قد عرفت السنوات الأخيرة إضرابات عديدة عن الطعام، خصوصا في السجون النتنة التي يقبع بها عدد كبير من المعتقلين السياسيين، بعضها تجاوز حاجز المائة يوم، و هي مستمرة إلى يومنا هذا بمجموعة من المدن، فبعد انطلاقها من سجن عين قادوس بفاس، مع المعتقلين السياسيين الخمسة، التحق بها معتقلون سياسيون من مختلف المدن و السجون، لكن يبقى أبرزها على الإطلاق، 72 يوما من الأمعاء الفارغة التي أبرز من خلالها الشهيد مصطفى مزياني معدن المناضلين المخلصين لقضية شعبهم و سقط شهيدا مع متمها في 13 غشت من سنة 2014.
ذكرنا لهاته التجارب لا يعني إحاطتنا بجميعها، فمعظم بلدان العالم شهدت و ما تزال إضرابات عن الطعام و سقوط شهداء، إلا أن الخصاص الهائل في المادة المؤرخة لهاته التجارب في مجموعة من البلدان، خصوصا مع التعتيم الشديد الذي يصاحبها، و الذي تفرضه الأنظمة بشتى الأساليب من جانب، و عدم إيلاء الاهتمام الكافي من لدن المناضلين لتدوينها من جهة ثانية، و كذلك محدودية العمل الذي بين أيدينا، كلها عوامل ساهمت في الاقتصار على بعض المحطات الهامة و البارزة دون سواها.
جسم المضرب عن الطعام:
في هذا الباب، سنتناول بشكل موجز التطورات الحاصلة في جسم المضرب عن الطعام بتوالي الأيام و الأسابيع، و سنستعرض الخطوط العامة لهذه التطورات دون الغوص في تفاصيلها نظرا لتعقيدها و صعوبة استيعابها من لدن غير المتخصصين.
عند الامتناع قطعا عن تناول الطعام، فإن جسم الإنسان لا يحصل على (بروتينات و دهون و كربوهيدرات)، لذلك يبدأ الجسم بهضم المخزون الاحتياطي من السكر(الجلوكوز) والأحماض الدهنية، ولكن بعض الأنسجة تعمل فقط بالجلوكوز وبخاصة كريات الدم الحمراء و الخلايا العصبية، وفي هذه الحالة تتمركز أنشطة الجسم الداخلية في الحفاظ على مستوى السكر (الجلوكوز) في الدم، هذا المخزون الاحتياطي الذي يتم إنتاجه من خلال "الجليكوجين" الذي يتمركز بالكبد و العضلات، غير أن هذا المخزون لا يكفي سوى لأيام معدودة، لذلك يتجه الجسم لتأمين حاجته من الجلوكوز بالاعتماد على الأنسجة الأخرى كالعضلات، و هذه العملية تتم عن طريق تحليل البروتينات إلى أحماض أمينية و من ثمة إلى جلوكوز، لذلك تبدأ العضلات في الضعف و يقل حجمها تدريجيا، حتى يصل المضرب إلى حالة يضطر معها إلى ملازمة الفراش نظرا للضعف الهائل في حجم و قدرة العضلات على الاستجابة للحركة المستمرة، لذلك قد يخلد المضرب للنوم لساعات طويلة قد تصل الى 18 ساعة ،
خلال الأسبوع الأول يشعر المضرب عن الطعام بالآلام والمغص و الدوار، وتتحفز حاسة الشم فيصبح قادرا على شم رائحة الطعام عن بعد مئات الأمتار وكذلك يبدأ الجسم برفض الماء والملح أو السكر وتبدو عليه الرغبة في التقيؤ، و مع توالي الأسابيع، يؤدي الأمر إلى اختلال كافة العمليات الحيوية في جسم الإنسان، ابتداء من الشعور بالضعف والتعب منذ الساعات الأولى، واختلال معظم العمليات الحيوية، ولتوقف عمل الجهاز الهضمي تبدأ نسبة الحموضة بالارتفاع بالاتجاه القاعدي، مما يؤدي الى التهاب وتقرحات الجدار المعوي وتنامي أنواع عديدة من الميكروبات في الجهاز الهضمي، إضافة الى ضعف جهاز المناعة لعدم تناول الغذاء أصلا، الأمر الذي قد يؤدي إلى التعفن والتسمم سريع الانتشار.
طول فترة الإضراب عن الطعام يفتح الباب على مصراعيه للإصابة بحزمة أمراض مزمنة كالسكر وضغط الدم وأمراض أخرى متعلقة باختلال الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء الأمر الذي قد ينتهي بالإصابة بأورام سرطانية. لا بد من الإشارة أن قدرات المضربين على التحمل ومواصلة الإضراب متفاوتة لاختلاف الأعمار والقدرات الجسدية عدى عن أن كثير منهم يعاني من أمراض مزمنة، وتبقى العزيمة والإصرار والصمود، السر الوحيد في صبرهم تسلحهم بالأمل في تحقيق ما أضربوا من أجله . ولكن لا بد من التأكيد أن كل من يقدم على الإضراب عن الطعام يخوض معركة حقيقية يكون فيها عرضة للموت في أي لحظة منذ الأسبوع الأول من بدء الإضراب، ناهيك عن الضغوط النفسية و العائلية و الحصار الذي يعاني منه، و شدة الآلام في مختلف أعضاء الجسم، و الإغماءات المتكررة التي قد تطول في بعض الأحيان و قد لا يفيق منها مجددا.
خبث و إجرام في مواجهة المعركة:
يبقى الإضراب عن الطعام خطوة لها تداعياتها السياسية المزلزلة، لذلك تجد الأنظمة المستبدة تنزل بكل ثقلها (سياسيا، إعلاميا، عسكريا، ...) للحد من هذه التداعيات أو محاولة إيقافها، و تختلف الوسائل و الأساليب المنتهجة لهذا الغرض من أكثرها خبثا و مكرا إلى أكثرها بشاعة و إجراما. و سننطلق مع البدايات الأولى للإضرابات عن الطعام، حيث كان الجلادون يعمدون إلى الإطعام القسري (بالقوة) للمضرب، الشيء الذي كان يؤدي في غالب الأحيان إلى وفاته، و من هاته الحالات نذكر “ماري كلارك” و ”جين هيوارت” و ”كاثرين فراي”، و الثلاثة من السجينات البريطانيات اللواتي كن يطالبن بحق المرأة في الاقتراع، و الأسير الايرلندي “توماس آش” سنة 1917، و مع تزايد وتيرة الوفيات و ما تحدثه من تعاطف واسع و تفاعل إيجابي من طرف أوسع الجماهير، سيتم البحث عن بدائل لهذا الأسلوب كان من بينها ما عرف "بقانون القط و الفأر"، أو قانون الإفراج المؤقت عن السجين حتى شفائه ثم إعادته لإنهاء محكوميته. و بالعودة إلى تجارب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني، كان هؤلاء يعاملون بوحشية لدى إضرابهم، فمن الضرب و الإهانة إلى العزل و الحرمان من أبسط الاحتياجات (الأفرشة و الأغطية، الفسحة، الزيارة، الاستحمام، ...) و حتى محاولات الإطعام القسري التي تكون نتائجها وخيمة على صحة المضرب، و أمام صمود الأسرى، لجأ الجلادون إلى أسلوب الحوارات و الوعود، و تقديم بعض التنازلات تارة ثم التراجع عنها، و هكذا دواليك حتى استطاع الأسرى بفضل إصرارهم تحقيق مكتسبات تحفظ للأسير بعضا من كرامته. و من بين الأساليب التي أبدعها الجلادون لتفادي التواصل بين المعتقلين الذي عادة ما يتوج بإضرابات طعامية تتم بعد تنسيق مسبق بين مجموعات كبيرة من المعتقلين السياسيين، إنشاء سجون بمواصفات خاصة لهؤلاء يكاد المعتقل داخلها يكون معزولا بشكل نهائي عن العالم الخارجي كما حدث في تركيا، و كذلك تفريق المعتقلين على عدة سجون في مدن مختلفة، و هذه الأساليب ما تزال تستخدم إلى يومنا هذا.
يمكن اعتبار مثل هذه الأساليب مكشوفة و منتظرة من لدن المعتقل، غير أن هناك أخرى تتميز بالخبث و محاولة استدراج المضرب عن الطعام. و من خلال مجموعة كبيرة من التجارب، تجد أن "إدارة السجن" أو "الإدارة المسؤولة" في حالة كون المضرب غير معتقل، تتولى أولى المهام لمحاولة ثني المضرب عن إضرابه، و يمتد دورها بين الترغيب و الترهيب و الوعود و حتى "الإجراءات العقابية"، ثم تتولى "إدارة" أعلى منها الأمر، و هكذا دواليك حتى تعجز كل المحاولات، فيتم الاستعانة ببعض "الإطفائيين"، من "هيئات" و "جمعيات" و "منظمات" لاستدراج المناضل و محاولة تحييده عن السكة السليمة لقضيته. و في خضم ذلك تمارس ضغوط هائلة على عائلة المضرب خصوصا في حال وجود فراغ تستغله أجهزة المخابرات بشكل احترافي لتجعل من العائلة عبئا مضاعفا على كاهل ابنها بدل كونها سندا و دعما له، و تحاول أجهزة القمع منع كل أشكال التضامن مع المضرب و قمعها، و تشديد الخناق و الحصار عليه و منع ورود أية معطيات أو مستجدات حوله، و التعتيم على حالته الصحية و معركته، لما يشكله ذلك من ضغوط محلية و دولية و تعاطف شعبي كبير، و في نفس الآن يشكل حافزا للمضرب على الاستمرار و الصمود رغم تدهور الحالة الصحية. و تجدر الإشارة إلى بعض المواد التي يحقن بها المضرب عن الطعام في مراحل متقدمة من إضرابه خصوصا في حالات الإغماء التي يتعرض لها، و التي تساهم في بعض الأحيان في تدهور ملفت للحالة الصحية جراء مضاعفات ناتجة عن الحقن بهاته المواد، و دائما ما يتم رفض تقديم أي تفسيرات حول مكوناتها أو أي تقارير طبية حول المؤشرات الصحية الحقيقية للمضرب.
على ضوء التجارب:
يذكر التاريخ تجارب جديدة من الإضرابات عن الطعام، في مختلف الأقطار، و على امتداد عقود إن لم نقل قرون من الزمن، اختلفت عن بعضها البعض شكلا (طريقة خوض الإضراب عن الطعام و المواد المستعملة) و حتى مضمونا (دواعي الإضراب عن الطعام و أهدافه)، لكننا لن نزايد أو نجامل، أو حتى نضخم إن قلنا أن الإضرابات عن الطعام التي خاضها و يخوضها الماركسيون اللينينيون تعد الأشرس و الأنبل و الأصدق و الأنقى من بين كل التجارب، فهي تعكس لحد كبير نظرتهم للمناضل الذي يؤمن إيمانا راسخا بنصر محتوم، و هو دائم الاستعداد لتقديم أغلى ما لديه في سبيله، دون تردد أو توجس. تجارب أكدت أن الآلام و العلل المتزايدة، أن هزالة الجسد و عجز الأعضاء، يصبح محركا إضافيا للاستمرار و التشبث و حافزا للتحدي، كما أكدت انسجامهم التام مع فهمهم لتضحياتهم باعتبارها حلقة ضرورية في سيرورة التحرر، متجاوزة النظرة القاصرة التي تصبو لمحاصرة معارك من هذا الحجم و تقزيمها، ووضعها في وعاء غير وعائها الحقيقي، وفق مقاسات خاصة بأصحابها بعيدة كل البعد عن القضية التي يضحي من أجلها المناضلون الثوريون.
و كما ذكر سابقا، يبقى قسم هام من المعركة مرتبطا بمدى التشهير و الدعاية و التعريف بها، و الإبداع النضالي، و حشد الدعم اللازم بكل أشكاله، و تنظيم حملات التضامن، ناهيك عن الاهتمام بعائلات المضربين عن الطعام، و تأطيرهم و تنظيم صفوفهم و قطع الطريق أمام محاولات جعلهم معطى سلبيا خلال تطورات المعركة، أو محاولات الركوب و التوظيف السياسي البغيض لتضحياتهم و تضحيات أبنائهم.
كما نؤكد أن أهم ما ينشده كل مناضل ماركسي لينيني مضرب عن الطعام، مقبل على تدوين اسمه في لائحة الخالدين، سواء كان معتقلا أو غير ذلك، هو استثمار تضحياته في السير الحثيث و المراكمة للمشروع الإنساني البديل، بالدفاع المستميت عن القضية التي يضحي من أجلها، فذلك هو الزاد الذي ينهل منه في رحلة الموت من أجل الحياة.

حنظلة الأممي (القاعدي)



#حنظلة_الأممي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاس في:11شتنبر2014 / لجنة عائلات المعتقلين السياسيين –فاس- ب ...
- الاتحاد الوطني لطلبة المغرب / النهج الديمقراطي القاعدي بلاغ ...
- 07شتنبر2014 : الاتحاد الوطني لطلبة المغرب/ جامعة ظهر المهراز ...
- التعليم العالي بالمغرب: حين يتحول عميد كلية إلى مخبر وضيع
- مصطفى شهيد، ... فماذا بعد ؟؟؟ تتمة / التهافت على النهش في سب ...
- مصطفى شهيد، ... فماذا بعد ؟؟؟


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حنظلة الأممي - رحلة الموت من أجل الحياة