أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12















المزيد.....



عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 4594 - 2014 / 10 / 5 - 04:43
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.ولاطلاع الرأي العام العراقي على دوره السياسي والاقتصادي والاكاديمي في بلادنا نلقي الاضواء على جوانب هامة من نشاطاته ومؤلفاته!


-;- "رجال وتاريخ" وحميد حمد السعدون
-;- مشاكل الجدل في(رأس المال) لماركس
-;- افتتاح قسم صغير في مكتبة كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد يحمل اسم الدكتور ابراهيم كبة


-;- عن دار ميزوبوتاميا صدرت عام 2013 الطبعة الاولى للكتاب المعنون "رجال وتاريخ" لصاحبه حميد حمد السعدون!ومما جاء في مقدمة المؤلف:"ان شخصيات هذا الكتاب،وان كنت لم التق بعضها،او ان اشاركه عملا،فان ما اكنه لها من حب وتقدير واحترام،يدفعني ان اشير الى ما انجزته وتطلعت لتحقيقه،سواء كان ذلك المتحقق ايجابيا ام متعثرا،.."وافرد الكتاب للحديث عن سيرة الدكتور ابراهيم كبة سبعة صفحات( ص 11 – ص 18)،كما استعرض الكتاب جوانب من شخصيات اخرى وحسب الحروف الابجدية"احمد الوائلي،بارق عبدالله،جواد سليم،خليل الزوبعي،سعيد قزاز،طه مصطفى البامرني،عبد الجبار عبد الله،عبد الرحمن منيف،علاء الدين النواب،علي الوردي،عمو بابا،كمال السامرائي،مظفر النواب،مؤيد البدري،ناجي طالب،هادي العلوي،وديع حداد"..
كتب السعدون في "ابراهيم كبة/المفكر والوزير"انه بغدادي المولد والنشأة والتربية،ومن عائلة نجفية الاصل،ومن بيت عريق بالتمسك بكل ماهو ايجابي في الحياة الانسانية،والابتعاد عن كل مايخدشها،او يسبب الاذى للآخرين.ومن اسرة لم تبخل في دفع ابنائها لخدمة وطنهم،بالقدر الذي يتمكنون عليه،او يبدعون فيه،وهذا مافعله الاستاذ – ابراهيم كبة – الذي يعد من مفكري العراق ومنظريه،ومن شخصياته الوطنية والفكرية.واذ قيل عنه،انه افضل من يفهم الماركسية في العراق،فلا نجد ذلك القول تجاوزا على احد او تجنيا على حقوق الآخرين.عاش وناضل وكافح في انشطة وفعاليات الحركة الوطنية العراقية،طيلة ايام العهد الملكي،بالقلم والفكرة والتواصل،ولم ينقطع عن الاستمرار فيها،رغم ما تعرض له من اعتقال وتقييد،او في فصله من العمل،لذلك كان امينا على ما يؤمن به،من خلال تجسيدها بالعمل الحقيقي.
استوزرته حكومة 14 تموز 1958،وزيرا للاقتصاد،ايمانا منها،بكفاءته ووطنيته،فحقق اولى مشاريع المعونات الاشتراكية للعراق من قبل المنظومة الاشتراكية،ورغم الانتقاد الذي قيل عن هذا الموضوع،بعضه حقيقي،والآخر ظالم،الا ان هذه المشاريع قدمت للمخطط العراقي اولى تصورات التخطيط الاشتراكي،واتاحت له الاطلالة على الاشكال الأخرى من العالم الآخر،هذا غير ان هذه المشاريع،قدمت من قبل الدول الاشتراكية ضمن قروض كبيرة وميسرة،وعلى مراحل طويلة،وبما يبعد الاقتصاد العراقي عن الانحناء،تحت ثقلها،وهي عكس ما تقدمه المؤسسات والوكالات والدول الغربية لدول العالم الثالث،مثل البنك الدولي للانماء والتعمير،او صندوق النقد الدولي،او غيره من المؤسسات الخاضعة للتوجه والقرار الاوروبي – امريكي.لأن مايقدم من هذه المؤسسات تحت يافطات العون والمساعدة،لا يكتفي بمصادرة الاقتصاد الوطني وانشطته،بل يتوسع ويصادر الوطن كله،وساحة بلدان العالم الثالث،فيها اكثر من مثل للاستشهاد.
وقد شهد وجود الاستاذ – كبة – على رأس وزارة الاقتصاد،خروج العراق من كتلة الاسترليني،وجاء ذلك ازاء جهده،والحاحه على الزعيم – قاسم – بضرورة الخروج منها،اقتصاديا وسياسيا،حتى تكامل القرار،ليصدر في نهاية آذار 1959،ليكون تاريخا وعلامة على طريق العمل الوطني.
وقد رأى الزعيم - قاسم – بعد عام على الثورة،ان ينقل الاستاذ – كبة – على رأس وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي.وكعادته؛فأن استاذنا،لم يبخل في ان يكون جهده متميزا في اي مجال،يعمل فيه.لكن هذه الوزارة التي كانت اولى مهامها تتحدد بتنفيذ قانون الاصلاح الزراعي الصادر في ايلول 1958،من خلال رسم سياسة زراعية جديدة للعراق،بما يؤهله لموقعه الانتاجي المعروف،لكن؛ومع كل خبرته وحماسته وانحيازه للطبقات الفقيرة،فان وزارته لم تقدم فعلا ايجابيا لمهامها الرئيسة،مثلما هي عجزت عن افهام الفلاحين،ان واجبهم الاساس،هو الزراعة،وليس التظاهر في الشوارع.زيادة على ذلك – وهذا من المهمات – ان الجو السياسي لقيادة الدولة،لم يعن او يدعم هذه الوزارة في تركيز وترسيخ مفاهيم العدالة والعمل الايجابي،بما يخدم مسيرة الوطن.
فوزارة مثل الزراعة والاصلاح الزراعي،يفترض ان يكون جهازها الاداري،قمة في العطاء والثورية والاخلاص،لانها وزارة جديدة،تخدم توجها جديدا،حققته الثورة،وسعت الى تنفيذه للطبقات الفلاحية الفقيرة،لكنها كانت على العكس من ذلك،ملجأ لكل عاطل وكسول ومهمل ومرتش ومعاقب من قبل جهاز الدولة الكبير،بحيث ان دورة البريد الداخلي للوزارة،من إجازات وعلاوات وإيفادات وغيرها،مثلما حدثني أحدهم ممن كانوا يعملون – آنذاك – في هذه الوزارة،يحتاج الى جهاز اداري متفرغ،لينجزه.
ولذلك،فإن عدم نجاح الأستاذ – كبة – على رأس هذه الوزارة،لا ينسب له كمسؤول أول لها،رغم كونه كذلك،بقدر ما ينسب لحركة الثورة وقيادتها العليا التي وضعته في موقع،لا يناسبه،ولا يتناسب مع قدراته،على العكس مما فعله على رأس وزارة الاقتصاد،هذا أولاً،وثانياً:إن للرجل ملاحظات أساسية على قانون الإصلاح الزراعي،فقد كان يقترح أن ينظم قانوناً،تسحب فيه الملكيات الكبيرة ممن اقتنى أصحابها على طريق"اللزمة، الإيجار... الخ"،ليتم تحويلها للفلاحين تحت إشراف لجان،للاستمرار بعملية زراعة الأرض بطريقة الإنتاج الواسع،لا أن تقوم الدولة – وفقاً لقانونها الصادر آنذاك – بتفتيت الأرض الى قطع تملك للأفراد،لأن ذلك يلغي الإنتاج الواسع،وهو شرط اقتصادي،الغرض منه استمرارية الانتاج الزراعي لتغذية سكان المدن،فضلاً لمن يتحول من الريف الى المدينة، للعمل في المنشآت الصناعية الجديدة.وكان يلح بتنفيذ هذه المقترحات،لمعالجة ما ظهر من نقص في تطبيقات قانون الاصلاح الزراعي،وحينما وجد التسويف من قبل قيادة الثورة،كان رده ان قدم استقالته من الوزارة،والتي رفضها الزعيم – قاسم – لأربع مرات،لثقته بإمكانيات ومؤهلات الاستاذ - كبة - لكنه في الطلب الأخير اقنعه بسحبها مع الوعد بتلبية مقترحاته،لكنه – بعد يومين منها – اصدر قراراً بإعفائه من منصبه،وكأنه اراد ان يُقفل على نفسه،آخر نافذة يطل منها على العالم الحقيقي.وقد اثبتت الوقائع صحة ما ذهب اليه الاستاذ - كبة – في تشخيصه للسلبيات التي رافقت هذا القانون،ودعى لترميم ثغراته،بعد ان تحول العراق من بلد مصدر للطعام،الى بلد مستورد له،وظلت هذه الحالة قائمة دون تصحيح لغاية يومنا هذا.
وقد حُسب الأستاذ – كبة – بشكل خاطئ على الحزب الشيوعي العراقي،وذلك امر غير صحيح؛اذ انه كان يرى ان بعض ممارسات الحزب وتنظيماته،ما يتقاطع وفكره وتوجهاته الإنسانية،الأمر الذي جعل العلاقة بينه وبين قيادة الحزب الشيوعي غير سالكة،بشكل طبيعي،لكن هذا لا ينفي أن الرجل،يتعاطف مع التوجهات الفكرية للمنهج الشيوعي،كلما ابتعدت عن العنف والسلوكيات الخاطئة،وهذا ما لم يكن حاصلاً ايام بروز الاثنين – كبة والحزب الشيوعي – في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي.
بل إنه وقف معارضاً للزعيم – قاسم – حينما اراد استيزار عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي "عامر عبد الله" لتقديره،ان – عامر – يبحث عن الابهة والمنصب،ولا يبحث عن الصالح العام.وقد ضغط الحزب وعضو مكتبه السياسي،على الاستاذ – كبة – لسحب رأيه،وتأييد ترشيح عامر للوزارة عند عبد الكريم قاسم،لكنه اهمل تلك المحاولات،وظل مصراً على رأيه،داعما ترشيح اية شخصية وطنية،تعمل للصالح العام،بغض النظر عن ميولها السياسية.ولذلك؛لم ينس عامر عبد الله وحزبه،ذلك الرأي والاصرار من قبل الاستاذ – كبة- فعملا من خلال صحيفة الحزب العلنية،التي كان يشرف عليها – عامر عبد الله – بتوجيه الانتقادات الجارحة والمبالغة فيها لوزارة الزراعة والاصلاح الزراعي ووزيرها – ابراهيم كبة – الذي وصفته صحيفة"اتحاد الشعب"في احد اعدادها(مدعي الثقافة المتمركس)،مما سهل للزعيم – قاسم – اعفاءه من الوزارة،دون ضجة او تساؤل،بحجة ان رفاقه المقربين،ينتقدون اداءه وعمله في هذه الوزارة.في حين يشير وزير المعارف(اسماعيل العارف)والمقرب من الزعيم قاسم،انه سأل عن سبب اعفاءه – كبة – من الوزارة،فرد عليه الزعيم"ان الدكتور ابراهيم كبة تعبان،ويحتاج الى الراحة،وقد اخذ التعب يظهر عليه في الحفلات الدبلوماسية".فخسرت وزارة الثورة،كفاءة مخلصة ووطنية،ضاعت جهودها وسط جو سياسي ملبد بكل ماهو سلبي ومقيت.
وقد اعتقل الاستاذ – كبة – عقب حركة 8 شباط عام 1963،لكنه لم يتعرض للاذى المستشري كبقية المعتقلين،بسبب تدخل"علي صالح السعدي"وزير الداخلية وامين سر حزب البعث العربي الاشتراكي واقوى رجل في سلطة ذلك العهد لصالحه،لكونه استاذه.وقد نشر الاستاذ – كبة – كتابه المعروف"هذا هو طريق 14 تموز"،وضح فيه نهج الثورة والمعوقات التي واجهتها،والتي تمكنت من النجاح في اغلبها.
والذي اظنه – وبشكل تقديري – ان خروجه من الوزارة قد الغى من ذهنه اي شكل من اشكال العمل السياسي العلني او السري في العراق.كما ان هذا الخروج،دفعه الى حقله المحبب الى نفسه،وهو حقل التدريس الجامعي،وهذا ماحققه،وان كان متأخر عن وقت خروجه من الوزارة؛بحيث تفرغ له بشكل كامل،محاضرا وباحثا ومشرفا على العديد من طلبة الدراسات العليا،خصوصا في حقل الاقتصاد بفرعيه الكلاسيكي والحديث،وقد كان من حسن حظي،اني كنت احد تلاميذه،في كلية القانون والسياسة.
واذكر جيدا،انه في احد ايام شتاء عام 1975،وانا احد طلاب الصف الثالث لقسم العلوم السياسية،في كلية القانون والسياسة،ان الاستاذ – كبة – كان يحاضر علينا في مادة"نظريات الفكر الاقتصادي"،وكنا نتحاشى مواجهته او سؤاله،هيبة واحتراما،لكن احدنا – ممن شغلوا لاحقا موقعا دبلوماسيا في احدى سفارات العراق – استفسر منه عن ظاهرة من ظواهر السوق وحركته،واستخدم في كلامه اللغة الانكليزية،في توضيح ذلك المفهوم،في سؤاله عن"(Economic Prosperity ) – الرواج الاقتصادي" لكنه لفظه بطريقة خاطئة،فطلب منه الاستاذ – كبة – اعادة ما قاله،فاعاده بالطريقة الخاطئة،وحينها خاطبه(انت طالب في الصف الثالث كلية،ولا تعرف ان تلفظ مفهوما واحدا بطريقة صحيحة،هل تعرف اني في الصف الثالث متوسط،كنت اكتب واتكلم اللغتين الانكليزية والفرنسية ... ما يحصل منك ومن زملائك،كارثة .... بل مصيبة).ووضع يده على رأسه بطريقة عنيفة وملفته للنظر .. ثم أنسحب ووقف بباب قاعة الدرس دون كلام،طيلة ما تبقى من وقت المحاضرة،وقد احترمنا صمته،فصمتنا طيلة ذلك الوقت.
وفي الاسبوع الثاني،ظل زعلانا على ما حدث،ولم يحاضر فينا الا بعد اسبوعين مما حدث.لكننا كنا نلاحظ انطفاء وهج من الاندفاع والحماس في روحية استاذنا،مما دفعنا ان نكثر من تقريع ولوم زميلنا الذي كان سببا في ما حصل.لكني اعتقد - وبعد هذه السنين الفاصلة بين الحادثة وبين ما اكتب اليوم – ان ما فعله الاستاذ - كبة – لم يكن محصورا بشكل وواقع ما حدث،بقدر ما له دلالة،لها عمقها التربوي والعلمي والانساني،في كل ما يحيط بنا وباستاذنا.وبالمناسبة؛فان الاستاذ – كبة- يكتب ويتحدث بلغات عدة،فعدا اللغة العربية هناك الانكليزية والفرنسية والاسبانية والالمانية والايطالية،هذا غير انه درس وتفوق في علوم كثيرة،فهو رجل قانون وفلسفة واقتصاد وسياسة وجوانب حياتية وفكرية متعددة.
وللاستاذ – كبة – الكثير من المراجعات الفكرية خاصة في الجانب الاقتصادي،كانت على شكل محاضرات او بحوث مستقلة.لكن؛يظل نقده الموجه للماركسية في عموم تراثها احد الاسهامات القيمة في تراث الفكر الاقتصادي العراقي.لكن ما يؤسف له،ان تلك المراجعات والروح النقدية،لم تر النور في كتاب منشور،ولعله فعل،لكن لاسباب ومعوقات ومحاذير،ظلت تلك المساهمات الفكرية حبيسة ادراج مكتبه،تنتظر النشر في وقت مناسب.
وعن جوانبه الانسانية غير المعروفة للآخرين،فضلا عن كفاءته واخلاصه وحرصه وتفانيه في العمل،ترفعه عن الصغائر،من قبيل الواسطة او قبول الهدية او السكوت عن حالة خاطئة.ويصفه صديقه الاستاذ"يوسف العاني"بالقول:"كنت اسميه جامع الضدين،من لا يعرفه يحسبه للوهلة الاولى صعبا،لا تطاق رفقته،ولكن؛حين تتفح شخصيته بمراحلها الحقيقية،تجده سهلا قريبا للنفس،وسهولته تتكشف اكثر حين يقتنع بمن يحدثه،او يناقشه،او ينصت اليه".
وان كان من مسك ختام في التقاط شذرات الاستاذ – كبة – فانا نؤشر حالتين:اولهما:ان قدراته الفكرية والعلمية،خصوصا في حقل التطوير النظري الفكري ازاء النظريات والافكار العالمية المتعددة،لم تتم الاستفادة منها؛بحيث ضاعت قدرات تلك الطاقة المتميزة بدون معنى،وثانيهما:ان الرجل ظلمته الاقدار،حينما وجد نفسه وسط جو سياسي ملتهب وقلق ومقلق،لا يشفع حتى للمعصومين،فكيف الحاصل برجل،تتحدد معاييره مع الآخرين بالوعي والامانة؟!وهذا ما لم توفره اجواء تلك الايام.
توفى الاستاذ – ابراهيم كبة - المفكر والانسان والمبدع في منتصف آب عام 2004،ويحدثني من كان قريبا منه في تلك الايام،ان المه كان لا يطاق بعد الاحتلال الامريكي للعراق،وكان يعبر عن ذلك بالصمت والشرود،والاسف على ما حدث،خاصة في اصطفاف بعض القوى"التقدمية"مع المشروع الامريكي،وبطريقة،لا تقبل الدحض.

" توفى الاستاذ – ابراهيم كبة – في 26/10/2004 وليس كما يذكر السعدون الذي لا نتوافق معه في البعض من آرائه اعلاه"



-;- "مشاكل الجدل في(رأس المال) لماركس"كتاب الفه م.روزنتال وترجمه ابراهيم عطوف كبة،اصدرته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/جامعة بغداد عام 1979!

كلمة المترجم

كان بودي ان اكتب مقدمة ضافية تليق بهذا السفر الجليل الذي استطاع فيه مؤلفه الفيلسوف الاشتراكي المعروف (روزنتال) ان يثبت بالتحليل التفصيلي المعمق وبأسلوب واضح مشرق،كيف ان كتاب ماركس الخالد (رأس المال) يشكل في الواقع المعين الأساسي لما يمكن ان نسميه(علم المنطق)الماركسي،الذي يضم(الجدل)المادي،و(نظرية المعرفة)المادية على السواء،فضلا عن مذهب(المادية التاريخية)الشهير،وكيف ان ماركس اغنى في ذلك الكتاب جميع جوانب الفلسفة الماركسية وخاصة (منهج) الجدل الماركسي الذي ميزه تماما عن منهجين آخرين كثيرا ما يخلطان او يلصقان به،هما: المنهج (المادي الميتافيزي) للماديين غير الماركسيين وعلى رأسهم الاقتصاديون الكلاسيك من جهة،والمنهج (الجدلي المثالي) للفيلسوف الالماني (هيغل)،ثم ارساه على قاعدة موضوعية هي نظرية المعرفة المادية،وهكذا استطاع ماركس ان يضم في كل واحد التفسير المادي للعالم والمنهج الجدلي،خالقا بذلك (المادية الجدلية) التي تشكل وحدة عضوية لا يمكن الفصل بين عنصريها:(الوجود) - الانطولوجيا – من جهة،و(المعرفة) – الغنوصيولوجيا) – من جهة اخرى،كما فعل على سبيل المثال الفيلسوف المثالي الالماني ( كانت) وتلاميذه المعاصرون،من(كانتيين جدد)و(وجوديين)و(وضعين منطقيين) ....الخ.ان الجدل المادي باعتباره علم القوانين الاكثر عمومية لتطور الطبيعة والمجتمع،هو في نفس الوقت(منطق)،اي نظرية لمعرفة قوانين الفكر.وقد استطاع ماركس في(رأس المال)،بتطبيق الجدل على المعرفة حل اعقد مشاكل نظرية المعرفة التي بقيت حجر عثرة امام جميع الفلاسفة السابقين،من قبيل العلاقة بين الجوهر والظاهرة،وبين التاريخي والمنطقي،وبين التحليل والتركيب،وبين الاستقراء والاستنتاج،وبين المجرد والمحدد... الخ مما هو مفصل في فصول الكتاب.
ولم يكتف المؤلف طبعاً بدراسة (رأس المال) وحده،بل استرشد كذلك بعدد كبير من المؤلفات الماركسية،وخاصة بكتاب لينين(الدفاتر الفلسفية)الذي يعد اغناء حقيقيا لاعمال ماركس المنهجية،الامر الذي يسمح بالمقارنة بين جدل المجتمع البورجوازي وجدل المجتمعات الاخرى وخاصة المجتمع الاشتراكي،ويمكن من رد الهجمات الشرسة لجميع الاصلاحيين والتحريفيين المعاصرين ضد (جدل) رأس المال بالذات،تمهيداً لافراغ الماركسية عامة،والاقتصاد الماركسي خاصة من محتواهما النقدي والثوري،اقول كان بودي ان اكتب مثل تلك المقدمة الا ان ظروفا قاهرة حالت بيني وبين ذلك للأسف الشديد.
ولكن بالرغم من هذا الانجاز الكبير الذي حققه المؤلف في هذا الكتاب القيم،حاول في بعض الاحيان الربط بين قوانين الجدل الماركسي وبعض الممارسات والتطبيقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بعض البلدان الاشتراكية،مقدما في هذا الصدد اجتهادات وتفسيرات شخصية،وان كان اكثرها سليما،الا ان بعضها فيما يبدو لي قابل للجدل والمناقشة،والقليل منها ذو طابع تبريري غير مقبول.وقد سبق لي ان ناقشت بعض تلك الاجتهادات في الدراسات النظرية التي نشرتها في السنوات الاخيرة،وخاصة في محاضراتي التي القيتها على طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) في كلية الادارة والاقتصاد في جامعة بغداد،في مادتي (اقتصاديات القطاع العام) و (تاريخ التحليل الاقتصادي)،والتي آمل ان تتيح لي الظروف العامة والخاصة نشرها في المستقبل.
وملاحظة هامشية اخيرة اود ابداءها تتعلق بتعبير ورد في مواضع قليلة من هذا الكتاب،قد يبدو غريبا للقراء،هو تعبير(الاقتصاد الدارج).ان هذا التعبير ادخل في الترجمة بناء على توصية الخبير الدكتور محمد عزيز،الذي فضل هذه الصيغة العربية على الصيغ الشائعة في الادب الاقتصادي الماركسي وهي الاقتصاد (الفج) او ( المبتذل) او (السطحي) الذي اطلقه ماركس،كما هو معروف،على الاقتصاد البورجوازي ما بعد الريكاردي(الكلاسيكي الجديد كما نسميه الان).
لقد استعار ماركس تعبيره المذكور(وهو فلكير بالأصل الالماني) من فلسفة هيغل،مستعملا اياه بنفس المعنى الهيغلي:اي الاكتفاء بدراسة(الظواهر)السطحية – الفينومين الاغريقية – دون التعمق في تحليل العلاقات البشرية (الجوهرية) التي تكمن وراءها والقوانين التي تحكمها – النومين الاغريقية - . ومع احترامي لرأي الاستاذ المدقق،اعتقد بان الترجمات العربية الشائعة للمصطلح الهيغلي – الماركسي،هي اقرب اليه معنى ومبنى.
واخيراً آمل ان اكون قد قدمت بهذه الترجمة العربية لهذا الكتاب الجاد خدمة متواضعة لطلاب المنهج العلمي اداة لاكتشاف الحقائق الموضوعية.
المترجم
ابراهيم كبة



مشاكل الجدل في رأس المال لماركس
يعالــج
الاهمية الفلسفية لـ (رأس المال) – مشكلة القانون الطبيعي والاجتماعي – المنهج التاريخي المطبق في تحليل انماط الانتاج – نظرية التطور الجدلية كانتقال من الكم الى النوع – الجدل كظهور والغاء للتناقضات – تحليل المفاهيم والمقولات الاقتصادية – الجوهر والظاهرة – دور التجريدات العلمية في المعرفة – منهج الدراسة المنطقي في (رأس المال) – الترابط بين التاريخي والمنطقي – دور التحليل والتركيب والاستقراء والاستنتاج – ترابط مقولات المنطق الجدلي – الطابع النقدي والمنحاز للمنهج الماركسي.


المقدمـــة
الاهمية الفلسفية لـ (رأس المال) لماركس
« لم يترك لنا ماركس (منطقا) – كتابا في المنطق – بل ترك لنا منطق رأس المال، ولهذا يجب الاستفادة منه قدر الامكان في المسألة التي تهمنا.ان ماركس في"رأس المال"يطبق ضمن علم واحد المنطق والجدل ونظرية المعرفة للمذهب المادي» (1)
ف.لينين

ان هذه الاسطر تشخص الاهمية الفلسفية لعمل ماركس الكبير.من الصحيح ان ماركس لم يكتب مؤلفا يعرض فيه بصورة منتظمة الجدل المادي والمنطق المادي ونظرية المعرفة المادية،التي اسسها هو وانجلز،ولقد اشار صراحة الى انه كان ينوي تكريس دراسة خاصة للمنهج الجدلي،ففي رسالة لانجلز،يختبر فيها الجوانب الايجابية والسلبية لجدل هيغل،يقول بهذا الصدد"لو اسعفني الوقت ثانية لمثل هذه الاعمال،سأعرض بسرور،في صفحتين او ثلاث من صفحات الطباعة،وبصيغة مفهومة لعقل الانسان الاعتيادي،ما هو(عقلاني) في المنهج الذي اكتشفه هيغل ولكن احاطه في نفس الوقت بمسحة من الصوفية والغموض"(2).
الا ان ماركس،مع الاسف،لم يوفق في تحقيق قصده.ولكن اعماله،مع ذلك تزخر بصيغ وملاحظات حول الجدل.ان كلا من كتاباته هي مثال على تطبيق المنهج الجدلي الذي وضعه في تحليل القضايا المحددة للعلم والتطبيق الثوريين.الا ان مؤلفه الرئيسي"رأس المال"يكتسب،بهذا الصدد،اهمية خاصة.
وبالرغم من ان(رأس المال)لا يدرس الفلسفة،بل الاقتصاد السياسي،الذي يكشف قوانين ولادة وتطور وزوال نمط الانتاج الرأسمالي،الا ان هذا الكتاب يشكل"علم المنطق"الماركسي.ان قيمته لا تقدر لفهم منهج ماركس،هذا المنهج الذي تقوم عليه الثورة التي قام بها مؤسسا الماركسية في الفلسفة والاقتصاد السياسي ونظرية الاشتراكية.
ان اهمية"رأس المال"الفلسفية لا تقتصر على مسألة المنهج الجدلي وحدها.ولقد كان لينين على حق عندما قال بأن المفهوم المادي للتاريخ انما طور على اعمق صورة في كتاب"رأس المال".لقد كتب لينين في"من هم اصدقاء الشعب وكيف يناضلون ضد الاشتراكية الديمقراطية"بأنه منذ نشر كتاب ماركس المذكور،لم يعد المفهوم المادي للتاريخ مجرد فرضية بل اصبح مقولة ثابتة علميا.
ولذلك فمن المفهوم ان(رأس المال)،المؤلف الاقتصادي هو في نفس الوقت عمل فلسفي عظيم.لقد وضع ماركس نظرية الاشتراكية العلمية واساسها الفلسفي،المادية الجدلية والتاريخية،قبل نشر(رأس المال)بمدة طويلة،وعرضها في مؤلفات مثل(بيان الحزب الشيوعي) و (اسهام في نقد الاقتصاد السياسي) ... الخ،ولقد سبق ان اوضح ماركس وانجلز في هذه الكتابات بان الاشتراكية ليست مجرد حلم،او امنية جميلة،بل هي النتيجة الضرورية الحتمية لتطور نمط الانتاج الرأسمالي.وفي التخطيط الموجز الذي اعطاه ماركس وانجلز في(البيان الشيوعي) لتطور الهيكل الاقتصادي للرأسمالية اثبتا بان سقوط الرأسمالية وانتصار الاشتراكية هما النهاية الضرورية والحتمية للتطور الاقتصادي والسياسي للمجتمع البورجوازي.ولقد كان للتحليل الشامل للعلاقات الاقتصادية للرأسمالية،لنمط الانتاج الرأسمالي،اهمية من الدرجة الاولى لارساء الاشتراكية على اساس علمي.واذا كان تحول النظام الاجتماعي ومجموع التركيب الفوقي للمجتمع،مشروطا بتحول نمط الانتاج،فانه من غير الممكن صياغة نظرية علمية للاشتراكية من دون دراسة معمقة للاقتصاد البورجوازي.لقد اشار ماركس في مقدمة (اسهام في نقد الاقتصاد السياسي) الى ان ابحاثه في بداية الاربعينات،اي في فترة صياغته لمفهومه الجديد للعالم،قادته الى ضرورة الفحص الدقيق للعلاقات الاقتصادية للمجتمع المعاصر.
"لقد انتهت ابحاثي الى نتيجة ان العلاقات القانونية،وكذلك اشكال الدولة لا يمكن ان تفهم،لا بنفسها ولا بالتطور العام المزعوم للروح البشري،بل هي،على العكس،تمد جذورها في الظروف المادية للحياة،تلك التي اطلق هيغل على مجموعها،اسوة بانكليز وفرنسيي القرن الثامن عشر اسم(المجتمع المدني)وان تحليل هذا المجتمع يجب ان يبحث بدوره في الاقتصاد السياسي"(3).
اذن فان دراسة النظام الاقتصادي للمجتمع البورجوازي،وحدها سمحت بتحويل الاشتراكية،التي كانت لا تزال طوبائية حتى ذلك الوقت،الى علم،وبتسليح البروليتاريا بمعرفة قوانين التطور الاجتماعي في كفاحها ضد الرأسمالية وحتى باكتشاف جوهر الاشياء حسيب تعبير ماركس.
لقد كتب ماركس،قبل نشر"رأس المال"عددا من الدراسات الاقتصادية المهمة مثل"بؤس الفلسفة"و"اسهامة في نقد الاقتصاد السياسي"...الخ.ولكنه لم يستطع الا في"رأس المال"حل مشكلة تشريح المجتمع البورجوازي بصورة كاملة.لقد نزع هذا المؤلف الاقنعة التي كانت تغلف نمط الانتاج الرأسمالي وتابع تطوره منذ بداياته حتى سقوطه المحتوم.لقد كان رأس المال يشكل قبل ماركس"شيئا بذاته".ولم يستطع حتى سميث وريكاردو،وهما خير ممثلي الاقتصاد السياسي البورجوازي في دراساتهما حول الرأسمالية،اكتشاف الطبيعة الحقيقية لنمط الانتاج الرأسمالي،وعندما دقت ساعة الاقتصاد السياسي البورجوازي،اقتحم الساحة فريق الاقتصاديين"المبتذلين"الذي لم يكن دورهم بحث الحقيقة العلمية،بل التبرير المكشوف للنظام الرأسمالي.وبفضل"رأس المال"ظهر نمط الانتاج الرأسمالي في سماته الجوهرية،ووجهت ضربة هائلة لسيطرة البورجوازية.لقد كان هذا هو السهم الاشد هولا الذي لم يطلق مثله ابدا على رأس البورجوازيين"بما في ذلك الملاكين العقاريين"حسب تقدير ماركس(4).لقد حصلت البروليتاريا على سلاح قوي للنضال ضد مستغليها،وعلى معين لا ينضب من النور،يدلها على طريق الانتصار.ومن اجل كتابة"رأس المال"المؤلف الاقتصادي،كان على ماركس حل جملة مشاكل فلسفية.لقد سبق له ان ادرك خلال الاربعينات،بالتعاون مع انجلز،فلسفة المادية الجدلية،ولكن لم يكن من الممكن له ان يقتصر في تحليل النظام الاقتصادي البورجوازي على مجرد تطبيق صرف للمنهج الجدلي والنظرية المادية.ان كتابة" رأس المال"قادته الى معالجة مشاكل جديدة تتضمن تحديد واغناء جميع جوانب الفلسفة الماركسية:المادية،نظرية المعرفة،ونظرية التطور الاجتماعي.
وقبل كل شيء كان عليه ان ينقد المنهج الميتافيزي للاقتصاديين البورجوازيين،الذي كان يشكل الاساس لنظريتهم في ان النظام البورجوازي له صفة الديمومة والثبات،وان يعارضه بالمنهج الجدلي،المنهج الوحيد القادر على الوصول لنتائج علمية وعملية.ولقد كان من الواضح تماما،بأن عجز الاقتصاديين البورجوازيين،وبضمنهم سميث وريكاردو عن تفسير طبيعة الرأسمالية انما كان يعود اساسا الى ارتباطهم بالنظام البورجوازي.الا انه مع ذلك،لعبت آراؤهم الفلسفية ونظريتهم الميتافيزية للمعرفة ومفهومهم الاجتماعي المثالي في جملته،دورا مهما كذلك.ولهذا السبب كان على نقد الاقتصاد السياسي البورجوازي ان يكون في نفس الوقت نقدا لما تبناه من منهج ومنطق ونظرية معرفة ميتافيزية.
وبالاضافة الى ذلك،كان على ماركس عند كتابته"رأس المال"ان يظهر الفارق الجذري بين منهجه الجدلي ومنهج هيغل،ويحدد بدقة موقفه من المنهج الاخير.وقد ابرز بنفسه هذا الجانب من عمله في خاتمة الطبعة الثانية من الكتاب الاول من"رأس المال"حيث كتب:-"لقد نقدت الجانب الصوفي من جدل هيغل منذ حوالي الثلاثين عاما،في وقت كان فيه ذلك المنهج ما زال هو المنهج الشائع.ولكن في الوقت الذي كنت فيه احرر المجلد الاول من"رأس المال"كان الاساطين المشاكسون،المدعون والتافهون،الذين يحكمون المانيا المثقفة اليوم يتفاخرون بمعاملة هيغل،معاملة الشجاع موسى مندلسون لسبينوزا في زمن لسنغ،اي معاملته"ككلب فاطس".وهكذا فقد اعلنت تلمذتي،بصورة صريحة،لهذا المفكر العظيم،بل حتى وجدت نفسي،في الفصل المتعلق بالقيمة،اذهب الى حد مغازلة طريقة تعبيره الخاصة.ومع ان هيغل،بسبب طريقته المعوجة،يشوه الجدل بالصوفية،الا ان هذا لا يقلل من انه كان المفكر الاول الذي عرض حركة الجدل بمجموعها.ان الجدل يسعى لديه على الرأس،ويكفي ان يعاد تقويمه على الاقدام،لاكتشاف سحنته المعقولة تماما"(5).
لقد اشار ماركس،مرات عديدة،الى اهمية جدل هيغل وما يتضمنه من عقلانية.وفي رسالة الى انجلز يشير الى ان كتاب"المنطق"لهيغل الذي كان قد اعاد قراءته،ساعده كثيرا على تدقيق مادته حول القضايا الاقتصادية.
على ان ماركس،في استخدامه( للنواة العقلانية)للجدل الهيغلي،اخضعه لنقد معمق وخلق المنهج المادي الجدلي الذي يتعارض معه جذريا."ان منهجي الجدلي لا يختلف عن المنهج الهيغلي في الاساس فقط،بل هو نقيضه التام"(6)وعندما حاول،فيما بعد،دوهرنغ،هذا(الشخص الوقح)و(غير المحتمل)الذي طرح نفسه كثوري للاقتصاد السياسي،تضليل قراء"رأس المال"والمطابقة بين منهج هيغل الجدلي ومنهج ماركس،انبرى انجلز للرد عليه في"الرد على دوهرنغ"،بينما كتب ماركس رسالة لكوكلمان يشير فيها بهذا الصدد الى"انه – اي دوهرنغ – يعلم تماما بان منهجي في البحث ليس هو منهج هيغل،لانني مادي وهيغل مثالي"(7).
ان ما يكون الاهمية الفلسفية لـ"رأس المال"هو ان التحليل المحدد للتشكيلة الرأسمالية يوضح ويبرز الفارق الجذري بين الجدل المادي والجدل المثالي.ان"رأس المال"هو مثل صارخ على الوحدة التي لا تنفصم بين الجدل والتفسير المادي للعالم.لقد استطاع ماركس خلق المنهج الجدلي وارساءه على اسس علمية،فقط لانه نظر الى المنهج المذكور في علاقته التي لا تنفصم بالمادية الفلسفية.وعندما يريد تمييز الفارق بين منهجه ومنهج هيغل كان يضع في المحل الاول الطبيعة المادية لجدله.وهذا مفهوم،لانه لا يوجد ولا يمكن ان يوجد منهج علمي دون ان يقوم على قاعدة مادية،على نظرية المعرفة المادية.ومما يؤيد ذلك هو فشل الجدل المثالي لهيغل.والذي يعطي هذا الاخير قيمته،هو انه،على عكس الميتافيزية،استند على مبدأ التطور والتغير وفسر بعض قوانينه.الا ان تجريد هذا المبدأ،عن قاعدته المادية،عن الطبيعة وشروط الحياة المادية للبشر،يحوله الى تعمية صوفية،الى ذاتية محمومة،تحاول فرض رغباتها وارادتها عن العالم الموضوعي،وهكذا هو بالفعل المفهوم الهيغلي للتطور.وعندما يسلم هيغل بان جوهر العالم يكمن في(الفكرة المطلقة)الصوفية التي لا يعرف احد ماهيتها،والقابلة للتحولات الجدلية،فهو يعالج الصيرورة بشكل تعسفي غالبا،دون اعتبار للتطور الحقيقي للطبيعة والعالم الموضوعي.ويصدق ذلك،لدى هيغل،بالنسبة لجميع الجوانب الاخرى من الجدل.ان اي مبدأ من مبادئ الجدل،اذا نظر اليه بمعزل عن قاعدته المادية،الجوهر المادي للعالم،يعود مقلوبا،مشوها،معميا،رأسه الى الاسفل.وكذلك،فان النظر الى العالم المادي بمعزل عن تحولاته وتغيراته الجدلية،يحوله الى عالم لا عقلاني،عالم يعج بالالغاز والمعميات.واذا كانت المادية قبل الماركسية قد فشلت في الانتصار على المثالية فانما يعود ذلك الى كونها كانت مادية ميتافيزية،والى انها لم تفهم الطبيعة الجدلية للمادة وللعمليات الاجتماعية.
ان الماركسية وحدها استطاعت ان تصهر في كل واحد،التفسير المادي للعالم والمنهج الجدلي،وينتج عن ذلك ان المادية الحقيقية لا يمكن فصلها عن الجدل،كما ان الجدل الحقيقي لا يمكن فصله عن المادية.ولا يمكن اطلاقا فهم المنهج الماركسي ونظرية المعرفة الماركسية،اللذين طورا في"رأس المال"من دون اعتبار هذه الصلة وهذه الوحدة.وقد كتب انجلز،في رسالته لكونراد شميت،المؤرخة في الاول من تشرين الثاني 1891،في موضوع الفارق بين المنهج المادي الجدلي لماركس والمنهج الجدلي المثالي لهيغل:
"يكفيك ان تقارن بين تطور السلعة الى رأس مال لدى ماركس وتطور الوجود الى جوهر لدى هيغل،لتحصل على مقايسة جميلة:من جهة،التطور المحدد العيني كما يحصل في الواقع،ومن الجهة الاخرى،صياغة بناء مطلق"(8).
هناك جانب اخر لا يقل اهمية عن الترابط بين المنهج الجدلي والتفسير المادي للعالم،كشف عنه في"رأس المال":هو ان نظرية المعرفة لا يمكن ان تكون علمية الا اذا اسست على مبادئ الجدل،وتغلغلت فيها روح الجدل.وهذا ما كان لينين قد فهمه عندما اكد بأن"الجدل هو المنطق الماركسي ونظرية المعرفة الماركسية"وان"الجدل والمنطق ونظرية المعرفة انما تشكل وحدة واحدة".
ما هو المعنى العميق لهذه الصيغة؟
ان حدها موجه ضد القطيعة التي تميز اغلب التيارات المثالية،بين الوجود والوعي،بين قوانين الحقيقة الموضوعية وقوانين الفكر الجدلي،بين مضمون وشكل المعرفة،ومن هنا نشأ التعارض بين الانطولوجيا او علم الوجود وبين الغنوصيولوجيا او علم المعرفة،مع اعتبار العلمين متوازيين ومستقلين.وقد وجدت هذه القطيعة تعبيرها الاكمل في فلسفة كانت،حيث جعل فيلسوفنا هذا،العالم الموضوعي يقتصر على تجهيز المواد التي تصبها المعرفة في اشكال منطقية تملكها بصورة قبلية A PRIORI ولا تعتمد على الوجود ولقد اخضع هيغل هذا التعارض بين الوجود والمنطق لنقد حاد وجمع الاثنين في كل واحد،ليس على اساس الحقيقة الموضوعية،بل على اساس الروح الصوفي المطلق،الفكرة المطلقة.فبالنسبة لهيغل،ليس العالم الحقيقي الا تجسيدا لقوانين المنطق.
وقد اعادت الفلسفة البورجوازية لعصر الامبريالية،بألف شكل وشكل،تناول هذا المذهب الكانتي القائل باستقلال المنطق ونظرية المعرفة بالنسبة للعالم الموضوعي،دافعة بالقطيعة بينهما الى مداها النهائي.ان هؤلاء الفلاسفة،بعد ان رفضوا(الشيء بذاته)الكانتي باعتباره بات من سقط المتاع،يرجعون جميع مشامل المعرفة الى مجرد مسألة شكلية.يصرح هـ. ريكرت:"بالنسبة لنظرية المعرفة لا توجد بصورة عامة الا مشكلة الشكل.اما مجرد المضمون فيقع تماما خارج النطاق المنطقي،كما انه لا يتضمن مشكلة الحقيقة.ولهذا السبب فان جميع مشاكل نظرية المعرفة هي مشاكل شكلية...".
اختزال المعرفة الى مجرد قضية شكلية،مقطوعة الصلة بالمضمون،هذا هو ما يميز مختلف اتجاهات الفلسفة المثالية المعاصرة مهما كانت اسماؤها:"وضعية منطقية"،"وجودية" ..الخ.
ان الماركسية هي التي كانت البادئة في وضع نهاية للتعمية المثالية للمنطق ونظرية المعرفة.فهي على عكس المادية الميتافيزية القديمة،لا تتجاهل اهمية اشكال المعرفة.ان المعرفة هي انعكاس للحقيقة متجسدة في مدركات وتصورات ومقولات منطقية ومفاهيم ..الخ.الا ان المادية الجدلية تدرس هذه الاشكال رابطة اياها بشكل لا ينفصم بالمضمون الحقيقي الذي تغترفه المعرفة من العالم الموضوعي.ليست الاشكال المنطقية هي التي تنتج وتصوغ قوانين العالم،بل بالاحرى،ان قوانين الطبيعة هي التي تحدد الاشكال المنطقية للفكر.
لقد اعطى لينين في"الدفاتر الفلسفية"تعريفا رائعا للمنطق باعتباره علم قوانين الحقيقة الموضوعية منعكسة في اشكال الفكر:"ان المنطق ليس نظرية الاشكال الخارجية للفكر،بل هو نظرية قوانين تطور جميع الاشياء المادية والطبيعية والروحية،اي تطور مجموع المضمون المحدد للعالم ومعرفته،اي الحصيلة،الخلاصة،والنتيجة المستحصلة من تاريخ معرفة العالم"(9).
ان الجدل المادي،باعتباره علم القوانين الاكثر عمومية لتطور الطبيعة والمجتمع،وبالتالي للعالم الموضوعي،هو،بنفس الوقت،منطق،اي نظرية لمعرفة قوانين الفكر.ان القوانين الاكثر عمومية لتطور الوجود التي يصوغها الجدل،هي بنفس الوقت القوانين الاكثر عمومية للمعرفة،التي بواسطتها يدرك الفكر الحقيقة.مثال ذلك ان قانون وحدة وصراع الاضداد،هو قانون للعالم الموضوعي،لكنه كذلك،وبالدقة لهذا السبب،قانون من قوانين المنطق الجدلي.
ومن الواضح انه بتطبيق الجدل على المعرفة فقط،يمكن الحل المباشر لسلسلة من اعقد مشاكل نظرية المعرفة،وهي المشاكل التي بقيت حجر عثرة امام جميع الفلاسفة السابقين على الماركسية.ومن تلك المشاكل على سبيل المثال،الدرجات الاساسية للمعرفة الموضوعية،علاقات الجوهر بالظاهرة،المعطيات المحسوسة والمدركات والتجريدات،ودور كل منها في عملية المعرفة،العلاقة بين التاريخي والمنطقي وبين التحليل والتركيب وبين الاستقراء والاستنتاج ..الخ.
قبل ماركس لم تستطع الفلسفة المادية ان تقدم اجابة علمية عن هذه القضايا،بسبب طابعها الميتافيزي.ان تطبيق المادية الجدلية وحدها استطاع ان يزود نظرية المعرفة باساس علمي حقا،وقد امكن حل هذه المشاكل للمرة الاولى في ضوء المادية الجدلية في اعمال ماركس الاقتصادية،مثل"اسهامة في نقد الاقتصاد السياسي"وخاصة في"رأس المال".وقد يظهر عجيبا للوهلة الاولى ان هذه المشاكل الفلسفية امكن حلها في مؤلفات اقتصادية،ولكن من المناسب هنا ان تؤخذ بنظر الاعتبار الوقائع التالية:في اعماله الاقتصادية وخاصة في"رأس المال"،كان على ماركس ان يحلل احدى اكثر التشكيلات تعقيدا في تاريخ المجتمعات،وهي التشكيلة الرأسمالية.ولئن عجز الاقتصاديون البورجوازيون الذين سبقوا ماركس عن دراسة الرأسمالية بصورة علمية،فان ذلك يعود،بين اسباب اخرى،الى افتقارهم لنظرية صحيحة في المعرفة.وقد اختبر ماركس في مقدمة"اسهامة في نقد الاقتصاد السياسي"منهج سابقيه،وعرض في عدد من المقولات الوجيزة منهجه الخاص،مع صياغة مجموعة من الافكار الموجهة ذات اهمية كبرى لحل المشاكل المشار اليها في اعلاه.
على ان هذه المشاكل المعرفية اصبحت اشد الحاحا عندما باشر ماركس في كتابة مؤلفه الرئيسي"رأس المال"،حيث يعرض فيه نظرية منتظمة ومتماسكة ومعمقة لنمط الانتاج الرأسمالي.وقد كان عليه ان يحل هذه المشاكل المعرفية لدراسة النمط المذكور بعمق.وهكذا فليس اذن من باب الصدفة ان يتضمن"رأس المال"هذا العدد الكبير من الاشارات النفيسة حول نظرية المعرفة وحول نقد منهج الاقتصاديين البورجوازيين.
على انه مهما تكن اهمية هذه الاشارات،فالشيء الجوهري مع ذلك هو الدراسة المحددة للقضايا الاقتصادية في"رأس المال،حيث نجد هنالك في الواقع المنطق الماركسي ونظرية المعرفة الماركسية(في العمل) في صورة التحليل المحدد للحقيقة الموضوعية.وبهذا المعنى،وبالرغم من ان"رأس المال"ليس مؤلفا مكرسا صراحة لنظرية المعرفة،فان دراسته لنمط الانتاج الراأسمالي توفر لصياغة وفهم نظرية المعرفة اكثر مما تستطيع توفيره مجلدات من البحوث.
ولهذا السبب اكد لينين على أن جدل المجتمع البرجوازي كما استخلصه ماركس في"رأس المال"ما هو الا حالة خاصة من الجدل بوجه عام،وليس هناك ادنى شك في ان لينين الذي انصرف في اعوام 1914 – 1916 لمشاكل الجدل المادي واهتم اهتماما شديدا بمنهج"رأس المال"كما تدل على ذلك"دفاتره الفلسفية"كان يستعد لاستثمار الآراء الفلسفية،ذات الغنى الذي لا يقدر،المتضمنة في كتاب ماركس،الى الحد الاعلى،في كتابة مؤلفه المذكور المكرس بصورة خاصة لمعالجة الجدل.وهذه الملاحظات الموجزة التي سطرها استاذ المعي من اساتذة الجدل الثوري كلينين،سوف يكون لنا بمثابة الخيط الهادى في دراسة"رأس المال"من زواية المنهج الجدلي الماركسي.
وفي اشارته الى ان مؤلف ماركس يعرض جدل المجتمع البورجوازي،وهو الحالة الخاصة للجدل العام،استخلص لينين الطابع المزدوج لمنهج"رأس المال".فمن جهة،بتحليل نمط الانتاج الرأسمالي ودراسة جدل ظهوره وتطوره وسقوطه،يغني ماركس الجدل بوجه عام،اي هذه المبادئ الجدلية التي تلعب دورا في دراسة جميع اشكال الحياة الاجتماعية ومنهج كل معرفة،والتي تستمر قيمتها الموضوعية جارية بالنسبة للمجتمع البورجوازي.ومن جهة اخرى،فهو يدرس جدل نظام نوعي محدد تاريخيا وذي صفة انتقالية،وهو جدل المجتمع البورجوازي الذي لا يمكن رده الى تشكيلات اخرى،ومن باب اولى،لا يمكن رده الى تشكيلة كالشيوعية تدشن البداية لعصر جديد تماما في تاريخ الانسانية.
ان ماركس لم يستهدف في"رأس المال"دراسة جدل تطور المجتمع الاشتراكي،وان كان،في عدة مواضع من كتابه،يقارن بين الرأسمالية والاشتراكية،ويصف في سماتها العامة قوانين تطور المجتمع الجديد الذي سيحل محل التشكيلات المتضادة.وقد طرحت هذه المهمة على الماركسيين في عصر تاريخي جديد،بعد تحقق التوقعات العبقرية لماركس،الخاصة بالانهيار الحتمي للرأسمالية،وبعد ثورة اكتوبر الاشتراكية الكبرى التي حررت روسيا من اغلال الامبريالية.
لقد دخلت الرأسمالية بعد وفاة ماركس وانكلز في مرحلتها الجديدة والاخيرة،وقد فاقمت الامبريالية،الى اعلى حد،تناقضات الرأسمالية،كما ان الثورة البروليتارية المنتصرة في روسيا شطرت العالم الى نظامين:النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي.وتحت قيادة الحزب الشيوعي،استطاعت شغيلة بلادنا وعلى رأسها الطبقة العاملة الروسية،طليعة البروليتاريا الاممية،بناء المجتمع الاشتراكي.لقد ظهر للوجود نمط انتاج جديد هو النمط الاشتراكي،وهو يتطور بموجب قوانين اقتصادية جديدة.
لقد قام لينين بتحليل جدل التطور في هذا العصر التاريخي الجديد.ان مؤلفه"الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية"يشكل الامتداد المباشر لـ"رأس المال"،وان اعمال لينين وتلامذته تستخلص بمهارة خصوصيات تطور الرأسمالية في عصر انقسام العالم الى نظامين اجتماعيين،وحيث يتم بناء المجتمع الاشتراكي.
ان التفسير النظري الفلسفي للشروط الجديدة للتطور التاريخي اعلنت الجدل وافسحت المجال لاكتشاف اشكال جديدة لظهور وعمل القوانين الجدلية العامة للتطور في موقف اصابة التغيير.وان خبرة الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي،مع الاحزاب الشيوعية والعمالية الاخرى،تسمح بفهم القوانين الجديدة وخصوصيات التطور الجدلي بعد قلب الرأسمالية وانتصار الاشتراكية.واذن فتطبيق المنهج الجدلي في"رأس المال"يكتسي ايضا اهمية كبرى من وجهة نظر المقارنة بين جدل المجتمع البورجوازي وجدل المجتمع الاشتراكي.ان دراسة جدل"رأس المال"،تكتسب اهمية راهنة من زاوية اخرى.فمنذ نشر هذا المؤلف وخاصة منذ ظهور التحريفية والاصلاحية في الحركة العمالية،لم ينقطع خدم البورجوازية ابدا عن مهاجمة"رأس المال".فمن برنشتاين الى الاشتراكيين اليمينيين في الوقت الحاضر،تتضاعف المحاولات العاجزة لذلك الصرح المهيب"رأس المال"وثلم حده القاطع النقدي والثوري و"تحييد" استنتاجاته القاتلة بالنسبة للبورجوازية.
ان الجهود لنسف التأثير الثوري للماركسية على الطبقة العاملة،اتخذت ولا تزال تتخذ غالبا شكل هجمات ضد المنهج الجدلي.وهكذا فان اشتراكيا يمينيا المانيا صرح بان الماركسية ستكسب كل شيء كنظرية اجتماعية واقتصادية لو كفت عن"مغازلة"الجدل.ان الهجمات التي يشنها الاشتراكيون اليمينيون ضد المنهج الجدلي لماركس،ليست الا وسيلة لمكافحة الجوهر الثوري للنظرية الماركسية،كما ان القول بان ماركس لم يفعل الا ان "يغازل" الجدل،ما هو الا تزوير فج للماركسية.
لقد اوضح ماركس في"رأس المال" سبب كراهية المنظرين البورجوازيين للجدل الى هذا الحد.لقد كتب:"ان الجدل يمثل فضيحة ومادة ممقوتة للطبقات الحاكمة ومنظريها المتعصبين،ذلك لانه في مفهومه الايجابي للاشياء القائمة،يتضمن في نفس الوقت ادراك نفيها الحتمي وتحطيمها الضروري.وذلك لانه في ادراكه ان الحركة بالذات،في جميع الاشكال القائمة للاشياء،انما هي مجرد صياغات طارئة،ومؤقتة لها،لا يخضع لاي شيء يفرض عليه من اعلى،وذلك لانه،في الاساس،نقدي وثوري".(10)
ان ما يضفي على"رأس المال"هذه الاهمية العظمى،هو انه يحطم من الاسس الفكرة القديمة القائلة بخلود النظام الرأسمالي،وانه تنبأ بدقة مطلقة بالمسيرة الحتمية للانسانية.واذا كنا نجد ان اعداء الماركسية اليوم قد استبد بهم الغضب اكثر من اي وقت مضى،فان تفسير ذلك يعود الى حقيقة ان الماركسية لم تعرف انتصارات كهذه التي احرزتها في ايامنا هذه.وصحيح ان هناك بين التحريفيين الحاليين من يرى بأن الماركسية قد شاخت بجملتها اليوم،ولم يبق الا منهجها معافى،الا ان هذه ليست الا محاولة لا تقل فجاجة لبلوغ نفس الهدف بوسائل اخرى:هدف ازاحة الماركسية ونسف ثقة الجماهير العمالية العريضة بمفهومها،الوحيد علميا،للعالم.ان منهج الماركسية واجزاءها الاخرى"النظرية الاقتصادية والاشتراكية العلمية"ليست اشياء مستقلة يمكن ان تفصل عن بعضها بصورة اعتباطية،ولا يمكن ان يقبل احدها ويرفض الباقي.لقد قال لينين بأن الماركسية قد صبت من كتلة فولاذية واحدة.ولا يمكن فصل المنهج الماركسي عن الجوهر الثوري للمذهب الماركسي في مجموعه.ومن دون المنهج لا يمكن ان توجد اشتراكية بروليتارية،كما انه من دون هذه الاشتراكية البروليتارية يفقد المنهج طابعه العلمي،وصفته كأداة لمعرفة العمليات الاجتماعية وخوض الصراع العملي.ومن المستحيل قبول المنهج في حالة رفض النتائج المستحصلة بالضرورة من المفهوم الجدلي للعالم.
ان اشياء كثيرة تتوقف بالتاكيد على وجهة نظر المرء للفلسفة ودورها في الحياة الاجتماعية.فاذا نظر الى الفلسفة كعلم تأملي فاقد لاية صلة بالحياة،امكن حينئذ الجمع بين الاشتراكية واية نظرية فلسفية حتى لو كانت دينية.الا ان من الواضح ان مثل هذا الجمع لا يمكن ان ينتهي الا بنوع من الاشتراكية مشكوك فيها تماما.
في مقالة نشرتها مجلة"دي نويه كزلشافت – المجتمع الجديد"،مجلة الاشتراكية الديمقراطية الالمانية،يلاحظ كاتبها وقد تملكه اليأس،بأن الفلسفة تربط بالسياسة،وانها في الدول الاشتراكية تستخدم لمعرفة قوانين تطور الاقتصاد والبناء الاشتراكي،المبنية على اساس خطة علمية وليس على فعل قوى تلقائية،ولهذا فيؤكد كاتب المقالة على ان الفلسفة يجب ان تحصر بالجامعات.(11)
ان الماركسية لا علاقة لها بمثل هذا المفهوم عن الفلسفة.ان الفلسفة ضرورية ليس فقط لتفسير العالم بل لتغييره الثوري.ان هذه العبارات الشهيرة لماركس منقوشة على راية الماركسية،ولهذا فمن السخف محاولة معارضة الاشتراكية بالفلسفة الماركسية والمنهج الماركسي،اي قبول احداهما ومعارضة الاخرى.
ان المؤلف الحالي الذي يرمي الى القاء الضوء على دور"رأس المال"في تطوير المنهج الجدلي والمنطق ونظرية المعرفة الماركسية،لا يدعي القدرة على استنفاد الموضوع.انه يقتصر على التصدي لجوانب اساسية معينة من هذه المشكلة الكبرى،للاسهام في تطوير الجدل ونظرية المعرفة الماركسيين،باستخدام جدل"رأس المال"كما اشار الى ذلك لينين.لقد قال لينين بأن ماركس طبق في"رأس المال"الجدل والمنطق ونظرية المعرفة.واستلهاما لهذه الاشارة،يحاول المؤلف،عن طريق فحص بعض القضايا المهمة،اظهار ان الجدل لا يكتفي باستخلاص قوانين التطور الموضوعية للعالم حسب،بل انه لهذا السبب يشكل المنطق العلمي الوحيد ونظرية المعرفة العلمية الوحيدة.

خاتمة
الطابع النقدي الثوري وروح الانحياز للمنهج الماركسي

ان"رأس المال"يعبر بصورة قوية وساطعة عن سمة جوهرية للمنهج ونظرية المعرفة الماركسيين:الروح النقدية الثورية،والطابع المنحاز،للفلسفة الماركسية بمجموعها،ولمنهجها على وجه الاخص.ان"رأس المال"هو نموذج كلاسيكي للانسجام بين التحليل الموضوعي – بأحسن المعاني،بالمعنى العلمي للاصطلاح – للوقائع،والعاطفة الثورية،والدفاع المتماسك عن مصالح الطبقة الاكثر تقدما في المجتمع الرأسمالي:البروليتاريا.لقد كرس ماركس كامل حياته تقريبا لكتابة هذا المؤلف،ويمكن تفسير ذلك،ليس فقط بسبب تعقد وصعوبة العمل نفسه،بل كذلك بواقع ان ماركس فهم بشكل رائع اهمية عمله لتحرير البروليتاريا من العبودية الرأسمالية،وعرف بأن ذلك سيكون،كما قال هو عن نفسه،بمثابة"قنبلة هائلة موجهة الى رأس البورجوازية".وفي هذا الهدف الكبير الذي استوحاه ماركس والذي تغلغلت روحه في جميع صفحات الكتاب من اوله لآخره،تكمن القوة الانفجارية لكتاب"رأس المال".وقد تحدث ماركس عن ذلك بعبارات مثيرة في رسالة موجهة الى ميير بتاريخ 20 نيسان 1867،عندما كان الكتاب تحت الطبع:"لماذا لم اجبك ياترى؟لاني كنت طيلة ذلك الوقت على حافة القبر.لذلك كان علي ان استثمر كل دقيقة اقدر فيها على العمل لانهاء مؤلفي الذي ضحيت من اجله صحتي وسعادة شخصي وعائلتي.وآمل انك ستقتنع من تفسيري.انني اسخر من الناس الذين يقال عنهم انهم "عمليون" ومن حكمتهم الواسعة.واذا اراد الانسان ان يكون بهيمة يمكنه طبعا ان يدير ظهره لالآم الانسانية وينجو بجلده،ولكنني اشعر بكوني غير عملي حقا اذا هلكت دون ان انهي كتابي على الاقل كمخطوطة"(12). ان آلام الانسانية آلام الطبقة الاكثر اضطهادا في المجتمع الرأسمألي،البروليتاريا،والآم جميع الجماهير الكادحة التي يدفعها رأس المال في"طاحونته"،حيث يطحنها دون رحمة لاثراء حفنة من المستغلين.ان"رأس المال"يقدم لنا عينة رائعة من هذه المادية الماركسية المنحازة التي تكلم عنها لينين في مؤلفه"المضمون الاقتصادي للشعبية ونقدها في كتاب ستروفة".فمن جهة،لاحظ لينين بان الماركسي يطبق وجهة نظر التحليل الموضوعي للظواهر بشكل اعمق واكثر منهجية من"الموضوعيين"،الذين استبد بهم الزهو،والذين يفخرون بكونهم"غير منحازين"،بينما هم يحولون الدراسة الموضوعية العلمية للوقائع الى تبريرية للنظام البرجوازي.اما ماركس،فانه لم يبتعد لحظة واحدة في مؤلفه عن الحقائق ولم يدخل في ابحاثه اي شيء كان،قد يبعده خطوة واحدة عن الحالة الموضوعية للاشياء.ومن الجهة الاخرى تتضمن المادية روح الانحياز،بالاضطرار لالقاء الضوء على ما يكمن وراء الوقائع والاتجاهات الموضوعية المعينة من المواقع المختلفة للطبقات القائمة،والصراع الذي يجعلها في معارضة بعضها البعض.وفي كل مرة يقتضي منا تقييم الاحداث،تضطر المادية – كما قال لينين – على تبني وجهة نظر طبقة اجتماعية معينة بصورة مباشرة ومكشوفة.وهذا الجانب من منهج البحث الماركسي يظهر بصورة واضحة ومكشوفة في"رأس المال".ان ماركس لا يخفي عواطفه الطبقية ايجابا وسلبا.وقد مكنته وجهة نظر البروليتاريا التي يدافع عن مصالحها في مؤلفه،وجهة النظر المنحازة للبروليتاريا،من ان يدفع حتى النهاية بتحليله العلمي الموضوعي وان يصل الى قرار يحكم بالموت على نظام الاستغلال والاضطهاد البورجوازي.ان"رأس المال"يشهد ببلاغة على الاندماج المنسجم،في الماركسية ، بين التحليل الموضوعي للواقع والدفاع عن مصالح طبقة معينة . وقد اشار ماركس عدة مرات الى فشل حتى افضل ممثلي الاقتصاد السياسي البورجوازي في اعادة بناء الجوهر الحقيقي للعمليات الموضوعية ولم يكن على كل حال بامكانهم ان ينجحوا في ذلك دون ان"يتخلوا عن جلدهم البورجوازي".
ان الطابع النقدي الثوري،وروح الانحياز،للمنهج الماركسي،يظهران باشكال مختلفة تماما.وما هو حاسم في هذا الصدد هو قدرة هذا المنهج على اعطاء تحليل نقدي للعمليات الحقيقية،ينتزع دون رحمة المظاهر السطحية الخداعة التي تخفي ظواهر الحياة،ويعري هذه حتى في اسسها الاكثر خفاء ان الجوهر الداخلي لهذا المنهج يكمن في احترام حقيقة الحياة،وفي الدراسة الحقيقية للظواهر.ان ماركس ينزع،بشجاعة وعنف ثوريين،جميع الاقنعة التي يزين بها رأس المال طبيعته الاغتصابية وفي تحليله لعملية تحول النقود الى رأس مال،اظهر ماركس بأن بداية هذ التحول تكتسي طابعا مثاليا في الظاهر.فمالك وسائل الانتاج يجد في السوق قوة عمل حرة،وقوة العمل الحرة تجد في السوق من يستخدمها.انهما يعقدان عقدا "قانونيا" متفقا مع جميع قواعد التبادل المتكافيء،وليس هناك اي اكراه او خرق لحقوق الانسان.ان احد الطرفين يعمل،بالاحترام المطلق لارادته الحرة،على بيع"سلعته":قوة العمل والطرف الآخر يحترم قواعد الانسانية،بدفعه القيمة الكاملة للسلعة التي اشتراها.ولكن اية سخرية واية مهزلة تتضمنها الاسطر الشهيرة التي يصف فيها ماركس هذه الصورة المثالية البورجوازية التي يتشبث بها المبررون للرأسمالية:"ان ميدان تداول وتبادل السلع حيث يتم بيع وشراء قوة العمل،هو في الواقع جنة عدن الحقوق الطبيعية للانسان والمواطن.ان ما يسود هناك هو فقط الحرية،والمساواة،والملكية،وبنتام(13)الحرية،لانه لا المشتري ولا البائع يعملان بالاكراه،بل العكس،يتحددان بارادتهما الحرة ويعقدان العقد باعتبارهما حرين يملكان نفس الحقوق وما العقد الا النتاج الحر الذي تكتسي فيه ارادتهما تعبيرا قانونيا مشتركا.المساواة،ولانهما لا يدخلان في علاقة بين احدهما والاخر الا بوصفها مالكين للسلع،وهما يتبادلان مساويا بمساو له.الملكية،لان كلا منهما لا يتصرف الا بما يخصه.بنتام،لان الامر لا يتعلق بالنسبة لاي منهما الا به وحده.ان الفقرة الوحيدة التي تجمع وتربط بينهما هي قوة انانيتهما وريحهما الخاص ومصالحهما الخاصة.ان ايا منهما لا يفكر الا بنفسه ولا يقلق من اجل الآخر.وبالضبط لهذا الغرض،وبموجب انسجام مسبق للاشياء،او برعاية عناية آلهية بالغة الحكمة.وبالعمل كل لنفسه وبنفسه يعملان بنفس الوقت للمنفعة العامة وللمصلحة المشتركة"(14). ان ماركس بمنهجه النقدي لتحليل الواقع،يحطم(جنة عدن)البورجوازية هذه،رأسا على عقب،ويظهر بان رأس المال منذ خطواته الاولى منذ مرحلة التراكم البدائي،ينضح بالدم والوحل من جميع ثناياه،من قمة الرأس الى اخمص الاقدام.ان"الحرية"اللفظية التي يعلنها المنظرون البورجوازيون ما هي الا حرية النهب وايقاع الاذى بالعمال.و"مساواتهم"ما هي الا حق العمال في بيع انفسهم كعبيد للرأسمالية،لعدم ملكيتهم وعجزهم عن تملك اية وسيلة اخرى للعيش في النظام الرأسمالي.وقد وجد ماركس كلمات دقيقة وبليغة لوصف الطبيعة الحقيقية لرأس المال.لقد قارنه بالسعلاة فهو بالامتلاء بالعمل الحي للعمال،بعرقهم ودمهم،يكتسب الحياة،وهو يحيا بكثافة اشد كلما اشتد امتصاصه للعمل الحي.وقد اظهر ماركس بان الرأسمالية تبذر في القوة البشرية الحية اكثر من اي نمط انتاجي آخر،وانها لا تبذر فقط اللحم والدم،بل الاعصاب والدماغ.ان البروليتاري هو في الواقع عبد لرأس المال،لانه حتى في حالة الراحة،عندما يستهلك وسائل العيش،يبقي على قوة عمله ويجددها لمصلحة الرأسمالي.ان وضع عبيد رأس المال يختلف عن وضع عبيد العصر القديم بهذا المعنى وهو ان عبودية العالم القديم كانت تمارس بصورة مكشوفة،وكانت تقوم على اساس الحق القانوني للسيد في تملك العبد،بينما تسود في النظام الرأسمالي عبودية مهذبة،مقنعة بـ"الحرية"الشكلية،عبودية تنبع من الوضع الواقعي."كان العبد الروماني مكبلا بالسلاسل:اما العامل الاجير فتسمره بمالكيه خيوط غير مرئية"(15).ان مسحة من الالم العميق تثيرها عذابات والآم العمال،تطبع فصول"رأس المال"المكرسة لوصف اوضاع العمال المستغلين بقسوة من قبل الرأسماليين،الذين لا يتورعون عن ارتكاب اية جريمة اذا درت عليهم ارباحا جديدة.الا ان هذا ليس بألم المتأمل السلبي في آلام الآخرين.انه يفتح عيونهم،ويساعدهم على وعي وضعهم الطبقي،ويريهم رسالتهم التاريخية.وبالرغم من ان"رأس المال"محايد وموضوعي الى اعلى درجة في منهجه العلمي في التحليل،فهو في نفس الوقت انشودة حقيقية في كفاح البروليتاريا من اجل التحرير،ودعوة للنضال للقضاء على الرأسمالية وخلق نظام جديد،هو النظام الاشتراكي.وبثقة تامة بقوى الطبقة العاملة،يصف ماركس مقاومة العمال في مواجهة مستغليهم،وصراعهم الطبقي ضد طبقة الرأسماليين.انه يظهر كيف ان هذا الصراع،الذي سينتهي حتما بالثورة الاجتماعية ونزع ملكية المنتزعين،يتخذ طابعا متزايدا في الوعي.ومن الجهة الاخرى،يشجب ماركس جميع مظاهر السلبية والاستخذاء المتخذة من بعض فئات العمال.
ان الطابع النقدي والثوري للمنهج الماركسي في"رأس المال"يتجسد ايضا في ان ماركس،من اول سطر لآخر سطر من مؤلفه،يخوض كفاحا عنيدا ضد الاقتصاديين البورجوازيين الذين يلونون الرأسمالية بالوان وردية ومثالية.ان"رأس المال"يحمل العنوان الفرعي"نقد الاقتصاد السياسي"،وهو في الواقع نقد متماسك وجبار للاقتصاد السياسي البورجوازي،انطلاقا من مواقع الاقتصاد السياسي البروليتاري.ومن هذه الزاوية ايضا،يقدم"رأس المال"مثالا على العداء المستحكم تجاه النظريات والآراء المناقضة للعلم،للآيدولوجيا البورجوازية.لقد انتقد ماركس على السواء،الممثلين الكلاسيكيين للاقتصاد السياسي البورجوازي والاقتصاديين المبتذلين.وقد ركز هجومه على هؤلاء الاخيرين بوجه خاص،لان الاوائل،كما سبق ان رأينا،حاولوا رغم كل شيء دراسة العلاقات القائمة دراسة نقدية،بينما خضع الآخرون ليس للجهل والعجز فحسب،بل كذلك"للخوف الذي سيوقعه بهم اي تحليل امين للقيمة وفائض القيمة،وخشيتهم من الوصول رغما عنهم الى نتيجة سوف لا ترضى عنها اجهزة الشرطة"(16).ان الاستخذاء امام البورجوازيين والرغبة في التملق لهم،وبالتالي تبرير الاتعاب التي يحصلون عليها مكافأة على احلالهم المتعمد لتبريرية النظام البورجوازي محل العلم،ان ذلك هو ما يمقته ماركس اشد المقت في الاقتصاديين المبتذلين.لقد كتب:"ان النية الحسنة المتعمدة في اكتشاف احسن العوالم الممكنة،في العالم البورجوازي،تحل في الاقتصاد المبتذل محل اية ضرورة لحب الحقيقة والرغبة في البحث العلمي"(17).وقد قال ماركس عن هذا الاقتصاد السياسي بانه مقبرة العلم.
ان ماركس لم يطرح ولم يوضح اية مشكلة في"رأس المال"دون ان يقدم وجهة نظره في معارضة آراء الاقتصاديين البورجوازيين،ودون فضح الطبيعة الطبقية البورجوازية للآراء المذكورة.سواء،عند دراسته المسألة الاساسية للاقتصاد السياسي للرأسمالية،مسألة فائض القيمة،او المسائل الاخرى الاكثر خصوصية،كان يسلط الضوء على فزع الاقتصاديين البورجوازيين من التوغل بعيدا في طريق الدراسة العلمية.فليس من العجب ان"رأس المال"وهو يستوحي هذه القوة النقدية القاهرة،قد اعلن بظهوره عن موت الاقتصاد السياسي للبورجوازية.ومن المفهوم والحالة هذه ان"رهبان البورجوازية"،حسب تعبير ماركس،مع حلفائهم الاصلاحيين،بذلوا كل جهودهم(وما يزالون)لثلم هذا الحد النقدي الثوري للماركسية ومنهجها،والقضاء على روحها الثورية الا ان جهودهم تذهب ادراج الرياح.وكما اظهرت جميع تجربة التطور التاريخي منذ ظهور الماركسية،ان افكار الشيوعية العلمية تقتحم خضم الحياة على نحو متزايد،وقد تجسدت في الكفاح العملاقي لعمال وجماهير شغيلة روسيا ضد الرأسمالية،وفي انتصار النظام الجديد في الاتحاد السوفياتي،النظام الاشتراكي.كما انها تجد في الوقت الحاضر تطبيقا عمليا وحيا في بناء الاشتراكية من قبل بلدان الديمقراطية الشعبية،وفي انتصار الثورة الصينية الكبرى،وفي الحركة الجبارة لعمال البلدان الرأسمالية وجماهيرها الكادحة من اجل السلم والديمقراطية والاشتراكية.
ان عشر سنوات ما زالت تفصلنا عن العيد المئوي لظهور الكتاب الاول من"رأس المال".وان الافكار التي طورت في هذا المؤلف والتي اغناها لينين،المكمل العظيم لعمل ماركس،وتلاميذه ورفاقه في السلاح،تتعزز ويزداد انتشارها باستمرار،ويبقى"رأس المال"،كما كان دائما،الكنز الذي لا يثمن لافكار الاشتراكية العلمية،كما يبقى في نفس الوقت اثمن كنز لمنهج الماركسية،للجدل المادي الماركسي.

الهوامش
1. ف.لينين،دفاتر فلسفية،ص 21،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1955،بالفرنسية.
2. ك.ماركس وف.انجلز،رسائل مختارة،ص 121،طبعة ديتز،برلين،بالالمانية.
3. ك.ماركس،اسهامة في نقد الاقتصاد السياسي،ص 4،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1951،بالفرنسية.
4. ك.ماركس وف.انجلز،رسائل حول رأس المال،ص 133،طبعة ديتز،برلين،1954،بالالمانية.
5. ك.ماركس،رأس المال،الكتاب الاول،المجلد الاول،ص 29،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1950،بالفرنسية.
6. نفس المصدر.
7. ك.ماركس وف.انجلز،الرسائل المختارة،ص 232،طبعة ديتز،برلين،1953،بالالمانية.
8. ك.ماركس وف.انجلز،رسائل مختارة،ص 526،طبعة ديتز،برلين،1953،بالالمانية.
9. ف.لينين،دفاتر فلسفية،ص 76،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1955،بالفرنسية.
10. ك.ماركس،رأس المال،الكتاب الاول،المجلد الاول،ص 29،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1948،بالفرنسية.
11. مجلة"دي نويه كزلشافت"،1957،المجلد الثاني،العدد 112،بالالمانية.
12. ك.ماركس وف.انجلز،رسائل مختارة،ص 217،طبعة ديتز،برلين،1953،بالالمانية.
13. بنتام فقيه واخلاقي انكليزي كان قد عرى حرية الفرد في النظام الرأسمالي،واعتبر مبدأ الفائدة الشخصية والمنفعة،الاساس للعلاقات بين البشر(المؤلف).
14. ك.ماركس،رأس المال،الكتاب الاول،المجلد الاول،ص 178 - 179،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1948،بالفرنسية.
15. ك.ماركس،رأس المال،الكتاب الاول،المجلد الثالث،ص 17،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1950،بالفرنسية.
16. ك.ماركس،رأس المال،الكتاب الاول،المجلد الاول،ص 215،طبعة الايديسيون سوسيال،باريس،1948،بالفرنسية.
17. ك.ماركس،رأس المال،الكتاب الثالث،ص 899،طبعة ديتز،برلين،1953،بالالمانية.


-;- تلقيت نبأ افتتاح قسم صغير في مكتبة كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد يحمل اسم الدكتور ابراهيم كبة الشهر الرابع من عام 2012 بارتياح وارتياب في آن،لعدم اتساق هذه المبادرة الشجاعة الخجولة مع التوجه العام السائد في العملية التربوية-التعليمية!وهذه المشاعر هي امتداد ايضا لنبأ اوردته الموسوعة الحرة – الويكيبيديا – يذكر ان مكتبة الجامعة المستنصرية اقتنت بعض المكتبات الخاصة ومنها مكتبة الاستاذ ابراهيم كبة!وللأمانة والتاريخ كان على المؤسستين الاكاديميتين الأستئذان اولا من تراث المرحوم الدكتور كبة قبل ان تقدم على اجراءآت كهذه!وهل تنصف هذه الاعمال الدكتور كبة الذي ذاق الأمرين من النخب الفاسدة التي ادارت ملف التعليم العالي طيلة نصف قرن مضى؟!وهل اعادت الاعتبار لشخصه الكريم اولا ولتراثه – الكنز الثمين ثانيا؟بعد ان حاربته ورفضت منحه درجة الاستاذية فترة من الزمن،واحالته على التقاعد عام 1977 لدرء مخاطر الاشعاع الاشتراكي العلمي!
كانت فترة(1977- 2004)من اكثر الفترات ظلامية في تاريخه،حيث بقي في شيخوخته حبيس الضغوطات الدكتاتورية القومية - الطائفية المنهالة عليه من كل حدب وصوب وذكريات الماضي البعيد والقريب وذكرى رفاقه واصدقاءه الذين رحلوا وغيبتهم زنازين الاعدام والسجون والنسيان،لكنه خلف لنا خزين من التجربة السياسية والاكاديمية والفكرية والمؤلفات والترجمات عن الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية،والتي نشرت بعضها بأسماء مستعارة.
1. تراث ابراهيم كبة الاكاديمي والسياسي،باعتباره علم من اعلام التاريخ السياسي الحديث،ومن اساتذة جامعتي بغداد والمستنصرية،ملك للشعب العراقي وجزء لا يتجزأ من تراث ثورة 14 تموز المجيدة،والتراث العلماني الاشتراكي العلمي في بلادنا.
2. هذا التراث الغني يأبى التأويل والتفسير الطوباوي والسباحة في لجة الاحلام والاوهام،او ان تتلقفه ايادي غير امينة تجري المتاجرة به لأغراض نفعية براغماتية محضة،ولصالح اهداف دعائية رخيصة او وجوه اجتماعية وسياسية وحتى اكاديمية تنتمي الى الفكر البورجوازي الرجعي والطائفي والقومي ولزبانيته،هذا الفكر الذي امضى المرحوم كبة جل عمره في فضحه ونشر اكاذيبه وترهاته وسخافاته،وبسببه اودع السجن والمعتقلات في رمضان الاسود 1963.وابراهيم كبة من الد اعداء السرطنة الرجعية بتلاوينها وخزعبلاتها دون الوطنية او العابرة لها،وساهم في فضح الآراء والحنقبازيات الفكرية السفسطائية النفعية القومية والطائفية والتي كانت فاعلة في اجهاض ثورة 14 تموز 1958 المجيدة.
3. اما مهمة رفع"الكتب والمجلدات والرسائل والأطاريح والبحوث المرصوصةٌ"من الارض ووضعها على الرفوف واعادة تنظيمها،بعد ما كانت مستلقيات على الارض يعلوهن التراب وخيوط العنكبوت الواهنة في المكتبات الجامعية العراقية،فهي ولعمري،من صلب المهمات الأساسية للعمادات الجامعية لا تتفضل بها على احد!
4. لو كان الدكتور ابراهيم كبة حيا اليوم ويشهد ما ترتكبه الثقافتان القومانية البائسة والدينية الطائفية اليائسة من جرائم بحق الشعب العراقي،لترفع ورفض مبادرات المؤسسات الاكاديمية الجامعية العراقية لتخليد تراثه،واستخدام عنوانه لأغراض نفعية!فهاتان الثقافتان تنخر بمجتمعاتنا سرطانا وكابوسا وارهابا دمويا وتغطي المسيرة الوطنية التحررية للشعب العراقي،وحاضر ومستقبل العراق،بدخانها الاسود المقيت،لتترنح الموضوعية تحت السياط وتئن من ضربات اللاموضوعية وليجر تمزيق النسيج المنطقي للأحداث كي لا تمسك الاسباب والمبررات فتهوي وتضيع في لجة غموض الصدفة والوعي.وهاتان الثقافتان العدوانيتان تذكرنا بدرجة الوحشية والعنف التي يمكن ان يصلها عقل الانسان متى كان معبأ بالأحقاد والجهل والتعصب والأطماع!لأنهما النقيض لثقافة السلام والثقافات المسالمة التي تحمل قيم التسامح والعدل والسلام لا العنصرية والعداء.وقد عودنا الفكر البورجوازي الرجعي والاعلام الاصفر على اشاعة ثقافة الفكر الواحد والرأي الواحد والجمود والتهميش واحتقار العالم الاستاذ الاكاديمي المثقف!ثقافة الفساد وآليات انتاجه،ثقافة سيادة عبادة الفرد وتأليه الطغاة،ثقافة وديمقراطية القطيع والرعاع والولاءات دون الوطنية و"حاضر سيدي ومولاي"،ثقافة الامة الواحدة والرسالة الخالدة والغاية تبرر الوسيلة،الثقافة التوتاليتارية الشمولية الهجينية الانتقائية النفعية الممهدة للثقافات الفاشية!
5. لو كان الدكتور ابراهيم كبة اليوم حيا يشهد المبادرات الخجولة للمؤسسات الاكاديمية العراقية لتخليد اسمه،لرفع صوته عاليا مناديا كل المخلصين من ابناء قطاع التعليم العالي في بلادنا،ان يقرنوا آرائهم وافكارهم بأعمالهم،وليخلدوا ويعيدوا الاعتبار لكل اعلام العراق الابرار وفي مقدمتهم البروفيسور عبد الجبار عبد الله،والدكتور صفاء الحافظ،والدكتور صباح الدرة،والدكتور نوري جعفر،الدكتور محمد سلمان حسن،البروفيسور كاظم حبيب الذي نستلهم اليوم الكثير من جهوده الفكرية والاكاديمية والحقوقية وله كل التقدير والاعتزاز...،البروفيسور غازي الخطيب رئيس جامعة المثنى والذي احيل على التقاعد مؤخرا،يوسف حبي،طالب البغدادي،مهدي مرتضى،رافد صبحي اديب بابان،قتيبة الشيخ نوري،عبد الصمد نعمان،محمد عبد اللطيف مطلب،الدكتور فوزي رشيد،البروفيسور محمد كاظم راضي الشريفي،محمد مكية،زهاء حديد،البروفيسور عز الدين مصطفى رسول..وآخرين!
6. لسان حال ابراهيم كبة كان دوما وابدا :
• لا تبعدوا التعليم،وخاصة التعليم العالي والبحث العلمي عن حاجات البلاد وامكاناتها وآفاق تطورها.
• حركوا المناهج التعليمية في مختلف المراحل(لأنها تنتظر المراجعة والنقد والتغيير ارتباطا بتطور الحاجات المجتمعية وطبيعة المرحلة)،ولا تنشروا الاساليب التي تكرس الحفظ والتلقين والتبرير والنفعية بدل الاساليب التي تعلم الطلبة والتلاميذ مهارات العثور على المشكلات وحلها والتفكير الناقد والابداعي،والتي توفر مهارات الاستقراء والاستنباط التي تعد شرطا منطقيا الى النتائج!
• معا!لنمزق طبول الدكتاتوريات الجديدة!دافعوا عن مبادئ ثورة 14 تموز المجيدة 1958 كخط احمر لا يقبل المهادنة!وكرسوا حياتكم كاملة لخدمة الوطن والشعب بعقولكم الابداعية الخلاقة وعملكم الدؤوب المتواصل واملكم الجاد في بناء عراق التحرر والتقدم،وطن الجميع وارض الثقافة والعلم والسلام.ولتكن معالجاتكم الذكية لمختلف القضايا الفكرية والتاريخية العويصة منارا يلوذ به ومثالا يهفو اليه،وقدوة يقتدي بها الجميع!
• ارفعوا شعار"الدين لله والوطن والدولة للجميع"وافضحوا الدين السياسي وكل الفتاوي الدينية البليدة،وليفهم رجل الدين في العراق ان يمد عباءته على قدر حجمه!
• اجتثوا مظاهر التعصب بكل اشكاله وصوره في النظام التعليمي والتربوي،وبشكل خاص التعصب الديني والطائفي والقومي.
• عالجوا بجذرية تشوه الوعي المجتمعي،وتدني روح المواطنة،والقطيعة المعرفية،وشيوع ثقافة اللاأبالية والروح العدمية!
• اضغطوا بقوة على الحكومة العراقية لإجبارها على كف يدها عن الشعب والاقرار-غير المشروط - بحقه في التعبير السياسي والثقافي الحر والتظاهر السلمي،والكف عن الاستهتار باللحمة الوطنية وبروح المواطنة.الأستهتار الذي كرس من عدم آهلية حكومات المحاصصة ونمط الحكم الذي تمثله للأستجابة لطموحات الشعب العراقي بغد ديمقراطي افضل يتقاطع مع ماضي الديكتاتورية المقيت!
• اتحدوا بوجه الاهمال والتجاهل الفعلي الذي تتخذه حكومات المحاصصات من المعضلات التي تواجه الشباب،كتفشي البطالة،وتزايد مصاعب الحياة المعيشية،وغياب الخدمات الأساسية،وتدهور مستوى التعليم والصحة،وشيوع ثقافة التخلف،واعاقة دور المرأة الاجتماعي وإسهامها في عملية التنمية وبناء الحاضر والمستقبل ومصادرة حقوقها،والخراب الروحي والمادي المديد الذي ما يزال يتراكم دون حل جذري!
• اتصفوا بحضوركم المؤثر وسيطرتكم الكاملة سواء في التدريس او الضبط !بالموسوعية والعمق في المعلومات والعلمية والموضوعية في التحليلات،الدقة في التنظيم والحزم في ادارة الاعمال والحرص على وقت الطلاب والعدل في التقييم والحذاقة في التقدير والحكمة في الكلام،وبالتسامح والدماثة في الخلق!وامتلكوا مراسلاتكم الاكاديمية النقدية المستقلة مع خيرة اساتذة الادب الاكاديمي العالمي!واحرصوا على تخريج طلاب من حملة افكار الاشتراكية!
• لاحقوا قانونيا كل من يتجاوز على حقوق الانسان في بلادنا ويدوسها بأقدامه!وحاسبوا الحكومة العراقية ومجالس المحافظات والمجالس البلدية والاحزاب والقوى الرجعية الناهضة في محاولتها استغلال الآليات المدنية والانتخابات الديمقراطية لتأسيس حكم ديني اي للانقلاب على الحياة المدنية؟!وحطموا اغلال الخوف ليلتئم الجميع وتلتحم الهمم في خندق الوطن الواحد،لان حركة الطبيعة وقوانين التطور الاجتماعي لا ترحم المغفلين ولا تترك العابثين من دون جزاء وعقاب.
• طالبوا بأن يكون وزير التعليم العالي شخصية اكاديمية معروفة بسمعتها الوطنية والعلمية،يدرك مغزى استقلالية الجامعة والحرية الاكاديمية وحرية الفكر والتعليم الجامعي،ويرفض اقحام السياسة والدين والنهج الطائفي داخل المؤسسات التعليمية،والانتهاكات المستمرة للحرم الجامعي وبحجج واهية!وتجاوز الدستور والقوانين النافذة التي تؤكد على احترام الجامعات والمعاهد والمؤسسات العلمية واستقلاليتها!والاستخدام غير المبرر للقوة داخل المرافق الدراسية!ومواصلة الضغوطات والتدخلات السياسية والحزبية وتأثير الولاءات دون الوطنية في عمل المؤسسات التعليمية والجامعات العراقية من قبل الجهات الحزبية والرسمية للتأثير على العمل والنهج الاكاديمي العلمي،وجره الى التأثيرات والتجاذبات والمحاصصات السياسية والطائفية!وتحويله الى ساحة لتصفية الحسابات السياسية!
• ارفعوا صوتكم عاليا:لا لترويع الهيئات التدريسية،وقتل الاكاديميين واعتقالهم التعسفي،ومغادرة آلاف الاساتذة المهددين الوطن،وتواصل ظاهرة رسائل التهديد التي ترهب الاساتذة والطلبة،بما يؤدي الى تعثر العملية التربوية وتعطيل العمل الاكاديمي وقمع حرية التعبير وهجرة العقول الى الخارج،واعاقة تحقيق التقدم الاجتماعي والتكنولوجي.طالبوا الحكومة العراقية الامتثال بالحكومات الرصينة في العالم في الدفاع عن رعاياها اينما كانوا والحرص على رعاية العلم والعلماء،لا الانتقام من الشعب وغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب ضد العلماء وتشجيع تهجيرهم،وزج خيرة أبناء الشعب العراقي وقواه الوطنية وعلماءه في غياهب السجون بتهم ملفقة وباطلة!
• طالبوا بالكشف الفوري لنتائج التحقيق في جرائم الاختطاف كاختطاف موظفي دائرة البعثات في وزارة التعليم العراقية قبل اعوام،والاعتقالات التعسفية للاكاديميين الجارية على قدم وساق"آخرها اختطاف وتغييب البروفيسور محمد طاقة يوم 2/5/2012 بعد اقتحام "كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة" في بغداد وسط ذهول الأساتذة والطلبة والموظفين"،وكل جرائم ديمقراطية حجب الحقائق والى حين!"ضمت قائمة اللجنة التنفيذية لمحكمة بروكسل 431 اكاديميا جرى اغتيالهم او اختطافهم في فترة(2003 – 2009)فقط،ومن بينهم كامل شياع والدكتور شاكر اللامي.
• ذللوا الاجواء المعيشية الصعبة للكفاءات العلمية وتسربها الدائم الى الخارج،وتذمر الاكاديميين العائدين من الخارج من انعدام الوظائف والاجراءات الروتينية والاستقبال الفاتر وتأخير تعيينهم.
• لا تحاولوا حصر قانون الخدمة الجامعية برواتب ومخصصات الاستاذ الجامعي فقط،واهمال تطوره التربوي والعلمي بما يتناسب وروح عصر مجتمع المعرفة!
• ارفضوا وقاوموا سرعة تنفيذ القرارات اللامدروسة كقرار احالة التدريسيين الجامعيين(مدرس واستاذ مساعد واستاذ)الى التقاعد من قبل وزير التعليم العالي ورئاسة بعض الجامعات وعمادات الكليات،وباعداد لا تصدق ضمت خيرة التدريسيين المعروفين بالنزاهة والجد والوفاء للوطن والحاصلين على شهاداتهم من ارقى الجامعات الغربية والشرقية والاوربية ومن جامعات امريكا وغيرها!ان اكثر الذين احيلوا الى التقاعد هم من الذين لم يتركوا الوطن وفضلوا بيع ما يملكون لمواجهة الحصار الظالم،وهم الذين واجهوا الارهاب وهجروا من بيوتهم بعد ان سيطر الارهابيون عليها بكل ما فيها من اثاث وسيارات،بالاضافة الى تعرض اولادهم للخطف ودفع فدية الافراج عنهم!
• اكشفوا وافضحوا تواضع البنى التحتية للعلوم،واقامة المشاريع التعليمية،سواء الدراسات الاولية ام الجامعات ام مدن العلم(التي يمكنها من جذب افضل العقول من الخارج)ام مشاريع البحث العلمي والتطوير،وافتقار البنى التحتية للمؤسسات التعليمية الى الكثير من الادوات والمستلزمات اللازمة لعملية تعليمية مثالية،والكثير من الاقسام العلمية لاسيما على مستوى الدراسات العليا مازالت مغلقة لحد اليوم تحت ذريعة اقتقار جامعاتنا للكوادر العلمية الضرورية لفتح مثل هذه الاقسام!
• قاوموا قرارات ازالة بعض النصب التذكارية لفناني العراق واعمالهم الابداعية من باحات الكليات ذات الشأن،واحتجوا على محاولات اغلاق المؤسسات الاكاديمية والمعاهد التي تعني بالفنون الجميلة او بعض اقسامها بحجج سلفية ماضوية!
• طهروا السلك التدريسي والتعليمي من انصاف المتعلمين والمثقفين والعناصر التي تمارس دورا مخابراتيا وتجسسيا.
• ارفضوا التأرجح الجامعي بين الهوية الاكاديمية وممارسات الرعاع وانصاف المتعلمين المحسوبين على طلاب الجامعات وكلياتها!والمرتبطين بميليشيات طائفية او جيوش طوائف لا علاقة لهم بالاسلام الا من حيث استفزاز الاخرين حتى ان كانوا من ابناء الطائفة الواحدة!وارفضوا وقاوموا اتنقال مواكب العزاء الحسينية من الساحات العامة والحسينيات والمساجد الى باحات الكليات وقاعاتها وحدائقها ومكتباتها،وتحول كليات جامعة بغداد الى حسينيات ومواكب عزاء عاشورية بالمعنى الكامل للعبارة!لطميات..وردات..بصوت جهوري قوي ينطلق من احدث الاجهزة الالكترونية!
• طالبوا بمراقبة ومتابعة المنظمات والمؤسسات التعليمية الدولية والامم المتحدة للعملية التربوية التعليمية في البلاد ومعوقاتها!بما فيها اللجنة الدولية للتضامن مع اساتذة الجامعات العراقية!
• كافحوا الامية!
• افضحوا الفساد!والتلاعب في سجلات طلبة جامعة بغداد،وبيع درجات الطلاب المتفوقين والناجحين لافراد او طلاب حصلوا على درجات ضعيفة!وموظفين وبعض السياسيين في دوائر الدولة لغرض الحصول على البعثات والزمالات الدراسية والايفادات!
• انضموا الى فيالق المناضلين في سبيل فضح ومقاومة البدع والمزاعم والاكاذيب والدجل،والعودة الى عالم الحياة والواقع الموضوعي.ان اللعب بقيم الثقافة هو لعب على شفير السيف ولعب بالجوهر الانساني والبشري الذاتي!
• قاوموا العقلية المريضة التي تسترسل في الموقف الذي يعتبر نفسه دائما على حق ويرفض الاستفادة من الآخر ليخلق المشاكل اكثر مما يحل بالحلول الترقيعية واعادة انتاج التبريرية النفعية التي لا تزال تعتز بالعلم العراقي الذي اوجده صدام حسين وكتابة الله اكبر،العلم الذي تحت لوائه غزا الدكتاتور الكويت وشن انفالياته الكيمياوية ضد الشعب الكردي واقام استعراضاته العسكرية التهريجية،وخرج تلاميذ المدارس يرفعونه صباحا ويتغنون ب(بابا صدام)!
• احتجوا بشدة وعارضوا كل المحاولات الرامية الى تركيع الجامعة العراقية والفكر العلمي والحر من خلال تشغيل اسطوانة الافكار الهدامة!
• عالجوا اخلاقيا انقطاع الطلبة عن الدراسة!واستمرار التسرب الدراسي لدى طلبة الدراسة المتوسطة والاعدادية.
• ابتروا الاساءة المتعمدة الى التعليم الحكومي الذي يحتضن كافة طبقات الشعب دون استثناء او تمييز!!واهمال الدولة العراقية للتعليم الجامعي،وعدم تقديرها لدور الجامعة في التنمية!والدولة في احسن الحالات تعتبر الدعم المادي للجامعات وللعلماء والبحث العلمي دعما يسجل في خانة الاموال المفقودة،فكل ما يصرف على الجامعة من غير رواتب الاساتذة(علما ان الرواتب لازالت تشكل اكثر من 80% من ميزانيات الجامعات)هي اموال ضائعة!
• قاوموا محاولة تغيير اسماء مدارس كان التخوف منها في فترة حكم اعتى دكتاتورية شهدها التاريخ،وحاول من حاول من جلاوزة النظام البائد تغييرها،لكن المحاولات فشلت....الى اسماء طائفية ودينية!
• واجهوا بشجاعة استثمارية التعليم الاهلي،ومحاولات احتواء المعلم والمدرس صاحب الرسالة التعليمية في دائرة اية مدرسة تدفع اكثر،ومنح الشهادات لمجرد دفع اجور التعليم والتسجيل في مؤسسات التعليم الاهلي!وثقل اعباء اجور الدراسات المسائية والجامعات الاهلية التي ترهق كاهل الطلبة وتقف حاجزا دون تحقيق طموحاتهم.
• ارفضوا اقدام وزارة التعليم العالي في نزع الصفة القانونية عن مؤسسات تنشأها عقول علمية وخبرات اكاديمية وطنية،كمؤسسات التعليم عن بعد او التعليم المفنوح!بدل دراسة المشروعات المقدمة بشأن لوائح التعليم الالكتروني،وتسجيل تلك المؤسسات العلمية خدمة لطلبتنا واساتذتهم وتطويرا للتعليم العالي العراقي الذي يعاني من نواقص وسلبيات تكاد تطيح بمكانته ورصانته التي حصدها طوال مسيرة الدولة العراقية منذ تأسيسها!
• افضحوا تصاعد استثمارية التدريس الخصوصي عن طريق المجموعات والدفع بالعملة الصعبة!
• اوقفوا الرسوم التعجيزية على كل المستويات ابتداءا من الكليات والمدارس المسائية،وبدل ان توزع الكتب والقرطاسية مجانا يلزم الطلبة دفع ثمنها،لتشكل المصاريف الجديدة عبئا ثقيلا على اكتاف الفقراء والمعدمين!
• عالجوا تدني التعليم المهني بفروعه(الصناعي والتجاري والزراعي والفنون التطبيقية)!وعزوف الطلبة عن الالتحاق به بحجة ضبابية المستقبل الذي ينتظرهم!
• قولوا لا لمحاولات احتواء مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المهنية والنقابية ذات العلاقة سياسيا وماليا واداريا،والتصعيد في التدخلات الفظة بانتخابات هذه المنظمات،وتهديد بعض مجالس النقابات(كما حصل مع نقابة المعلمين قبل اعوام)وتعيين قيادات الجمعيات والنقابات والمنظمات ودفع الرواتب المجزية لهم،بعد تحويلها الى تجمعات لزبانية الحكم الذي ضاق ذرعا بالحرية والرأي الآخر!
• افضحوا الحكومة العراقية لدس رأسها في التراب كالنعامة واحجامها عن الاستفادة من تجارب اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق في الحرص على التفوق العلمي والدراسي وعكس وجه العراق المشرق!ومواصلة التعليم خدمة للوطن رغم الظروف غير الاعتيادية التي يمر بها بلدنا العزيز،وفي النضال من اجل حقوق الطلبة العادلة.
• ناصروا الاستاذة الجامعية والطالبة الجامعية للتحرر من القيود التي تفرضها جهات متنفذة داخل الحرم الجامعي على حريتهن في ارتداء الازياء والزامهن بالتحجب!

في "الفكـر الرجعـي في العـراق " كتب ابراهيم كبة :"ان انبعاث الفكر الرجعي في العراق .... لا يعود لأسباب فكرية خالصة تتصل بتشبثه بحجج جديدة مقنعة تستحق المناقشة،بل هو يعود في الاساس الى دوره القديم – الجديد كسلاح من اهم اسلحة الردة المستشرية في البلاد،والتي بدأت طلائعها في الواقع منذ السنوات الأخيرة لحكم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم،وذلك لاسباب موضوعية كثيرة اهمها تغير المواقع الطبقية بعد تموز،قيادة البورجوازية وبعض مراتب البرجوازية الصغيرة لحركة الردة،وتطلعها للسيطرة السياسية المطلقة في ظل الاستعمار الجديد واعتمادها على جبهة رجعية واسعة تضم اليمين الرجعي القديم(الإقطاع،البورجوازية العقارية الكبيرة،البورجوازية الكومبرادورية)والوسط الرجعي الجديد(البورجوازية الوسطى او الوطنية)وبعض مراتب البورجوازية الصغيرة المتخلفة المتقنعة بالأقنعة القومية والطائفية".
ان الهدف المركزي الذي يوجه الفكر الرجعي ضرباته اليه هو وحدة القوى الثورية عبر تأجيج الأحقاد والضغائن بينها وتضخيم الخلافات الثانوية وطمس نقاط الالتقاء ضد التخلف الاجتماعي والاقتصادي.والتكنيك الرئيسي الذي يستخدمه هو تكنيك "اللاديمقراطية"،بالترويج لنظم الحكم الفردية والمؤسسات السياسية القائمة على المبدأ الأبوي والعشائري والطائفي،مبدأ الوصاية على الجماهير الشعبية،وفلسفة وتبرير الاحتكار السياسي والقيادة الانفرادية والدكتاتورية.والشعار الرئيسي الذي ما زال يستخدمه للتغطية والتضليل هو شعار"معاداة الشيوعية والعلمانية والعقلانية"مع توسيع هذا المفهوم ليشمل جميع المؤمنين بالديمقراطية وسيادة الشعب والحقوق القومية والاشتراكية العلمية"!
"المقالة جزء من دراسة اوسع نشرها الكاتب الشهر السابع 2012"



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 11
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 10
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 9
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 8
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 7
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 6
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 5
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 4
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 3
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 1
- العلوم والتكنولوجيا في العراق
- التهجير القسري في الادب السياسي العراقي الراهن
- القوات المسلحة العراقية اليوم الوليد الضال للشعب العراقي
- عن احوال العراق اليوم ماذا كان سيكتب غائب طعمة فرمان؟!
- مهام مركبة تنتظر الحكومة العراقية الجديدة
- حركية اليسار الرث في العراق
- استئصال اللغو وترك الحنقبازيات مهمة اساسية
- ماذا ينتظر حكومة ما بعد انتخابات 30 نيسان البرلمانية؟
- كهرباء العراق..بشائر التقطعات والتقاطعات!


المزيد.....




- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 12