أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صلاح حسن الموسوي - المعجزة في الإسلام ...بين التاريخ والفلسفة















المزيد.....

المعجزة في الإسلام ...بين التاريخ والفلسفة


صلاح حسن الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 4620 - 2014 / 10 / 31 - 18:59
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المعجزة في الإسلام ...بين التاريخ والفلسفة
صلاح حسن الموسوي

ثمة شهادة هامة لعالم الرياضيات الفرنسي باسكال يقارن فيها بين الديانتين الأسلامية والمسيحية على صعيد الأيمان بالمعجزات والخوارق حيث يقول ان نبي الأسلام لم يعتمد على الخوارق, ولا على تواتر قد يتطرق اليه الشك بتقادم الأزمان, وانه لم يدّع امتلاك مفاتيح الغيب, وانه وافق الطبيعة البشرية , وانه نجح في دعوته, حيث لايجب القول: بما ان محمدا قد نجح كان في استطاعة المسيح ان ينجح, بل يجب القول بالعكس: ((بما ان محمدا قد نجح كان محتما على عيسى ان يفشل))، وهذه الشهادة لعالم الرياضيات واللاهوت المسيحي لايمكن التسليم بها من باب الأطلاق , وعلى حد قول عبدالله العروي, ماذا كان يقول باسكال لو تعرف على احوال متصوفة المسلمين؟ فقراءة الفارق بين الديانتين يضع المعجزة كركن أساسي في وجود المسيحية وفي عقيدتها الأيمانية, والحال ان العكس هو ما ينطبق على المعجزة في الاسلام, فليست المعجزة في حاله هي التي خلقت الأيمان, بل يمكن القول على العكس ان الأيمان هو الذي خلق المعجزة. ولكن الخصوصية الثانية تكمن في المسار التضخمي لأدبيات المعجزة في الأسلام بصورة فاقت ما موجود في التدوين المسيحي وعلى حد قول جورج طرابيشي (حال الحضور المركزي للمعجزة في الأناجيل واعمال الرسل دون انفلات الخيال من عقاله ودون اختلاق معجزات لم يرد لها ذكر في هذه النصوص التأسيسية وبالمقابل , ان الغياب التام للمعجزات النبوية في النص القرأني- وللمعجزات الأمامية في النصوص التأسيسية الأولى- قد اطلق العنان للأدبيات المعجزية اللاحقة لتتخيل وتفرط في التخيل. وهكذا لاتكون المعجزة في الأسلام قد انعتقت- مثلها مثل المعجزة في اي ديانة اخرى- من اسر الواقع وحده, بل كذلك من اسر النص),فعلى خلاف الديانتين التوحيدتين اللتين سبقتا الأسلام والتي تمثلت في صلب ايمان اتباعها بـ( لانبي من غير معجزة ) لم ترد في القرأن كلمة اعجاز اومعجزة , وفي ايات عديدة شدد القرأن على نهي النبي من مجاراة المشركين المعاندين في قبول الدعوة وشرطهم على الرسول بأتيان بمعجزة مادية على شاكلة عصا موسى اوناقة صالح ومشي المسيح على الماء ..... الخ , (وأن كان كبر عليك اعراضهم, فأن ان استطعت ان تبتغي نفقا في الأرض او سلما في السماء فتأتيهم بأية, ولوشاء الله لجمعهم على الهدى, فلا تكونن من الجاهلين ),ولكن ماحصل في التدوين الأسلامي فيما بعد امتلاء كتب السيرة والحديث باحاديث وقصص المعجزات حول النبي فيما يمثل ظاهرة ارتداد تضخيمية نحو النصوص التأسيسية لتحميلها بشحنات متضاعفة من ادبيات خرق العادة لم تعرف المسيحية نظيرها مع انها في الأساس – وبعكس الأسلام- ديانة معجزات. فالكتابة عن معجزات النبي خضعت خضوعا شبه ميكانيكي لقانون التضخم اطرادا مع مرور الزمن, اذ تناولت سيرة (ابن هشام) التي تعود الى مطلع القرن الثالث الهجري عشرة معجزات حصرا, وبعد قرنين بالضبط أي في النصف الأول من القرن الخامس كان عدد هذه المعجزات النبوية العشر قد تضاعف اربع مرات ليبلغ نحوا من اربعين لدى ابي الحسن الماوردي في اعلام النبوة, وفي القرن السادس تضاعفت المعجزات لتبلغ مئة وعشرين لدى القاضي عياض في كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى), وعلى صعيد التدوين الشيعي بلغت معجزات النبي لدى ابي عبدالله بن حمدان الخصيبي ثلاثين معجزة , اما في الكتب الشيعية بشكل عام , تجاوزت معاجز الأئمة الأثني عشر مجتمعين ألـ (2000 ) معجزة افرد للأمام علي منها (555).
وقد جاء التعليل في طغيان هذا النهج المغالي الى اسباب عديدة اهمها (اسلام الفتوحات) حيث ان المعجزة العقلية التي تمثلت بالأعجاز القراّني ما كان لها من فاعلية اقناعية الا بالنسبة الى اهل اللغة التي نزل فيها القراّن, أي العربية التي كانت شعوب البلدان المفتوحة تجهلها جهلا تاما, واصبحت الوسيلة في ادخال الأقوام الأعجمية (اقتناعا) الى الأسلام, نسب المعجزات الحسية الى الرسول, كما لعب العامل الأيدلوجي دورا مضخما لأحاديث المعجزات في السيرة النبوية , حيث وجدت مؤسسة الخلافة العباسية في زمن المتوكل نفسها امام طلب ايدلوجي ملح لأعادة تأسيس الأسلام كديانة معجزات ونبوءات مثل اليهودية والمسيحية , وذلك بعد رد الأعتبار لأحمد ابن حنبل واحلال اهل الحديث محل المعتزلة (اصحاب المنهج العقلي) كطبقة مثقفة سائدة. ويشهد مسند أحمد ابن حنبل على التضخم الكبير في قصص معجزات الرسول.
من جهته شهد الفكر الأسلامي في قرون التدوين الأولى جدلا عميقا حول قانون السببية وذلك بالتلازم مع اطلاع العرب على المنطق اليوناني. واجماع الشراح العرب انذاك وبدون استثناء على ان المقصود من المنطق كله هو كتاب البرهان. وقد كان ابن حزم من اوضح الرافضين لتدخل المنطق الأرسطي في عالم الميتافيزيقا , حيث قطع بأن العلة او السبب في الطبيعيات فقط, وبما ان الأستقراء لايتم الأ بفرضية (ان للعالم قواعد ونواميس لاتتغير) فهو مرفوض أذ به تنتفي المعجزات والخوارق, وانبنت نظرية الغزالي على انه لاترابط اطلاقا بين مايسمى سببا ومسببا حيث ان التجربة لاتوصل الى يقين, والعلم التجريبي مبني على العادة وهو علم غير ضروري, لأن مجرى التجربة التي هي اساس العلم - يمكن ان يكون غير ماهو- -هذا الأمكان- ولو مجرد افتراض ينزل بهذه المعرفة من مرتبة الضرورة الى اخرى ادنى يسميها الغزالي عادية, ويخلص في نهاية الكلام الى ان المعرفة الطبيعية معرفة عادية لايجوز ان ترتفع الى مستوى معرفة ميتافيزيقية, وعلى الضفة الأخرى من السجال وقف ابن رشد مدافعا عن قانون السببية ببسالة جاعلا منه السبيل الأكثر حسما في دحض اراء الدهرية الذين يقولون بالمصادفة في وجود الكون وان لاصانع هاهنا بل ان جميع ماحدث في العالم انما هو الأسباب المادية, اذ يرى ابن رشد بنفي السببية منع لترتيب المسببات عن اسبابها للأضطرار او للأفضل مما يفضي الى ان احد الجائزين هو أحق ان يقع عن المصادفة منه ان يقع عن فاعل مختار), ويشير محمد عابد الجابري الى الأستراتيجية الرشدية التي تقوم على الفصل بين الدين والفلسفة وترفض ضمن اعتقادها التام بالسببية القول القائل ( بأن الله هو الملابس لجميع ماههنا والمحرك له لأن هذا القول يؤدي الى الجزم بأن مايدرك من الأسباب والمسببات باطل , وان المعرفة لاتكون على التمام الا بمعرفة اسبابها), ويعتبر ابن رشد ان المعجزة الحقيقية للنبي والتي تدل على صدقة في دعواه الرسالة هي القراّن الكريم فقط , اما الأحوال الأخرى التي صدرت عنه , فيسميها ابن رشد معجزات برانية, أي خارجية, لآنها لاتدل على الرسالة, لذا فهي تصلح للجمهور فقط, فدلالة القراّن على صدق الرسالة دلالة برهانية, وغير ذلك دلالته اقناعية خطابية, لكن هذه المعجزات البرانية هل هي ممكنة وتقع- كما حكاها القراّن عن نبينا وعن غيره من الأنبياء- ام لا؟ هذا مالم يتعرض له ابن رشد بجواب صريح.
يتبين مما سبق ان النقد لأدبيات المعجزه في الأسلام لايمسه في جوهره التأسيسي, بل فقط في مساره التاريخي , وذلك على اساس العقلانية التي نحن بأمس الحاجة لقراءة الموروث الاسلامي على ضوئها وتشذيبه من قهر الظروف التاريخية والسياسية وتدخلات العوامل الأيدلوجية في تدوين الأحاديث النبوية وكتب السيرة.وقد أكد لنا تاريخ الفكر الأسلامي في حقبة الأزدهار دور قضية المعجزة بشكل (غيرمقصود) في لجوء المفكرين والمتكلمين المسلمين نحو الأخذ بناصية النهج العلمي القائم على ألية الأستقراء وتركيز الملاحظة والدراسة على العيانيات وذلك في مسعى واعي لتجنب الأرتكاس في سؤال الـ ( لم او اللماذا) الذي يقود الى الجدال غير المثمر في مسائل المعاجز والخوارق, والتي برهن تاريخ المسلمين حضورها واستلابها المأساوي للفعل الثقافي والسياسي في عصور انحطاط المسلمين .

المصادر: 1- المعجزة او سبات العقل في الأسلام : جورج طرابيشي
2- مفهوم العقل : عبدالله العروي
3- الوجود بين السببية والنظام : الياس بلكا
4- الصوفي يهزم الفيلسوف : قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري : تركي الربيعي.



#صلاح_حسن_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دول الانابيب


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صلاح حسن الموسوي - المعجزة في الإسلام ...بين التاريخ والفلسفة