أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد شبيب - طهور سالم















المزيد.....

طهور سالم


محمد شبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 00:07
المحور: كتابات ساخرة
    


حين انتهيت من تسجيل أوراق عامي الثاني في جامعة بيروت العربية، بدأت بالبحث عن سكن جيد وقريب من الجامعة، ونظراً لغلاء أسعار ايجار الشقق المفروشة ببيروت فمن الأفضل والأيسر لي أن أجد سرير أو غرفة صغيرة بإحدى شقق الطلاب المشتركة. أجريت بعض الاتصالات بالاصدقاء والمعارف ثم ذهبت إلى بعض السماسرة المعروفين بالمنطقة، ولكن دون جدوى. أشار علي سمسار محنك بالاتصال بشخص سوري يدعى أحمد وقال لي أن هذا الشاب هو المفتاح الأخير لأيجاد أحد الغرف.
انتظرت بالمكتب المكون من طاولة خلفها صورة كبيرة في اطار خشبي جميل للراحل رفيق الحريري، وأربعة كراسي جلدية فاخرة.
اتصلت بأحمد الذي وعدني بالوصول خلال 10 دقائق دون أن يضربها بثلاثة. مضت العشر دقائق الأولى بسرعة البرق وأنا انظر إلى فتاة شقراء تمارس رياضتها على احدى الشرف في البناء المقابل. في العشرة الثانية كانت الأجواء قد أخذت منحاً اخر اتسم بالحديث عن السياسة والتنظير من قبل السمسار الذي أصبح بين ليلة وضحاها محلل سياسي مخضرم. كانت العشرة الأخيرة هي الأفضل فبعد تحليلات السمسار السياسية المملة والمكررة غلبني نعاس شديد، فوضعت وجهي بين يدي وغفوت 10 دقائق إلى ان استيقظت على صوت دخول أحمد. ارتشفت القطرات الأخيرة المتبقية من فنجان قهوتي البلاستيكي البارد الذي اشتريته من الدكان المجاورة، وذهبت بصحبة أحمد ليريني على غرفة قريبة من المنطقة. صعدنا إلى شقة في الطابق السابع مطلة على مدينة "كميل شمعون" الرياضية يسكنها طالب ليبي وبحاجة لرفيق سكن كما علمت من أحمد.
دخلنا إلى الشقة المؤلفة من غرفتين وصالة كبيرة، ممدودة بالفرش العربي القديم. اطلعني أحمد على غرفة لم تكن جاهزة للسكن، فيها بعض الكراكيب المغبرة الذي أكل وشرب الدهر عليها مرتين.
وقال لي أن هذه هي الغرفة وغداً ناطور البناء سوف يقوم بتجهزيها وعلي أن أدفع 15دولار كاكرامية له مقابل ذلك. قلت لأحمد انني لا أستطيع الانتظار ليوم آخر، وليس لدي مكان لأبات فيه اليوم. فقال لي لا مشكلة وانه سيأخذني إلى شقة أخرى لأتدبر ليلتي فيها بشرط أن أدفع 17دولار أي 25ألف ليرة لبناني مقابل ذلك.
حسمت أمري وذهبت مع أحمد في طريقنا إلى الشقة الأخرى. كانت الأجواء في منطقة طريق جديدة المحسوبة سياسياً على تيار المستقبل تبعث على الراحة خاصة بعد اندلاع الثورة السورية فالسوري هنا لا يتعرض لأي مضايقات تذكر مقارنةً بمناطق اخرى. مررت أنا وأحمد بجانب بناء عالي وفخم يطل على الجامعة وعلى شرفة احدى شققه لافتة قماشية متوسطة الحجم عليها عبارة شقق للإيجار ورقم هاتف، فسألته عنها فقال: "هي البناية ما بيأجروا فيها سوريين ممنوع". لم اسأله عن السبب بل اكتفيت بالنظر إلى مدخل البناء الفخم بصمت ونقم شديدين. وصلنا إلى الشقة المؤقتة بعد أن دخلنا بعدة أزقة ضيقة أو "زواريب" كما يسميها اللبنانيون. ولكن ما كان يميز هذه "الزواريب" هو كثرة الصور المعلقة لشبان معظمهم توفي جراء حوادث سير أو حالات وفاة طبيعية. ومن المعروف في لبنان أنهم ينشرون صور موتاهم من الشباب في الأحياء والأزقة الشعبية لكي لا يتم نسيانهم.
دخلت أنا وأحمد إلى بناء الشقة القديم والذي عليه أثار رصاص وفجوات قذائف قديمة تعود للحرب الأهلية، ولكنها لم ترمم الى الآن. عند دخولك البناء للمرة الأولى فمن الطبيعي أن تشعر أنك في سجن قديم أو في مكان ما يسيطر عليه الخوف والقلق، فأبواب البيوت الحديدية لن تدعك تمر دون أن تلفت انتباهك فكل باب منزل خشبي قديماً كان أو جديد عليه باب اخر حديدي سميك ومخيف يستعمل كحماية اضافية للمنزل. عندما تصل إلى الطابق الثالث ستعرف فوراً أن الشقة الأخيرة التي لا يوجد لها باب حديدي ولا جرس هي شقة طلاب. حين تدخل إلى هذه الشقة ستزعجك رائحة التبغ المحروق والرطوبة العالية، ناهيك عن الروائح المزعجة المنبعثة من صف الأحذية الكبير والعشوائي الموجود في صالة الشقة. أطلعني أحمد على غرفة من بين أربع غرف موجودة بالشقة ونصحني بعدم الاقتراب من غرفة منعزلة بأخر الممر لكي لا أتعرض للمتاعب على حد قوله، وذهب. دخلت إلى غرفتي المؤقتة ووضعت بعض الكتب والأوراق التي كانت بحوزتي على الطاولة، وفتحت نافذة الغرفة الصغيرة لأجعلها تتنفس قليلاً قبل أن يأتي شاب ويلقي علي التحية دون ان يستفسر عن سبب دخولي للغرفة ولكنه سألني ان كنت جائعاً ام لا. هذا الشاب الظريف اسمه حسين وهو من دير الزور، يدرس بكلية الحقوق، ويعمل في ورشة بناء.
بعد أن تناولنا اللحم بعجين أنا وحسين، بدأ يشرح لي عن الشقة وعن قاطنيها. قاطعته وقلت له انني هنا ليوم واحد فقط وما من داعي للشرح، ولكن دافع الفضول الموجود لدي دائماً أجبرني على سؤاله عن تلك الغرفة المنعزلة باخر الممر. ضحك حسين قليلاً وقال لي: لايوجد شيئ بتلك الغرفة، مساءً سنتحدث ونسهر في نفس الغرفة. ثم راح يبدل ملابسه ليخرج الى عمله المسائي. أغلقت النافذة الخشبية المشفرة لأستمتع بجو هادئ بعيداً عن صخب الخارج وأصوات الزمامير والدرجات النارية المتواجدة بكثرة في هذه المنطقة. ارتكيت على سريري أتفحص الأوراق التي أنجزتها صباحاً لأشعر أنني غفوت لخمس دقائق فيما كانت ساعتي تشير لأكثر من ذلك. فتحت باب غرفتي واتجهت إلى الحمام الذي كان قريباً من تلك الغرفة المنعزلة، وعند خروجي كان باب الغرفة مفتوحاً فحاولت أن أسرق بعض النظرات لعلي أرى من فيها، ولماذا نصحني أحمد بعدم الأقتراب منها بل لماذا ضحك حسين حين سمع ذلك. حين نظرت إلى داخل الغرفة تفاجأت بشاب طويل ذو لحية كثيفة ووجه نحيل يحدق بي بعيناه الجاحظتان الكبيرتان دون أن ترف جفونه وبصمت يدعو للريبة. عدت إلى غرفتي واستلقيت على سريري أدخن السجائر وانتظر حسين بفارغ الصبر ليشرح لي عن الأمر. بعد الكثير من الملل والحيرة وعند انتهائي من حرق السيجارة الرابعة، عاد حسين ليدق باب الغرفة مرتين قبل أن يدخل، ليلقي السلام ويبدل ملابسه ويجلس على سريره متفحصاً بعض الكتب. في هذه الأثناء كان في داخلي ما يدفعني لسؤاله عن تلك الغرفة رغم خجلي الشديد منه على ما فعله لأجلي بهذه الفترة القصيرة، وكأن حسين أحس بأمري فسألني بعض الأسئلة مثل: هل خرجت من الغرفة؟ أكلت ام لا؟ ماذا فعلت؟. لم أجيبه على أسئلته بل قلت له: ألا تريد أن تسهر؟ فضحك قليلاً ثم قال: بالتأكيد ولكن ان كنت تنوي الذهاب إلى تلك الغرفة فعليك أن.. قبل أن يكمل كلامه دوى صوت أنفجار قوي قريب من الخارج، ارتعدت قليلاً وسألته ماهذا؟ علماً أنني شبه متأكد من أنه صوت ألعاب نارية، وفي لبنان دائماً ما يطلقون تلك الألعاب في الأفراح والمناسبات كفوز فريق ريال مدريد على غريمه التقليدي برشلونة، أو احتفالاً بطهور سالم ذو ال 14عاماً ابن أبو سالم بقال الحي، ففي مثل هذه المناسبات التي شارفت على الانقراض تقوم عائلة الطفل البالغ بالاحتفال بطهور ولدها لسببين الاول: احتفالاً ببلوغ الولد أمام الأعيان، والثاني: لكي يخففوا على الولد أوجاعه بقليل من الفرح والبهجة. احسست بالراحة الحقيقية بعد أن أكد لي حسين أنها العاب نارية ليس إلا، فقلت له: ماهذه الغرفة؟ أرجوك أخبرني عنها فأنا باقي ليوم واحد فقط في هذه الشقة. فقال: لا عليك هيا بنا لنذهب إليها الآن، ولكن أرجو أن يكون حظك جيد على الأقل اليوم.. فهذه الغرفة يسكنها شاب سوري خارج من سجون النظام في سورية حديثاً، ولديه حالة عصبية مضطربة، قد تجلس معه لساعات طوال يخبرك عن الفن والآدب والعلوم دون أن تشعر بالوقت أو الملل، وقد لا تستطيع النظر إليه أو حتى القاء السلام عليه. قاطعته قائلاً: أريد أن أتعرف بنفسي على شخصية هذا الشاب السوري.
فبعد أن تلاشت فكرة الغموض حول تلك الغرفة تحمست أكثر للذهاب إليها ولقاء هذا الشاب وسماع قصته.
دخلنا إلى الغرفة فاستقبلنا هذا الشاب بحفاوة ملفتة، ورفض الجلوس قبل أن يحضر لنا شيئاً لنشربه، ثم خرج إلى المطبخ. وهنا بدأت أتأمل الغرفة التي كانت ممدودة بفرش جديد مع وجود بعض الأنتيكة الجميلة كمذياع قديم وسجادة صوفية عربية معلقة على الحائط. عاد الشاب وبيده ابريق شاي وثلاث فناجين رخامية كبيرة، وعندما انتهى من ملئ الفنجان الأول دوى صوت انفجار آخر قوي لألعاب نارية قريبة من الخارج قد تكون لحفل طهور سالم. لم نتفاجئ أنا وحسين كثيراً بصوت هذا الانفجار بل صدمنا بانعكاس حالة الشاب الفورية فيده بدأت ترتجف كثيراً وهو يصب الفنجان الثاني من الشاي حتى سقط الابريق منه، وتخشبت يداه وتفتحت عيناه وثبت في مكانه لثوان معدودة، ثم انتصب على قدميه فجأة وراح يرمي الفناجين من النافذة وعلى الأرض وحطم مذياع غرفته الصغير وضرب رأسه بالحائط مرتين وصرخ صراخاً شديداً حتى تمدد على ارض الغرفة المليئة بالزجاج المكسور وراح يبكي...
في هذه الأثناء لم أكن أفكر سوى بطهور سالم ويا ليتني سالم ابن أبو سالم البقال.



#محمد_شبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعاً عن المشاغبين


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد شبيب - طهور سالم