رجب الطيب
(Rajab Ata Altayeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4583 - 2014 / 9 / 23 - 15:07
المحور:
الادب والفن
بعد مجموعتين شعريتين , أصدر الكاتب الفلسطيني / السعودي متعز قطينة نصا سرديا , أثار من خلاله , قضية على قدر من الأهمية , ربما كانت غير مسبوقة , ورغم أن النص كان عبارة عن مذكرة شخصية , وأنه تناول أمرا شخصيا , إلا أن هذا الأمر الشخصي , يثير واقعا , لا زال يعتبر من المناطق المحرم الدخول إليها , من منطق الثقافة " الوطنية " العامة , ونقصد بذلك علاقة الأجيال الفلسطينية , التي تولد , ثم تنشأ في الشتات , دون أن تشعر بانتماء حقيقي للوطن الفلسطيني , الذي لا يعرفون عنه شيئا , إلا من خلال ما يرويه لهم الآباء والأمهات , الذين هم بلا شك أكثر ارتباطا به , في حين أن الأجيال الشابة , تجد في تلك الدول التي نشأت فيها , مستودع ذاكرتها , وموطن صداقاتها , وما إلى ذلك .
اضطراب الهوية : رغم أن النص يتحدث عن الجنسية , ورغم أن مفهوم الجنسية هو غير مفهوم الهوية , إلا أن ما عانته شخصية الراوي / بطل النص من اضطراب ناجم عن عدم تحديد جنسية الراوي , الذي ولد فلسطينيا لأبوين فلسطينيين / مقدسيين , لكنه حاصل على جنسية أردنية , فيما نشأ في السعودية , حيث تضطر العائلة , حتى لا تفقد الهوية الزرقاء , أي حق الإقامة في القدس , لقضاء العطلة الصيفية في وطنها , مرورا بعمان ومن ثم الجسر , حيث تسجل ذاكرة الصبي / الطفل المعاناة السنوية لهذه الرحلة , التي كانت أحد أسباب تفضيل الراوي للجنسية السعودية على الجنسية الفلسطينية ( والأردنية بالمناسبة ) . وقد نشأ هذا الاضطراب مترافقا مع حياة الراوي منذ أن بدأ يعي الدنيا , ثم من خلال وجوده كأجنبي في المدرسة الابتدائية ومن ثم المتوسطة فالثانوية , حيث حال كونه " أجنبيا " رغم تفوقه المدرسي دون أن يواصل الانتقال في التعليم من الابتدائي للمتوسط فالثانوي بشكل طبيعي , الأمر الذي أثر سلبا في النهاية على نتيجته في الثانوية وحال دون أن يتابع تعليمه الجامعي .
وقد وصل الشرخ الداخلي ذروته , حين فوجئت العائلة , بقرار الاحتلال الإسرائيلي , ضرورة أن يختاروا بين الإقامة في القدس أو العودة إلى جدة , فلم يتردد الراوي في اختيار جدة , التي يعتبرها وطنه , ويعتبر " السعودية " جنسيته , رغم عدم حصوله عليها , بل استحالة _ تقريبا _ أن يحصل عليها , خاصة بالمفهوم الجمعي , هذا على اعتبار أن الشخصية الروائية تمثل نموذجا لمجموع بشري .
فلسطيني معلق في الهواء : دار النص إذا حول هذه القضية , فمنذ البداية _ والنص سار كمذكرات ذاتية , من الطفولة حتى الشباب , أي وفق تسلسل زمني تاريخي , يتذكر الطفل المعاناة التي كان يواجهها حين تأخذه العائلة بعيدا عن جدة حيث نشأ , إلى القدس , مسقط رأس الأسرة , عبر عمان فالجسر , ليبدأ التساؤل حول جنسيته , والتي هي مفتاح الهوية , فحين تتحدد جنسية الإنسان , تتحدد إلى حدود بعيده بعد ذلك هويته , ورغم انه يحمل جواز سفر أردني , إلا أن الصراع كان بين جنسيته الفلسطينية , فقد كان بطل هذا النص السردي فلسطينيا معلقا في الهواء , يبحث عبثا عن هوية بين فلسطينية رمزية , وأردنية على الورق , ليست أكثر من جسر يعبره بين فلسطين والسعودية وفعلية ناقصة هو فيها وافد / أجنبي . وظل هذا السؤال مؤجل الإجابة , يتراكم موقف الراوي تجاهه , كلما فرض عليه أبواه سلوكا غير طبيعي , بفرض " الانطواء " عن أقامة العلاقات الاجتماعية مع المحيط الاجتماعي السعودي , بحيث يمكن القول في النهائية أن تفضيل الراوي للجنسية السعودية رغم عدم حصوله عليها , على الجنسية الفلسطينية , حين أسقط حقه في الإقامة بالقدس باختياره العودة لجدة , كان في احد أشكاله نوعا من التمرد على السلطة الأبوية , التي عادة ما يقوم بها الشباب ضد ذويهم .
وجاهة السؤال / رداءة المبنى : كتابة النص بهذا الشكل , أي على شكل مذكرات شخصية , دون أي اهتمام درامي , أو محاولة بناء روائي بإطاره العام , ولا حتى محاولة بناء خط درامي لنص سردي , حيث لوحظ , عدم ظهور شخصيات أخرى ولا حتى قصص جانبية , ولا حتى اهتمام بتوتر الخط السردي , الذي سار أفقيا , دون ذبذبات , من شأنها أن تجعل من قراءة النص فعلا مشوقا أو شيقا , ربما تحيل إلى سؤال جوهري , هو ما الدافع لكتابه هذا النص , اهو لفت الانتباه إلى قضية غير مثارة _ لم تقدم القضية الفلسطينية إلا باعتبارها قضية أمة وقضية شعب , وظلت قضية الفرد الفلسطيني في الأرض المحتلة والمنافي المتعددة أزمة مغيبة . المقطع 15 ص 102 _ طبعا وجاهة السؤال , لا تمنح نصا غير مكتملة عناصره الإبداعية , قيمة حقيقية , لكنها في الوقت نفسه , تثير سؤالا آخر , قد يصنف كمطالبة بحق الراوي , أو حتى الفلسطيني أو العربي الذي يقيم في بلد عربي آخر سنين طويلة , حق التجنس , كما هو حال كل دول العالم الحديثة .
التدوين / سمة النصوص السردية التفاعلية : لابد من القول بهذه المناسبة أن " التدوين " والسرد الذاتي , أي كتابة القصص الشخصية , بات يشكل معظم النصوص السردية التي يكتبها شباب هذه الأيام , والتي يتم تداولها عبر المنتديات والمواقع الالكترونية , لكن يبقى مع ذلك الفارق بين نص وآخر هو عنصر التشويق , وكيفية بناء السرد الذاتي , ومحاولة إضفاء التدفق القصصي , من خلال إضافة قصص جانبية , أو إدخال ساردين آخرين , غير السارد الرئيسي , أي الراوي في النص , وهكذا تتحول المدونة إلى نص تفاعلي , قد يكون التدوين الذاتي الفردي مركزه أو عموده الفقري , لكنه لا يقتصر عليه , ولا يكتفي به , أما نص " الجنسية " فقد جاء كمدونة روائية , أخذت من السيرة سردها الذاتي , وافترقت عنها في الانتقاء , بتقطيع النص السردي إلى مقاطع , ليست بالضرورة متتابعة , أو متتالية , أخذت منها سردية الوقائع الذاتية , التي تمر بها أنا الراوي .فجاءت على شكل مذكرات سردية , من خلال كتابة السيرة الذاتية كمذكرات خاصة . وعبر سرد أفقي لا تشويق فيه , بلا صعود ولا هبوط , كما اشرنا .
رتابة السرد / الأنا تتحدث لذاتها : النص الذي جاء عبر 18 مقطعا نصيا , تتبع بشكل " تصاعدي " أو متتابع المراحل التي مر بها الراوي , وبتسجيل تاريخي حقيقي , ظهر من خلال أشارات عديدة , تناولت مراحل الطفولة فالصبا فالشباب , عبر مراحل التعليم الثلاث : الابتدائية , المتوسطة والثانوية , والتي شهدت خلالها الشخصية تطوراتها الأساسية , ففي الأولى تعرف إلى زملاء سعوديين , وفي الثانية أنخرط في الجماعة الإسلامية , وفي الثالثة , انفجرت معاناته الناجمة عن تنازعه الداخلي حول جنسيته , ورغم أن النص تناول شخصيات , فيها كل مواصفات الشخصية الروائية , خاصة شخصية عطا , التي لو كان بتقديرنا الكاتب معتز قطينة محترفا في كتابة الرواية لجعل من هذه الشخصية محور النص لما فيها من " دراما " أو أنها نموذج للفلسعودي , كما أطلق الكاتب نفسه هذا المصطلح على الفلسطيني المقيم في السعودية , أو حتى شخصية صبحي صائب , الفلسطيني الذي صار رجلا ناجحا في السعودية وكان السبب في أن يجد له عملا , بعد أن فشل في الالتحاق بالجامعة , بعد أن حصل على نتيجة عادية في الثانوية العامة .
وكان قد أفرد مساحة للعلاقات داخل الجماعة الإسلامية , لكن لأن ذهنية المذكرة أو المدونة الذاتية هي ما حكم سردية النص , لذا فكان يكتفي الراوي بأن يطلق أحكام القيمة , على المواقف والجماعات والأشخاص , ولم ير القارئ بين صفحات النص شخصيات لها معالم محددة , ولا حتى نايف أول صديق سعودي للراوي , حيث كان يمكن بناء النص روائيا , وبشكل درامي مقنع , يبرر " وفق منطق النص الروائي " لم أختار بطل النص أن يكون سعوديا على أن يكون فلسطينيا , أو حتى أردنيا !
#رجب_الطيب (هاشتاغ)
Rajab_Ata_Altayeb#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟