أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد شبيب - الموت والموت السوري















المزيد.....

الموت والموت السوري


محمد شبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4581 - 2014 / 9 / 21 - 23:25
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الموت والموت السوري

معدل ضربات قلبك ثمانين؟ اذاً المعدل طبيعي. ما الفرق بين الحياة والموت؟ لا نسأل أنفسنا دائماً هذا السؤال، من الطبيعي ألا نرهق تفكيرنا بفهم المفارقة بين الحياة والموت. ستقفز مباشرة إلى ذهنك محاولة فهم الموت وماهيته المجهولة، وسيكون لديك تصور معين ولكن قد يؤثر به عاملين مهمين هما: عمرك، وايمانك الديني. تختلف نظرة الانسان إلى الموت مع اقترابه منه. في الطفولة غير مفهوم وفي المراهقة أمر يجوز نكرانه وعدم حتميته، ثم تدريجياً عندما يكبر الانسان يبدأ بالتلاؤم والتناسب مع الموت لأسباب نفسية، وفيزيولوجية. ويبدأ كل من الانسان والموت بالتفاهم والتراضي والاقتراب من بعضهما شيئاً فشيئاً.
منذ قيام الحضارات كان الموت هو المحرك والدافع الأول للحياة كما في ادب الفراعنة، والأساطير والملاحم لهيموروس، وصولاً إلى الديانات السماوية والكتب المقدسة.
ان الموت من اكثر المفروضات استعصاءً على مقدرة العقل البشري على استيعابها، رغم كل الأساطير والأديان والمعتقدات التي تزرع بالانسان منذ ولادته تبقى فكرة الزوال والفناء كسؤال يستعصي على الاجابة.

الموت بشكله العام: هو توقف الكائن الحي نهائياً عن النمو والاستقلاب والنشاطات الوظيفية الحيوية مثل: التنفس والأكل والشرب والتفكر والحركة إلى آخره... والأهم من ذلك أنه لا يمكن للأجساد الميتة أن تعود لمزاولة الوظائف والنشاطات آنفة الذكر. واذا ما توقفنا عند هذا التعريف العلمي للموت سنجد أن معظم الكائنات القادرة على اتمام تلك الوظائف الفيزيولوجية بنجاح ودون عوائق مادية أو نفسية. لا تريد أن تموت وستقاوم حتماً الأسباب المؤدية إليه.

للموت مسببات ثانوية مثل المرض، الحوادث، القتل، الانتحار. ومسبب رئيسي حتمي وهو الهرم أو التقدم بعمر الانسان ووصول جيناته إلى مرحلة الشيخوخة، واذا تركنا العنان لمخيلتنا واستبعدنا وجود أديان سماوية وأساطير وغيرها. وقمنا باستثناء المسبب الرئيسي دون الاقتراب من فكرة الخلود، اي أن الانسان يموت ولكن بالقتل أو الانتحار أو المرض أو الحوادث فقط. لرأينا أن الموت هو الشر المطلق والذي وجدنا لمحاربته، والحياة هي الخير المطلق الذي وجدنا للمحافظة عليه.

أما الموت وفقاً للمفهوم الديني هو خروج الروح من جسم الانسان، وانتقاله إلى مرحلة الحياة الأخرى وحده عن باقي الكائنات. هذا المفهوم المبني على الأمل والغموض يجمل الموت أحياناً، ويجعله أكثر قداسة من الحياة، وخاصة اذا لم تتوفر شروط الحياة الجيدة، أو غياب الهدف، أو عدم القدرة على تحقيقه، أو لم يعد للانسان هدف أعلى من الذي بلغه في هذه الحياة. فيبدأ هنا في التسليم والاستعداد نفسياً لتلك الحياة الآخرى.

لا يختلف التصور العام للموت بين الأديان، ولكن قد تختلف النظرة إلى هذا التصور بين مجتمع وآخر. وقد تختلف في نفس المجتمع من زمن لأخر. ويرجع ذلك إلى أحوال المجتمعات الاقتصادية والثقافية المتبدلة والمتطورة بمرور الزمن، والتجارب الكبرى التي قد تترك تاثيرها طويلاً على المجتمعات. مثل: الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها. وبالطبع لا يمكننا اغفال الفكرة الرائجة بروحانية المجتمعات الشرقية ومادية المجتمعات الغربية، التي تؤثر بشكل أو بأخر على التصور العام للموت.

معدل ضربات قلبك أربعون لا تخاف لازلت على قيد الحياة.
ومن منطلق وجوبي وواقع مفروض سأخص السوريون أينما يعيشون بالحديث عن الموت، لما بات يعني لهم اليوم، اكثر من اي وقت مضى على مر العصور.

تنبيه هام!
للموت السوري أشكال عديدة، فلا يقتصر على الموت الجسدي وحسب. فمثلاً: اهانة السوريون في دول اللجوء موت. بشار الأسد رئيس منتخب موت. تذكر السوريون أنهم عرب موت. مشهد والد الطفل اللبناني عباس وهو يحرض ابنه على ضرب طفل سوري موت. اهانة بعض الأتراك للاجئين السوريين موت. طوابير السوريين المنتظرة أمام الأمم المتحدة لتلقي المساعدات موت. الهجرة موت. مشاهدة معاناة الأطفال السوريين بكل أشكالها موت. التخاذل العالمي اتجاه قضية السوريين موت إلى آخره... كل ذلك الموت النفسي لن أتحدث عنه بل سيكون طرحي حول الموت الجسدي وما وراءه.

علاقة السوريين بالموت
ان ما يجعل علاقة السوريون بالموت أكثر فرادةً واستثناء عن شعوب أخرى تعرضت له، هو مشاهدته مباشرةً بواسطة المرئيات ووسائل التواصل الاجتماعية، وتنوع مسبباته: ذبح، رصاص، غازات سامة، متفجرات، غرق، جوع، تسمم إلى آخره...
كثرة المرئيات الواردة للموتى، ومشاهدة السوريون لوجوه ألفوها تموت يومياً، شكل لديهم حالة عبث (عبثية الموت) لتشكل ثقافة حديثة لدى السوريين عن غيرهم من باقي الشعوب. في هذه الثقافة يتطور الموت من أمر عصي على الاستيعاب والفهم إلى أمر سهل وبسيط ومعتاد.
صارت ثقافة الموت لدى السوريين مختلفة عن ما كانت عليه قبيل اندلاع الأحداث الأخيرة فهل يوجد سوري بهذه السنوات التي مضت لم يفقد قريب، أو صديق، أو جار، أو أحد المعارف؟ الموت أتى على الصغار والكبار، الشباب والنساء. لم يعد الموت كأمر حتمي نمطي يأتينا عند الوصول لسن معين. اليوم عندما يفكر السوري بالرحيل إلى الحياة الآخرى (الموت) لن يشعر بالخوف من المجهول فالمعلوم أقبح، أو من فقدان الأحبة لأنهم عملياً مفقودين. فيما تختفي الرهبة نهائياً عندما يستحضر صورته ميتاً، فهناك الكثير من الصور التي خيلت لعقول السوريون على أنهم هم أصحابها. إن الموت أصبح اليوم مجرد انتقال من مرحلة معروفة إلى مرحلة مجهولة قد تكون أفضل.

دعوني أنقل لكم هذا المشهد المؤلم من رواية التحفة للكاتب الفرنسي اميل زولا والذي يصور الرسام المفتون الذي يرى كل شيء بعين لوحاته، حينما تلقى خبر وفاة ابنه، ونادته أمه المفجوعة، ركض إلى سريره ورأى رأس الولد الواهن الميت وقد أثقلته الآلام فسلم دونها الحياة، فما كان من الأب إلا أن رآها لوحة فنية رائعة، فركض إلى ريشته وألوانه
وبدأ يظهر خطوط الألم والحزن على صفحتها البيضاء.
وعندما يصور السوريون موتاهم ويهتمون بإظهارهم على أحسن صورة لينشروها أمام الجميع. كأنما يرسمون لوحاتهم الآدبية الرائعة لتبقى خالدة في أدب الموت السوري.

"الشجاعة ليست إلا عدم الخوف من الموت والموت ليس إلا انفصال النفس عن البدن وهذا الانفصال لايخيف من يرغبون فيه"
افلوطين

التضحية في سبيل الله والوطن أو من نحب فعل سامي ولكن ينقصه الشجاعة، الشجاعة هنا تعني عدم الخوف من الموت، وعدم الخوف من الموت ارتبط بالسوريين منذ اندلاع الثورة. (الموت ولا المذلة) اي التضحية بالجسد في سبيل عدم المذلة. وليس الشجاعة وحدها تؤدي إلى عدم الخوف من الموت. بل فقدان متع ومباهج الحياة تمنحنا النتيجة نفسها. وعندما يمتلك الانسان الشجاعة ولا يمتلك المباهج، فإنه حتماً سيرحب بالموت.

الاستعداد للموت
سمة جديدة وصلت إلى الكمال في شخصيات السوريين كما مرت على الكثير من الشعوب سابقاً: معاناة الشعب اللبناني من براثن الحرب الأهلية. والشعب الفلسطيني في صراعه مع العدو الاسرائيلي. والاستعداد لهذا الأمر الغيبي لا يقتصر على من هم في داخل سوريا وحدهم. تنتقل هذه السمة الجديدة إلى من هم في الخارج وتلعب العوامل النفسية والاجتماعية دوراً هاماً في هذا النقل. فالانتماء لهذا المجتمع كأصل ثابت، وحده كافي لأي سوري بأن يفكر بالموت يومياً كحدث عادي لديه الاستعداد لمواجهته. هذا الاستعداد لازم، بل إنه صفة راقية لاتتواجد لدى الكثير، فاستعدادنا للموت أفضل علاج لتهوين المصائب. الاستعداد للموت يذكرنا بإنسانيتنا ويصوبنا نحو فعل الأمور الجيدة قبل المغادرة، يجعل الانسان يستمتع بأصغر التفاصيل اليومية المندثرة لدى غيره. استعدادنا للموت المتربص بنا لا يعني انتظاره وتوقفنا عن الحياة. لا بل العكس، هو حافز بأن نعمل أكثر وأن نضحي أكثر من أجل من نحب، قبل انعدامنا من هذا الوجود.

"لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم"
توفيق الحكيم

رغم ألم المصاب، فهناك ايمان راسخ لدى السوريين أن موتهم في عصرنا هذا هو وحده الذي سيميزهم يوماً ما عن باقي الشعوب.

ان كانت معدل ضربات قلبك مئة أو صفر ما الفرق؟ إن أتاك الموت اليوم أو غداً ما الفرق؟ في سوريا أو في العراق أو في أوروبا أو على سطح القمر ما الفرق؟ ان كنت شاباً أو كهلاً ما الفرق. الجميع سيموت. كل ذلك لا يهم ولكن لماذا سنموت ومن أجل من؟ هذا هو الأهم، بل هذا هو الموت الذي نبحث عنه نحن السوريون. وان كنا نبحث عن الحياة والسلام ولم نجدهم أيضاً لا يهم. فالسلام الأبدي لا يوجد إلا في المقابر.



#محمد_شبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفينة روح
- هدنة مع الشيطان!!
- طهور سالم
- دفاعاً عن المشاغبين


المزيد.....




- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد شبيب - الموت والموت السوري