أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2















المزيد.....



عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2


سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 25 - 08:41
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


-;- هذا هو طريق 14 تموز
-;- مقدمة حول الآيديولوجية الامبريالية لأزمة العصر
-;- من الوثاق المقدمة الى المحكمة بناء على طلبها/بيان اللجنة الوطنية العليا لجبهة الاتحاد الوطني في 9/3/1957 .


في 26/10/2014 يكون قد مضى عقد كامل على رحيل الدكتور ابراهيم كبة،العالم الاقتصادي المعروف والباحث الاكاديمي والمربي الاجتماعي والوزير السابق في اول حكومة بعد ثورة 14 تموز 1958.وفي"هذا هو طريق 14 تموز"الكتاب الذي اصدره ونشره اواخر ستينيات القرن المنصرم،والكتاب اصلا هو دفاعه امام محكمة انقلاب 8 شباط الاسود عام 1963،حول د.كبة محاكمته الى محاكمة للبعث وبرامجه الاقتصادية الانتقائية النفعية،وعزا الانقلاب على ثورة 14 تموز الى استشراء القوى الرجعية ومحاولة تزييفها جميع احداث التاريخ القريب،وتركيزها خاصة على تزييف احداث ثورة تموز المجيدة في جميع معطياتها وجوانبها المختلفة،وانبعاث جميع حملات الكذب والمسخ والافتراء!ليسحب البساط من تحت جهل وغباء وحماقة المدعي العام وما وجهه من اتهامات اعتباطية،ودافع عن نفسه بنفسه في مرافعة كانت دراسة عن الاقتصاد العراقي في فترة ما بعد ثورة 14 تموز.وسنستعرض فيما يلي الملاحق القانونية وبعض من وثائق الاتهام وفق ما ورد في "هذا هو طريق 14 تموز"!

-;- هذا هو طريق 14 تموز/دفاع ابراهيم كبة امام محكمة الثورة
دار الطليعة للطباعة والنشر/بيروت
تشرين الثاني 1969

• الملاحق القانونية
-;- مطالعة الادعاء العام العسكري
-;- مواد الاحالة
-;- قرار التجريم
-;- قرار الحكم

-;- مطالعة المدعي العام العسكري
الاحالة:احيل امام محكمتكم المحترمة المتهم ابراهيم كبة وزير الاقتصاد ووزير الاصلاح الزراعي ووزير النفط بالوكالة في عهد قاسم المندثر لاجراء محاكمته وفق الفقرة (ب) من المادة الرابعة بدلالة الفقرة (هـ) من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الدولة ومفسدي نظام الحكم الرقم 7 لسنة 58 وتعديلاته والمادة 15،14،3 من مرسوم الادارة العرفية بدلالة المواد 21و28و29 من مرسوم المطبوعات رقم 24 لسنة 52 والمادة 43-32 من قانون الجمعيات والاحزاب الرقم 1 لسنة 60.
خلاصة القضية: دقق الادعاء العام اضبارة الدعوى المذكورة فظهر ما يلي من ادلة ضد المتهم..
1. انه كان من الفوضويين الخطيرين المؤمنين بنظرية نشر آراءه بصددها مهاجما جميع من نقد تلك النظرية واعداءها.وقد رد عليه الاستاذ معن العجلي باعداد متسلسلة في جريدة السجل .
2. انه كان احد الموقعين على المذكرة التي رفعت الى رئيس الوزراء في حينه حول سحب امتياز مجلة الثقافة الجديدة وفصل على اثرها من الخدمة لمدة خمس سنوات فقدم وجماعة معه من الاساتذة المفصولين بتاريخ 13/9/954 مذكرة الى مجلس الوزراء حول فصلهم نظمت بالأسلوب المعروف عنهم.وقد طبع الف نسخة منها قام الفوضويون بتوزيعها في الطرقات.ورغم انه سبق له ممارسة مهنة المحاماة قبل انخراطه في اسرة التعليم فانه لم يعد الى تلك المهنة بعد فصله انما فتح له مكتبة جوار كلية الآداب ليكون على اتصال بالوسط الطلابي.
3. انه احد اعضاء جمعية مؤسسة في العراق رغم ان الجمعية المذكورة لم تمنح اجازة من السلطات الرسمية المسؤولة.
4. ضبطت اثناء التحقيق صورة للمتهم كان قد التقطها في مكتبه الرسمي اثناء ما كان وزيرا للاقتصاد مع جماعة اعضاء المحكمة القصابية الذين عرفوا ابان حوادث الموصل الدامية،وهم المجرمون عدنان جلميران وابراهيم الاسود وطارق الملا حسن الملقب – بيزو- وغيرهم،وهم الذين صدرت احكام بحقهم من قبل المجلس العرفي العسكري الاول لقتلهم الابرياء من ابناء الموصل البررة ابان المد الفوضوي الرهيب في تلك المدينة البطلة.
5. نشرت جريدة الانسانية الصادرة بعدد 103 وتاريخ 14/3/61 مذكرة بعنوان - رجال الفكر والاساتذة والحقوقيون - جاء فيها: يا سيادة الزعيم عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة المحترم،نحن فريق من المثقفين من حقوقيين وكتاب واطباء ومهندسين وغيرهم نتوجه الى سيادتكم بعريضتنا هذه عارضين تأييدنا للمذكرة التي رفعها 94 محاميا وحقوقيا والمذكرة التي رفعها 79 صحفيا محررا،وهما المذكرتان اللتان تناشدان سيادتكم التدخل شخصيا للانتصاف لابناء الموصل الذين حكموا بالموت من قبل المجلس العرفي العسكري الاول.واننا نتوجه الى سيادتكم بعريضتنا هذه بمناسبة حلول الذكرى الثانية لاخماد مؤامرة الشواف المعادية للجمهورية واستقلالها الوطني،معربين عن ثقتنا ان سيادتكم سيتدخل شخصيا فيستعمل صلاحياته القانونية طبقا لمصلحة الوطن والجمهورية فيأمر باعادة النظر في احكام ابناء الموصل والغاء عقوبة الاعدام منهم- وقد وقع المتهم على تلك المذكرة.تلك هي الادلة المتوفرة في التحقيق الابتدائي ضد المتهم المذكور حتى الوقت الحاضر والتي احيل لمحاكمته عن تلك القضايا فقط.
والادعاء العام اذ بسط تلك الادلة اعلاه يرى ان هناك قضايا اخرى مهمة ارتكبها المتهم اثناء استيزراه تناولها التحقيق بصورة غير دقيقة.لذا سنمسك عن تبيانها في هذه الجلسات ريثما يتم لمحكمتكم المحترمة توفر ادلة اخرى عن تلك القضايا اثناء جريان المرافعة،وعندئذ ستنظر جهة الادعاء العام بتحريك الدعوى العامة عن طريق سيادة الحاكم العسكري العام في المستقبل.وعلى ضوء ما تقدم ستعرج لتقدير تلك الادلة من الناحية القانونية.
اولا- الصورة التي التقطها المتهم مع مجرمي الموصل من زمرة المحكمة القصابية.ان الصورة التي التقطها المتهم في مكتبه الرسمي وهو وزير للاقتصاد مع مجرمي الموصل من المحكمة القصابية ونشرها واطلاع الشعب عليها انما هو تحد صارخ لارادة هذا الشعب واضفاء الشرعية على تلك الزمرة الخائنة وتبرير قانوني لموقفهم المعادي للقانون امام الرأي العام الداخلي والعالمي باعتبار ان المتهم ابراهيم كبة هو احد الوزراء الرسميين البارزين في حكومة المجرم قاسم،لذلك فأن هذا الموقف يؤثر بطبيعة الحال على الروح المعنوية للشعب باشاعة الرعب بين افراده لاضعاف قدرته على تحمل مسؤوليته وممارسته لحقوقه،لا سيما اذا ما تبين ان المتهم المذكور قد انحاز بعمله هذا الى جهة دون اخرى في حين ان موقفه كرجل مسؤول يجب ان يردعه من الانحياز.
لذا فأن فعله هذا ينطبق واحكام الفقرة – ه – من المادة الثانية من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم اطلب محاكمته بموجبها وتحديد عقوبته بمقتضى الفقرة – ب- من المادة الرابعة من القانون المذكور.
ثانيا- العريضة التي ينتصر فيها لمجرمي الموصل ومناشدة قاسم الغاء عقوبة الاعدام.ان المتهم اعترف بتوقيعه على تلك المذكرة التي رفعت في حينه الى عدو العراق وقاسم الشعوبي المجنون انما تفسر بالتشجيع على ارتكاب الجرائم والتدخل السافر في اعمال المحاكم ومقاومة الاجراءات القانونية والتحريض على عدم الانقياد للقوانين السليمة،لا سيما اذا علمنا ان هؤلاء المجرمون هم من السفاكين الذين قتلوا الابرياء وسحلوا النساء في شوارع الموصل ونهبوا البيوت واستباحوا الحرمات والذين لا يشجع القانون ومبادئ العدالة بل حتى شرائع الغاب الانتصاف لهم على حد تعبير المذكرة.
لذا فأن فعله هذا ينطبق واحكام المادة 31 من الباب الثاني عشر المعدل من ق.ع.ب بدلالة المواد 15/14/3 مرسوم الادارة العرفية اطلب محاكمته بموجبها وتحديد عقوبته بمقتضياتها.
ثالثا- انتماؤه لجمعية غير مجازة.ظهر من سير التحقيق واعترف المتهم انه انتمى الى جماعة في العراق،ولما كانت تلك الجماعة غير مجازة قانونا لذلك فانه ارتكب جرما ينطبق واحكام المادة 43-32 من قانون الجمعيات والاحزاب الرقم 1 لسنة 960 اطلب محاكمته بموجبها وتحديد عقوبته بمقتضاها.

-;- مواد الاحالة:

اولا- قانون معاقبة المتآمرين ومفسدي نظام الحكم رقم 7 لسنة 1958 المادة الرابعة فقرة ب:
ب- "يعاقب كل من افسد نظام الحكم بالاشغال الشاقة الموقتة او الحبس او الغرامة او بهما.كما يحكم في الحالتين برد ومصادرة ما يكون كل متآمر،او مفسد قد افاده من تآمره او افساده،وتحدد المحكمة ما تحكم بمصادرته وتعين ما يجب رده كما يجوز لها ان تحكم بالتعويض المناسب".
المادة الثانية فقرة هـ :
"التأثير على الروح المعنوية للشعب باشاعة الرعب بين افراده لاضعاف قدرته على تحمل مسؤوليته وممارسته لحقوقه".
ثانيا- مرسوم الادارة العرفية (المعدل) رقم 18 لسنة 1935.
المادة 15:-
"يعاقب من خالف الاعلانات والاوامر الصادرة من الحاكم العسكري العام بالعقوبات المنصوص عليها في تلك الاعلانات ولا يجوز ان تزيد هذه العقوبات على الحبس لمدة ثلاث سنوات ولا على الغرامة بمبلغ مائة وخمسين دينار على ان ذلك لا يمنع من توقيع عقوبة اشد حيث يقضي بها قانون العقوبات او القوانين الاخرى ويجوز دائما القاء القبض على المخالفين في الحالتين".
المادة 14 فقرة 3:
"الامر بمراقبة الصحف والنشرات الدورية قبل نشرها وايقاف نشرها من غير اخطار سابق والامر باغلاق اي مطبعة وضبط المطبوعات والنشرات والرسومات التي من شأنها تهييج الخواطر واثارة الفتنة او مما قد يؤدي الى الاخلال بالامن العام او النظام العام سواء كانت معدة للنشر او التوزيع او للعرض على الانظار او البيع او لم تكن معدة لغرض من هذه الاغراض"
ثالثا – قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960.
الماتدة – 43 :
"يعاقب بغرامة لاتقل عن الخمسين دينارا ولا تزيد على المائة دينار او بالحبس مدة لا تزيد على الستة اشهر كل من خالف احكام المادة 31و32 من هذا القانون،او كان عضوا في جمعية انشئت خلافا لاحكام هذا القانون او مارس نشاطا في جمعية رد طلب انشائها وكذلك من حضر اجتماعاتهما او ساعد على استمرارهما في فعالياتهما".
المادة – 32 :
1. لا يجوز للموظف او لكل مكلف بخدمة عامة ان يقوم بفعاليات حزبية او توجيهات من شأنها ان تتعارض والحياد المطلوب منه في قيامه بواجباته الرسمية ويحرم عليه بتاتا القيام بأي عمل حزبي في اثناء دوامه الرسمية او في دائرته الحكومية.
2. لايجوز للطالب ان يمارس فعالية حزبية من اي نمط كان في حرم مدرسته او كليته.
رابعا- قانون العقوبات البغدادي المعدل رقم(8)لسنة 1959.
المادة الحادية والثلاثون:
"كل من اذاع باحدى وسائل النشر المبينة في المادة 78 اخبارا يقصد منها اضعاف الحكومة او الاخلال بالامن العام او الطعن في القوات العسكرية او تقوية النفوذ الاجنبي يعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تتجاوز عشر سنوات او بالحبس".
المادة الثامنة والسبعون :
"يحصل النشر بالكلام او الصياح او العمل او الايماء او التصوير او الرمز او بطبع الاشياء او اصدارها بوسيلة اخرى.
يعتبر الكلام والصياح علنيا متى وقع التلفظ به او اصداره باحدى الوسائل الميكانيكية في اجتماع عام او طريق عام او في غير ذلك من الامكنة التي يدخل اليها الناس او متى وقع ذلك بكيفية تمكن من كان في محل عمومي من سماعه او نقله الى اكثر من شخص واحد.
يعتبر العمل بالايماء علنيا متى وقع في اجتماع عام او طريق عام او في غير ذلك من الامكنة التي يدخل اليها الناس او وقع في امكنة تمكن من كان في محل عمومي من رؤيته.
يعتبر التصوير او الرمز او الشيء المطبوع او المصور بغير ذلك من الوسائل علنيا متى وزع الى اكثر من شخص واحد او ابرز لنظر الناس من حيث هم يستطيعون النظر اليه او في الاماكن التي يدخل اليها الناس او بيع او عرض للبيع او التوزيع في اي محل كان".
خامسا – مرسوم المطبوعات رقم 24 لسنة 1954.
المادة – 21 :
"لايجوز ان ينشر في المطبوع ما يكون من شأنه
1. التحريض على الاخلال بأمن الدولة الداخلي او الخارجي او بالنظام العام.
2. التشجيع على ارتكاب الجرائم.
3. التحريض على عدم الانقياد للقوانين او الانظمة او مقاومة اي اجراء قانوني".
المادة – 28 :
"يعاقب رئيس التحرير وكاتب المقال بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر او بغرامة لا تزيد على مائة وخمسين دينارا او بعقوبة اشد حسبما هو منصوص عليها قانونا اذا نشر في المجلة او الصحيفة ما ينطبق على حكم الفقرة الثالثة..من المادة 21 ..".
المادة – 29 :
"يعاقب رئيس التحرير وكاتب المقال بالحبس مدة لاتزيد عن سنة واحدة او بغرامة لاتزيد على ثلثمائة دينار او بعقوبة اشد حسبما هو منصوص عليه قانونا اذا نشر في الصحيفة او المجلة ما ينطبق عليه حكم الفقرات الاولى والثانية..من المادة الحادية والعشرين..".

-;- قرار التجريم:

رقم الدعوى – 37 / 963.
بسم الله الرحمن الرحيم
تشكلت محكمة الثورة بتاريخ 13/4/1964 برئاسة الزعيم عبد الرحمن التكريتي وعضوية كل من الزعيم خالد رشيد الشيخلي والعقيد احمد محمود النعيمي المأذونين بالقضاء بأسم الشعب واصدرت قرارها التالي:
الاحــــــــالة:
احيل المتهم ابراهيم عطوف كبة وزير الاقتصاد في عهد قاسم المندثر لاجراء محاكمته وفق الفقرة هـ من المادة الثانية من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم المرقم 7 لسنة /1958 والمادة 15/14/3 من مرسوم الادارة العرفية بدلالة المواد(21و28و29)من مرسوم المطبوعات المرقم 24 / لسنة 1952 والمادة 43 بدلالة المادة 32 من قانون الجمعيات والاحزاب المرقم 1 لسنة / 1960،ولدى اجراء المحاكمة والاستماع الى مطالعة المدعي العام العسكري وافادات شهود الاثبات وافادة المتهم ودفاع وكلائه بالتدقيق والمداولة ثبت للمحكمة ما يلي:
اولا – بتاريخ 14/3/1961 نشرت جريدة الانسانية بعددها المرقم 103 مذكرة مرفوعة الى رئيس الوزراء في حينه تتضمن تأييدا لمذكرتين سابقتين نشرتا في الجرائد المحلية تناشدان رئيس الوزراء بالغاء عقوبة الاعدام الصادرة بحق مجرمي الموصل وقد وقع المتهم المذكرة المشار اليها ونشرت في الجريدة المذكورة.
ان المتهم عند توقيعه تلك المذكرة سبق وان كان وزيرا في دستة الحكم وقد انصرفت نيته الى نشرها لكونه قد عطف تلك المذكرة على المذكرتين السابقتين اللتين نشرتا.ولا غرو ان مثل هذه المذكرات تتضمن اذاعة اخبار القصد منها الاخلال بالامن العام لأن هؤلاء المجرمين كانوا من السفاكين الذين قتلوا الابرياء وسحلوا النساء في شوارع الموصل واستباحوا المحرمات والذين لا يشجع القانون ومبادئ العدالة بل حتى شرائع الغاب الانتصاف لهم على حد تعبير المذكرة،ولاعتراف المتهم بتوقيعه عليها عدا عن كون مثل هذه المذكرات قد ارجأت تنفيذ احكام الاعدام وادت بالتالي الى حوادث قتل فردية وهجرة العوائل من الموصل،لذا فأن فعله ينطبق واحكام المادة 31 من الباب الثاني عشر المعدل من ق . ع .ب قرر تجريمه بموجبها وتحديد عقوبته بمقتضاها.
ثانيا – كما ثبت للمحكمة من سير التحقيق واعتراف المتهم انه انتمى الى جماعة حركة انصار السلم في العراق،ولما كانت تلك الجماعة غير مجازة قانونا لذا فان فعله هذا ينطبق واحكام المادة 43 من قانون الجمعيات والاحزاب قرر تجريمه بموجبها وتحديد عقوبته بمقتضى المادة 32 منه.
ثالثا – اما بصدد التهمة المسندة اليه وفق الفقرة هـ من المادة الثانية من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم فانها تتعلق بالصورة التي التقطها الموما اليه في مكتبه الرسمي وهو وزير للاقتصاد مع ماسمى نفسه في حينه( بوفد الموصل)اثر ثورة المرحوم الشواف،فقد ظهر للمحكمة ان ذلك الوفد وان كان معظم اعضائه من مجرمي الموصل الا انه في حينه لم تعرف عنه هذه الحقائق حيث ان اجرامهم قد تقرر بعد احالة بعض اعضائه الى المجالس العرفية عدا عن كون الصورة المذكورة لم تنشر في حينه بل نشرت بعد ثورة 14 رمضان المباركة بمناسبة التحقيق مع المتهم.
لذلك تقرر براءته عن التهمة المسندة اليه وفق الفقرة(هـ) من المادة الثانية من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم المرقم 7 لسنة 1958 وذلك استنادا الى المادة 160 من قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي.
وصدر القرار باتفاق الاراء وافهم علنا في 13/4/1964.
عضو/العقيد/احمد محمود النعيمي
عضو/الزعيم/خالد رشيد الشيخلي
الرئيس/الزعيم/عبد الرحمن التكريتي

-;- قرار الحكم

رقم الدعوى 37/1963.
بسم الله الرحمن الرحيم
تشكلت محكمة الثورة بتاريخ 13/4/1964 برئاسة الزعيم عبد الرحمن التكريتي وعضوية كل من الزعيم خالد رشيد الشيخلي والعقيد احمد محمود النعيمي المأذونين بالقضاء بأسم الشعب واصدرت قرارها التالي:
الحكم على المجرم ابراهيم عطوف كبة بما يلي:
اولا : بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وفق المادة(31)من الباب الثاني عشر المعدل من ق . ع. ب . على ان تحسب له موقوفيته من 10/2/1963 الى 9/11/1963.
ثانيا : وبالحبس الشديد لمدة ستة اشهر وفق المادة(43)من قانون الجمعيات والاحزاب الرقم (1) لسنة 1960 بدلالة المادة(32)منه تنفذ بالتعاقب بعد انتهاء محكوميته السابقة.
ثالثا : تعتبر الجرائم المحكوم بها الجرم المذكور من الجرائم السياسية استنادا الى المادة الثالثة من قانون رد الاعتبار الرقم 93 لسنة/1963.
وصدر القرار باتفاق الاراء وافهم علنا في 13/4/1964.
عضو/العقيد/احمد محمود النعيمي
عضو/الزعيم/خالد رشيد الشيخلي
الرئيس/الزعيم/عبد الرحمن التكريتي

• وثـــائق الاتهــــــام

المشار اليها في مطالعة الادعاء العام العسكري.
1. مذكرة الاحتجاج على سحب امتياز"الثقافة الجديدة".
2. مذكرة الاحتجاج على فصل الاساتذة من الجامعة.

-;- المذكرة المرفوعة الى رئيس الوزراء فاضل الجمالي حول سحب امتياز مجلة(الثقافة الجديدة)
فخامة رئيس الوزراء المحترم
يعاني العراق ازمة فكرية حادة ليس مصدرها اختلاف الآراء والافكار فحسب وانما هذا الجو الخانق الذي لايسمح بوجود اي حركة فكرية ايضا،فاختفت المجلات وندرت الكتب واصبح المتعلمون يتخبطون في هذا الجو المعتم دون ان يستطيعوا ايجاد السبيل لحل مشاكلهم الفكرية.ان مسؤولية الحاكمين عن تشجيع الحركة الثقافية وتنميتها وتطويرها امر واضح لاشك فيه،فمن واجبهم خلق الجو الحر الذي تنمو فيه الآراء والافكار،وتشجيع المثقفين بكل الوسائل الممكنة على شحذ اقلامهم ومعالجة مختلف المشاكل الفكرية التي تشغل بال المتعلمين من ابناء الشعب.ولكن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تقم بواجبها في هذا الميدان فضايقت بذلك الثقافة والتفكير وثبطت عزائم المثقفين.ففضلا عن عدم تشجيعها للطباعة والنشر التشجيع الكافي فانها وقفت حجر عثرة في سبيل المجهودات الثقافية التي قام بها الافراد وبمحاولتها تقييد الافكار ومنعها من الانطلاق في الاجواء الحرة التي تسمح لها بالبقاء ان كانت صالحة وتقودها الى الفناء ان كانت فاسدة مغرضة.في هذا الجو الحر وحده يستطيع المثقفون ان يعبروا عن آرائهم وافكارهم باخلاص في مختلف مشاكل الحياة فيؤدوا بذلك الواجب الثقيل الملقى على عواتقهم تجاه مواطنيهم.في هذا الجو الحر وحده تتمكن الروح العلمية التي تهدف الى اكتشاف الحقيقة من النمو فينكشف هزال بعض الافكار وخطلها وسقم قسم من الانتاج الفكري الذي وجد في انعدام هذا الجو المجال واسعا لاحتلال الصدارة في عالم الفكر دون ان يستحق ذلك فاساء الى الحركة الفكرية والى المواطنين الراغبين في العلم.في هذا الجو الفكري الحر وحده يمكن ان تنشأ نهضة فكرية في العراق ويمكن ان يساهم المثقفون مساهمة فعالة في ايجاد الحلول الشافية لجميع المشاكل الفكرية والاجتماعية،ولكن انعدام هذا الجو ادى مع الاسف الشديد الى ما نراه من قحط فكري في العراق وتأخر في جميع الميادين الثقافية رغم تنامي عدد المثقفين وتكاثرهم.ان سحب امتياز مجلة الثقافة الجديدة بعد صدور عددها الثاني بغض النظر عن اتفاقنا او عدم اتفاقنا في الآراء مع الكتاب الذين كتبوا هذا العدد ليعتبر مظهرا من مظاهر هذا الاضطهاد الفكري الذي ندعو لازالته،سيما وان هذه المجلة قد سدت فراغا كبيرا في الحياة الثقافية واحتلت مكانة حسنة واننا في وقت احوج ما نكون فيه الى امثالها،اما عن الحجة التقليدية التي تتهم بها المجلات الثقافية وهي تجاوزها الحدود الثقافية الى السياسة فلا بد من التفريق بين الثقافة السياسية وبين معالجة مشاكل السياسة العلمية الآنية او مساندة حزب سياسي معين،فان الثقافة السياسية العامة ولا ريب انها ليست المقصود بالمنع للمجلات الثقافية.اننا نرجو من فخامة رئيس الوزراء ان يعيد النظر في سياسة الحكومة تجاه الحركة الفكرية ويفسح المجال لحملة الاقلام على اختلاف آرائهم وتباينها بالتعبير عن افكارهم في جو علمي تسوده الحرية والثقة بالمستقبل وبذلك وحده يستطيع الفكر العراقي ان ينمو ويتطور ويبلغ المستوى الرفيع الذي نصبو اليه وتتمكن ثقافتنا العربية وتراثنا القومي من احتلال المحل اللائق بهما بين الثقافات العالمية.
15/1/1954

الموقعون:
هشام الشواف،ابراهيم كبة،فهد المولى،صلاح الناهي،يوسف العبيدي،صلاح خالص،محمد عزيز،اسماعيل الشيخلي،صفاء الحافظ،عبد الله اسماعيل،حسين جميل،محمد حديد،عبد القادر البراك،مهدي الرحيم،عبد الملك نوري،شاكر خصباك،مصطفى كامل ياسين،صالح احمد العلي،عبد الوهاب البياتي،فيصل السامر،حميد القيسي،نوري خليل الرازي،علي الوردي،عبد الجليل الطاهر،خالد طه النجم،قاسم حسن،هادي حسين علي،صادق البصام،عبد الفتاح ابراهيم،مسعود محمد،عبد الرزاق الشيخلي،محمد بابان،كريم الحاج شريف،يوسف العاني،احمد عزت القيسي،نجيب الصائغ،ذو النون ايوب،زكي جميل حافظ،ناجي الراضي،محمد حسن الصوري،محمود صبري.


-;- مقدمة حول الآيديولوجية الامبريالية لأزمة العصر

هذه هي الدراسة التي اعتبرها الادعاء العام العسكري كافية لتوجيه تهمة الفوضوية،وقد نشرت لاول مرة عام 1953 كمقدمة لكتاب(ازمة الفكر الاقتصادي)للاستاذ هنري دني الذي ترجمه د.كبة للعربية حينذاك.وقد اثارت ضجة كبيرة في الاوساط الفكرية الرجعية والحاكمة في العراق،وردت عليها اجهزة نوري السعيد بكراس تشهيري مبتذل يحمل اسم المدعو(معن العجلي)من موظفي الدعاية الصغار.

مقدمة المعرب
(1)
منذ ان دخل هذا النظام الاجتماعي المعقد،الذي سماه احد عباقرة المفكرين في القرن الماضي هذه التسمية الموفقة،الشائعة الآن(الرأسمالية)،في دور التفسخ والانحلال،بعد ان قام بأعظم الانجازات التاريخية التي شهدتها الانسانية حتى ذلك التاريخ في الميادين الاقتصادية والسياسية والفكرية جميعاً،اقول،منذ ان دخل هذا النظام العام – بعد ان اتخذ شكله الاعلى والاخير فيما ندعوه اليوم بالاستعمار(الامبريالزم)في دور ازمته العامة( )في اوائل القرن العشرين،والحديث عن هذه الأزمة العامة الجذرية في الاساس الاقتصادي للنظام،والازمات الكثيرة التابعة في نظمه الاجتماعية المختلفة(ازمة الدولة،ازمة العائلة،..الخ)وتعبيراته الفكرية المتعددة،(ازمة الاخلاق،ازمة الفلسفة،ازمة العقائد..وغيرها من ازمات الفكر عامة)،اصبح ولا يزال حديث الساعة،بل لا نعتقد انه من المبالغة القول بأن كل الانتاج الفكري للقرن العشرين،في الفلسفة والاخلاق والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والادب والقانون والدين،انما هو بمعنى من المعاني،ادب هذه الأزمة العامة يتصل بها من قريب او بعيد ويدور في فلكها ويعالج اعراضها ويضع الحلول المختلفة لها.
ولا شك ان اكثر ما كتب عن هذه الازمة،او(ثورة العصر)كما يسميها كثير من المفكرين،اقرب الى الهزل منه الى الجد:يدخل البيوت من اعقابها،ويضع العربة امام الجواد،ويعالج الاعراض وهو يحسب انه يشخص الميكروب.. فيصف هذه الأزمة بانها ازمة الروح،او ازمة العقيدة،او ازمة الفكر..ويضع نماذج من تلك الحلول(الروحانية)التي تذكرنا بوصفات المشعوذين في القرون الوسطى،يوم لم يكن(العلم)الطبيعي والاجتماعي قد شاهد النور بعد.
على ان هناك ما هو افظع من ذلك!ان هذا النظام(الامبريالي)،شأنه في ذلك شأن سائر الانظمة الاجتماعية السابقة يوم ان كانت تعالج سكرات الموت،لا يريد ولا يستطيع الموت بسلام!انه يحس مصيره المحتوم فيدفعه ذلك في الميدان السياسي الى جرائم الفاشية والدكتاتورية والفتوح والحروب،وترعبه(الحقيقة)فيحاول طمس معالمها بنظريات تقوم على امتهان(العقل)والتشكيك في قيمته كأداة للمعرفة،وتمجيد الغريزة(او ما ماثلها كاللقانة او التجربة او الحس الداخلي..)واعنبارها اقصر السبل الموصلة للعلم،ويجد المستقبل مظلما امامه فيوهم الناس بأن موته المحتوم يعني موت(الحضارة)بكاملها،وان ازمته الخاصة تعني ازمة الانسانية جمعاء،ويئن من آلام الاحتضار،فاذا بهذه الآلام الممضة تتحول الى مفاهيم فلسفية واجتماعية ونفسانية،تستطيع ان تقرأها واضحة جلية في فلسفة(برغسون)و(شبنغلر)و(الوجوديين)مثلاً،ويخشى ان يفتضح(سر)هذه المحنة العامة،فيسرع الى اضفاء طوابع(ميتافيزيقية)او(روحانية)اي مثالية دائما عليها:فاذا بالكفاح الاجتماعي المشهود في العالم بين الطبقات والأمم مثلا،يختفي بعصا سحرية لتحل محله انواع اخرى(ميتافيزيقية)من الكفاح:مثلا الاخلاقي بين الشر والخير،او النفساني بين ارواح الحضارات،او الديني بين (فكرة) الألوهية والالحاد،او الثقافي بين بربرية الشرق و (حرية) الغرب..وهكذا،ويدرك ان عدوه الاول هي الجماهير(الواعية)،فيسلقها بألسنة حداد،ويحارب مثلها الديمقراطية بأكاذيب مثيرة وسخافات مبتذلة يسميها مثلاً(الفلسفة)العنصرية،او نظرية النوع(مقابلة الكم) او الارستقراطية الفكرية،او غير ذلك من اللغو الممل الذي يميز في العادة انتاج(تويني)او(بردياييف)او(روزنبرغ)او(ايلويوت)او(كارل شمت)او(فان دنبروك).
وليس في قصدي،ولا بمقدوري الان ان احلل هذه(الفلسفات)الامبريالية التي تميز هذا العهد الاخير من حياة النظام السائد،فقد كتب في ذلك الشئ الكثير،كما انه ليس في قصدي حتى استعراض المهم منها بشكل منهجي منظم،لان ذلك خارج الموضوع،بل كل ما اريده هو هذا الصدد هو اعطاء بعض الامثلة النموذجية من هذه النظريات والفلسفات التي تمثل القمة في هذا البناء الفكري الشامخ الذي يحلو للاستعماريين تسميته(بالحضارة الغربية)ولكنك تستطيع ان تستبدله بأسمه الحقيقي وهو(الفكر البورجوازي في عهده الامبريالي)،لا لغرض دراسة علمية لهذا الفكر بمجموعه،بل لغرض بيان مدى الابتذال الذي يمكن ان يهوى اليه اكبر المفكرين،عندما يريدون الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه،ومقاومة التيارات التي لا يمكن ان تقاوم!
(2)
ونبدأ الامثلة بشيوخ الفلسفة المعاصرة!
ولنبدأ السلسة الفلسفية باكبر فلاسفة الطليان(بنديتو كروتشه).لقد افتتح هذا الفيلسوف حياته الفكرية بمجموعة مقالاته الشهيرة التي جمعها بعنوان(المادية التاريخية)(2)والتي رفض فيها التفسير العلمي للتاريخ لان(العقل)عنده اول الحقائق وآخرها،واستبدل بها فلسفته المثالية التي سماها فيما بعد(بفلسفة الروح filosofia dello spirito !).
يعتقد فيلسوفنا بأن الافكار وحدها تمثل الحقائق في العالم،وان الفلسفة بمجموعها يمكن ردها الى المنطق فقط،وما المنطق في نظره الا عالم المفاهيم الخالصة،اي عالم الافكار الكلية المجردة كالكم والنوع والتطور..ولم يشعر مفكرنا بحاجة الى تحميص هذه المفاهيم الكلية على محك الاختبار،بل هو على العكس يحيل الجزئيات الواقعية الى هذه الكليات المجردة،على نمط (المثالية المطلقة)المشاهدة في هيغل مثلا.
وقد اتخذ من(عبادة الجمال) دينا له بدل المسيحية التقليدية.
وعرف التاريخ بانه(الفلسفة في حالة الحركة!)وانكر وجود اية قوانين تاريخية علمية،وتمنى لو تصدى الفلاسفة(من طرازه طبعا!)لكتابة التاريخ.
ويتخذ في كتابه عن الجمال(Estetica)موقفا معاديا للعلوم،ويفضل الفنون عليها دائما:لأن هذه تعطينا الجمال وتلك لا تعطينا الا المنفعة!
وموقفه من الفنون مثالي صرف،فهي قائمة على(الخيال)والتصور فقط،ووظيفتها الاحساس والتصوير ليس غير.والجمال الفني قائم في نظره(على التعبير)فقط،بل ان الجمال والتعبير اسمان لمسمى واحد.
فهل تعجب بعد هذا ان يصبح بنديتو كروتشه،وقد هوى في مثاليته الى هذه الهوة السحيقة ان يصبح ركيزة من اهم ركائز(الرجعية الفكرية)في النصف الاول من القرن العشرين؟؟
خذ نماذج من تفكيره السياسي!
يزعم فيلسوفنا انه ينشئ(ليبرالية جديدة Nouvo Liberalismo)مستقلة عن مصالح البرجوازية واسمى من نظريات الاحزاب.
ويفسر الفاشية بانها ظاهرة عامة في المجتمع الاوربي،وحركة فكرية تكون مظهرا من مظاهر حركة فلسفية اوسع من ذلك بكثير،تظهر في كتابات(باريس)و(نيتشه)و(شبنغلر)مثلا،هي الحركة التي يدعوها(بالنشاطية Activismo).
ويفرق بوضوح بين مفهوم الشعب ومفهوم الدهماء،ويرى ان الاخير ما هو الا(مجموعة عمياء من الجماهير تنقاد بسهولة للدوافع الجمعية،وبهائم تصرخ وتزعق وعلى استعداد دائم لخدمة المصالح الخاصة لاي فرد جرئ!).
ثم يهاجم مفاهيم الثورة الفرنسية المعروفة خاصة مفهوم الحرية المطلقة،ويرى ان هذه المفاهيم انما تعبر عن ثقافة ناقصة لم تستطيع ان تبلغ حد المعرفة التاريخية والفلسفية.
وكذلك يهاجم المبادئ العقلية Intelectualismo للقرن الثامن عشر،ويرى انها لا تزال اهم عقبة تحول بين الشعوب اللاتينية وبين الفهم التاريخي والفلسفي العميق للحقائق،كما انها تحول بينها وبين الحياة السياسية التي يقتضيها العصر!
ثم يهاجم ايضا فكرة(العدالة)باعتبارها وهما من اوهام القانون الطبيعي الذي كان سائدا في القرن المذكور(3).
ويشتد في هجومه خاصة على نظريات(المساواة)التي يرى انها تستمد جذورها من عالم الرياضيات والميكانيك الذي لا يستطيع ان يفهم ابدا عوالم الحياة.
واستنادا لذلك يهاجم فكرة(عصبة الامم)ايضا لانها تنقل الى الميدان الدولي مفهوم المساواة الآلي الذي لا يمكن ابدا تطبيقه بين الامم،لوجود الفروق الهائلة بينها من الوجهة الطبيعية والعقلية جميعا.
وبعد هذه المهاجمة العنيفة لجميع مبادئ العقلية التي قامت عليها الفلسفة الليبرالية،بشكلها الكلاسي،يعود فيمجد ما يسميه(الحرية المجردة)اي الحرية التي لم تطبق حتى الآن في النظم السياسية الواقعية،بل كانت ولا تزال المثل الاعلى للجميع(هكذا!)،يتغنى به الشعراء ويحن اليه الفلاسفة.
ويرى ان هذا المفهوم الجديد للحرية يحيل التاريخ الى عمل من اعمال الروح لأن الروح نفسه عمل من اعمال الحرية!
وبالجملة فأنه يعترف بأن الحرية لديه هي(مثل اخلاقي اعلى)نشأ مع نشأة الحضارة نفسها،وتطور من مجموعة امتيازات خاصة،الى حق طبيعي مطلق،الى مفهوم جديد للحرية،هو الحرية(الروحية)الآن!
ثم هو يميز بين(الديمقراطية)وهذا المفهوم الجديد للحرية،فيهاجم الديمقراطية لأنها دين الكم ومذهب المساواة الواقعية،اما حرية الفيلسوف فهي حرية الكيف،حرية النشاط،وحرية الروح.
وينتهي من كل ذلك الى ان الحرية المجردة ليست موجهة للجماهير،ولا تدعو الجميع للاشتراك في الحكم او العمل السياسي لأن هذا شأن الديمقراطية المعيبة،ولأن الناس لا يمكن ان يكونوا جميعا سياسيين،كما لا يمكنهم ان يكونوا جميعا ابطالا او شعراء.
كذلك يهاجم بعنف جنوني مبدأ(السيادة الشعبية)ويرى انه افظع من استبداد الاقليات القديمة،لأنه قد يؤدي لاستبداد الاكثرية بالاقلية،ويؤيد في كل ذلك آراء(كونستان)و(توكفيل)في هذا الصدد.
على ان كراهية كروتشيه لم تنقطع ابدا للاشتراكية العلمية:فقد رفض بصورة خاصة ما زعمه من اتجهاتها القدرية والمادية(4)(بالمعني الاخلاقي لا الفلسفي)،واعتنق في فترة من حياته مبادئ(سوريل)الذي رأى فيه(الماركسي الوحيد الذي يستحق هذا الاسم في طريقة دراسته للمسائل التاريخية والاجتماعية!!).
بل ذهب الى ابعد من ذلك فيما بعد:انه اعلن(موت الاشتراكية العلمية)منذ عام 1914 في بحث له بهذا العنوان نشره في مجموعة(الثقافة والحياة الخلقية)،وقد اثاره موقف الاشتراكيين الايطاليين المعادي للحرب اثناء الحرب الاولى،ومجد موقف الاشتراكيين(الانتهازيين)الالمان لانهم ايدوا تلك الحرب الاستعمارية.
على ان تقدم الحركة الاشتراكية الهائل بعد الحرب الاولى اضطر الفيلسوف الارستقراطي ان يسلم على مضض بان الحركة الاشتراكية(حركة موجهة نحو التقدم الانساني وانها تعود لعالم الحرية ايضا)،ولكنه يستدرك فيقول بانه لا يقصد الاشتراكية العلمية في هذا الصدد،بل الاشتراكية التي تتحول للتطبيق بطريق الحرية،اي الاشتراكية الليبرالية!(على نمط بلوم وبيفن طبعا!).
اظن ان في ذلك كفاية!
***
والان ننتقل الى اكبر الفلاسفة(الحيويين)واكثرهم اثارة للجدل الفلسفي في العصر الحديث،وانفذهم اثرا في الاوساط الجامعية الفلسفية وخاصة في فرنسا:(هنري برغسون H.Bergson).
يرى فيلسوفنا الكبير بان(الزمان من دون شك هو الذي يمسك جوهر الحياة،بل ربما جوهر كل الحقائق)،وان(القابلية الدقيقة على التنبؤ بالاشياء وهي غرض العلوم الآلية،ما هي الا وهم فكري).ثم يعرج على بيان اهمية الذاكرة،ويرى انها(تبدو في الكائن الحي،حقا،المقياس على قدرته على التأثير في الاشياء)(5).
ثم يفيض في بيان عجز العقل عن معرفة اسرار الحياة او دخائل الوعي،لان العقل لا يصلح الا لمعرفة المواد الجامدة المادية اي العلائق الخارجية فقط،ولانه مجرد مبدأ للعمل(يمتاز بعدم فهم طبيعي للحياة).اما (دخائل) الاشياء،اما اسرار الوعي الظاهر والباطن،فأن(اللقانة Intuition)وحدها هي القادرة على النفاذ لها،وما اللقانة الا الاصغاء المباشر للحياة،اي الصلة المباشرة للوعي."انها تشترك مع الغريزة في الأصل،ولكنها شيء مختلف عنها"(6).انها(الغريزة بعد تجردها من الميل والهوى).وفي محل آخر(انها نوع من الميل الودي..ينتقل به الانسان لداخل المادة المدروسة،للاندماج بما هو فريد فيها،اي بما يمكن التعبير عنه!).
ثم يسهب بعد ذلك في بيان(الدافع الحيوي Elan Vital)الذي يجده كامنا في كل الاحياء يدفعها للحركة والتغير والتغيير،او بعباراته المحببة(للتطور الخلاق)،ويرى ان هذه الحياة العارمة التي لا تمثل الانواع جميعا الا بعض تجاربها،ما هي الا (الله) تعالى..ثم يعلق آماله في الاخير على انتصار الحياة على(المادة)بنتجة الكفاح الدائم بينهما في الكون،ولعلها تتغلب بالنتيجة على(الموت) نفسه،عدوها القديم!(7).
هذه هي الخطوط العامة لفلسفة هذا الرجل الذي شغل الاوساط الجامعية والصالونات الارستقراطية قرابة نصف القرن،وقد احتضنت الطبقات الحاكمة هذه الفلسفة كاحسن لقطة يمكن ان تعثر عليها لمحاربة التفكير الذي بات يتهدد مصالحها في الصميم،ولايهام المغفلين والمساكين في ان الكفاح الكوني العام انما يدور بين(الحياة)و(المادة)كمبدأين حيويين ميتافيزيقيين،وليس كتناقض داخلي(ديالكتيكي)اصيل بين العناصر التي تحتوي عليها الظواهر والمواد في الطبيعة والمجتمع!
وقد جاء الآن دور الفيلسوف والرياضي الانكليزي الشهير(برتراند رسل B.Russel)،وليس هناك من يشك في قيمة الانتاج الفكري الهائل لهذا المفكر اللامع،فمؤلفاته في العلم والفلسفة والعقائد ومشاكل المجتمع ثروة فكرية لا تقدر،ولكن هذا الشيخ العجوز انحدر في اواخر حياته الى تشكيك عجيب في قيمة العلم وخاصة في قيمة(التكنيك العلمي).فهو مثلا يميز في ختام احد كتبه الرائعة عن(الدين والعلم)(8)بين المزاج العلمي والتكنيك العلمي،وهو تمييز(مثالي)صرف يعبر عن خطأ أساسي فلسفي وعملي مما هو التمييز بين(النظرية)والعمل)،ومن الغريب انه ينسب لهذا التكنيك(9)وبالتالي للعلم نفسه ما كان من اللازم ان ينسبه للنظام الاجتماعي الذي يستخدم هذا التكنيك:فالحروب والازمات وانحلال القيم التقليدية هي نتائج طبيعية لنظام اجتماعي يجتاز دور الاحتضار وليست نتائج للتكنيك بحد ذاته.
كما نه ينتهي في هذا الكتاب الى اطراء لموقف المسيحية ورجالها(10)في هذا اليوم لانهم تعلموا في الاخير فضيلة التسامح واصبحوا من المعارضين للحرب ولكن الفيلسوف يتناسى موقف(الفاتيكان)من الفاشية الالمانية والايطالية قبل الحرب الاخيرة،وموقفه اليوم من السياسة العالمية على العموم..كما انه ينسى تآمر الحكومات(المسيحية الديمقراطية!)في كثير من بلدان اوربا الغربية(ايطاليا والمانيا وفرنسا مثلا)مع الاستعمار لصد التيارات الصاعدة في آسيا والمستعمرات الشرقية عامة.
ولا نريد ان تخلو هذه النماذج الفلسفية من الاشارة لبضع عبارات على الاقل الى نتائج الفيلسوف الاول بلغة(ثربانتس)الرائعة:نعني به(اورتيغا أي غاست Ortega Y Gasset). وليس من الممكن ان نرسم هنا الخطوط العامة لهذه الفلسفة التي كتبت عنها مئات المجلدات،بل نكتفي بتلخيص اهم فصل يعنينا مباشرة في هذا الصدد من كتابه الرئيسي(عصيان الجماهير)(11)،او ان شئت تعريبا قد يكون اقرب لغرض المؤلف وادنى لتقاليدنا السياسية الشائعة،فسمه(فتنة الدهماء).
يرى المؤلف في هذا الفصل عن(المشكلة الحقيقية)بأن علة العلل هي ان اوربا بقيت الان دون نظام اخلاقي،ذلك لان انسان الدهماء يقوم في(نظامه الحيوي Regime Vital)على التطلع للحياة دون الخضوع لاي نوع من الاخلاق،ويضيف الى ذلك انه ينكر وجود نوع جديد من الاخلاق،وان مجرد التفوه بذلك هو ارتكاب عمل غير خلقي فضيع،كما انه يرى ان ممثلي العصر الجديد لا يؤمنون اطلاقا بأي(التزام)،وانهم جميعا يعبدون(الحقوق غير المحدودة)،ويضيف بكل الم بان الشباب التقدميين وانصار الطبقة العاملة والمتكلمين باسم العدالة الاجتماعية،انما يتخذون ذلك برقعا لستر امتهانهم للالتزامات الادبية،وخاصة لالتزام احترام الافراد الممتازين(Superiores)(12).ثم ينهي الفصل باننا نعيش في عصر تهديد عام ميزته الاساسية رغبة الدعماء في التملص من اي شكل من اشكال الخضوع!
افنستغرب بعد هذا ان يكون(غاست)اهم ركائز حركة الوحدة(الاوربية)الآن لانقاذ هذه(الحضارة الغربية)العزيزة على(العالم الحر)الى جانب زملائه من هذه الصفوة الممتازة في قمة الفكر(الانساني).كالفيلسوف الوجودي(هايدغر)والاديب الكاثوليكي(مورياك)والجغرافي العنصري(زيغرفيد)والاجتماعي النفساني(بوركناو)والاقتصادي الليبرالي(ريبكه)والقصصي اليساري!(سيلونه)،والفقيه الدولي(سل)..وغيرهم ممن لا يجمع بينهم الا عنصر واحد مشترك هو هذه الرغبة المجرمة لمقاومة هذا الوعي الجارف،ينبعث من صفوف مئات الملايين من كل انحاء الدنيا وخاصة من الشرق؟
***
اما الفيلسوف(المجدد)لمسيحية القرن العشرين – الفيلسوف الكاثوليكي الذي زعم(الثورة)على الكاثوليكية التقليدية(نيكولاس بردياييف N. Berdiaiev)فاجتزئ منه بهذه العبارات القليلة من احد كتبه الشهيرة(المسيحية وكفاح الطبقات)(13)ليرى القارئ هذا الدور المخزي الذي يقوم به بعض فلاسفة الاديان ضد الاسس التي وضعت خطوطها الاولى(على الاقل من الوجهة النظرية)تلك الاديان نفسها.
يرى هذا الفيلسوف الروسي بان المسألة الاجتماعية لايمكن حلها دون حل المسألة الروحية – اي دون تجديد العقيدة المسيحية – وان عدم انقاذ روح العمال مثلا من ادران الفلسفة المادية يجعل الاشتراكية لاتختلف ابدا عن الرأسمالية،ثم يصف العلاج لهذه الازمة الروحية في جوهرها،فيرى انه في العمل على بث(الارستقراطية الروحية)في المجتمع،وليس الاكتفاء باشاعة(الديمقراطية الاقتصادية).ثم يفسر هذه الارستقراطية بانها عدم شجب مبدأ التدرج في المنازل والسلطات(هيراركيا)وفق ماتريده النظرية الآلية للكون – بل على العكس الايمان بوجود الفروق النوعية في المجتمع،اي الفروق الثقافية الروحية – وان الاشتراكية لاتعني الا اخضاع النوع للكم!
هذا مفهوم،وقد شهده العالم طيلة القرون الوسطى خاصة،ولكن من سوء حظ هذا(الثائر)العظيم،ان تلك العصور(السعيدة!)قد قبرت – غير مأسوف عليها – الى غير رجعة!
***
واخيرا هذه الفقرة النموذجية في الابتذال من تفكير الاخلاقي والفيلسوف الالماني( ماكس شيلر M. Scheler)الذي لا يخجل بعض اساتذة الجامعات من وضعه بمصاف هيغل وكانت:"ان مطلب المساواة هو دائما اتجاه نحو الادنى،لان الشيء الذي يتساوى فيه الناس هو القيم الواطئة.ان فكرة المساواة،كفكرة عقلية مجردة،لا تستطيع ابدا ان تحرك اية ارادة او اية شهوة او اية عاطفة،الا ان الحقد،الذي لا يستطيع ان يرتاح لرؤية القيم العليا،يخفي طبيعته الحقيقية تحت شعار المساواة،والواقع ان الغرض من هذه هو الرغبة في اعدام الصفوة التي تملك هذه القيم الرفيعة"(14)!
بقيت الاشارة في ختام هذه النماذج من عبقرية البورجوازية في عهدها الامبريالي،الى تلك المجموعة الفذة من الفلاسفة والادباء والقصصين والاخلاقيين والمؤرخين..التي ملأت الدنيا بعيد الحرب العالمية الاولى والثانية تفسخا وتحللا،وتشاؤما وقلقا،واغرابا وفوضى..اعني المجموعة الوجودية.
ان الوجوديين(15)،على اختلافاتهم الكثيرة – يتحدون في بعض العناصر المشتركة التي تميز بوجه عام كل(الآيديولوجيا)الاستعمارية الآن:اعني كراهيتهم الديمقراطية،واتهامهم العقل وانكارهم التقدم،ونظرتهم المثالية لنظرية المعرفة،ومحاولتهم معرفة الازمة العالمية لا عن طريق التمحيص والاختبار بل عن طريق الايحاء واللقانة:يتوهمون بان العقل يخلق الطبيعة،وان العالم يسير لا بالحقائق العلمية بل بالخرافات والاساطير.
انهم في الميدان الاجتماعي(دلتي،شيلر،كلسن)قد جزأوا العلوم الاجتماعية الى ذرات منعزلة،ووضعوا لكل منها(منهاجا)خاصا خالصا من آثار العلوم الاجتماعية الاخرى،واعتبروا حقائق كل منها مجرد حقائق ذاتية،جزئية،ليس لها اية قيمة عامة:مثال ذلك ان(كلسن) – وسيأتي الحديث عنه – يرى بان علم القانون يجب ان يعتبر جذور التشريع واصوله التاريخية مجرد(لغز)لا سبيل الى معرفته،وان اكثر الاقتصاديين المحدثين – كما دلل هذا الكتاب – يعتبرون ان اكثر المشاكل الاقتصادية مسائل تتصل(بالاختيار الفردي)ولا تتصل بتحليل وقائع الحياة الاقتصادية الفجة.
ان هذه الفلسفة الوجودية،على اختلاف اتجاهاتها وعقائدها التفصيلية(كير كغارد،سارتر،ياسبرس،هايدغر،سيمون دي بوفوار،غبريل مارسيل..الخ)تنكر امكان معرفة العلائق بين الانسان والطبيعة معرفة علمية،لان العالم الخارجي لا معنى له ولا يخضع للعقل الانساني،وكل ما نعرفه عنه ان كل انسان يكون(عالمه الكامل)المستقل عن عوالم الآخرين،وان الانسان نفسه هو الذي يستطيع بحريته التامة ان يملأ عالمه الخاص بأي مضمون اراد.
ان الحرية في نظر(سارتر)مثلا هي من السعة بحيث ان(اختيار)الانسان في نظره،ليس له اية صلة بماضيه،وان هذا الاختيار يعلو على جميع قوانين السببية المادية التي تحدد بطبيعة الحال كل الافعال الطبيعية والاجتماعية،والنتيجة الطبيعية لهذه النظرة(الفوضوية)للحرية هي ان هذه تصبح غير عقلية بالمرة لانها لا تصدر الا عن دوافع ذاتية قائمة في النفس.
هل تريد الشاهد على ذلك؟
اسمع(سارتر)نفسه لا يتردد في القول:"بأن من العبث احترام حريات الاخرين لان كل موقف نتخذه تجاههم يخالف جوهر الحرية التي نزعم احترامها"(16)ونتيجة ذلك ان من المستحيل تصور وجود علائق اجتماعية بشيء من الاستقرار والعمومية،وان النشاط الاجتماعي لا يمكن ان يصدر،كما يرى سارتر فعلا ذلك،الا عن مجرد اعمال فردية،وان هناك جانبا من الحرية لا يمكن لأي محيط اجتماعي ان يؤثر فيها..وينتهي من كل ذلك الى ان الحرية لا حد لها،وان المسؤولية بدورها يجب ان تكون غير محدودة(17).
ان مثل هذا الرأي الفوضوي يسلم بصورة مباشرة الى الرأي الآخر،وهو استحالة القيام بأي نشاط(اجتماعي)محدد،وان المهم هو النشاط – اي نوع من انواع النشاط – لان كل انواع النشاط واحدة في الجوهر ولو اختلفت مضامينها الاجتماعية والسياسية:فلا غرو بعد هذا ان نرى(هايدغر)قطب الوجودية الالمانية قد تحول في وقته الى داعية هتلري،وان نرى(اورتيغا اي غاست)يعود اليوم بأبهى حلل المجد الى اسبانيا الفاشية،وان نرى(سارتر) نفسه،هذا(الثائر اليساري بالالفاظ والصيغ!)يؤكد استحالة قيام(اخلاق)عامة مستندة الى وعبر التجربة والاختبار الاجتماعيين،ويصر على ان الاشتراكية العلمية باستنادها الى وقائع الحياة الموضوعية انما هي مذهب الطغاة،لماذا؟لانها بدفعها الطبقات المحرومة الى الاتحاد في سبيل ازالة اسباب الحرمان،تعمل على هدم(الدوافع الذاتية المستقلة)التي تدفع الى النشاط العام،بل التي تخلقه في زعم الفيلسوف الكبير(18).
ولله في خلقه شؤون!!
(4)
وهاك الآن ايها القارئ العزيز – نماذج فكرية من ميدان آخر:من الفلسفة الاجتماعية عامة وفلسفة التاريخ على الأخص.
وسنبدأ السلسلة هذه المرة بذلك الحضاري الالماني الشهير(اوزفلد شبنغلر O.Spengler) صاحب النظرية التاريخية التي تعرف عادة(بالنظرية المورفولوجية للحضارة)(19)- اي التي تعنى بدراسة اشكال الحضارات البشرية باعتبارها وحدات روحية حية مستقلة عن بعضها تمام الاستقلال،تمر في نفس الدورات الحيوية Lebenszyklen التي تمر بها الاحياء:تولد وتنمو وتنضج وتشيخ وتنتهي بالموت،بل يرى هذا الفيلسوف الذي يكتب بلغة هي اقرب للغة الشعر منها للغة العلم اكثر من ذلك:يرى بأن هذه الحضارات التي تلعب دور الابطال في رواية التاريخ العالمي مستقلة تمام الاستقلال عن اممها نفسها:فالحضارة العربية مثلاً لا علاقة لها بالأمة العربية،لانها وحدة(روحية)مستقلة عن الافراد والشعوب.
كذلك يرى(شبنغلر)عدم وجود تاريخ عالمي موحد،اي تاريخ لما نسميه(الانسانية)بل هناك عدة تواريخ للحضارات المختلفة يسميها المؤرخ(بسير) – بيوغرافيات – الحضارات،وهي منفصلة عن بعضها تمام الانفصال،ولا يمكن ابدا تجنب وموت الحضارة المعينة،كما لا يمكن ابدا بعث الحياة فيها بعد الموت.
ان شبنغلر لا يتبع اسلوب المؤرخين في دراسة التاريخ على اساس تحليل الوقائع التاريخية ومحاولة اكتشاف قوانين سيرها،بل هو يدرس هذه الوقائع باعتبارها مظاهر او علائم او اشكال(لروح Seele)معينة هي روح الحضارة،تبدو جليلة في كل انجازاتها السياسية والفكرية جميعا:مثال ذلك ان نظام المدنية اليوناني كان وثيق الاتصال بهندسة اقليدس،او ان الموسيقى الحديثة لها اوثق الصلات بنظام الائتمان!!
اما من حيث العوامل الحضارية،وهي المسألة الشائكة التي شغلت كل فلاسفة التاريخ(ابن خلدون،فيكو،بيوكل،مونتسيكو،غيزو،مينيه،ماركس،راتزل،بوسويه.. الخ) فأن شبنغلر ينكر تطبيق قانون السببية على قواعد الحضارة،بل ينكر وجود اية فروق في القيمة او الاولوية او حتى علاقة العلة بالمعلول في العناصر الحضارية،وسواء لديه في كل ذلك،المظاهر الدينية والسياسية والفكرية عامة او الأسس الاقتصادية،والفروق التي تبدو لنا في اهميتها هي مجرد(اوهام)مصدرها اختلاف حظ كل منها من هذه(الرمزية) في التعبير عن تلك الروح الحضارية.
واكبر اخطاء المؤرخين في نظر شبنغلر هو قياسهم التاريخ على الطبيعة ومحاولتهم اكتشاف(قوانين)او(انظمة موحدة)او(اسباب ونتائج)في التاريخ على غرار ما يفعلون في دراسة الطبيعة.خطأ فاحش!يقول شبنغلر:ان عالم التاريخ غير عالم الطبيعة،وان كان الانسان ينتمي الى العالمين معا،وان التاريخ لا يكون اية وحدة خلاف للطبيعة،غير انه قابل لنفس النوع من التحليلات العلمية على غرار الجاذبية او الكهرباء مثلاً.
ويتسع المجال الان لدراسة اطوار الدورة الحيوية للحضارات كما زعم اكتشافها شبنغلز او ابراز خصائص كل طور منها،فلقد لخصنا ذلك في محل آخر(20)بل المهم هو ان نتذكر بأن الدور الاخير منها،وهو ما يسميه الفيلسوف(بالحضارة المنحلة) Zivilisation يتميز بانحلال جسم الامة الى نوع من الدهماء تسيطر عليهم روح الامية بدل الوطنية،كما تظهر فيه سيادة المال والديمقراطية!التي تعمل على نفاذ العوامل الاقتصادية في السياسة.ومن ثم نمو الحضارة في فترة جديدة يتغلب فيها العنف على المال،فتظهر الاعراض الآتية:سياسة(القادة)تتحول الى سياسة خاصة او عائلية،ويصبح العالم ميدانا للحروب،ويسود التفسخ المطلق،وتزول كل مقاومة لاجتياح الشعوب الفتية او الغزاة الاجانب.
ويرى شبنغلز بأن موت الحضارة يحيل البشر الى افراد(غير تاريخيين)،كما كانوا كذلك قبل ولادة الدورة الحضارية:ويضرب الامثلة على ذلك بالحضارات الصينية – ما عساه يقول الآن في الصين الشعبية؟- والهندية العربية الآن: فأن شعوب هذه الامم لم تعد تاريخية الآن!والحوادث التي تجري في هذا العالم،وان كانت ذات اثر في الشعوب نفسها الا انها تفتقر لأي معنى تاريخي!!لأن هذه الحضارات فقدت الآن(ارواحها)،وبذلك تكون قد فقدت التاريخ.ان شعوبها مجرد(مواد)قد تتناولها بالتغيير حضارات بشرية اخرى.الا انها"لن"تلعب بعد ذلك اي دور في التاريخ.
فهل من العجب بعد هذا ان ينحط هذا(الفيلسوف)الى اسفل الدرك بعد ذلك عندما استقبل الحكم الهتلري عام 1933 بكتاب(21)لا يدانيه اي كتاب آخر في الابتذال الفكري،واعتبر الفاشية الالمانية رسالة الانقاذ للحضارة الغربية المنحلة بانشاء الامبراطورية العالمية"Weltreich"تحت زعامة رجال المال الالمان؟
"انه لعصر عظيم هذا العصر الذي نعيش فيه!انه عظيم بمعنى انه بائس ومرعب.ان العظمة والسعادة مفهومان متعارضان(هكذا)!،ولسنا بينهما بمختارين،ان واحدا منا نحن الاحياء لن تكتب له السعادة ابدا،الا ان فريقا منا يستطيع ان يسلك سبيل العظمة او الصغار كما يشاء،ومع ذلك فأن الذي يفضل سبيل السعادة لا يستحق الحياة!"
"ان منطق القدر لا يعبأ برغبات الناس".
"تلزمنا تربية ترفعنا الى المصاف البروسي الرفيع،كما كنا في عام 1870 و1914 - اي سنوات اندفاع الاستعمار الالماني نحو الحرب! - وكما هو دفين دائما في اعماق ارواحنا،يموج بالقوة.ولا يمكن نيل ذلك الا بالنهج على منوال الطبقة القائدة،الزاخرة بالحياة والمليئة بالسمو الخلقي"!
"ان المانيا مركز العالم لا لموقعها الجغرافي فحسب..بل لان الامان امة فتية بعد..بينما اناخت الشخيوخة بكلكلها على جميع الشعوب الاخرى،فلا تستطيع ان تظهر تجاه الالمان الا مقاومة غامضة..".
هذه هي النهاية الطبيعية لفلاسفة المثالية دائما:يبدأون بالافتراضات الروحية او الدينية او الميتافيزيقية،لكي ينتهوا الى تبرير حكم(الجلاوزة)(22)والطغاة والقوى الهدامة الخارجة على كل القيم والفضائل!
***
مثال آخر من هذه المثالية(الدينية)هذه المرة التي تنتهي الى درك الاستعمار،هي هذه الفلسفة التاريخية للمؤرخ الانكليزي الاول في عصرنا الحاضر(ارنولد توبيني A. Toynbee).ولن اعود الآن الى تلخيص فلسفته التاريخية التي يضمها كتابه الضخم(دراسة في التاريخ)فقد سبق لي ان فعلت ذلك في محل اخر(23)،ولكني سأقوم بتحليل كتابه الجديد الذي اصدرته مطبعة جامعة اوكسفورد حديثا بعنوان(العالم والغرب)،وان كان هذا الكتاب نتيجة منطقية لفلسفته العامة.
ان توينبي،وهو المؤرخ الذي يؤمن اعمق الايمان بأن الحضارة تستند لاساس ديني صرف هو منها بمنزلة القاعدة من البناء،يعتقد ان سبب الازمة الحقيقي للحضارة الغربية هو انها وقفت عن متابعة روحها الدينية منذ اكثر من مائتي سنة وانحدرت في المهاوي العلمانية والدنيوية الصرفة،وهو يعلل هذه(الثورة الروحية)كما يسميها برد الفعل ضد الحروب الدينية التي مزقت المجتمع الاوربي مدة طويلة من الزمن،فخلط الناس بين القيم الدينية والتعصب الديني ومالوا عن الدين بجملته الى(التكنيك)الذي بدأ ينتشر في العالم انتشار النار في الهشيم من زمن بطرس الاكبر الى زمان اتاتورك.ان توينبي يعتبر هذه الثورة الروحية هي بداية انحلال الحضارة الغربية!!ان الظاهرة الاولى التي تجلب النظر من هذه الثورة(الواقع انها الثورة البورجوازية على وجه الضبط)هي رفضها للعقائد الدينية كأساس للتنظيم الاجتماعي،اما الجوانب الثورية للعلم والصناعة والاجتماع،فتلك ظواهر(ثانوية!)في نظر المؤرخ الاول!وتمثل اتجاه(رجعة)وليس تقدم في التطور التاريخي،اما الازمة الحالية التي يشهدها العالم في الحضارة الحالية في نظر توينبي مجرد(عقوبة)تستحقها هذه الحضارة جزاء وفاقا(لخطيئتها) الكبرى عن ترك العقيدة المسيحية.
ان الحضارة الغربية في نظر فيلسوفنا هي من خلق وابداع المسيحية،وان سبب انتشارها خلال القرون الاخيرة في العالم،هو هذا الانفصال الذي حصل بين(التكنيك الغربي)و(العقيدة المسيحية)،لأن مؤرخنا الكبير يستنتج من دراسته التاريخية هذا(القانون!)التاريخي الرائع وهو ان الامم لا تستطيع ان تتقبل حضارة اجنبية بكاملها ولكنها تستطيع بكل سهولة ان تتمثل جانبا من جوانب هذه الحضارة بعد انفصاله عن اصله الحضاري..وهذا هو سبب مقاومة الامم غير الغربية كآسيا وافريقيا وروسيا(هكذا) للمسيحية الغربية سابقا وقبولها الآن للتكنيك الغربي بعد ان انفصل عن امه الرؤوم،المسيحية.اما اذا سألت مؤرخنا العبقري عن الدليل التاريخي على هذه الصلة الاكيدة بين المسيحية والتكنيك،او اذا طلبت اليه السر اذن في عدم ازدهار التكنيك في العصور الوسطى وهي تمثل مجد المسيحية،او في اوربا الارثوذكسية وهي مسيحية ايضا على كل حال(او لعل المؤرخ ينكر مسيحيتها كما انكر غربيتها!)لم يجد على ذلك جوابا.
والواقع ان كل دارس للتاريخ الحديث يعلم على وجه الضبط بأن العلم والفن الحديثين متصلان لا بالجانب المسيحي من الحضارة الغربية،بل على العكس تماما بالتراث الاغريقي منها"والتراث الاسلامي بقدر اتصاله بالأخير ايضا"المستند الى الفكر الحر وفلسفة اليونان"ليذكر القارئ حركة الاحياء وحركة التنوير فقط بهذا الصدد".
ثم ينتقل توينبي الى تحليل هذا الانتشار الواسع للمبادئ الاشتراكية في الشرق،فيفسر ذلك بعاملين رئيسيين:الاول ان الاشتراكية العلمية دكتاتورية بطبيعتها والشعوب الشرقية مارست دائما الحكم الدكتاتوري،وعليه وافق شن طبقة!والعامل الآخر هو استغلالها لعواطف الحقد والضغينة التي آثارها في الشعوب الشرقية"تفوق!"الغرب وتوسعه في الماضي.
الا ان الامل يداعب توينبي عندما يطمئن قراءه بأن انتشار الاشتراكية في الصين يقابله انتشار"الديمقراطية!"في اليابان وتركيا!وهو يهيب بالطبقة النبيلة من رجال الفكر الغربيين ان يتمسكوا بالقيم المسيحية العليا وان يستعيدوا حماسة رجال الانجيل الاوائل لصد تيار الهدم المنتشر في الصين الجديدة،ذلك لأن الخطر الاول في عصرنا الحاضر هو(خيانة القساوسة)والامل الوحيد للانقاذ العام هو(ديانة جديدة)يقوم بها المسيح الجديد المنتظر!
الم اقل لك انه المؤرخ الاول..بشرط ان تضيف لذلك عبارة في(خدمة الاستعمار)!
***
مثال ثالث من هذه المثالية التاريخية الصارخة نجدها في فيلسوف الحضارة الروسي(سوروكين Sorokin)(24)فهو يرى(مثله في ذلك مثل شبنغلر ودلتي وفيبر..الخ)بأن الحضارة ليست مجرد مجموعة من اجزاء مبعثرة بل وحدة معينة لها فرديتها الخاصة،وتستند جميع مظاهرها الى مبدأ اساسي واحد،وقيمة جوهرية عليا،يكونان(الاساس)الحقيقي لكل الحضارة.وهكذا بعد ان ينحدر المؤلف الى هذه المثالية المتطرفة ويرى في ان البناء الاجتماعي بمجموعه لا يستند الى اساس مادي(هو نظام الانتاج الاجتماعي)بل الى(مبدأ)و(قيمة)،يعود فيرى بأن تطور المجتمع يسير في حلقات مفرغة تمر كل حلقة منها في دورين متعاقبين:الدور الاول هو الدور الروحي((ideationnelحيث تستند الحضارة الى الروح والايمان.والدور الآخر هو الدور"التحسسي sensoriell"الذي يتميز بالعلمانية والتجربة واللذية على السواء،وان الحضارة النموذجية هي الحضارة التي تستطيع التوفيق بين النوعين،وهذا ما يندر حصوله في التاريخ.
واذا اردت ان تفهم المضمون الاجتماعي والسياسي لهذه(الفلسفة!)النموذجية للتاريخ،والتي ينقل عنها باعجاب بعض(دكاترة!)علم الاجتماع في كلياتنا الراقية،فما عليك الا ان تقرأ آراء هذا الاستاذ في حضارتنا العصرية،فهو يرى انها ابتداء من القرن الثامن عشر(اي ابتداء من العصر العلمي العقلي بالضبط!)قد دخلت دور(التحسسية)المقيتة،بعد ان كانت حضارة مثلى في العصور الوسطى،وان الدليل على ذلك هو هذه الركائز الحديثة المتينة لهذا العصر أعني العلم والصناعة والتكنيك والدنيوية.
واخيراً فأود ان اختم هذه السلسلة الاجتماعية بالأشارة ببضع كلمات الى الفلسفة الاجتماعية للاجتماعي الألماني(كارل لامبرخت K. Lamprecht)وهو الذي احدث تأثيراً كبيراً في سلسلة من الفلاسفة الاجتماعيين في كل العالم أخص منهم بالذكر(فريرو)و(بارباليو)في ايطاليا و(لاكومب) و(بيير) في فرنسا و(دود) و(كارل بيكر) في امريكا واخيرا مدرسة (برسغ) المشهورة في المانيا.ان فيلسوفنا هذا يرى ان التاريخ هو فرع من فروع(علم النفس الاجتماعي)اي انه يجب ان يؤكد على أهمية(نفسية الجماعات)في التاريخ وليس على العوامل النفسانية المحركة للافراد كما كانت المدارس التاريخية سابقاً.وعلى هذا الأساس يقسم تاريخ الحضارة الغربية الى الادوار الآتية:الدور الرمزي وهو الدور البدائي الاول،والدور النموذجي (Typich) وهو يمتد في النصف الاول من القرون الوسطى،والدور(التقليدي Konventionnel)حيث تسود كل فروع المعرفة وكل جوانب الحياة الاجتماعية،ودور الفردية وهو يمتد من عصر الاحياء الى عصر الانوار،ودور الذاتية (Subjektiv) وهو يمتد من بداية الرومانية الى الثورة الصناعية،واخيراً الدور الحالي وهو دور(التوترات العصبية Nervosenepannungen) حيث يدور كفاح الانسانية،في نظر المؤرخ العظيم،حول مبدأ اجتماعي نفساني منظم للحياة.
وهكذا فأن التاريخ،وهو سجل قوانين الحركة الاجتماعية،يستحيل مع هذه الفلسفة الى مجرد ظواهر نفسانية على طريقة(برغسون!)والكفاح الاجتماعي العالمي حول مضمون العلائق الانتاجية،يستحيل الى كفاح نفساني على طريقة (فرويد) و(ادلر).
(5)
ننتقل الآن لميدان آخر من ميادين(الآيديولوجيا الامبريالية)لن اطيل الوقوف عنده لتشعب الموضوع وتفرع المدارس،هو ميدان(الفلسفة القانونية)،وسأكتفي(بقادة القادة)في هذا الميدان والقي بعض النور على من سواهم من(القادة)و(الاتباع).
خذ مثلا اكبر فقيه ايطالي معاصر(جورج دلفكيو G.Del Vecchio)(25)الذي يرى بأن(شكل)القانون فقط يستطيع ان يعطينا فكرة حقيقية عن طبيعة القانون.اما المضمون(Contenuto)فمسألة عرضية وثانوية الى جانب مسألة الشكل الاساسية،ولماذا؟لأن المضمون متغير متطور،فلا بد اذن لعنصر شكلي ثابت نقيس عليه هذا المضمون وينتهي من كل ذلك الى التصريح"بأن جوهرالقانون يقوم على مجرد الشكل فقط".اما عن تعريف القانون"كل قانون طبعا وجد ام لم يوجد،تاريخي او ممكن"فهو ينتهي بعد دراسة منطقية صرفة دون الاهتمام بأي دراسة للقوانين الوضعية التي يعرفها التاريخ الحقيقي،الى التعريف الآتي"القانون هو التنظيم Coordinazione الموضوعي للاعمال الممكنة بين اشخاص القانون"دون الاهتمام بالقانون نفسه كظاهرة اجتماعية ينطبق عليها جميع ما ينطبق على الظواهر الاجتماعية الاخرى(كالدولة والعائلة والملكية مثلا )من قوانين اجتماعية تاريخية اهمها القانون العام عن طبقية النظم الاجتماعية في المجتمعات الطبقية،اقول،هذه النظرة الخاصة للقانون صادرة عن نظرة عامة اخرى،تبلغ القمة في السخف المثالي هي نظرته للطبيعة.
ان الطبيعة ليست مجموعة من المواد والظواهر المادية المرتبطة ببعضها برابطة العلية والمكونة بمجموعها هذه الوحدة التامة المتصلة الحلقات والدائبة الحركة والتغير..ان الطبيعة في نظر شيخ الفقهاء الطليان هو ذلك"المبدأ الحي الذي يحرك هيكل الكون اجمع،والذي يظهر في كل حركات تطوره المستمر،انه ذلك(الجوهر Sostanza)الذي يسمو عن مخاوف السببية،والعقل Ragione الداخلي الذي ينظم جميع الاشياء ويحدد لها اتجاهاتها ووظائفها واغراضها".الا تذكرك هذه المفاهيم التي يكتبها احد اعلام التفكير البورجوازي في عصر العلم والنور بمفاهيم القديس توماس اكويناس مثلا،في لجة القرون الوسطى؟
ولكن هل في ذلك غرابة بعد ان رأينا هذه الامبريالية المحتضرة،وهي تحس مصيرها المحتوم،تحتمي في كل فروع المعرفة وليس فقط في ميدان النظرية القانونية،بأفكار تلك العصور المظلمة؟.
اما عن موقف هذا الفيلسوف الكبير من النظرية العلمية للقانون،وهي التي تسند القانون الى اساسه الاقتصادي الاجتماعي،اي الى مجموعة العلائق الاجتماعية نفسها،فانه لا يختلف عن موقف جميع فلاسفة القانون الجامعيين في هذا الصدد(شتاملر،ديغي،كلزن،لفور،غرابه..الخ)فهم يزورون على النظرية العلمية من جهة،اي ينسبون لها ماهي منه براء(كالجبرية الاقتصادية والتسوية بين القوة والقانون وازالة الحرية الشخصية من القيم القانونية..الخ)،وهم من الجهة الاخرى يقتصرون في(نقدها)على ملاحظات سطحية ميتافيزيقية من قبيل ما زعمه فيلسوفنا الكبير من ان القانون يستند الى اساس(نفساني)مستقر في النفس الانسانية،وانه يتطور مع تطور العقل البشري،وان دوافعه النفسية تصعد في سلم الارتقاء من الدوافع الدنيا الى الدوافع العليا.وهكذا،وقد اقتبس من(فيكو)هذه العبارة ببالغ الاعجاب:"ان العالم المدني قد خلق على وجه التأكيد للبشر،ولذلك يجب ان تستند جميع مبادئه الى العقل البشري بالذات!".
اما عن آرائه السياسية وانضمامه منذ البداية الى الفاشية الايطالية،فنصرف النظر عنها الآن لانها لا تخرج عن النطاق الامبريالي العام في هذا المجال.
***
خذ مثالا آخر من اكبر فقيه امريكي معاصر(من اصل نمساوي)(هانز كلزن H.Kelsen)صاحب النظرية القانونية الشهيرة ب(نظرية القانون الخالصة Reine Rechtslehre)التي لا ابالغ اذا قلت ان ما كتب عنها حتى الآن يبلغ آلاف المجلدات بعشرات اللغات.ان هذا المستشار الاول للاستعمار الامريكي الآن في الهيئات الدولية يرى(26):".. بأن القانون باعتباره مادة لعلم القانون،ما هو الا مجموعة من الاحكام والتقديرات عن القانون،بنفس الطريقة التي كانت بها الطبيعة،باعتبارها مادة لعلوم الطبيعة،مجرد مجموعةمن الاحكام والتقديرات عن الطبيعة"اي ان الفقيه الكبير استنادا لنظرية(كانط)في المعرفة ينكر الوجود الموضوعي للطبيعة كما ينكر الوجود الموضوعي للقانون(باعتباره منظما لنوع معين من العلائق الاجتماعية الحقيقية بوجودها)ويزعم بأن كلا الطبيعة والقانون هما مجرد(تقديرات Urteile)فردية لا وجود لها خارج الفكر الانساني،انها قصة المثالية تتكرر في كل فروع المعرفة في عهد الاستعمار!
وهل تعلم ما هو رأي هذا الفقيه الاكبر الذي يعتبره بعض النقاد اكبر فقهاء القرن العشرين في الدولة؟انها ليست ظاهرة اجتماعية نشأت في ظروف اجتماعية معينة،ويتوقف بقائها على بقاء تلك الظروف،بل هي تمثل(مبدأ الوحدة التي تتضمنه جميع الظواهر القانونية)!اي ان الدولة والقانون شيء واحد:الدولة لا وجود لها خارج الفكر الانساني،والموجود الوحيد في الكون هو الفكر!
واما آراؤه في الدستور والقانون الدستوري فقد بلغت قمة الابداع في هذا البناء الشامخ المبني على الخيال،لانه لا يهمه(مضمون)هذا الدستور او ذاك،وفي نظره جميع الدول – حتى اشدها استبدادا – هي دول قانونية ودستورية لأن الدستور هو مجرد(افتراض)منطقي لابد من افتراضه لاقامة البناء القانوني بمجموعه،وفي هذا يقول بالحرف الواحد:"ان انكار الطابع القانوني لنظام قائم على الاستبداد ليس الا من قبيل الحذلقة،او من فرضيات القانون الطبيعي".
اما المضمون السياسي والاجتماعي لهذه النظرية التي زعم المؤلف انها خالية من كل هوى سياسي او اجتماعي او اخلاقي،فاترك الحكم لزميل له امريكي هو الاستاذ(بودنهايمر)الذي قرر بحق ان نظرية كلزن هي النموذج الكامل(للنهلستية)القانونية،لان النظرية التي ترى في كل امر من السلطان نوعا مشروعا من القانون،وفي كل دولة مهما كانت(دولة مبنية على القانون Rechtstaat)،هي نظرية تجرد مفهوم القانون من اي معنى معين وتساوي بين اكثر النظم الاجتماعية والسياسية تعارضا،وتفتح الباب على مصراعيه لأفظع انواع الدكتاتورية والاستعباد،وتجعل من تاريخ التطور القانوني واسسه الاجتماعية والاقتصادية ضربا من العبث الذي لا طائل من ورائه(27).
اما عن آراء كلزن الاجتماعية والسياسية وتحليلاته الرجعية للنظم الوطنية والدولية ونقده الشكلي للمبادئ القانونية(ككتابه عن مشكلة السيادة وكتابه عن السلام القانوني وتحليله لهيئة الامم المتحدة وآرائه في النظام الديمقراطي..الخ)ودعوته السافرة لتوجيه الاستعمار الامريكي لمصائر العالم.. فهي نموذج لجميع خصائص الفلسفة الامبريالية في عهد الانحلال،مما لا يمكننا ضيق المجال حتى من الاشارة اليها في هذا الصدد،فلنختم،اذن،كلمتنا عن نظرية كلزن بتعليق(فيشنسكي)عليها،بانها"تظهر بصورة كاملة ومنطقية فراغ المنهجية النيوكانتية،التي تكافح فقط - بقواعد قانونية وصيغ قانونية - لاخفاء التناقضات الطبقية المخربة للمجتمع البورجوازي والنظام الرأسمالي،ولهذا السبب،بالضبط،اصبحت..جنة - بضم الجيم - تلتجئ اليها روح الرجعية واتجاه الفكر القانوني البورجوازي المعبر عنه"(28).
والآن نجتزئ من فلسفة فقيه النازية الاول(كارل شميت C. Schmitt)ببضع كلمات على الاقل.
يرى شميت بأن جذور الازمة العصرية تمتد الى مثل الثورة الفرنسية في الحرية والاخاء والمساواة،وان العلاج الوحيد لها هو هذا(القرار الحاسم الخالص Reine Entscheidung الصادر من العدم والمفروض على الجميع من كل من له الادارة على الامر والارادة)،فلا عجب ان رأيناه يمجد مفكري الرجعية والدكتاتورية في كل زمان ومكان ويحاول ان يحيي اثرهم وجميل اياديهم على الانسانية!وقد عنى خاصة باولئك الفلاسفة الذين عاشوا في خضم الثورة الاجتماعية الكبرى في القرن الماضي،فحاولوا عبثا تأخير تيارها واطفاء نورها وعرقلة نمو طبقاتها الصاعدة عبر الثورات المحلية الاوربية طيلة القرن المذكور،نخص بالذكر منهم اللاهوتي الفرنسي(يوسف دوميستر)وقرينه في اسبانيا(دونوزو كورتيس)(29).
وليس هناك من شك في ان هذا الفقيه الذي اعترف حتى خصومه بأنه من اذكى الفقهاء،حارب النظم الديمقراطية والدستورية بأسلحة استعارها من الاشتراكية(30)وبين الاساس البورجوازي الضيق لمنشأ هذه الانظمة وتطوراتها وتطبيقاتها،الا ان مثاليته الفكرية ووضعه الطبقي ووظيفته في المجتمع الالماني الامبريالي،منعه من التسليم بمنطق(الانقلاب)الذي يحول الديمقراطية البورجوازية الى ديمقراطية جماهيرية،فاستبدل بصورة تعسفية سخيفة بهذه الديمقراطية نوعا من الدكتاتورية السافرة تنبذ جميع المثل التقليدية للحرية والمساواة،وتعتمد في التحليل الاخير على اوامر الزعيم.وليس من الغريب بعد ان يصبح هذا الفقيه،الدستوري الاول في زمن المانيا الفاشية،يكرس كتبه ومقالاته وانتاجه القانوني والاجتماعي الهائل لتبرير فظائع ذلك العهد البغيض.
***
والمثال الاخير الذي اود ايراده في هذا المضمار انقله عن اكبر فقيه اسباني معاصر هو المفكر القانوني للفاشية(الفلانخية):(لويس ليغاث اي لاكامبرا L. Leqaz y Lacambra)الذي يختم احد فصول مؤلفاته الرئيسية بعنوان(مقدمة لنظرية الدولة الوطنية السندكالية)(31)الى ان الدولة القائمة على القانون اصبحت مستحيلة في هذا العصر،وذلك على الاقل لسبيين جوهريين:الاول ان الديمقراطية الجماهيرية التي تنظمها الاحزاب الكبرى الآن،لا تؤمن بعد بالمناقشات،بل تريد ان تسير بشكل دكتاتوري حاسم،والثاني ان هذه الجماهير تحتاج الى(حقائق)غير قابلة للشك تستند الى اسس واقعية من الحياة الاجتماعية.وعليه فالحل الوحيد لمسألة دولة القانون هو ترك الحكم للحزب الكبير الغالب في ميدان الكفاح،ليفرض مثله العليا بشكل دكتاتوري وجمعي،والشرط الوحيد اللازم لكل ذلك،هو ان المثل يجب ان تكون صحيحة اطلاقا لانقاذ المجتمع واحترام القيمة الخلقية للفرد كنهاية في نفسه:"اي كانسان له روح قابلة للخطيئة والثواب جيمعا".
ارأيت كيف يجمع(الفلاسفة)بين الكاثوليكية والفاشية لاقامة فلسفة ما يسمونه بالسندكالية الوطنية،كما جمع سيدهم قائد القواد(الخنراليسمو) بينهما معا لاقامة الدكتاتورية الفاشية في اجمل البلاد الاوربية وفرضها على شعب من اكرم الشعوب؟!
(6)
اما عن فلاسفة الاقتصاد الامبريالي وآرائهم في الازمة العامة للنظام الذي وهبوا انفسهم للدفاع عنه...فلن اذكر الا ذلك الصحافي الامريكي العالمي(ولتر لبمان W. Lippmann)الذي يقرأ ملايين الناس تعليقاته السياسية اليومية في كل اللغات وفي كل الاوطان،لأن هذا الكتاب الذي يقرأه القراء انما يدور في الجوهر حول هذا الاقتصاد الاستعماري بالذات.
يرى ليبمان بأن القوانين السوقية وحدها تستطيع انقاذ الحرية في العالم،ولذلك فهو يرفض اي نوع من انواع التوجيه الاقتصادي،بل التأميم الجزئي او الكلي،وهو يحمل بصورة خاصة على النقابات العالمية التي من شأنها ازالة هذه الحرية للعمال في التعامل مع ارباب الاعمال،فاذا طلبت الى الصحافي الكبير ان يدلك على(الضمان)الكافي لاحترام الجميع لقوانين هذه الحرية المزعومة،اجابك انه(حكم القانون Rule of Law)اما اذا تجرأت على التعمق في تحليل وظيفة القانون في المجتمع،والقوى الاجتماعية التي تسنده ويسندها،فأنت حينذاك من دون شك،من اولئك(الاشرار)العصاة،الخارجين عن حكم النظام والقانون في المجتمع(Outlaws)ممن يحسن هذا الكاتب الذائع الصيت سلقهم بألسنة حداد(على طريقة مكارثي)على صفحات الصحيفة الاستعمارية الكبرى(نيويورك هيرالد تريبيون)(32).
والموما اليه ايضا انصار عتاة،يحتلون اكبر المراكز الجامعية في جامعات الغرب اذكر منهم على سبيل المثال فقط،الاستاذ النمساوي(هايك Hyek) في كتابه(الطريق الى الرق)(33)الذي حشر فيه كل من هب ودب ضمن الاشتراكيين بما فيهم المفكر البريطاني الفاشي الاستاذ (كار Carr)!... والاستاذ السويسري (فلهم ربكة W.Ropke) في عدة مؤلفات حديثة اذكر منها فقط كتابه الشهير(ازمة المجتمع في العصر الحاضر)(34)الذي يحاول الاقتصادي الشهير فيه عبثا مقاومة تيارات العصر التي يلخصها بعبارة واحدة وهي(روح القطيع)- ويقصد بذلك الاشتراكية طبعا – بمنهاج جديد يثير حماسة الناس ويجمع حوله العناصر(المختارة!)في المجتمع لاعادة حكم السلطة المنحلة في هذا العصر الصاخب!
(7)
وآخر ميدان للآيدولوجيا الامبريالية اود الاشارة لبعض نماذجه هو ميدان الادب.والمثل الاول الذي اود الاقتباس منه للدلالة على هذه الوظيفة(الاستعمارية)لأدب(القادة)هو ادب الكاتب والشاعر الانكليزي الاشهر(السيد توماس ستيرنس ايليوت T.S. Elliot)والكتاب الذي نقل عنه هو(ملاحظات في سبيل تعريف الثقافة)(35).
ان اديبنا الكبير يدعو في هذا الكتاب لنوع من المجتمع تقوم فيه الارستقراطية بالوظيفة الفكرية الاساسية،ويكون على درجات مختلفة من مستويات الثقافة.وهو يرى ان هذا التدرج الثقافي اول شروط الديمقراطية وانه من اللازم ان تتمتع هذه القلة من النخبة الممتازة بقوة تعادل قوة الكثرة الغالبة من الناس،لأن المساواة التامة لا تعني الا فقدان المسؤولية،ولأن مقدار المسؤولية في كل مجتمع يتحدد بالمركز الاجتماعي الذي يرثه الفرد أباً عن جد.وهو يضيف لذلك بأن الدين نفسه يجب ان يجد تعبيرات مختلفة حسب الطبقات الاجتماعية التي تعتنقه،وان السياسة يجب ان تكون من اختصاص القلة وليس من شأن الجماهير،وان هذا الامتياز في القيادة والحكم يجب ان يورث هو الآخر..واخيراً يقرر الاديب الكبير بأن الطبقات الارستقراطية في الميادين المختلفة يجب ان تكون متحدة مع بعضها متماسكة متلازمة،والا كان مصير المجتمع الانحلال!
اتجد كيف ان روافد الآيديولوجيا الامبريالية تصدر جميعا عن مصدر واحد وتلتقي جميعا في مصب واحد؟اتجد مثلا كيف ادب(اليوت)يلتقي في جوهره بتاريخ(توينبي) وكلاهما يلتقيان بفلسفة(غاست)؟الا تجد في كل ذلك مصداق النظرية العلمية في ان النظريات السائدة انما تمثل على اختلاف الوانها وازيائها مصالح الجماعات السائدة؟
وليس من شك،كما يلاحظ الاستاذ لاسكي بحق(36)ان هذا الاديب انما يضع الخطوط العامة لوضع بناء ثقافي وفكري معارض للتيارات التقدمية الثورية التي يعج بها عصرنا الانتقالي الثوري،وانه يحاول احياء قيم ومقاييس مر على موتها اكثر من نصف قرن على الاقل،وانه لم يدرك بعد،وهو في خضم هذه الثورة العارمة للقرن العشرين،ما سهل ادراكه على الكثير من عباقرة القرن الماضي امثال(هاينه)و(ماركس)و(بلان)و(جورج ساند)و(ايمرسن)و(تولستوي)و(كارلايل)و(هرتزن)..اعني متناقضات الحضارة البورجوازية وضرورة العمل على ازالتها بشكل او بآخر.
***
والمثال الاخير الذي اود الاشارة اليه في هذا الصدد انقله هذه المرة عن الفكر العربي الحديث.والواقع انه ليس هنالك مفكر عربي مستقل(اصيل)في الوقت الحاضر،وليس في ذلك غضاضة لأننا نعيش اليوم،وسنبقى لمدة طويلة كذلك،على موائد الفكر الغربي،ولكن الواقع المثير حقا هو ان جميع(قادة)الفكر العربي الحديث(المرموقين)و(المترفين)- وخاصة المصريين منهم - انما يعيشون على فتات هذه الآيديولوجيا الامبريالية،ينهلون من ادرانها،وينقلون مكروباتها الى عقول ونفوس الاجيال البريئة الناشئة..وانت تستطيع ان تقرأ لأي(قائد فكري)من هؤلاء القادة(البرجيين)،او لأي استاذ جامعي من هؤلاء الاعلام الرجعيين.. لترى جميع خصائص الادب الامبريالي واضحة جلية تسطيع بيسر وايما يسر ان تتعرف على الفور الموارد التي يرد منها والاغراض التي يقصد اليها.
ولا نريد في هذا المجال الصغير ان نحدد المسؤولية الفظيعة التي يتحملها هؤلاء القادة في بناء الرجعية الفكرية في العالم العربي اليوم،وهي لا تقل ابدا عن تلك المسؤولية الاخرى لزملائهم(الواقعيين)من جلاوزة الحكم في ميدان السياسة..بل نود على الاقل ان نشير،كنموذج بين عشرات النماذج،لأدب هذا المشعوذ الكبير صاحب(العبقريات)المرموق،عباس محمود العقاد.لقد كتب هذا الرجعي النموذجي في علوم الاولين والآخرين..في التاريخ والادب والفلسفة والعقائد والدين والسياسة والعلم والاخلاق..لكنه لم يستطع التمييز بين الاجتماع العلمي وبين المادية الآلية مثلا، فنسب للأول انه يحسب(ان الآدميين آلات تقاس حركاتها بالارقام كما تقاس حركات السكك الحديدية والسيارات)(37)وان اصحابه(يؤمنون بالمادة ولا يؤمنون بغيرها)!ثم بعد ان نسب الى النظرية العلمية كل ما اعتدنا سماعه من اسياده الاستعماريين،رأى في محل آخر بأنه(من المسائل التي يتفق عليها الاكثرون ان لم نقل انها محل الاجماع(هكذا!)ان المشكلة الكبرى في العصر الحاضر انما هي مشكلة العقيدة،وان ازمة الضمير الانساني في عصرنا هي الازمة الشاملة التي تنتهي اليها جميع الازمات،ولولاها لهانت كل ازمة وجدانية تعترض حياة الانسان فردا كان او جماعة )(38).
وبعد ان احال ازمة النظام الاجتماعي القائم الى ازمة نفسانية تقليدا للمفكرين المثاليين الذين يسودون – كما رأينا- عالم الثقافة الامبريالية في هذا العصر،وضع العلاج الشافي لهذه الازمة،فاذا بالجبل يتمخض عن فأر،واذا بالعلاج يتلخص في كلمة واحدة هي كلمة(التعاون): (..فلا خلاص للعالم بعد اليوم الا بهذا الترياق الوحيد حيثما اعضلت عليه مشكلة في السياسة او في الحكومة او في الاخلاق)(التعاون بين الامم صغارها وكبارها،والتعاون بين الطبقات غنيها وفقيرها،والتعاون بين السلطات والتعاون بين الافراد..).
الم اقل لك انه(زعيم)على غرار الزعماء(الواقعيين)(التعاونيين)الذين خلقهم الاستعمار في هذه الامة العربية المنكوبة من كل حدب وصوب.
ومع كل ذلك فهذا المفكر(التعاوني)ينسى ترياقه الشافي عند حديثه عن الجماهير فلا يخجل ان يتهمهم بكل مثلبة ونقيصة،بل يثور بحقد عجيب عندما(يتهم!)بأنه يكتب للدهماء(وما من احد يفهم ما يقول يزعم ان صاحب كتاب(الله)او(الفلسفة القرآنية)او(عبقرية المسيح)او هذه الرسالة في(عقائد المفكرين)يبتغي الدهماء بحرف واحد مما يكتب،وليس شئ منه بالذي تصبر عليه طاقة الدهماء(39)!
صدق العقاد هذه المرة!
ان امام(الدهماء)مشاغل اخرى غير مشاكل العقائد والعبقريات،وان(ترياقهم)ترياق آخر غير ترياق التعاون مع المستغلين والمستعبدين.. فليطمئن العقاد لذلك(ولو الى حين!)فلن يظفر من الدهماء الا بما يستحقه من بالغ الامتهان والازدراء.
والخلاصة كما سبق لي ان ذكرت في محل آخر(40)(ان هذه الامثلة من الفلسفات الشائعة،وقد تعمدنا اختيارها بين فلسفات اكبر مفكري العصر الحاضر،انما تعطي دليلا آخر على صحة النظرية الاجتماعية العلمية في ان الافكار السائدة في عصر ما انما تمثل افكار الجماعات السائدة،وان العقم الفكري العام انما يمثل نظاما اجتماعيا عالميا استنفد وظائفه التاريخية ودخل في دور العقم والانحلال.ان المضمون الاجتماعي والسياسي لهذه الفلسفات الامبريالية لا يحتاج لتدليل:فاحتقار الجماهير واعتبار الاقليات المبدعة هي المحركة للتاريخ ونسبة التطور الاجتماعي لقوى دينية او ميتافيزيقية او نفسانية،ومسحة التشاؤم التي تعبر احسن تعبير عن بأس النظام الاجتماعي السائد،وفهم الحضارات التاريخية كحلقات مفرغة مغلقة دون ادراك وحدة الحضارة المعبرة عن وحدة الجنس البشري،وتفسير ازمة النظام الاقتصادي الحالي تفسيرا روحيا صرفا كالتوتر او الجشع او هرم الروح..كل ذلك يدل دلالة ناطقة على ان عصر ديكارت ولوك وروسو وييوكل والموسوعيين وغيرهم من اعلام التفسير العلمي والعقلي للكون،قد زال ومضى،لأن البورجوازية قد انهت دورها التقدمي في التاريخ،ولم تعد قادرة الا على الاحتماء بأفكار العصور الوسطى وهي الافكار التي قادت بنفسها حركة القضاء عليها..).
(8)
ولكن الى جانب هذه الآيديولوجيا الامبريالية لأزمة العصر،الى جانب هذه الفلسفة الصفراء الباهتة،المملوءة بالتشاؤم والقلق والرعب،المحتمية من الواقع الصاخب بالأساطير والأوهام،اللائذة من الحاضر الرهيب بأشباح الماضي الزائل،المضطرة امام نور العلم والعقل للتستر في ظلام الغرائز وخفايا اللاوعي،المستجيرة من غضب الجماهير وحقد(الدهماء)بنخوة الأقليات الممتازة ومروءة الصفوات المختارة.
اقول الى جانب هذا الادب الامبريالي المثالي العقيم،يقوم اليوم الادب العلمي لأزمة العصر..هذا البناء الفكري الشامخ الذي تطور لا في صالونات الارستقراطية او قاعات الجامعات،بل في خضم الكفاح الاجتماعي العام،والذي يصاحب تطوره في كل ادواره المتعاقبة،منذ ان ولد في منتصف القرن الماضي،تطور هذا النظام الاجتماعي البورجوازي في مراحله المختلفة من نظام تقدمي عظيم الثقة بنفسه،متفائل في المستقبل،يؤمن بالحرية والديمقراطية والعقلية والتقدم،الى نظام رجعي،يرتجف من مواجهة الواقع،ويرتعب من افكار الديمقراطية(الهدامة!).ويلوذ بالتشائم والصوفية وروحانيات القرون الوسطى،هذه النظرية العلمية التي لاتصدر عن افتراضات فلسفية لا يستطيع حتى اصحابها تحديد مدلولها ولا تتوهم بأن الفكر يخلق الطبيعة او ان الروح يسير الكون،بل تستند الى المنهج العلمي الوحيد القادر على الوصول للحقائق،المنهج الذي يرى الطبيعة في وحدتها التي لا تتجزأ وحركتها التي لا تقف وتطورها الذي لا يتبع الا طريق(النط)والقفز،هذه النظرية العلمية التي لا تفسر الظواهر الفكرية بظواهر فكرية اخرى(كمن يفسر الماء بالماء!)،كأن تفسر القانون بالاخلاق(مثلا غورفيتش Gurvitch)،او الدين بالأخلاق(شيلر مثلا)او الأخلاق بالدين(دوميستر وكورتيس مثلا)،ولا تفسرها بمفاهيم نفسانية مستعصية على الفهم،كأن تسند القانون الى الطبيعة الانسانية natura umanna (دلفكيو مثلا)او الضمير القانوني conscience jurdique (دوغى مثلا)او الى روح الامة volksgeist (سافيني مثلا)او الى نفسية الجماعات(لبون مثلا)او الى روح الحضارة Kulturseele(شبنغلر مثلا)..بل تسند الظواهر(الفكرية)وفق نظرية علمية رائعة في البناء الاجتماعي بمجوعه الى اساسه(المادي)الواقعي في علائق الانتاج الاجتماعي produktionsverhaltnisse المتفقة بدورها مع درجة تطور قوى الانتاج produktionskrafte في المجتمع..هذه النظرية العلمية التي لا تقع في جريمة الفصل بين النظرية والعمل بحجة العمل على النقاء المنهجي(نظرية كلزن في القانون او نظرية منغر في الاقتصاد او نظرية هسرل في الاجتماع)او الترفع عن المهاترات السياسية او ما ماثل ذلك من الحجج الكاذبة،لعزل الجماهير عن العمل السياسي،وتجريدها من(دليلها)النظري،وبالتالي ابقاء ما كان على ما كان..بل انها تستمد النظرية من مراقبة العمل،وتستهدي في العمل بنور النظرية،وتعتبر(الآيديولوجيا)لا كصورة فوتوغرافية لمجرد(تصوير)المحيط الخارجي بل كسلاح نافذ فعال(لتغيير)المحيط المذكور،او بعبارة اخرى تقييم السياسة نفسها على قوانين التاريخ العلمي،هذه النظرية العلمية التي تحتقر روح المهادنة والمسالمة،او روح الانعزال وعدم الاهتمام،او بالمفهوم العلمي روح(الانتهازية)..لانها تؤمن بنوع جديد من(الاخلاق)يستند لاختبارات التاريخ وقوانين الاجتماع،هي اخلاق الكفاح والنضال..وهما على العموم جوهر ما نسميه(بالطبيعة)و(بالتاريخ).
***
والملاحظة الاخيرة التي اود ان اشير اليها الآن..ملاحظة تكاد تكون مجهولة بين مثقفينا على العموم..هي ان الآيديولجيا الامبريالية،منذ ان بزغت شمس النظرية العلمية(41)في اواسط القرن الماضي،تدور في جوهرها وفي كل الميادين الفكرية قاطبة،حول النظرية العلمية بالذات..انها جميعا(رد فعل gegenwirkung)مباشر لهذه النظرية..انها جواب الاستعمار على تحدي الجماهير.انها(دفاع)الامبريالية المحتضرة ضد(هجوم)الاشتراكية..وقد طال بي الحديث فلا استطيع تفصيل هذه الحقيقة،ولكني اضرب المثل من ميدان تسنى لي ان ادرسه ببالغ الاهتمام هو ميدان الفلسفة القانونية..فأنت لن تستطيع ابدا ان تفهم اي نظرية قانونية شائعة ان لم تدرك الحقيقة المذكورة..لن تستطيع مثلا ان تفسر نظرية(التضامن الاجتماعي Solidarite Sociale )لديغي،وهي النظرية التي لا يزال ينشر ميكروباتها دكاترتنا واساتذتنا في كلية الحقوق بصورة مباشرة او غير مباشرة(عن طريق المعاهد المصرية الرجعية)..الا اذا علمت انها جواب الامبريالية على حقيقة(الكفاح الاجتماعي)..وقل مثل ذلك في جميع النظريات القانونية الشائعة،مهما اختلفت ازياؤها الظاهرة:سواء كانت سافرة في رجعيتها (كالمدرسة التاريخية الالمانية او المدرسة الكاثوليكية او المدارس الفاشية والنازية والفلانخية)او معتدلة في ظاهرها(كمدرسة ايرنج في الغاية الاجتماعية،او رادبروخ في القيم الحضارية)او التي تزعم الحياد النظري والنقاء المنهجي(كمدرسة كلزن النمساوي او مدرسة كوسيو Cossio الارجنتيني)او التي تزعم اليسارية والتقدمية(كمدرسة رينر Renner في النمسا او مدرسة هيلر Hiller في المانيا).ان هذه الحقيقة يجب ان لا تنسى ابدا عند دراسة الآيديولوجيا الامبريالية!.
والكتاب الذي اعربه اليك ايها القارئ الكريم هو من نوع الكتب التي نفتقر اليها اشد الافتقار،انه لا يعالج ناحية الأزمة العامة لنظامنا الاجتماعي بمجموعها،بل يعالج ناحية معينة ضيقة نسبيا من نواحيها،هي ازمة(الفكر)(الاقتصادي)،ولكنه – وفقا للنظرية العلمية في هذا الصدد – يربط هذه الظاهرة المعينة من ظواهر الازمة بمجموع الظواهر الاخرى من جهة،وبجذور الازمة المادية من جهة اخرى..اي بهذا التناقض الاساسي الاول في كل الازمات التاريخية العامة..التناقض بين(قوى الانتاج)التي اطلقتها البورجوازية في ثورتها العلمية(الاحياء والتنوير)والدينية(الاصلاح الديني)والاقتصادية(الثورة التجارية والصناعية والزراعية والمالية)وبين(علائق او شروط الانتاج)التي تتمثل في هذا النظام الرأسمالي على دوافع الربح وعلائق الاجور ونظام التملك الفردي.
ولا اريد في الختام الا ان اتقدم بثلاث ملاحظات اخيرة:
الاولى انني جمعت المراجع الواردة في اصل الكتاب في فهرس خاص جعلته في آخر التعريب لتسهيل مراجعة القراء.
والثانية ان هذا الكتاب،وهو قبس من النظرية الاقتصادية العلمية،يستعمل بالضرورة المفاهيم الاقتصادية العلمية في هذا الصدد،واذن فأرى من الجائز لي ان اشير على القراء بمراجعة رسالتي السابقة التي نشرتها في الموضوع(42)ان اشكل عليهم منطوق هذه المفاهيم.
والاخيرة هي شكري الذي لا ينقطع لاولئك القراء المجهولين الذين التهموا كتبي السابقة فأتوا على المطبوع منها في بضعة اسابيع فقط..والى اخواني الكرام الذين اعانوني في تهيئة كتبي للطبع والاشراف على تصحيحها واصدارها ونشرها بهمة لا تستغرب من نفر يهيئ نفسه للمشاركة في اكبر مهمة عرفها التاريخ.
***

-;- الهوامش
1. راجع في المفاهيم العلمية،كالرأسمالية والامبريالية والازمة العامة.. لخ كتابي(المفاهيم الاساسية للأقتصاد العلمي – 1953).
2. (MATERIALISmo storico)الطبعة التاسعة،باري،1951.وبالنظر لعدم توفر كتبه الاخرى لدي الآن فقد اعتمدت في تلخيص تفكيره الفلسفي على الاستاذ(ول ديورانت Will Durant)قصة الفلسفة The Story of Philosophy،نيويورك،1927،صفحة(507-529)..وفي تفكيره السياسي على المؤلف القيم للمفكر الايطالي الاستاذ بالمكسيك الآن (ريناتو تريفس)بعنوان"كروتشه"فيلسوف الحرية(B.Croce,Filosofo De La Libertad)،بوينس آيرس،1944.خاصة الفصل الرابع،ص73 الى 99.
3. المادية التاريخية، ص 115.
4. راجع لتفنيد هذه التهم وما ماثلها في كتابي(نظرية سريعة في تطور النظام الاقتصادي مع مقدمة في التفسير العلمي للتاريخ)،المقدمة،1953.
5. راجع كتابه الرئيسي( التطور الخلاق Evolution Greative).
6. راجع كتابه(مقدمة للميتافيزيق) Introduction a LaMeta. Physique ص14.
7. (راجع التطور الخلاق)،ص 248 – 271.
8. (Religion and Science)،طبعة Home University Library،رقم 187،سنة 1949.
9. نفس المرجع ص 246.
10. نفس المصدر ص 247.
11. راجع (La Rebelion de las Masas)،الطبعة التاسعة،بوينس ايرس،1947،الفصل الخامس عشر،ص 198 وبعدها.
12. نفس المرجع ص 199.
13. نقلا عن الترجمة الاسبانية بعنوان( El Cristianismoly la Lucha de Clases)،طبعة اوسترال،بوينس ايرس،ص 107 – 108.
14. نقلا عن الترجمة الاسبانية لبحثه"الحقد في الاخلاق El Resentimiento La Moral)،ص 192.
15. اعتمدت في هذا التحليل للوجودية،خاصة،على الصفحات الرائعة التي كتبها الاستاذ(لاسكي)في اخر كتاب له نشر بعد وفاته بعنوان(مأزق العصر The Dilemma of our Time)،لندن،1952،ص 137.وبهذه المناسبة اود ان احدد موقفي من انتاج لاسكي الضخم،سواء في كتبه الخاصة(التي تعالج مسائل بذاتها كالديمقراطية والنظام البرلماني او مسالة السيادة،او مشكلة الحرية،او النظام الرئاسي الامريكي)او كتبه العامة(التي تعالج المسألة الاجتماعية بموجبها)،ككتاب(تأملات في ثورة العصر)او كتابه الاخير عن(مأزق العصر)فأقول:ان هذا الانتاج ضروري كل الضرورة لفهم طبيعة الازمة العالمية،لانه يحللها من وجهة نظر علمية على العموم،الا ان حلوله التي يضعها تتناقض في جوهرها مع تشخيصه بالذات،اذ هو ينحدر الى مزالق طوبائية مستحيلة التحقيق(خاصة ما يسميه الثورة بالاتفاق)لانها تتناقض مع كل ما هو معروف من تجارب التاريخ،وخاصة التاريخ الاوربي الحديث،ولذلك فان النتيجة العملية الانتاجية لانتاجه هي(تأخير)تبين الحلول الحقيقية.
16. راجع "الوجود والعدم L etre et Le Neant"، باريس،1964،ص 480.
17. نفس المرجع،ص 460.
18. راجع كتابه(الوجودية الانسانية L existensialisme est un Humanisme)،باريس،1946،ص 25 – 38.
19. اعتمدت في هذا التحليل على مؤلف شبنغلر الرئيس(انحطاط الغرب)،في مجلدين 1917 (Der Untergang des Abendlandes) وكتابه الآخر(السنوات الحاسمة)،بالترجمة الفرنسية،بعنوان:(Les Annees Decisives)،الطبعة السابعة،باريس،1943،ومجموعة مقالاته المترجمة للأسبانية بعنوان(الانسان والتكنيك،ومقالات اخرى)،رقم 721،من مجموعة اوسترال المعروفة،1947.
كما انني استفدت كثيرا من تحليل الاستاذ(سيجس)في كتابه الضخم(دروس في علم الاجتماع)،مكسيكو،1948،ص 595 – 610،وكتاب الاستاذ(بارنز)في كتابه(Soziologie der Geschichte)اي(اجتماعية التاريخ)،فيينا،1951،ص 115- 138.
20. في كتابي(نظرية سريعة...)،ص(27-32).
21. "السنوات الحاسمة": المشار اليه سابقا ونحن ننقل عن مقدمة المؤلف للترجمة الفرنسية.
22. التعبير مستعار من الدكتور الوردي.
23. من كتابي(نظرية سريعة..)،ص(32-37).
24. راجع كتابه"القوانين الحركية الاجتماعية والثقافية Social and Cultural Dynamics"،في اربع مجلدات،سنة(1937-1941)او كتابه المختصر الاخير بعنوان"ازمة عصرنا The Crisis of our Age"، نيويورك،1942.
25. رجعت في تلخيص فلسفة(دلفكيو)،خاصة الى مؤلفه الرئيسي الضخم( دروس في فلسفة القانون Lezioni di filosofia del -dir-itto )،روما،1930...خاصة الفصول الاخيرة المعنونة"الطبيعة البشرية كأساس للقانون!".وكذلك الى الترجمة البرتغالية لكتابه عن"العدالة"الذي نشرته"مجلة وزارة العدلية"البرتغالية،لشبونة،1950 بعنوان"A Justica".بالاضافة الى الترجمة الاسبانية لكتابه عن"القانون والحياة"،برشلونة،1942"Derechoy Vida".
26. يراجع عن كلزن خاصة كتابه الرئيسي(النظرية العامة للقانون والدولة The general theory of law and state )،طبعة هارفرد،1945....خاصة القسم الثاني عن الدولة،وكتابه السابق(نظرية الدولة العامة Allgeineine Staatslehre)،برلين،1925.وعن تلخيص فلسفته العامة محاضرات الاستاذ كونز التي القاها بالاسبانية في(مدرسة الحقوق الوطنية)في جامعة مكسيكو والتي نشرت بعنوان"نظرية القانون الخالصة La Teoria pura del Derecho"،مكسيكو،1948...والكتاب القيم الجامع للاستاذ ايشتاين بنفس العنوان السابق بالترجمة الاسبانية،بوينس ايرس،1947...وخاصة الفصل الاول عن الافتراضات الفلسفية لنظرية كلزن،واخيرا يراجع عن نقد النظرية المذكورة كتاب الاستاذ(بودنهايمر)بعنوان"نظرية القانون Teoria del Derecho"بالترجمة الاسبانية،الطبعة الثانية،1946،مكسيكو...ومقدمة الكتاب القيم للفقيه الروسي فيشنسكي بعنوان"قانون الدولة السوفياتية The Law of The Soviet State"،نيويورك،1948،ص 5 الى 83،لتحليل النقد العلمي لهذه النظرية.
27. (نظرية القانون)،ص 263- 272.
28. فيشنسكي،ص 33.
29. راجع كتاب شمت"تفسير اوربي لدوتوزو كورتيس D.Cortes En Gesamt europaischen Interpretation"،1950...ومقدمة الاستاذ(كابالييرو)في الترجمة الاسبانية،مدريد،1950.
30. راجع في هذه الاستعارة الواضحة كتاب(التفكير القانوني والسياسي لكارل شميت)،ص165 الى 169،للمؤلف التشيلي(يوسف مارتينف)،سانتياغو،1950...بعنوان"El Pensamiento Juridico y Politico de C.S."حيث كرس لذلك فصلا بعنوان(شميت والماركسية).وراجع في حججه التفصيلية ضد النظام الديمقراطي كتابه الرئيسي الضخم"نظرية الدستور Verfassungs Lehre"ميونيخ،1928...وخاصة القسم الثاني حيث هاجم المفهوم الديمقراطي لدولة القانون بكل اسسها الفكرية وشروطها التاريخية.
31. "Introduccion a la Teoria del Estado Nacionalsindicalista"،برشلونة،1940،ص 120.
32. راجع خاصة كتاب (المجتمع الصالح Good Society)،1937.
33. (Der Weg Zur Knechtschaft)،زيوريخ،دون ذكر تاريخ الطبع،ترجمة السيدة روبكة.
34. (Die Gessellschaftskrise Der Gegenwart)،زيوريخ،1943.
35. (Notes Towards the Definition of Culture)،لندن،1948،ص(41 – 87).
36. (معضلة العصر The Delimma of our Times)،لندن،1948،الفصل السابع،ص(120 – 121).
37. (في بيتي)،اغسطس،1945،ص 34.
38. (عقائد المفكرين في القرن العشرين)،ص 165.
39. (العقائد)،ص 167.
40. (نظرة سريعة)،ص(36 – 37).
41. المقصود بالطبع (الماركسية)وكنا مضطرين لعدم استعمال الكلمة بسبب ظروف الاضطهاد الفكري السعيدي في العهد الملكي(أ.كبة).
42. (المفاهيم الاساسية للاقتصاد العلمي).

-;- من الوثاق المقدمة الى المحكمة بناء على طلبها

-;- بيان اللجنة الوطنية العليا لجبهة الاتحاد الوطني في 9/3/1957 .

في"تجربة الحزب الشيوعي العراقي في مجال التحالفات السياسية ودروسها (1934-2014)/جاسم الحلوائي"المنشورة في موقع الطريق للحزب الشيوعي العراقي في 30/3/2014،جاء ما يلي:
"ويذكر محمد حديد في حوار له مع مجلة "الثقافة الجديدة" العدد الرابع تموز عام 1969 ما يلي: "كانت اللقاءات تجري بين هذا الحزب او ذاك،ثم استدعت بعض المواقف ان تجري مداولات بين هذه الاحزاب جميعا الى ان تطور الأمر الى تأليف جبهة وطنية فعلاً باتفاق الاحزاب الاربعة على منهج مشترك وتكوين لجنة عليا في شباط 1957 واطلق عليها اسم (جبهة الاتحاد الوطني)". وفي 9 آذار 1957 صدر البيان الاول عن اللجنة العليا،وكان قد وضعه إبراهيم كبة.وقد تضمن البيان خمسة اهداف هي: 1ـ تنحية وزارة نوري السعيد وحل المجلس النيابي. 2ـ الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق مع سياسة البلاد العربية المتحررة. 3ـ مقاومة التدخل الاستعماري بشتى اشكاله ومصادره وانتهاج سياسة عربية مستقلة اساسها الحياد الايجابي. 4 ـ اطلاق الحريات الديمقراطية الدستورية. 5ـ الغاء الادارة العرفية واطلاق سراح السجناء والمعتقلين والموقوفين السياسيين واعادة المدرسين والموظفين والمستخدمين والطلاب المفصولين لأسباب سياسية."


بيان
اللجنة الوطنية العليا
الى الشعب العراقي الكريم !
نظرة في الوضع الدولي العام

يتميز الوضع الدولي العام باحتداد شدة الكفاح على النطاق الدولي بين الدول الاستعمارية من جهة وبين القوى الوطنية والتحررية من جهة اخرى،وباتخاذ الكفاح المذكور اشكالا جديدة بعد ان تغير ميزان القوى داخل الجبهة الاستعمارية،وبينها وبين القوى الوطنية والتحررية تغيرا حاسما بعد فشل العدوان الجنوبي الغادر على الشقيقة مصر وتصدع البناء الاستعماري تصدعا خطيرا وانكشاف زيف المواثيق والاحلاف الاستعمارية والدور المستنكر الذي قامت به دول ميثاق بغداد(وخاصة تركيا والعراق)في العدوان الاستعماري المذكور.
ومن البديهي ان يحاول الاستعمار الذي يرى في نمو القومية العربية ونشوء الكتلة العربية المتحررة وتبلور الوعي القومي للشعوب العربية،اكبر خطر على مصالحه واعظم عائق في احكام طوقه الاستعماري واكبر ثغرة في سلسلة مواثيقه وكتله واحلافه،من البديهي ان يحاول تجديد اشكاله وتغيير اساليبه،والقيام بتوزيع جديد لادوار ابطاله،ورفع شعارات جيدة تتلاءم والمواقف المستجدة المتغيرة.وبالرغم من عدم تبلور الموقف الاستعماري الجديد وشدة التناقضات التي تنخر في جسمه،الا ان الخطوط الاولى لهذا الوضع الجديد بدأت تتضح في محاولات مفضوحة للقضاء على الوضع السياسي الوطني في الشقيقتين مصر وسورية بطريق الضغط الاقتصادي المتواصل والمؤامرات المكشوفة،وتهديدات الدول المجاورة الضالعة في ركاب الاستعمار،والاتهامات الرخيصة الكاذبة،وحملات التهويش والتضليل وسياسة الدس عن طريق الرشوة وشراء الذمم وافساد الضمائر،ومحاولة تحويل قوى الامن الدولية الى قوات احتلال دائمة.هذا فضلا عن حماية اسرائيل واسناد سياستها العدوانية وتوسعها الاقليمي والعمل على فرض الصلح معها على العرب،والتلويح بتدويل بعض الاراضي العربية لاستخدامها كقواعد ضد حركة التحرر القومية،واندفاع الاستعمار الامريكي للحلول محل الاستعمار البريطاني في الشرق الاوسط والاستعمار الفرنسي في المغرب العربي،والاستمرار في اسناد ميثاق بغداد ومحاولة جر الدول العربية المتحررة اليه بالضغط والتهديد والاكراه وتكوين اتحاد استعماري جديد في المغرب العربي وخنق القومية العربية بمنع مصادر الحياة والقوة عنها بما في ذلك الموارد الاقتصادية والمالية والاسلحة الدفاعية،وتدعيم المصالح النفطية في الشرق الاوسط بأسم حرية التجارة والملاحة العالمية والنقل،والتآمر المكشوف على أمن الشعوب وسلامتها ومصالحها بأسم نظرية الفراغ السياسي المزعوم وصيانة الامن والاستقرار في الشرق الاوسط،واخيرا وليس آخرا تثبيت الاوضاع الفاسدة في الشرق الاوسط ومنع اي تطوير ديمقراطي لها بكل الوسائل التي ينطوي عليها مشروع آيزنهاور الجديد.
ولكن بالرغم من هذه المؤامرات الاستعمارية التي استنفذت جميع اشكالها،من معاهدات غير متكافئة الى احلاف عسكرية استعمارية الى تحالف مع اسرائيل عدوة العرب،الى عدوان مسلح على الشقيقة مصر،نقول بالرغم من هذه المؤامرات فقد خرجت القومية العربية من هذه المعركة منتصرة قوية نامية،بعد ان صقلتها التجربة ورصت اركانها المحنة،اذ ردت العدوان عن مصر والغت معاهدة قناة السويس لسنة 1954 وارغمت الدول الاستعمارية بريطانيا وفرنسا وربيبتهما اسرائيل على الانسحاب،كما انها فضحت الدولة المزعومة اسرائيل في المجالات الدولية فتبدى حق العرب واضحا في فلسطين،وسما مركزهم مشفوعا بروح جديدة تدفعهم للنضال وتشدهم للاتحاد.
ولكن الاستعمار لن يلقى سلاحه بسهولة لأنه ما زال يتشبث بالبقاء في منطقة الشرق الاوسط ولاسيما في العراق تحت ستار حلف بغداد الاستعماري مستعينا باعوانه واذنابه الذين ربطوا مصالحهم به.ان هذا الوضع الشاذ والمرحلة الخطيرة التي تجتازها الامة العربية في تاريخها فرضا على العراقيين ان يقوموا بواجبهم في الكفاح من اجل التحرر والاستقلال.فاجتمع الوطنيون وتدارسوا الاوضاع الداخلية والخارجية وثبتوا الاهداف التي تعتبر في هذه المرحلة نقطة ابتداء لتحقيق الحرية والاستقلال للشعب العراقي والسير به في موكب الامة العربية التحرري.
المطالب الوطنية الكبرى

ان هذه الاهداف الوطنية الكبرى التي اجمع عليها العاملون في الحركة الوطنية يمكن تلخيصها يما يلي:
1. تنحية وزارة نوري السعيد وحل المجلس النيابي.
ان هذا المطلب يشكل بالبداهة الخطوة الاولى لأية سياسة وطنية محتملة.فنوري السعيد وهو العميل الاول للاستعمار البريطاني في الشرق الاوسط والذي يقترن اسمه بكل المواثيق والمعاهدات والصفقات الاستعمارية الكبرى في تاريخ العراق الحديث بل و في الشرق الاوسط،شكل وزارته الحالية في صيف عام 1954 ليقوم بدوره الاستعماري المرسوم له،وهو تصفية الحركة الوطنية في العراق،وتجديد معاهدة 1930 بشكل من الاشكال،وعقد ميثاق بغداد والعمل على جر الدول العربية اليه،وعقد الصلح مع اسرائيل،والقضاء على القومية العربية المتحررة،وتحويل الشرق العربي الى قلعة استعمارية كبرى.
وبالرغم من جميع الوسائل الوحشية والجرائم المنكرة والمجازر الفظيعة التي ارتكبها نوري السعيد،بالرغم من جميع المراسيم الكيفية والاحكام العرفية والمؤامرات على الدول الشقيقة،فقد اثبتت الحوادث الاخيرة فشل سياسة نوري السعيد فشلا تاما،فهو وان كان قد حقق بعض اغراض الاستعمار في العراق بتجديد المعاهدة وشق الصف العربي الا انه فشل فشلا تاما في ضرب الحركة القومية العربية،كما فشل في جر اي بلد عربي الى حلفه الاستعماري،فهو لم يستطع اذن تحقيق اهداف الاستعمار في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
على ان نوري السعيد،بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر وانكشاف مؤامرته على سورية،وقبل ذلك على الاردن،وافتضاح دور ميثاق بغداد للقضاء على حركة التحرر العربية،وانعزاله انعزالا تاما في الحقلين الداخلي والدولي،سوف لا يتورع عن ارتكاب افظع الجرائم الجديدة للمحافظة على مصالح الاستعمار في العراق والشرق العربي،وسوف يوالي مؤامراته وتهديداته ومناوراته في محاولة يائسة للقضاء على استقلال الدول العربية المتحررة والذي ما انفك يخلق لها المتاعب ويثير المشاكل باستمرار،وسوف لا يتردد في القيام بدوره الجديد في المرحلة الجديدة للاستعمار العالمي بعد تغير ميزان القوى داخل الجبهة الاستعمارية،بنفس الوحشية والقسوة التي عرف بها في خدمة سادته القدامى.
وما المجلس النيابي الحالي المكون اكثره من الاستغلاليين والانتهازيين والامعات،والذي عين اعضاؤه بأفظع وسائل التزوير والتلفيق،الا اداة طيعة لتنفيذ المشاريع الاستعمارية يسخره نوري السعيد كيفما اراد في خدمة المستعمرين المغتصبين على حساب الشعب العراقي ومبدأ حق تمثيله.فالمجلس النيابي الحالي هو ابعد ما يكون اذن عن كونه جهازا تشريعيا مستقلا محترما.
لهذه الاسباب جميعا اصبحت تنحية وزارة نوري السعيد وحل مجلسه النيابي المطلب الاول من مطالب الحركة الوطنية.
2. الخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق مع سيادة البلاد العربية المتحررة.
ان الصراع بين القوى الاستعمارية وسياسة الكتل والاحلاف الاجنبية من جهة،وبين القوى الوطنية ومبادئ مؤتمر باندونغ من جهة اخرى،انعكس في الشرق العربي في صراع عنيف متواصل مستمر متخذا اشكالا والوانا شتى،بين الشعوب العربية في نزعتها الى التحرر والاستقلال،وبين بعض الحكومات العربية الرجعية الضالعة في ركاب الاستعمار والحريصة على تثبيت المصالح غير المشروعة للفئات الحاكمة والمرتبطة بمصالح الاستعمار.ولعل اكبر حادث سياسي في تاريخ الامة العربية الحديث،هو ظهور حكومات عربية استطاعت لاول مرة في تاريخنا المعاصر ان تفلت من طوق الاستعمار وتتبع سياسة عربية مستقلة تخدم مصالح شعوبها وتسهم في التيار المتجه،بالقوة،نحو استقلال جميع الأمم وتحرر الانسان من اشباح الاستغلال والاستعباد والاستعمار.وقد كان لهذا الحادث السياسي الخطير وقع الصاعقة على الاستعمار العالمي،فأسرع لعقد ميثاق بغداد،وركز كل جهوده لجر الدول العربية الاخرى لهذا الحلف.ولقد قامت دول الميثاق المذكورة لتحقيق مهمتها العدوانية بكل الكبائر.وآثار هذه السياسة الاجرامية ماثلة لدينا في العراق،في حل الاحزاب السياسية،وتعطيل الصحافة الوطنية،وخنق الحركة الفكرية،والأزمة الاقتصادية الآخذة بخناق ابناء الشعب العراقي،وفي هذه السجون والمعتقلات الملأى بالوطنيين وتلك الكيانات والمعاهد الغاصة بالارصاد والجواسيس وخنق الشعب العراقي بالجاسوسية وتبذير موارد الدولة عليها لخدمة الدول الاستعمارية،وفي الثكنات والقلاع المحولة لوسائل عقاب وتعذيب للشباب،وفي مجازر الحي والنجف والموصل وبغداد وغيرها،وفي اعدام الوطنيين وفصل الاساتذة والطلاب والموظفين،ونفي السياسيين ونزع الجنسية العراقية عنهم،وفي هذه الاوضاع القائمة على الاستغلال والرشوة والفساد وعلى السلب والنهب،والتبذير والتبديد،والمحسوبية والمنسوبية والعنف والاكراه،واخيرا وليس آخرا في هذه المعاهدة الجديدة التي هربت تهريبا تحت ستار حلف بغداد العدواني،لتجديد معاهدة 1930 لتمكين نفوذ الاستعمار ومصالحه في العراق.على ان الاستعمار بالرغم من فشل ميثاق بغداد في تأدية مهمته الأساسية وخاصة بعد انكشاف دوره المفضوح في العدوان الثلاثي على مصر،لا يزال يفكر بتغذية هذا الميثاق بدم جديد والعمل على اسناده بوسائل جديدة ترد له بعض الحياة.
لذلك فأن خروج العراق من هذا الميثاق،الذي كان وسيلة لتجديد معاهدة 1930 الجائرة عندما اوشكت على الانتهاء والذي كان وسيلة لتمكين الاستعمار البريطاني في الشرق الاوسط وجعل العراق قاعدة لضرب الحركات الوطنية فيه،والذي فرق كلمة العرب وهدم التعاون العربي الذي كنا نأمل ان يصل الى درجة الاتحاد،والذي شل الجامعة العربية وربط مصير العراق بالدول الاستعمارية ومهد للنفوذ التركي البغيض في العراق كخطوة اولى لنفوذ اوسع واكبر،نقول ان خروج العراق من هذا الميثاق هو الشرط الاول والاساسي لكسب العراق استقلاله السياسي،وانفكاكه من النير الاستعماري وخروجه من عزلته المصطنعة،والالتحاق بقافلة الدول العربية المتحررة،ومساهمته في تحرير الشعوب العربية،وعمله كقوة ايجابية من القوى العاملة على وحدة الأمة العربية.
3. مقاومة التدخل الاستعماري بشتى اشكاله ومصادره وانتهاج سياسة عربية مستقلة اساسها الحياد الايجابي.
ان هذا المطلب الاساسي المتعلق بموقف العراق من السياسة الدولية،هو امتداد ضروري وطبيعي للمطلب السابق الذي يتعلق بموقفه من السياسة القومية.وقد سبق وان المحنا في اول هذه الكلمة،الى ان الاستعمار يتخذ بالضرورة اشكالا مختلفة والوانا شتى حسب تطور ميزان القوى الدولية.اننا نشجب ميثاق بغداد لانه مظهر جوهري من مظاهر الاستعمار.ولكن الاستعمار اتخذ وسيتخذ حتما مظاهر جديدة اخرى،اقتصادية وعسكرية وسياسية وفكرية،وواجب الحركة الوطنية ان تتابع حركة تطور الاساليب الاستعمارية بكل يقظة وحذر،وان تكشف عن جوهرها وخطرها،وان تطور هي الاخرى اساليب عملها وكفاحها حسب تطور الظروف،لمقاومة الاستعمار بسائر الوانه واشكاله،وادراك جوهره الحقيقي وراء شعاراته المضللة واعتباره وحدة عالمية عدوانية،رغم الخلافات المحتدمة بين اجزائه،واتباع سياسة عربية تحررية اساسها الحياد الايجابي بتجنيب البلاد من الانغمار في تيار الحرب الباردة بين المعسكرات الدولية وانتهاج سياسة مستقلة في الحقل الدولي مستوحاة من مصالح الامة العربية،بعيدة عن مؤامرات الاستعمار واغراءاته وتهديداته،حذرة من كتله ومواثيقه،مدركة لزيف مساعداته ونقاطه وخبرائه،مستندة لمصالح الشعوب العربية التي لا تطمح لغير الاستقلال والحرية والرفاه والسلم والازدهار المادي والادبي في جو عالمي هادئ خال من التوتر والعدوان.
4. اطلاق الحريات الديمقراطية الدستورية
ان مبدأ سيادة الشعب مبدأ انتزعته الشعوب منذ قرون،وسلكت لتحقيقه فعلا حقوقا كثيرة،منها حق تمثيل الشعب لنفسه عن طريق الانتخاب الحر المباشر والعمل لهذا الغرض في جو تكتنفه الحريات وتعمه الديمقراطية المبنية على اساس حرية التنظيم الحزبي وحرية التعبير والرأي والضمير وعلى اساس المسؤولية الوزارية.في مثل هذه الاجواء الديمقراطية فقط يمكن ان تتيح الشعوب لنفسها محيطا تنمو فيه القابليات وتتضاعف الثروات ويخطو المجتمع الى الأمام في مدارج الرقي والمدنية.فالحريات الديمقراطية هي الاطار العام الذي لا يمكن للحياة العامة ان توجد وتتحرك وتنمو وتتطور وتتفاعل وتتوالد بدونه.فالمراسيم الكيفية اللادستورية واسقاط الجنسية عن احرار العراق والمطالبين بالحق والكرامة والاستقلال والغاء الاحزاب وتعطيل الصحف وتزييف الانتخابات ودكتاتورية الفرد وكم افواه الناس وخنق الحريات،كلها وسائل سلكتها وزارة نوري السعيد لتعيد للعراق عهود الطغيان والعبودية،انها سموم تميت الديمقراطية وتمتهن الكرامة وتقضي على القومية.لذلك فالقضاء على هذا الفساد السياسي واعادة الحكم الديمقراطي باطلاق حرياته الدستورية هما الشرط الاول لبناء حرية سياسية صحيحة.
ان الحريات الديمقراطية تؤلف وحدة لايمكن ان تتجزأ،فيجب ان تشمل حرية الاجتماع وتأليف الاحزاب والتنظيم النقابي وحرية الانتخاب والحرية الفكرية بسائر الوانها والحريات الشخصية والمدنية..الخ..كما انه يجب ان تكون عامة شاملة يتمتع بها جميع المواطنين دون تمييز.ان ضمان هذه الحريات الدستورية والغاء ما يتعارض معها من مراسيم وتشريعات شاذة مطلب وطني اساسي لا غنى للشعب العراقي عنه.
5. الغاء الادارة العرفية واطلاق سراح السجناء والمعتقلين والموقوفين السياسين واعادة المدرسين والموظفين والمستخدمين والطلاب المفصولين لاسباب سياسية .
ان هذا المطلب الاخير وان كان نتيجة حتمية يمكن ان تدخل في نطاق المطلب السابق،الا ان طبيعته الآنية المستعجلة،وكثرة عدد ضحايا الارهاب السعيدي،والتعذيب والارهاب الذي لا يزال يلاقيه الألوف من ضحايا الحركة الوطنية مع عائلاتهم وذويهم يجعل المطالبة بتحقيق هذا المطلب مظهرا من مظاهر العمل على ازالة المظالم التي قامت بها وزارة نوري السعيد ضد الوطنيين.
اننا ندعو جميع افراد الشعب العراقي الكريم،وجميع العاملين في الحركة الوطنية الى وحدة التكتل والالتفاف حول مطالب الامة الكبرى،ندعوهم الى نبذ الخلافات والانشقاقات بمختلف اشكالها ورص الصفوف الحركة الوطنية والكفاح مشتركين من اجل تنحية نوري السعيد وحل المجلس النيابي والخروج من حلف بغداد وتوحيد سياسة العراق الخارجية مع سياسة البلاد العربية المتحررة ومقاومة التدخل الاستعماري بشتى اشكاله ومصادره وسلوك سياسة عربية اساسها الحياد الايجابي واطلاق الحريات الديمقراطية الدستورية والغاء الادارة العرفية واطلاق سراح السجناء والمعتقلين والموقوفين السياسيين واعادة المفصولين بسبب نشاطهم الوطني.
والنصر لا محالة للشعب..

بغداد في 9 اذار 1957
اللجنة الوطنية العليا



#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 1
- العلوم والتكنولوجيا في العراق
- التهجير القسري في الادب السياسي العراقي الراهن
- القوات المسلحة العراقية اليوم الوليد الضال للشعب العراقي
- عن احوال العراق اليوم ماذا كان سيكتب غائب طعمة فرمان؟!
- مهام مركبة تنتظر الحكومة العراقية الجديدة
- حركية اليسار الرث في العراق
- استئصال اللغو وترك الحنقبازيات مهمة اساسية
- ماذا ينتظر حكومة ما بعد انتخابات 30 نيسان البرلمانية؟
- كهرباء العراق..بشائر التقطعات والتقاطعات!
- السلطة القضائية في العراق لصوصية بامتياز
- تأسيس الحزب الشيوعي العراقي والانتخابات البرلمانية 2014
- مقالاتنا مدفوعة الثمن دائما .. اسأل الشعب العراقي عنا؟!
- شلل وشلل..عن اية منجزات طاقية يتحدث جهابذة الاكاديميكا الشهر ...
- قبل وحدة الشيوعيين .. ليكشف لنا نجم الدليمي عن سيرته الذاتية ...
- ابو اسراء ومفوضية الانتخابات
- انيسة الاعظمي في ذمة الخلود
- بيزنس العقار في بلادنا والأصول دون الوطنية!
- الذكرى السنوية التاسعة لرحيل ابراهيم كبة – القسم السابع والأ ...
- الذكرى السنوية التاسعة لرحيل ابراهيم كبة – القسم السادس


المزيد.....




- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سلام ابراهيم عطوف كبة - عقد كامل على رحيل عالم اقتصادي متميز- 2