أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الواحد مفتاح - البهاء وأدواته ..قراءة في أعمل التشكيلي مبارك عمان














المزيد.....

البهاء وأدواته ..قراءة في أعمل التشكيلي مبارك عمان


عبد الواحد مفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 15:05
المحور: الادب والفن
    


وأنا أحاول رفع لغتي، للنظر إلى لوحة مبارك عمان، يستوقفني بهاء خاص، بهاء فنان يشتغل على لوحته بأدوات القلب وضوئه... الضوء هنا. يحضر كتجريب للمجرد إلى أقصاه، تجريد للمحسوس إلى معناه، فاللوحة تمارس سحرها وجاذبيتها علنا، بعيدا عن أي كرنفالية متبرجة بمساحيق لونية، وهذا كل شيء، تحيل إلى انبنائها كمهماز للبوح، هو بؤرة للتجاذب والاشتعال خاصة، إنها لا ترضى أي حالة سكونية، بشكل يتعذر عدم الانتباه إليه، كنص جمالي لا تكاد تنفصل ألوانه عن التراكم الحضاري والثقافي الذي خطه الإنسان كمرآة تعكس بشفافية صادقة فتنة السفر الذي يعتملها وجوده.
اللوحة بهذا السند، هي لحظة مواجهة مع الحياة بخلخلة مبصر لكل مقوماتها التاريخانية ككينونة، لستَ بحاجة لتستعيد تلك الرؤية الماورائية للنظر إليها، وهي لوحة على ما فيها لها تشابك وطيد مطبوع بتجريدية صداحة بتلك الحمولات الاستعادية التي نجدها في ارتحالات الرحم اللغوي للإشارات عند أصدقائنا الصوفيين، وهي تتنامى كرؤيا تحاور بأنفاس خلاقة التعبير عن الجذر والانتماء.
يشتغل مبارك عمان بحس فني مُسائل ومتسائل زاخر بذخائر بصرية لا تركن لاستقرار متكاسل، بقدر ما هي نتاج لبحث وأصالة هذا البحث، فإذا أسلمت عينيك إلى فضاءات اللوحة: تجد مساحات لونية وتراكيب رسمها الفنان بعناية وافرة لا نملك إزاءها غير أن ندوب في الزمن والفضاء متخففين من عوالق الطمأنينة البلهاء والمقارنات البسيطة التي نرى إليها في أي عمل لا نجد فيه غير الغواية.
فإذا كان الفن في مبادئه الأساس هو ملك لكل الثقافات، وأنه فقط متعصبوها لا يستطيعون النظر إلى ذلك. فماذا عن ما قبل الثقافات؟
أسئلة غفيرة تتكاثر في النظر للوحة، لا تجد مهمتها الأساس وسط كل هذا غير ذلك الوصل الباذخ مع الحياة والقيام بحس جمالي أنيق وبتعبيرية عفوية تسيل ألوانا تتماوج في رمزية أبلغ من كلمة.
إن الخيط الناظم لهذه الأعمال، والذي يظهر كطقس تصويري / أفق رمزي يلاحقه مبارك عمان، بعد انتقاله من عتبة استمطار الذاكرة الطفولية لشخصه كفنان إلى الذاكرة الجمعية للبشرية ككل، هو ذلك السفر التأملي عميقا في ملامح تلك الدهشة الخصبة التي صادها الإنسان، وهو يعبر عن محيطه ونفسه على جدران الكهوف قديما، اللوحة بهذا ليست محاكاة وثائقية تكشف عن مضاعفاتها الجمالية، مع أول التفاتة إليها بأسلوب مسحي / تحليلي وهي تتزيا بحضورها التفاعلي الحر، بقدر ما هي سند يمتطيه الفنان في حوار مع السؤال الحضاري للثقافات، بجدية عارية من كل طلاء وهي جدية تستمد نسغها من الالتصاق وطيدا بالحساسية الكونية كسمة لمرحلة ما بعد الحداثة، يقول في أحد تصريحاته: «أنا أشتغل على الإنسان والذاكرة وقبل أن يكون هناك وجود لليهودي، المسيحي أو المسلم، كان هناك إنسان ما قبل التاريخ الذي منه ننحدر جميعا، لذلك اخترت الاشتغال على الأبعاد المختلفة لهذا الإنسان الذي تحمل آثاره كل الأجوبة».
بديناميكية مسكونة بهاجس الشكل والحركة، يرسم عمان أسئلة ما قبل التاريخ ومعالمها، بدرجة عالية من التملك والإيجاد، في لقاء حار بالألوان يحيل على بنائيتها المخصوصة الأكثر التصاقا بالجوهر.. صحيح أن الإبداع سيد حالاته.. وحالته داخل هذه التجربة التي تعلي من قلقها الهادر اتجاه السؤال والجمال هو تدمير مساحة الحذر وهي تتسلق الفعل الأهم داخل أي عملية إبداعية، وهو «تغيير الرؤية» الذي تنشده، وهو فعل يقتضي التسلح بترسانة من الجرأة إلى جانب المعارف والخبرات.
ما التاريخ؟ هذه الآلة التي تطعم جديدها قديمها.
ما الفن؟ انتصار الإنسان عن كهوفه ومهاويه.
فضاء مفكر فيه برصانة ومهيأ بصرامة خارج أي علبة مدرسية، هو المربع الأيقوني الذي يشتغل عليه مبارك عمان، حامله الأول تساؤلية غير اختزالية، جوهرها تلك الطاقة الخلاقة التي لا يشوبها أي بناء مفاهيمي قبلي آتية من المستقبل وإليه تبتغي.. لوحة تخترق المألوف والمنطبع، لتقدم الإنسان في صورة عارية مكشوفة في احتفاء معرفي غير مغلق بأي حقيقة، هي وجه أكيد لميتولوجيا معاصرة.
إني قد لا أستطيع تفصيلا أدواتيا لمسطح اللوحة، بشكل غير ترجمة جسدي أمامها: جسدي الذي يجد أن اللمعان لحظته، وهو يقف أمام لوحة يؤطرها التناغم والصفاء، تأخذه لعالم الإيحاء الذي تتمخض عنه صور شتى - هذا ما أقوله بحس طفولي – وما لا نكاد ندركه إلا أمام لوحة تثير إحساسا بالحركة على المستوى البصري، كنقطة التقاء بين الصرامة الدقيقة في الحفر في جسد اللون، وبين مفاهيمية واعية لمُبتغاها الفني، بإرسالياتها الإستيتيقية وبأداء تجريدي شجاع، مما يرفع من سلطة اللون إزاء العين والذهن، وهي سلطة تنبثق من بديهيات تقنية وعلمية، وضعها الفنان بحرفية متقنة وبطريقة أكثر شعورية.
إننا هنا نقف أمام تجربة تشكيلية، لها ما يميزها، ويهبها استمرارية مؤثرة في الخط الثقافي العام، تذكرنا أن الصرامة الاشتغالية والتجريبية، هي أساس كل فعل تشكيلي خلاق وممكن، وأننا لا نستطيع النفاذ إلى جوهر الأشياء إلا بعد توتر وتفاعل شديدين، وأن التجريب استمرارية حالة، لا جمود نسقي نركن له وندعيه.



#عبد_الواحد_مفتاح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعب
- في ذكرى محمد أركون
- خطبة جنرتل خاسر
- التشكيلي عمان مبارك يعرض -الاصل المؤجل- برواق محمد الفاسي
- عبد الله القصيمي الطائر النادر
- اليسارالمغربي وامتحان 20 فبراير
- الكأس
- أسئلة الثقافة وتدبيرها الرمزي والتنموي في المجتمع المغربي
- مريم
- قصيدة التواضح : قراءة في تجربة الشاعر عبد الرحيم الصايل
- محمد بنميلود فانوس الدّهشة الشعرية
- المعنى ولمعانه في لوحة عبد الله الهيطوط
- المعى ولمعانه في لوحة عبد الله الهيطوط
- حول تجربة الشاعر المغربي رشيد الخديري
- حول تجربة الشاعر عبد الله زريقة
- حوار مع القاص عبد الإله الخديري
- قصيدة المعنى في ديوان قحطان جاسم - تجليات العزلة
- حوار مع الشاعر المغربي رشيد الخديري
- لم يحالفني الحب
- قراءة في تجربة الشاعر محمد بنميلود


المزيد.....




- موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. استعلم عن نتيجتك
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- “متوفر هنا” الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ا ...
- “سريعة” بوابة التعليم الفني نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدو ...
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- جداريات موسم أصيلة.. تقليد فني متواصل منذ 1978
- من عمّان إلى القدس.. كيف تصنع -جدي كنعان- وعيا مقدسيا لدى ال ...
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس nategafany.emis ...
- “رابط مباشر” نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم ال ...
- امتحان الرياضيات.. تباين الآراء في الفروع العلمي والأدبي وال ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الواحد مفتاح - البهاء وأدواته ..قراءة في أعمل التشكيلي مبارك عمان