أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 22















المزيد.....



عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 22


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 07:15
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!


-;- ملتقى قاسم عبد الامير عجام للتعبير الحر
-;- نظرة سريعة في تطور النظام الاقتصادي

-;- جاء في نص الكلمة التي القاها مفيد الجزائري في حفل افتتاح الدورة الاولى لـ"ملتقى قاسم عبد الامير عجام للتعبير الحر"،الذي اقيم يوم 17/5/2012 بمدينة الحلة،بمناسبة الذكرى السادسة لاستشهاده:"كان الفتى قاسم يومها ابن اربعة عشر عاما لا اكثر!وحين شبَّ وبلغ السابعة عشرة من العمر،وبدأ يتهيأ لامتحان البكالوريا في الخامس الاعدادي،اقتيد الى السجن – حسب رواية صديقه المحامي مهدي الانباري - بسبب حيازته كتاب"ازمة الفكر الاقتصادي"من مؤلفات الدكتور ابراهيم كبة!ولم يمر بضعُ سنوات حتى كان يكتب في يومياته عن"عالم الفكر"،الذي حين قرر ان يدخله،احس في الحال – مثلما قال - "بالحياة تعود للروح،تنعشها وتفتح نوافذها لكل تيارات الانسان.. يبني مستقبله.. اذ يهدم سجنه ويدوس سجانيه"."

-;- عام 1953 كان موعد المحامي ابراهيم كبة مع مؤلفه الجرئ آنذاك"نظرة سريعة في تطور النظام الاقتصادي"فيما يلي اقسام منتخبة منه:

نظرة سريعة في تطور النظام الاقتصادي
المحامي ابراهيم كبة
دراسات عليا في القانون والاقتصاد في عدة جامعات ومعاهد اجنبية
محاضر في كلية التجارة والاقتصاد
كلية العلوم والآداب

المشرف على الطبع
آرام آكوب موسيان
الطالب في الصف الثاني الصباحي


كلمة
المقصود في هذه الصفحات سد حاجة ملحة عاجلة لطلبة الاقتصاد من الكليات،هي افتقارهم – لافتقار اغلب اساتذتهم للأسف – لنظرية اجتماعية علمية تربط لهم (النظرية) الاقتصادية (بالواقع) الاقتصادي وتثبت في اذهانهم حقيقة الصلة بين الاقتصاد والتاريخ،وتقرر لهم المضمون السياسي لكل النظريات الاجتماعية،وتخلق فيهم ملكة النقد المستمر،وروح البحث لا للتفسير فقط بل للتغيير ايضاً .
وليس لي في هذا الصدد الا ان اؤكد بأن كل فضلي في الصفحات التالية ان كان لي فضل في ذلك – هو في التلخيص والتركيز وضرب الامثلة والتبسيط والتسلسل والجمع والتحليل والتركيب،وما الى ذلك مما يتعلق(بالشكل) : اما (المضمون) INHALT – اي الآراء والافكار – فهي من نتاج علماء اعلام،وهبوا انفسهم،لا للتضليل والتدجيل،واضاعة الوقت عبثاً لعرقلة حركة التاريخ،بل للتنوير والتوجيه وكشف النقاب عن قوانين الضرورة الاجتماعية،لاستخدامها في خدمة هذا الكائن الأعلى في الوجود:الانسان،الذي بإمكانه ان يكون دائماً احسن مما كان به.

ابراهيم كبة


الفهرست

القسم الأول : مقدمة في النظرية العلمية لتفسير التاريخ.
القسم الثاني : الأساس التاريخي للاقتصاد الحديث:
الفصل الاول:جوهر النظرية العلمية في اصل النظم الاجتماعية الرئيسية.
الفصل الثاني:اصل النظام الرأسمالي.
الفصل الثالث:نظام المصانع اليدوية والعصر الآلي:
اولاً – نظام المصانع اليدوية.
ثانياً – العصر الآلي.
ثالثاً – الطبقة العاملة(البرولتاريا) في العصر الآلي.
الفصل الرابع:البورجوازية وانجازاتها.
الفصل الخامس:الطبقة العاملة الحديثة(البروليتاريا).
القسم الثالث : خاتمة في خصائص النظرية العلمية للاقتصاد.

المراجع

نكتفي لضيق المجال بالإشارة للمراجع الآتية:

1. عن المقدمة تراجع الكتب الآتية:

-;- B. Adams:The Law Of Civilization & Decay/1885
(قانون الحضارة والانحلال)
-;- O. Spengler -;- Der Untergang Des Abendiandes
(إنحطاط الغرب/ مجلدين 1917 – 1921)
-;- A Toynbee -;- A Study Of History
(دراسة في التاريخ/ ستة مجلدات/ 1933 – 1939)
-;- P. Sorokin : Social And Cultural Dynamics
(القوانين الحركية الاجتماعية والثقافية/اربعة مجلدات/ 1937 – 1941)
-;- H. Barenes And Beker : Cotemporary Social Theory
(النظرية الاجتماعية المعاصرة/ يراجع الفصل 16)
-;- P. Barth: Die Philosophie Der Geschichte Als Soziologie
(فلسفة التاريخ كعلم للاجتماع/ 1922)
-;- B. Croce : Materialismo Stonico.
(المادية التاريخية/ بالايطالية الطبعة التاسعة/ 1951)
وقد ناقش أكبر فلاسفة الطليان أكثر المسائل المشروحة في المقدمة خاصة آراء (شتاملر) و (لابربولا) و (لوريا) في الموضوع.
-;- Moncada : Filosofia Do -dir-eito E Estado
(فلسفة القانون والدولة) "المجلد الأول/ كويسبرا/ 1948 بالبرتغالية.
والفصل الذي كتبه هذا الاستاذ من جامعة كويسبرا مثال الخلط والتشويش والتعصب/ص 332 – 340.
-;- Ortega y Gasset : La Intrpretacion Belica Be La Historia
"التفسير الحربي للتاريخ"وهو دراسة لشيخ الفلاسفة المعاصرين ومؤلف"ثورة الجماهير"يخلط فيها بوضوح بين المدرسة المبحوثة في المقدمة والجبرية الاقتصادية.
-;- R. Stammler : Recht und Wirtschaft Nach Ger Matertalistischen Geschischtsautfassung
"القانون والاقتصاد حسب التفسير المادي للتاريخ"/طبعة ثانية/ لايبزغ/1906 /يراجع خاصة القسم الاول/ويراجع عن كل ذلك بصورة ملخصة الفصل السابع المركز من كتيب الاستاذ Barnes بعنوان "اجتماعية التاريخ" Soziologio Der Ger Geschich/ص( 115 – 138)/ فيينا/1951. والمؤلف يدعو لنظرية اجتماعية تقترب من النظرية العلمية (الفصل الأخير) كما يراجع في عرض سائر الاعتراضات الموجهة للنظرية،الكتاب الضخم لأشهر اجتماعي اسباني معاصر الأستاذ Luis Recasens Siches بعنوان"دروس في علم الاجتماع" Lecciones De Sociologia/مكسيكو/1948.والمراجع الكثيرة الواردة فيه(ص 549 وبعدها).

2-عن فصول الكتاب تراجع بالدرجة الاولى مقدمة كتاب W.Blake وقد نقلنا كل افكاره مركزة"Elements Of Economic Theory And Its Criticism""عناصر النظرية الاقتصادية ونقدها (نيويورك 1939)،مكملة بالمراجع الآتية على سبيل المثال :-

-;- F. Engles : Der Ursprung Der Fammilie,Privfateigentum,und Des Staats
"اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"والمراجع الموجودة فيه .
-;- M. M. Knight: Economic History Of Europe To The End Of The 19th Century
"تاريخ اوربا الى آخر القرن التاسع عشر"/بوسطن 1926.
-;- Henri See: Origen y Evolucion Del Capitalismo Modreno
(اصل و تطور الرأسمالية الحديثة) وقد لخصنا اهم آرائه في صلب الكراس عن هذه الترجمة الأسبانية (مكسيكو/ الطبعة الثالثة 1944)وليس عن الأصل الفرنسي.
-;- V. Sombart : EL Apogeo Del Cpitalismo
(اوج الرأسمالية) وقد راجعنا الترجمة الاسبانية (مكسيكو 1946) دون الاصل الالماني .
-;- J.A.I. Obson : Evolution Of Modren Capitalism
(تطور الرأسمالية الحديثة) طبعة 1930
-;- J. H. Clapham :An Economic History of France And Britain
(التاريخ الاقتصادي لفرنسا وبريطانيا) (الطبعة الثانية كمبرج 1932)
-;- J. L. AND B. Hammond :The Rise Of Modren Industry .
(نشوء الصناعة الحديثة) طبعة ثالثة/ لندن/1927
-;- E. C. Kirkland: A History Of American Economic Life
(تاريخ الحياة الاقتصادية الأمريكية) نيويورك/ 1939
-;- H. Pirenne : Les Periodes De L Historie Socile Du Capitalisme
(ادوار التاريخ الاجتماعي والرأسمالية) بروكسل/ 1914






القسم الأول
مقدمة في النظرية الاجتماعية العلمية لتفسير التاريخ

ليس من العسير ادراك ان الصفحات التالية عن الاساس التأريخي للاقتصاد الحديث هي تطبيق في حقل التاريخ الاقتصادي لنظرية اجتماعية علمية اوسع نطاقاً في تفسير التاريخ العام.ودفعا للكثير من الاعتراضات الباطلة التي توجه لها عادة من قبل اساتذة الجامعات المعاصرين،نود ان نظهر الحقائق الاساسية(1)،نتبعها بخلاصة مركزة لبعض الفلسفات التاريخية الشائعة في هذا العصر(2)لكي يدرك القاريء البون الشاسع بين الحقائق العلمية والاوهام المخالفة للواقع.

1. ان النظرية العلمية في تفسير التاريخ تقوم على الحقائق الآتية:

1. ان الناس في قيامهم بالانتاج الاجتماعي لوسائل الحياة يدخلون في"علائق"ضرورية مستقلة عن ارادتهم(3).
2. هذه العلائق الانتاجية بين الناس تتفق مع درجة تطور"قوى الانتاج"في المجتمع.
3. مجموع هذه العلائق الانتاجية تكون"البنيان الاقتصادي"للمجتمع.
4. هذا البنيان الاقتصادي يكون الاساس الحقيقي"للأنظمة"الاجتماعية،كالنظام القانوني"علائق الملكية"والنظام السياسي"انظمة الحكم"من جهة،و"الوعي"الاجتماعي BEWUSTSEIN اي مجموعة الافكار والآراء،من جهة اخرى.
5. اذن الوعي لا ينتج الاشكال الاجتماعية،بل على العكس،الشكل الاجتماعي يقرر الوعي.
6. في دور معين من التطور تدخل قوى الانتاج الجديدة في نزاع مع علائق الانتاج القديمة،فتصبح الاخيرة قيوداً وعقبات تعترض سبيل تقدم الاولى.
7. مع كل"ثورة اجتماعية" – اي تغير في الطبقات المسيطرة على وسائل الانتاج،واذن تغير في علائق الانتاج نفسها – يعاد بناء الأنظمة الاجتماعية والوعي الاجتماعي حتماً، مع تفاوت في سرعة ذلك.
8. يحصل في الواقع تطوران:
-;- تطور في الشروط الاقتصادية للانتاج"اي في علاقات الانتاج".
-;- تطور في"الافكار"القانونية والسياسية والفنية والفلسفية التي تعبر عن التطور الاول . الا ان التطور الاول اسرع لجلب الانتباه لأنه كمي.
9. لا يمكن تقدير عصر ما بدراسة افكاره"وعيه" فقط : لأن هذا الوعي هو نتيجة التنازع بين قوى الأنتاج وعلائق الانتاج"او الملكية".
10. لذلك يجب دراسة البناء الاجتماعي قبل دراسة الظواهر الاجتماعية الفردية والتفصيلية لفهمها.
11. يلعب نشاط"الجماهير"اكبر الادوار في التطور الاجتماعي.


2. تنتج عن الحقائق السالفة النتائج الآتية :

1. ان تاريخ البشر لا يتأصل"لا يستمد اصوله" في افكارهم :
ان حروب التحرير مثلا لا تعود (لفكرة) الحرية . كما ان الحب الفروسي لم يكن الا نتيجة علاقات جنسية في مجتمع معين لم يجعل للمرأة الا مركزاً ثانوياً للزينة واللهو . كذلك العلم لم ينشأ نتيجة حب الاستطلاع فقط ، بل لسد حاجات عملية اجتماعية كقياس النيل او الفرات سابقاً .

2. هذه الفكرة حافلة بأعظم النتائج للاقتصاد السياسي : لأن هدف هذا العلم هو النشاط الاقتصادي عامة،وليس النشاط الفردي : ان الافراد لا يؤبه لهم فيما يتعلق بعلائق الانتاج والمبادلة والتوزيع: مثال ذلك ان كرم الفرد قد لا تكون له حدود،ولكن كرم الطبقة لا يمكن ان يصل لحد تنازلها مختارة عن وسائل الانتاج طواعية.

3. الطبيعة الاقتصادية للسياسة :
ان الانقسامات السياسية"الاحزاب"تمثل مصالح اقتصادية جمعية،وشعاراتها السياسية لها مضمون اقتصادي واضح:مثال ذلك ان الحزب الذي يدعو"للنظام"يعني انه يريد الابقاء على العلائق الانتاجية الحالية،والحزب الذي يدعو"للتقدم"يعني انه يريد بعض التعديلات القانونية على علائق الملكية القائمة وهكذا.

4. ينتج عن الحقيقة السابقة – اي كون السياسة كفاح اقتصادي مستور بستار افكار سياسية – ان الاقتصاد نفسه لا ينفصل عن التاريخ السياسي : وهذا هو سبب اهتمام كل المفكرين الاقتصاديين بالدولة.ان كل النظريات الاقتصادية عن الدولة"وفي وفي مقدمتها نظرية عدم التدخل الكلاسيكية"متصلة مباشرة بالمصالح الاقتصادية المسيطرة على الانتاج،وتعبر عن حاجاتها في دور معين من ادوار تطورها.

5. الاقتصاد سياسي دائما :
من المعلوم ان المدارس الاقتصادية الذاتية والمجردة"مينجر MENGER وتلامذته خاصة"ترى ان المفاهيم الاقتصادية"النفوذ،رأس المال،الريع،الأجور..الخ"طبيعية ولا تتوقف على نظام اجتماعي معين،او على نشوء الدولة والطبقة.لأن قيمة البضاعة فردية،وليست موضوعية.
اما النظرية العلمية فترى ان القيمة موضوعية،يقررها نظام الانتاج نفسه"اي العلاقات بين الطبقات المشاركة في الانتاج"وهذا النظام مرتبط بالبنيان السياسي دائماً:أذن المهم – في نظر التحليل الاقتصادي العلمي – هو دراسة البنيان الاقتصادي SETTING – أي علائق الطبقات التي تشرط الظواهر الاقتصادية،كالتوزيع والتقويم ...الخ.

6. التغيرات الاجتماعية ليست دورية SERIAL أو متشابهة:
ولعل خير مثال على ذلك هو تطور الرأسمالية المختلف في الدول المختلفة :ففي إنكلترا ،وهي اول دولة نشأت فيها الرأسمالية الكاملة،لم تزل فيها بعض النظم القديمة : كمجلس اللوردات الموروث، والارستقراطية،, والكنيسة الرسمية.
بينما كانت فرنسا متأخرة في نشوء الرأسمالية،ولكنها الغت كل الانظمة القديمة قانونا"تشريع الثورة الفرنسية ونابليون"وان بقيت فيها طبقة زراعية مهمة مستقلة(عكس انكلترا) ساهمت في القضاء على جمهورية باريس الى جانب بورجوازية العاصمة.
وكذلك نرى فروقاً مهمة بين تطور الرأسمالية في المانيا وامريكا : ففي الاولى تم ذلك في ظل الدولة وخاصة الجيش،بينما كانت الرأسمالية الامريكية رأسمالية صرفة،ولمدة طويلة غير تدخلية .

7. الاسباب المادية الاجتماعية لا تعمل الا خلال اجواء روحية:
لذلك يجب عدم اهمال العوامل الروحية في اية نظرية اقتصادية :مثال ذلك :
-;- دور الكنيسة الكاثوليكية الاقتصادي الفعال في اسبانيا،بسبب سعة املاكها العقارية والمالية،ولا ريب ان هذا النفوذ لا يمكن تفسيره بأسباب اقتصادية مباشرة.
-;- دور الشعور الوطني في السياسة الاقتصادية: فإن رجال المال يلجأون له مثلاً لدعم سياسة الحماية التجارية والصناعية،او للمنافسة الاستعمارية والاحتكارية.
لكل هذه الاسباب ترفض النظرية العلمية ما يسمى عادة بالجبرية الاقتصادية لأنها ترى:
أ‌- ان الاقتصاد جزء من المجتمع .
ب‌- وان المجتمع جزء من عالم الاحياء (البيولوجيا) .
ت‌- وان الأخير جزء من عالم الطبيعة(الفيزياء والكيمياء).
ث‌- وان الأخير بدوره جزء من عالم الكون (الفلك).
لذلك فلا يمكن ان تكون النظرية الاقتصادية منعزلة او ان ينظر للاقتصاد كموجه من جانب واحد للمجتمع،بل يجب ان تشمل النظرية الاقتصادية في اوجهها الواسعة طبيعة العلاقات الاقتصادية المركبة،واسباب تغيرها مجتمعة،ودراسة أهم عناصرها،وهو البنيان الطبقي وما ينتجه من الوان الكفاح الاجتماعي.

8. النظرية العلمية تؤكد على العوامل المتغيرة VARIBLES
-;- انها تؤكد على العوامل المتغيرة لأن العوامل الثابتة لا تعطي مفتاح التطور التاريخي بل تكون فقط الشروط الأولية للتاريخ : مثال ذلك العامل الجغرافي،او عوامل الوراثة.
-;- ان العامل الأساسي الفعال في التغير هو في نظر النظرية المبحوثة،تغير أسلوب الانتاج والمبادلة:واذا لم يكفي هذا العامل للتفسير المباشر لبعض الفروق في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وجب توجيه الدراسة للعلائق الانتاجية نفسها،وليس تحري الأسباب في الطابع القومي،او روح الأمة،او روح العصر،او ما شابه ذلك من مفاهيم غامضة غير محددة المضمون.مثال ذلك ان بقاء الارستقراطية في انكلترا وزوالها في فرنسا (في المثل السابق في الفقرة السادسة) يمكن ارجاعه – جزئياً – للأسباب الآتية :
أ‌- ان الارستقراطية الانكليزية كانت تدفع الضرائب والرسوم عكس الفرنسية .
ب‌- ان الارستقراطية الانكليزية مفتوحة للطبقة الوسطى (بالزواج) اي لم تكن طبقة نبيلة بالمعنى الحقيقي عكس الفرنسية .
ت‌- ان الارستقراطية الانكليزية فقدت وظيفتها في الحرب الخارجية منذ 1453 في حين ان الفرنسية بقيت كذلك حتى زمن الثورة، وهذا سبب آخر لأن تفقد صفة الطبقة النبيلة بالمعنى الحقيقي.
ث‌- ان الارستقراطية الانكليزية كانت اجنبية الأصل (فرنسية) فأمكن اخضاعها للنظام الملكي بيسر،بينما كانت الفرنسية سابقة للنظام الملكي نفسه،وقادرة على مقاومة مطاليب الملك القانونية.
ومن المعلوم ان الأسباب المذكورة لا تكفي لتفسير الفروق الطبقية بين البلدين،الا انها دليل على الاتجاه اللازم في البحث:اي على تعميق دراسة الوظائف الاقتصادية لكل من الطبقتين لايضاح فروقها الاجتماعية.


3. من كل ما تقدم يظهر بأن النظرية الاجتماعية العلمية لا تسلم بالمزاعم الآنية(4)،
وهي التي كثيراً ما ينسبها لها الباحثون عن جهل او عن غرض،خالطين بذلك بينها وبين بعض النظريات الاخرى التي لا تمت اليها بصلة جوهرية:اننا نكتفي بالإشارة للملاحظات الآتية فقط :
-;- انها ليست نظرية ميتافيزقية(5) اي قائمة على تعميمات شكلية غير قابلة للتحديد والتعريف – بل هي نتيجة دراسات شاملة واسعة النطاق لعصور تاريخية مختلفة وحضارات بدائية وراقية جد كثيرة واوساط اجتماعية وجغرافية متعددة وموضوعات اجتماعية تشمل كل جوانب العلاقات الاجتماعية(اقتصاد،دين،فلسفة،قانون،ادب..) مما يضم اليوم آلاف الكتب والمجلدات .
ان هذه التهمة القائمة على الخلط بين هذه النظرية وبعض النظريات الفلسفية المثالية (خاصة فلسفة هيغل) تستند لدراسة سطحية تكاد تقتصر على بعض العناصر المشتركة،خاصة في وحدة الاصطلاحات،ولا تنفذ الى المضمون المختلف والمعكوس تماماً لها في النوعين المتعارضين من النظريات المذكورة.
ولا يتسع المجال لمناقشة هذه التهمة التقليدية،ويمكن الرجوع على سبيل المثال،لبحث الفيلسوف الإيطالي (كروجه) للاستزاده في الموضوع (6) .
-;- انها ليست نظرية فردية MONISTE في تفسير التأريخ – اي تنسيب كل التطور التأريخي الى عامل اجتماعي واحد وهو الاقتصاد (7) – بل هي على العكس نظرية جمعية PLURALIST لا تجهل تعقد الحياة الاجتماعية وتفاعل العوامل المختلفة مع بعضها، وتشابك الأسباب والنتائج،بل ان مفهومها العلمي للسبب والنتيجة يختلف عن المفهوم الطبيعي القديم لها،اذ هي لا تسلم بكون السبب هو وحده العامل الفعال في الاجتماع،وان العوامل الاخرى هي مجرد نتائج سلبية،بل انها ترى ان جميع العوامل الاجتماعية،بما فيها العوامل الفكرية هي عوامل حية فعالة كل منها يكون سبباً ونتيجة بنفس الوقت(8)،يتأثر بالعوامل الأخرى ويؤثر فيها على السواء.
ومن الطريف ان التهمة القديمة التي لا يزال يرددها اغلب اساتذة الجامعات في كتبهم وابحاثهم،قد انبرى لنقدها اكبر خصوم المدرسة العلمية في فلسفة القانون واعظم ممثلي الآراء المثالية العصرية،منذ اكثر من نصف قرن،نعني به شتاملر(9)،في كتابه الضخم (القانون والاقتصاد)،اذ سلم بأن هذه النظرية لا تؤكد الا على وحدة الحياة الاجتماعية،وعلى وجود قوانين اجتماعية حتمية،وعلى ان العوامل الاجتماعية،متفاعلة مع بعضها وان الاسباب الاقتصاددية ليست الاسباب الوحيدة لكل مظاهر التطور الاجتماعي،بل تشترك معها في ذلك جميع العوامل المادية والفكرية.
-;- انها لا تعتبر العوامل الاقتصادية هي الاسباب المباشرة لكل حوادث التاريخ:ان التفنيدات المعتادة لهذه النظرية استناداً لهذا الأساس لا محل لها،لأن هذه النظرية لا تهمها في تفسيرها العام الظواهر التفصيلية (معاهدة معينة،او حرب خاصة،او قصيدة شعرية،او زواج معين..الخ)،ولم تدع ابداً أن العوامل الاقتصادية هي السبب المباشر لكل (موقف اجتماعي او نفساني) كما توهم الاستاذ"سيجس"(10) او الاستاذ"كاسو Casso"(11) مثلاً ،بل ان الذي يؤكده هو ان البناء الاجتماعي بمجموعه – وليس بتفاصيله المختلفة – يقوم على قاعدة مادية هي علائق الانتاج والمبادلة،وان تغير البناء المذكور لا يمكن ان يتحقق الا بعد تغير في قوى الانتاج نفسها،يستتبع عاجلاً أو آجلاً تغيراً مماثلاً للعلائق الاجتماعية(12).
-;- انها ليست (جبرية) اقتصادية Determinism – اي انها لا تهمل عامل الانسان في التاريخ بل على العكس تؤكد حرية الارادة،وان كان مفهومها لهذه الحرية علمياً اجتماعياً،وليس مفهوماً طبيعياً (على غرار روسو والمدرسة العقلية الفرنسية)،اي انها ترى في معرفة الضرورة(القوانين الاجتماعية الضرورية) الشرط الاول لاكتساب الحرية:ان هذه تكتسب بالمعرفة والعلم،وليست طبيعية تولد مع الانسان،كما انه لا يمكن ان توجه ضد سير القوانين اللازمة،سواء أكانت طبيعية او اجتماعية(13).
-;- انها ليست نظرية آلية (ميكانيكية) – اي انها لا تهمل دور (الافكار) في المجتمع واثرها الفعال في توجيه حوادث التاريخ،وهي بذلك تختلف عن"المادية الآلية"(14) في كل افتراضاتها الأساسية:سواء أكان في نظريتها للمعرفة (المعرفة ليست في نظرها مجرد انعكاس مادي للواقع الخارجي) او نظريتها السياسية (تؤكد على اهمية النشاط السياسي في توجيه التاريخ) او نظريتها الحضارية (الحضارة مجموع مركب وليس نسخة من المحيط المادي) او نظريتها الكونية (الكون مجموعة علائق متحركة وليست مواد جامدة) او نظريتها في التطور (التطور لا يتبع خطاً مستقيماً او متشابهاً في كل الظروف بل تحولا من الكم الى النوع) ..الخ.
-;- انها ليست نظرية طبيعية : اي تؤمن بوجود قوانين اجتماعية ذات صفة طبيعية،اي شاملة ولازمة في كل زمان ومكان،او حسب وهم احد النقاد الاشتراكيين"هيرمان هيلر"(15)انها (مظهر خفي) آخر للقانون الطبيعي،بل انها على العكس من ذلك نظرية (تاريخية)،اي لا تجد اية جدوى علمية في التعميمات الاجتماعية المطلقة،بل ترى ان لكل (شكل اجتماعي) – اي نوع معين من العلائق الاجتماعية – قوانينه التاريخية الخاصة،او بكلمة مختصرة،ترى ان المفاهيم Concepts الاجتماعية مفاهيم نسبية ليس غير.
-;- واخيراً انها ليست نظرية (صرفة Reine,Pure) – بمعنى انها خالية من المضمون الاجتماعي والسياسي – بل انها على العكس تؤكد استحالة انعزال النظرية عن الحياة،وارتباط كل النظريات بالواقع،وبطلان كل النظريات التي تزعم الحياد السياسي والترفع عن المشاركة في توجيه التاريخ،سواء أكانت في علم القانون(نظرية كلسن Kelson ومدرسة فيينا عامة) او حقل الفلسفة (النيوكانتية بشتى صورها الحديثة) او علم الاقتصاد(المدرسة النفسانية)..الخ.ولذلك فإن المدرسة الاجتماعية العلمية تسلم صراحة،على عكس اغلب النظريات الأخرى – بأنها مدرسة سياسية بنفس الوقت،وان السياسة العملية،هي وسيلتها لتحقيق قوانين التطور التاريخي.

4. نظرة في بعض الفلسفات التاريخية الشائعة :

كنت اود ان اعرض في هذه المقدمة لمجموعة المدارس الاجتماعية الأخرى في فلسفة التاريخ،وان ألم – باختصار طبعاً – بأغلبها،الا انني مضطر،لضيق المجال،ان اكتفى بتخليص ثلاث منها فقط ،مهملاً بذلك كثيراً من النظريات الأخرى(16)،خاصة نظرية الابطال (كارلايل) والنظرية الجغرافية (راتزل،بيوكل..)والنظرية الروحية (بوسيه،هيغل) ونظرية التطور (سبنسر) والنظرية البايولوجية (هـ . ج . ولز)ونظرية القوة (دورنغ).

(1)
نظرية بروكس آدمز B. Adams
1. مقدمة :
-;- ان بروكس آدمز هو صاحب اول مساهمة امريكية(17) تستحق النظر لدراسة عامة في التطور الاجتماعي العالمي .
-;- ان فلسفته التاريخية تنتج عن عدد معين من الدراسات الجزئية التفصيلية حملته على ابراز اثر العوامل الاقتصادية خاصة في الاصلاح الديني البروتستانتي.
-;- اتخذ موقف التشكك من فكرة التقدم التاريخي العام اثناء دراسته النقدية للدارونية والسبنسرية .
-;- اكد خاصة الدور الفعال للرأسمالية والنظام المالي في تطور التاريخ.

2. النقاط الاساسية في نظرته التاريخية :
-;- التطور البشري عبارة عن مظهر انساني لقوة كونية حركية (ديناميكية) .
-;- تصرفات الاجناس الحيوانية عامة (ومنها الجنس البشري) تمثل مظاهر خارجية ثانوية للطاقة الشمسية .
-;- التطور التاريخي للجنس البشري والحضارة البشرية يمثلان ادوار متعاقبة يحصل فيها التقدم من البربرية (النفوق Dispersion) الى الحضارة (التركز Concentration)،والرجوع من الحضارة الى البربرية والفوضى،وهكذا.
-;- على ان الطاقة الشمسية تجد تعبيرها في التطور البشري خاصة في الناحية الروحية :
أ‌- ففي العهد البربري يكون (الخوف) هو الطابع الروحي العام، وهذا يجلب بدوره الروح الخيالي الذي يتمثل الذي يتمثل في الحرب والفتح والأعمال الفنية وتجمع الثروة بالقوة مما يؤدي بدوره الى روح الجشع او بكلمة واحدة هو ان الخوف ينتج الروح الاقتصادي .
ب‌- اما الدور الثاني الذي يدعوه آدمز (بالحضارة) فتسود فيه القيم الاقتصادية التي تجلبها البلوتقراطية الرأسمالية المستقلة للمجتمع.فتتعرض بذلك الفنون والنظم الاجتماعية والأخلاق للانحلال،ويعود المجتمع للعهد البربري بصورة حتمية.
-;- ويستشهد آدمز كمثال لنظريته التاريخية بتطور المجتمع الأوربي منذ سقوط روما حتى قيام الأمبراطورية البريطانية : فهو يرى ان سبب انحلال الامبراطورية الرومانية هو استبداد رجال المال وجشع المرابين . . وانه اعقبتها العصور الوسطى حيث عاد الخوف يحكم الناس،ممثلا في الحروب من جهة واعمال الفن الكبرى من جهة اخرى . وقد اثار الاصلاح الديني (البروتستانتي) الاتجاه نحو المركزية من جديد، فبدأ الناس يعنون ثانية بالأمور الاقتصادية وقوي دور الرأسمالية،وظهر الجشع،ونمت الروح الاقتصادية كما كانت الحالة في روما،واشتدت هذه الحركة خاصة بعد تأسيس الامبراطورية البريطانية حيث اجتمع الاتجاهان : الاتجاه نحو المركزية والاتجاه نحو سيادة اصحاب المال .ويعتقد آدمز ان المجتمع سيعود حتماً مرة اخرى للعهد البربري بما فيه من سيادة الفوضى والخوف .

3. من الواضح ان مثل هذه الفلسفة تجعل من العبث انتظار اي خلاص للعالم عن طريق التنظيم العالمي،لأن انحلال النظم والحضارة أمر لابد منه.على ان ابرازه الأوجه الاقتصادية خاصة لحركة الاصلاح الديني يتفق مع الدراسات الاجتماعية الحديثة في الموضوع . الا ان جميع النقاد جميع النقاد والمؤرخين ينكرون اليوم التسليم بالخطوط الأساسية لنظرية آدمز:
أ‌- فالخوف لا ينتج خصائص ثقافية،بل على العكس ينتج التعصب والخرافات والصمت والعنف .
ب‌- كما ان دافع الربح كان احد الدوافع الرئيسية للتقدم الأوربي والثورة التجارية بعد سنة 1450 في قيام الحضارة العالمية العصرية.
ت‌- ان مثل روسية السوفيتية يدل دلالة قاطعة على القضاء على النظام الرأسمالي لا يشترط ان يؤدي الى الرجوع الى العهد البربري وفق الاتجاه الذي تصوره آدمز.والواقع ان اهم نقطة ضعف في فلسفة المؤلف هي اهماله للعوامل (التكنيكية) في مصير المجتمعات.


(2)
نظرية اوزفالدشبنغلر O. Spengler

1. يشارك فيلسوف النازية الشهير (شبنغلر) المؤلف الامريكي السابق في نظرته التشاؤمية لطبيعة التطور الاجتماعي ومصير الانسانية.
2. يمثل (شبنغلر) الاحياء المعاصر للفكرة القديمة"التي يمكن ارجاعها لعهد افلاطون"في ان التاريخ يسير في حلقات مفرغة مستمرة دائماً .
3. ان نظريته (18) مزيج العناصر الآتية :
-;- فكرة التطور التاريخي في حلقات مفرغة.
-;- فكرة النظرية الاجتماعية العضوية Organist
-;- فكرة التطور الاجتماعي.
-;- واخيرا الفكرة الرومانتيكية في وجود ما يدعوه شبينغلر "بالروح الحضارية" Kulturseele للأمة،باعتبارها تمثل كل خصائصها وافعالها.
4. يسمي شبنغلر كل وحدة اجتماعية كبرى في التاريخ(حضارة)Kultur ويرى في الحضارات وحدات عضوية مستقلة،لكل منها حياتها الخاصة التي تمر بدورة حيوية معينة،تقررها قوى قدرية Fatalist مجهولة لا مجال للحيدة عنها.ويرى شبنغلر في هذه القوى بالذات المحرك الاساسي للثورة الاجتماعية،وان الدورة الحيوية للحضارة لا تخضع للقوانين السببية"اي ارتباط الاسباب بالنتائج"المعروفة وان التاريخ بناء على ذلك يرتفع فوق هذه العوامل.كما انه يرى ان كلا من هذه الحضارات لها"روحها"الخاص الذي ينفد في كل شئ تتصف به الأمة وان جميع انتصاراتها ونظمها ما هي الا نتائج لهذه الروح.
وعليه فأن تفسير التاريخ ينجز في نظره الى فهم هذه الروح الحضارية،ودراسة مظاهرها المختلفة ونتائجها الخارجية في حوادث التاريخ.
5. ان الحضارات التاريخية الكبرى تمر بنفس الادوار الطبيعية لكل كائن حي:الولادة،الشباب،النضوج،ثم الشيخوخة او كما يعبر شبنغلر مستعيرا عبارات زمانية:الربيع،الصيف،الخريف،ثم الشتاء..على ان نتائج هذه الحضارات مختلفة جد الاختلاف،لأن"الارواح"التي نسكنها مختلفة تماما.
6. يسمي شبنغلر الدور الاخير للحضارات الكبرى – اي دور الانحلال – "بالحضارة الهرمة" Zivilisation ،ويرى ان هذا الدور لابد منه للحضارة،لأنه يتبعها كما يتبع الموت الحياة.وقد مرت الحضارة الغربية في هذا الدور،وفق نظرية شبنغلر،في خلال القرن التاسع عشر:والمميزات الاساسية له هي المادية والالحاد والاستغلال والاستعمار والتشكك والحرب،كما ان مصيرها محتوم،وهو التعفن والانحلال.
7. ويرى شبنغلر ان من العبث محاولة تغيير تعاقب ادوار التطور المذكور او تغير مددها او الاسراع والابطاء في الاتجاهات التاريخية الكبرى.
8. وفي دراسته الواقعية لتاريخ الانسان الحقيقي:يميز شبنغلر ست حضارات تاريخية كبرى:المصرية،الصينية القديمة،القديمة Antike،الهندية،العربية،واخيرا الحضارة الغربية.
9. ادوار التاريخ في نظر شبنغلر:
أ‌- يسمى شبنغلر الدور التاريخي الاول الذي كان يتميز بنظام القبائل وعلاقات القربى وعدم وجود الدولة الاقليمية وانتشار الرمزية والخرافات بالدور(السابق للحضارة)Vorkulus.
ب‌- يتبعه دور (الحضارة) Kultur المهم الذي ينقسم هو الآخر الى فقرتين :
-;- الاولى فترة(الحضارة المبكرة) Fruhkultur،وتتميز بظهور الدولة الاقليمية والحياة المدنية.وفيما يتعلق بالتنظيم السياسي،بالعلاقات الاقطاعية الشخصية اولا،تعقبها الدولة الارستقراطية.والحياة الغالبة في هذا الدور هي الحياة الريفية والاقتصاد والاجتماع الريفي،وان كانت المدن التي تبدأ تدريجياً في الظهور والحضارة على العموم في هذا الدور بدائية لأن الطبقة الريفية في نظر شبنغلر غير قادرة على خلق اشكال عليا من الحضارة.
-;- الثانية : (الحضارة المتأخرة (Spatkultur:وتتميز بكون الطابع الغالب للحياة هو الطابع المدني"حياة المدن".وهنا يمكن قيام الحضارات العليا،لأن كل الحضارات الكبرى في نظر شبنغلر هي حضارات مدنية،والتاريخ الحقيقي هو تاريخ سكان المدن.ويتميز هذا الدور بدحر الطبقة الوسطى"البورجوازية"للطبقات النبيلة،وسيادة الرأسمالية الحياة الاقتصادية.وفيما يتعلق بالحياة،يظهر نظام الحكم البرلماني لتثبيت سيادة الطبقة البورجوازية،اما الحياة العقلية والفنية فإنها تصل الأوج في هذه الفترة،على ان شبنغلر يرى دائماً في السياسة اعلى تعبير للنشاط الإنساني،اذ ان السياسة حسب تعبيره الحرفي هي الحياة،والحياة هي السياسة .
ج‌- على ان سيادة الحياة المدنية"وهي الأساس في خلق الحضارات العليا"تؤدي بدورها الى موت ملكة الابداع وتفسيخ الحياة العامة،اي الى دور الحضارة الهرمة Zivilisation،وهو يميز هذا الدور بتوسع المدن الكبرى وتحولها لمدن عالمية تفقد كل ملكة للخلق الفني والابداع الثقافي،كما ان هذه الحياة المدنية تنتج"الجماهير"و"الرعاع"و"السياسة الديمقراطية"كما أنها تمتاز لجذب الرعاع من جهة واستغلال البلوتو قراطية(الطبقات المثرية) من جهة اخرى.ان المادية والتشكك يهدمان الاخلاق الاجتماعية،كما ان الحرب والاستعمار ينشران في كل مكان.واخيراً تؤدي التوترات المتزايدة الى تسريع عملية الانحلال الدائبة وسيادة الفوضى اخيراً.
10. وقد ذكرنا ان شبنغلر يرى ان الحضارة الغربية تتقدم في دور الانحلال وان مصيرها محتوم لا أمل في رده أبداً،وانه ربما نشأت الحضارة الكبرى القادمة في الشرق الأقصى.
11. يمكن القول بدون تردد بأن نظرية شبنغلر في التطور التاريخي العام هي مجرد افتعال مصطنع ان لم نقل انها مجرد خيال سقيم:
أ‌- ان فكرة"روح الحضارة"المزعوم وفكرة"القوى القدرية المحتومة"ونظرية ارتفاع التاريخ عن قوانين السببية العلمية،متصلة مباشرة بالافكار المثالية الألمانية التي كانت سائدة في اواخر القرن الثامن عشر واوائل التاسع عشر.
ب‌- كما ان فكرة"الدورات التاريخية"للحضارات هي احياء مجرد للنظرية العضوية في التطور الاجتماعي التي كانت معروفة منذ القديم.
ت‌- هذا الى جانب متناقضات عديدة في نفس النظرية:فبينما هو ينكر وجود السببية في التاريخ،اذ به يعتبر"روح الحضارة"وما يسميه"القدر ٍSchickal" اسباباً حقيقية لجميع الاختبارات والتغيرات التاريخية،كما ان نظريته في تشابه كل الحضارات في المرور بنفس الادوات الحيوية،تفترض ان لهذا التشابه سبباً عاماً مشتركاً هو قوانين التطور العضوي الحيوي في الوحدات الحضارية.
12. ان كل قيمة الكتاب هي في الجانب اللفظي والأدبي فقط،او كما عبر بحق الاستاذ بارنر"ص 123"ان نظريته هي نوع من"الشعر التاريخي"والعامل الذي نشر أفكاره وجلب الانتباه لنظريته هو جو التشاؤم العام الذي اعقب الحرب الاولى الماضية.اما من جهة العناصر المادية الايجابية فتكاد تخلو نظريته من اية قيمة حقيقية.


(3)
نظرية آرنولد توينبي(19) A. Toinbee

1. كما ان ظروف الحرب الاولى نشرت نظرية شبنغلر،فكذلك الظروف التي خلقتها الحرب الأخيرة اثارت الاهتمام بآراء المؤرخ الانكليزي(توينبي) حول التطور الاجتماعي للانسانية في كتابه الضخم"دراسة في التاريخ"الذي صدرت منه حتى الآن ستة مجلدات.
لقد خصص توينبي الأجزاء الثلاثة الاولى لدراسة(21) حضارة اختارها بين الحضارات التاريخية،بعد دراسة تمهيدية لتقديم مشكلة الدراسة التاريخية نفسها وذكر المباديء العامة التي تحكمها،اما الاجزاء الثلاثة الاخرى فقد خصصها لدراسة انحلال وسقوط الحضارات عامة.وهناك ثلاثة اجزاء اخرى باقية من الكتاب يجب ان تخصص لدراسة الصلات بين الحضارات وعملية تطورها،ودراسة ظهور الحضارة الغربية خاصة،واخيراً النتائج العملية التي يمكن الافادة منها من دراسة المعارف التاريخية عامة.
2. بعد ان يعدد الحضارات التأريخية،ومنها الحضارة المصرية،البابلية،السومرية،العربية،الغربية الحالية..الخ،يشير الى ان سبعة منها فقط لا تزال موجودة الآن وهي المسيحية الارثوذكسية،الروسية الارثوذكسية،العربية،الهندية الصينية،اليابانية،الكورية واخيراً الغربية،اما الباقية فقد انقرضت جميعاً.
3. يذكر ان الحضارات الموجودة(عدا الغربية منها)قد وصلت نهاية المطاف،وان الحضارة الاسلامية مثلاً دخلت دور الانحلال منذ سنة 1500 وانه حتى الحضارة الغربية نفسها قد دخلتها بذور الانحلال ابتداء من الحروب الدينية في القرن السادس عشر.
4. على انه يرى ان هناك حقيقتين تشيران الى احتمال امكانية انقاذ الحضارة الغربية:
الاولى: انها لم تصل بعد لدور تدخل الدولة الكلي في الحياة،وهي الظاهرة التي يصحبها دائماً حسب رأيه الانحلال العام في المجتمع.
الثانية :ان رسالة الانقاذ لا تزال في ايدينا،وهي وجوب الاعتراف بإرادة الله عز وجل في التاريخ،والايمان برسالة السيد المسيح،والتسليم بالمصير المحتوم المكتوب لنا في عالم الغيب.او بعبارة عصرية،بتجديد الحماسة المسيحية والجهاد في سبيل المسيح!!(ضد من؟؟).
5. اما عن كيفية نشوء الحضارات وتطورها فيمكن تلخيص افكار شيخ المؤرخين الانكليز فيما يلي:
أ‌- تنشأ الحضارات جميعاً عن رد فعل عنيف Response لدوافع المحيط الخارجي وتحديه Challenge المثير.وهذه الاستجابة تبدأ اولاً بالأقلية القائدة،ثم تعقبها الجماهير العامة مدفوعة بتقدير الأولى والاعجاب بها.
ب‌- على ان الانحلال يدب في جسم الحضارات عندما تفقد الأقلية المبدعة (بصورة حتمية) روح الخلق الإبداعي،وتتحول لمجرد (اقلية حاكمة) فتدخل الحضارة في دور(التوتر)الذي يتخذ اشكال مختلفة،خاصة الحروب الدينية،والكفاحات الطبقية ويبدأ(الانحلال الروحي) للاقلية التي تجر عجلة التاريخ.
ت‌- على ان الحضارة يمكن ان تعود للازدهار،ان عرفت العناصر الباقية من الاقلية المبدعة اعادة الاتصال بالله،والتجدد الذاتي النفسي والروحي:اي انه ليست هناك غير سبيل واحدة للخلاص في نظر المؤرخ المحترم،وهي سبيل السيد المسيح،الملك على عرش العالم الآخر"حسب تعبير تويني الحرفي".
ث‌- اما طريق الانحلال التام فيصفه تويني كما يلي:تحاول الاقلية الحاكمة،انقاذ الوضع،بتدخل الدولة الكلي،واقامة نظام"البرولتاريا الوطنية"– الظاهر انه يقصد الحكم الدكتاتوري – للقضاء على الحروب المذهبية والمبدأية التي تضطرب لها البلاد،ويسرع عملية الانحلال،غزو البرابرة الاجانب"البروليتاريا الاجنبية"للبلاد وفرضهم مقاييسهم الخلقية والاجتماعية على الاقلية الوطنية.
6. احسن ما يمكن ان يقال عن تقدير نظرية(ثوينبي) انها لا تبحث في الواقع في"التاريخ"كما يدل على ذلك اسم كتابه الضخم،بل ما هي الا ضرب سخيف من ضروب التأمل الديني كما اشار لذلك الاستاذ (بيكر) منذ مدة طويلة:انها تحاول ادخال القوى العلوية في شرور هذا العالم ومساوئه الاجتماعية:انها تستشهد ببعض الامثلة التاريخية للوصول لأهداف دينية صرفة على غرار الدراسات العقيمة التي كانت تملأ الدنيا في العصور الوسطى،والحقيقة ان آراء ثويني كما اشار بحق الاستاذ (بارنز) تلقي كثيراً من الضوء على عقلية وذهنية المؤلف،دون ان تجدينا شيئاً في فهم التطور الحقيقي للتأريخ.وليس هناك شك في ان (ثوينبي) وضع هدفه الديني الخاص،قبل مباشرة دراسته التأريخية،وكرس كل وسائله لتحقيق الهدف المذكور.
ولا نجد في الحقيقة اي عنصر جديد في نظرية ثويني : ففكرة الأقلية المبدعة كمحركة للتاريخ اكد عليها شبنغلر،وفكرة البروليتاريا الوطنية والاجنبية اشار لها"روستوثتزيف Rostovtzev"ومسألة الارادة العلوية تعود للتفسيرات التاريخية السابقة للعصر العلمي،وهكذا.


خلاصة

الخلاصة : ان هذه الأمثلة من الفلسفات التأخيرية الشائعة،وقد تعمدنا اختيارها بين فلسفات اكبر مفكري العصر الحاضر،انما تعطي دليلا آخر على صحة النظرية الاجتماعية العلمية،في ان الافكار السائدة في عصر ما انما تمثل افكار الجماعات،وان العقم الفكري العام،انما يمثل نظاماً اجتماعياً عالميا استنفذ وظائفه التاريخية،ودخل في دور العقم والانحلال.
ان المضمون الاجتماعي والسياسي لهذه الفلسفات التاريخية،لا يحتاج لتدليل،فاحتقار الجماهير Masse "في نظرية شبغنلر وتوينبي واورتيغا أي غاست"واعتبار الأقليات المبدعة هي المحركة للتاريخ،ونسبة التطور الاجتماعي لقوى دينية"ثوينبي،كاسو،مورنته Morente،.."..الخ.. او قوى ميتافيزيقية"شبنغلر"او شمسية"آدمز"،ومسحة التشاؤم التي تعبر احسن تعبير عن يأس النظام الاجتماعي السائد،وفهم الحضارات التاريخية كحركات مفرغة مغلقة دون ادراك وحدة الحضارة المعبرة عن وحدة الجنس البشري،وتفسير ازمة النظام الاقتصادي الحالي تفسيراً روحياً صرفا"التوتر في نظرية ثوينبي والجشع في نظرية آدمز،وهرم الروح في نظرية شبنغلر"... كل ذلك يدل دلالة ناطقة على ان عصر ديكارت ولوك وفولتير وروسو وبيوكل والموسوعيين،وغيرهم من اعلام التفسير العلمي والعقلي للكون،قد زال ومضى،لأن البورجوازية نفسها قد انهت دورها التقدمي في التاريخ،ولم تعد قادرة الا على الاحتماء بأفكار العصور الوسطى،وهي الأفكار التي قادت هي حركة القضاء عليها.
اما دعوة"ثوينبي"الى حرب صليبية مقنعة،وتجديد الحماسة المسيحية الغابرة،وكفاح العناصر الشريرة في الكون،فلا تحتاج لتعليق،ولكنها تلقي ضوءاً كبيراً على انتشار آرائه في كل الدول الاستعمارية،واعتبارها آخر ما توصل اليه التاريخ!

القسم الثالث(20)
خاتمة في خصائص النظرية العلمية للاقتصاد(21)

1) المجتمع : مكون من افراد بينهم علاقات اجتماعية تكون بمجموعها (شكل) المجتمع القائم.
2) العلوم الاجتماعية :تهدف لمعرفة العلائق ودراسة تغيرها خلال الزمان والمكان .
3) الاقتصاد :علم الاجتماعي، يدرس العلائق الاجتماعية (بين الاشخاص وليس بين الشخص والموا)،الانتاج والتوزيع. وبعبارة اخرى هو (علم قوانين انتاج وتبادل الثروة الاجتماعية في المجتمع البشري)،او بتعبير اقتصادي آخر هو الدراسة المنظمة للوسائل الاجتماعية لانتاج الثروة وتوزيعها على المشاركين والمطالبين فيها.
على ان هذه الخاصية البديهية للاقتصاد (خاصته الاجتماعية) مهملة في تعاريف اكثر علماء الاقتصاد المعاصرين.مثال ذلك نذكر اشارة الاستاذ روبنز الى رأي جمهرة الاقتصاديين الجامعيين في هذ الصدد :(لعل تعريف علم الاقتصاد الذي يجد اوسع القبول الآن هو الذي يربطه بدراسة اسباب الثروة المادية).مثل هذا التعريف يتضمن عدة علوم طبيعية وتطبيقية من الصعب سيطرة الاقتصادي عليها،وقد انتهى الاستاذ المذكور ،بعد رفضه التعريف السابق الى التعريف الآتي : (الاقتصاد هو العلم الذي يدرس السلوك الانساني كعلاقة بين مجموعة من الأغراض ووسائل محدودة يمكن ان تجد عدة منافذ في التطبيق).لاشك ان هذا التعريف تعريف للسلوك الإنساني عامة وليس لعلم يتصل بالعلائق الاجتماعية،ولهذا لا نستغرب ان يصل صاحبه لنتائج وتعاريف في المفاهيم الاقتصادية الرئيسية،يطبقها على كل صور المجتمعات،دون اهتمام بشكل العلائق الاجتماعية الخاص بكل منها. ان الاستاذ روبنز لا يتردد في القول بأن نفس قوانين القيمة قابلة للتطبيق على الفرد المنعزل،وعلى المجتمع الشيوعي المتقدم،انطباقها على المجتمع القائم على نظام رأس المال،كما انه ينتهي الى اعتبار النظام الاقتصادي (كمجموعة للعلائق بين الانسان والأموال الاقتصادية).
ان التعريف المذكور وامثاله تهمل الطبيعة الاجتماعية لعلم الاقتصاد،وتجرد مفاهيمه الأساسية من كل مضمون اجتماعي معين.
4) الافتراضات الأساسية للنظرية العلمية للاقتصاد :
تقوم النظرية العلمية للاقتصاد على الافتراضات الآتية:
-;- كل مجتمع له قوانين حركته الخاصة: وان واجب الاقتصادي هو دراسة ظواهره الاقتصادية المميزة،اي انجازاته الاقتصادية الخاصة التي تسوده كقوى اقتصادية تاريخية وان المجتمع قد لا يخلو من بعض الظواهر الاقتصادية التي تذكر بالمجتمع الاقتصادي الزائل،وبعض الظواهر الأخرى التي تنبيء بالمجتمع الاقتصادي للمستقبل.
-;- بالرغم من ان الانظمة الاجتماعية في تطور مستمر دائب،فإنه يمكن"تجريدها"(22) – اي عزلها في الذهن – في زمن ومكان معينين لغرض دراستها وفهمها:اي الغرض معرفة اتجاهات حركتها واخضاع هذه الحركة لقوانين عامة.
-;- ان علم الاقتصاد – ككل العلوم الاخرى – يجب ان لا يقتصر على دراسة الظواهر الاقتصادية منعزلة عن بعضها،بل يجب ان تكون مهمته العلمية دراسة واكتشاف العلائق بين الظواهر المذكورة . ان ظواهر الأجور والأرباح والأثمان مثلاً ،لا يكفي ان تدرس على انفراد،بل يجب ان ينفذ الى القوى الاجتماعية التي تعبر عنها، لإيضاح الاختلافات بين الظواهر السطحية والحقائق الخفية.
5) نتائج هذه النظرة لعلم الاقتصاد :
-;- ان كل الصيغ الاقتصادية هي صيغ اجتماعية اي تعبر عن قوى اجتماعية حقيقية،تخص المجتمع.ان الانتاج والتوزيع والعلائق بين عوامل الانتاج،هي دائماً اجتماعية،ومتجددة باستمرار اجتماعياً . ان اجتماعية"الوقائع"(23)الاقتصادية توجب تصورا اجتماعيا للقوانين الاقتصادية.
-;- ان الصيغ الاقتصادية يجب ان تشير الى مجتمع معين بالذات،اي الى مجتمع محدد بأسلوب معين للانتاج،يتفق مع مستوى معين من قوى الانتاج،ونوع معين من علائق الانتاج.
-;- على ان الظواهر الاقتصادية التي تسود اكثر من مجتمع،يجب ان تضمها قوانين أعم مما ذكر في الفترة السابقة . مثال ذلك ان استعمال النقود ظاهرة وجدت في مجتمعات مختلفة ولذلك فهي تخضع لقوانين عامة تنطبق على اكثر من مجتمع،الا ان صلة النظام النقدي بأسلوب انتاج مختلف،تعطيه مضمونا اجتماعياً مختلفا عن مضمون القانون نفسه في مجتمعات اخرى .
-;- ان الانتاج يسبق التوزيع : ولذلك كانت الأنظمة الاقتصادية الأساسية في كل المجتمعات هي الأنظمة التي تدور حول العلائق الانتاجية بين الافراد : علائق السيد بالرقيق في العهد الاقطاعي،او علائق العمل برأس المال في المجتمع الرأسمالي . ان تجدد الثروة الاجتماعية لا يتحقق الا بتجدد الانتاج . ان الانتاج يكون العامل الحركي (ديناميكي) في المجتمع، وان تغير اساليبه يسبب تغير سائر أوجه السلوك الاقتصادي. ان الآلات البخارية خلفت الانتاج الكبير،وهذا الانتاج بدوره، اقتضى تطوير وسائل مناسبة للتبادل .
-;- ان علائق الانتاج،وإن كانت هي العلائق الأساسية الا ان وسائل تبادل البضائع لها اثرها الخاص، الذي يؤثر بدوره على الانتاج نفسه،على ان الدور الجوهري هو دائماً للانتاج.
-;- ان القوانين الاقتصادية (الأبدية) هي مجرد تعميمات (24) عقيمة لا جدوى فيها لعلم الاقتصاد.ان قانون المنفعة المتناقصة مثلاً "وهو الذي يؤكد البديهية المعروفة في ان الشخص الذي انتهى تواً من الشبع تكون رغبته للطعام اقل من رغبة الشخص الجائع"،هذا القانون العزيز على كثير من المدارس الاقتصادية النفيسة،لا يفسر لنا العلائق الانتاجية المتغيرة او يكشف لنا الفرق بين طبيعة الانتاج الآلي الكبير،والانتاج الاقطاعي الضيق .
-;- ان الغرض الأول لدراسة الاقتصاد هو المفهوم العام للقيمة(25)،اي قيمة الانتاج الاجتماعي بمجموعه،تتبعها دراسة المفاهيم الفرعية الأخرى التي تتفرغ عنه كالأجور والارباح والفوائد،ومن ثم،الاستطراد الى العمليات التبادلية الخاصة والفردية.
-;- ان الاقتصاد السياسي في حركة مستمرة : انه حركي (ديناميكي) وتاريخي (اي متغير) . ان التعبير الاقتصادي الواحد قد يشير لحقائق اقتصادية جد مختلفة.ان كلمة (الأزمة) مثلا تستعمل لأزمة سنة 1837 ولأزمة سنة 1929 على السواء،الا ان اختلاف علائق كل منهما بنوع مختلف من قوى الانتاج،والعلائق الاجتماعية المبنية على ذلك ، يجعل لكل منها خصائص خاصة تميزه عن كل الانواع الأخرى.
-;- ان الاقتصاد السياسي ليس مجرد دراسة نظرية بل هو دليل للعمل . انه ليس مادة جامدة ملقاة على طاولة التشريح . ان الأشخاص الذين يدرسونه ليسوا متفرجين خارجين عن المجتمع ، بل ممثلين يستمدون حياتهم منه، وينتمون لجماعات اقتصادية تعمل ابداً داخله . ان المجتمع اثناء دراسته يتغير،ويتغير بفعل الإنسان نفسه .
-;- ان علم الاقتصاد متأثر كلياً بالبنيان الطبقي الاجتماعي السائد في المجتمع. ان كل النظريات الاقتصادية لها مضمون اجتماعي معين،يعبر عن مصالح اجتماعية خاصة، ويحدد طبيعة النظريات المذكورة ووظيفتها ويساعد على فهمها وتفسيرها . ان النظرية الاقتصادية لا تبني لجمهرة المنتجين.
-;- على ان هذا لا يعني عدم وجود علم موضوعي (26) للاقتصاد السياسي:على العكس.ان طبقية هذا العلم (المستندة لطبقية المجتمع الحديث) شرط اساسي لموضوعيته.ان الطبقات المختلفة تدرك الوقائع الاقتصادية بأشكال مختلفة تتلائم وحاجاتها الخاصة.وانها تخلق نظرياتها الاقتصادية،بخلقها الوقائع الاقتصادية التي تعبر تلك النظريات عنها.من كل ذلك يظهر ارتباط الأفكار الاقتصادية بالنشاط الاقتصادي دائماً .
-;- ان القوانين الاقتصادية ليست عقائد جامدة (27) تحفظ عن ظهر قلب بل (تجريدات) عامة،تساعد على الدراسة التفصيلية للوقائع الفعلية،ولا تغني ابدا عنها.ان هذه القوانين تشتق من دراسة مجموعة نموذجية للظواهر الاقتصادية،مع اهمال مؤقت (لغرض الدراسة فقط) للتفريعات والتفاصيل والملابسات المحيطة بها في الواقع،ولذلك فإنها (أي القوانين) لا تكفي للمعرفة العلمية الكاملة . انها دليل للبحث فقط . لذلك يجب ان تربط بالوقائع التفصيلية المحيطة بالظاهرة المدروسة،في عملية (تركيبية) (28) جديدة، تكمل عملية (التجريد) الأولى .
ان (الاسلوب ) العلمي لعلم الاقتصاد يستبعد الاكتفاء بالدراسة الاستقرائية الوصفية للظواهر الاقتصادية واستنتاج تعميمات عنها لا تمثل في الواقع الا وصفا سطحياً لظواهر سطحية.ان الأسلوب العلمي يوجب اختيار نموذج خاص من الظواهر الاقتصادية، وعزله (اي تجريده) قدر الامكان عن كل علائقه الأخرى ودراسة قوانين نشاطه الخاصة تحت هذه الشروط ،ثم متابعة دراسته بتقريبه تدريجياً من الواقع،واعادة ربطه بعلاقته الواقعية،ودراسة قوانين نشاطه في الظروف الجديدة،والاستمرار على هذه الدراسة التي تمتد من التجريد (29) الى التجديد (30)، ومن التحليل الى التركيب نكون قد اضفنا حلقات جديدة لنطاق القانون الاقتصادي المطلوب .
-;- ليس هناك علم حيادي للاقتصاد . ان الاقتصاد سياسي دائماً . انه من المستحيل فهم النشاط الاقتصادي مجرداً عن البناء السياسي . ان عمليات التبادل مثلاً،تفترض نظاماً خاصاً للملكية والعقود تنص عليه تشريعات معينة،تدافع عنها سلطات قضائية وتنفيذية خاصة . لا ريب ان عزل النشاط الاقتصادي ضرورة منهجية لغرض تتبع خطوات الدراسة،الا ان فهمه الصحيح لا يمكن ان يتم دون ادراك صلته (صلة النشاط الاقتصادي) بالمحيط الاجتماعي والسياسي القائم.
-;- ان جوهر الاقتصاد الحديث يقوم على دراسة وتحليل النظام الرأسمالي.ان المقصود بذلك هو النظام المتميز بالخصائص الآتية:
1. اجتماعية الانتاج .
2. فرديه تملك وسائل الانتاج الاجتماعي .
3. عدم ملكية العمل – اي العمال كطبقة – لأية ملكية انتاجية (31) ، وبعبارة اخرى صيرورة"قوة العمل (32)" نفسها كسلعة معروضة للبيع والشراء .
4. التبادل يقوم على منتجات العمل .
5. الربح هو دافع وغرض النظام .



الهوامش

1. مركزة عن بليك – ص (636-660)،مع دراسة نقدية للاعتراضات الشائعة في عدة مراجع أشرت لبعضها فقط في الصفحات الآتية.
2. مركزة عن الاستاذ (بارنز) في الترجمة الألمانية لكتابه"اجتماعية التاريخ"فينا،1951،(ص 115- 138).
3. يحسن بالقاريء الابتداء بقراءة القسم الثاني من الكراس لفهم هذه المقدمة.
4. نذكر كمثالين حديثين لهذه المزاعم التي تحفل بها كتب الاجتماع والسياسة والفلسفة واصول القانون:كتاب الاستاذ الأسباني(سيجسن)/دروس علم الاجتماع/ص( 549 – 579) بالأسبانية – وكتاب الاستاذ البرتغالي(مونكادا):فلسفة القانون والدولة/الجزء الأول/ص(332 – 340)/ 1948 بالبرتغالية.
5. هذه التهمة توجه عادة من مدارس مختلفة:والغريب انها توجه خاصة من المدارس المغرقة في الميتافزيقا،كالمدرسة الكاثوليكية السائدة في اسبانيا والبرتغال(سيجسن/ص 551 ،ومونكادا/ ص 333) والمدرسة النيوكانتية(شتاملر،دلفكيو) ومدرسة القانون الصرفة(كلسن وانصاره)والمجال لا يتسع لايراد الامثلة والاقتباسات.
6. المادية التاريخية،خاصة ص(1 – 21)/باري/طبعة 1951/بالايطالية.
7. كثير من النقاد الاجتماعيين يذكرونها بين المدارس الفردية(سيجسن مثلا)الى جانب فلسفة(هيغل)المثالية.
8. ان النظرية المبحوثة سبقت النظريات الحديثة (الوظيفية) -function-AL في الموضوع،ويكفي للتدليل على ذلك مراجعة كتاب الاستاذ الايطالي لابريولا/(المادية التاريخية)/الترجمة الانكليزية/1904.
9. يراجع الفصل الاول من الكتاب الاول لتحليل تفصيلي لهذه النقطة،بالترجمة الاسبانية،صفحة (23 – 60) مدريد سنة 1929،ترجمة الاستاذ روس Roces.
10. ص(567).
11. فلسفة الحضارة Filosofia De La Cultura/ص (26).
12. احسن من اكد هذه النقطة هو شتاملر ايضاً في كتابه التقليدي الذي اشرنا اليه.
13. يراجع (بليك)،ص (649 – 650) لمقارنة مفيدة بين المذهبين المختلفين.
14. يراجع لدراسة هذا المذهب تفصيلاً،الكتاب الضخم التقليدي للاستاذ (لانغه) Lange:(تاريخ المادية)،طبعة لايبزغ/1908،في مجلدين/بالالمانية.
15. يراجع كتابه (نظرية الدولة) – الترجمة الاسبانية/الطبعة الثانية/1947/ص 237.
16. يراجع عنها (فلسفة التاريخ)/ بالالمانية للاستاذ Roscholl بالرغم من قدمه(اواخر القرن الماضي).
17. يراجع كتابه(قانون الحضارة والانحلال)سنة 1885،بالأنكليزية.
18. يراجع خاصة كتابه:"انحطاط الغرب"في مجلدين/1917 – 1921/بالالمانية.
19. راجع قائمة المراجع،وتضيف لها آخر كتاب الاستاذ توينبي،اطلعنا على ترجمته الاسبانية مؤخراً بعنوان(الحضارة في المحك) سنة 1952
La Civilizaeion Tuesta En La Trveba
20. هذا الفصل منقول عن مقدمة محاضراتي في نظرية التجارة الدولية(مطبعة المعارف/بغداد 1953)،ومن الواضح ان شرح شرح هذه الخصائص يفترض دراسة تفصيلية سابقة للاقتصاد السياسي عامة،مما هو خارج نطاق هذا الكراس.
21. يراجع لتفصيل – على سبيل المثال فقط – ما يلي:

1. Antonelli - L Economie Humaniste
2. Blake – (المقدمة حوالي 70 صفحة،1950) المقدمة(3 – 74)
3. Dobbs – Political Economy And Capitalism
صفحة 127 – 184 /سنة 1944
4. Sweezy – Teoria DE LA Evolucion Capitalista
صفحة 349 – 372 /1945
5. Robbins – Nature And Significance Of Economic Science
ص (19 ، 153) طبعة ثانية
6. Engels / Anti – Duhring
ص(165 – 283)/1943
7. Eaton – Political Economy
تراجع المقدمة يناير 1953 ص(1– 5)
8. Hilferding – Das Finanzkaptal
صفحة (377 – 406) سنة 1923
22. Absraction
23. Faits
24. Generalisation
25. Value
26. Objective
27. Dogmes
28. Synthesis
29. Abstrakt
30. Konkret
31. Productive
32. Arbeitkraft



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 21
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 20
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 19
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 18
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 17
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 16
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 15
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 14
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 13
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 11
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 10
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 9
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 8
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 7
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 6
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 5
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 4
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 3
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 22