أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسعد محمد تقي - العملية السياسية وديمقراطية العصا والجزرة















المزيد.....



العملية السياسية وديمقراطية العصا والجزرة


أسعد محمد تقي

الحوار المتمدن-العدد: 4566 - 2014 / 9 / 6 - 10:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان قرار الدكتور معصوم بتكليف السيد حيدر العبادي بتشكيل الوزارة العراقية الدستورية الثالثة مصدر فرح كبير للكثير من السياسيين في الدول المجاورة .. السعودية وتركيا الأردوغانية والأردن .. وفي الداخل يرقص فرحا ارهابيو الدولة الأسلامية فقد حققوا بمغامرتهم ما كان الكثيرون يرجونه .. وفي العملية السياسية يمكن أن نلاحظ علامات الأبتهاج على وجوه الكثيرين , الأخوين النجيفيين وبعض أطراف التحالف الوطني من الفضيلة والتيار والمجلس وقد يتفوّق الدكتور علاوي على الجميع بابتهاجه خاصة وهو لم ينسَ مقلب المجلس الوطني للسياسات الستراتيجية الذي كشف عن استعجال واضح للوصول الى المنصب دون ملاحظة عدم دستوريته التي جعلته يفقد كل شيء .. أما السيد مسعود البارزاني فقد امتلأ نشوة وأتخيله وهو يوجه لمنافسيه نظرة المنتشي بالنصر وكانه يقول لهم "ألم أقل إنني لا أريده" . ولكن الأهم هو الفرح الذي يطغى على الأدارة الأمريكية وممثليها .. أوباما , كيري وماكغورك . فهؤلاء خططوا ونفذوا ما خططوا له تماما .
دخلت داعش ولا ندري من أين جاءت .. قوات نبعت من تحت الأرض وتمددت بسرعة وقد سلمها (ابطال) الجيش كل أسلحتهم ومعداتهم وحتى جنودهم لأن أولئك الأبطال شعروا "بالتهميش والأقصاء" هذا الداء الذي أصاب كل الناس في عهد المالكي إذ إنه كان يقصي ويهمّش ويهمّش ويقصي ولا عمل له غير هذا , حتى إن أثيل النجيفي شعر بالتهميش والأقصاء فقرر تسليم الموصل الى داعش انتقاما من المالكي أما أخوه أسامة الذي يحمل واحدا من أسماء الأسد فقد عانى كثيرا من التهميش اذ اقتصر عمله على رئاسة مجلس النواب أمّا القادة العسكريون الذين سلموا السلاح والجنود والأرض لداعش فإنهم عانوا كثيرا من التهميش والأقصاء بعد ان كانوا أعضاء فرقة حزبية في حزب البعث ويحملون رتبا متواضعة صاروا قادة فرق عسكرية وحملوا رتبا لامعة من قبيل فريق وفريق أوّل .
ظهرت داعش فجأة وكأنها كمأة خرجت من الأرض مرة واحدة بالآلاف المؤلفة وكان ظهورها بهذا الشكل المريب متزامنا مع ظهور نتائج الأنتخابات وسير الأجراءات المتعلقة بتشكيل الحكومة وبات واضحا أن مشاكل تلوح في الأفق مصدرها أن هناك من حصل على الأغلبية من قِبَل الناخبين دون أن يحصل على الرضا الأمريكي وربما البريطاني والغربي عموما فتقرر أن يُنشَرَ فهمٌ جديدٌ للديمقراطية يستند إلى استبدال رأي الناخبين برأي (النخب) وهذه (النخب) , باستثناء القليل منهم , مجموعة من اللصوص أوغلوا بالمال العام وبات كل منهم متخما , الى حدٍّ مثير , بالثروة والسلطة بعد أن كان قبل سنين قليلة لا يجرؤ أن يفكر بما حصل عليه حتى في أكثر الأحلام مرحا , فانطلق الجميع يعلن بلا حياء إنه لا يريد المالكي واضعا نفسه بديلا عن صناديق الأنتخاب وما تمثله هذه الصناديق بالرغم من أن تضحيات العراقيين لا حدود لها على طريق الحصول على فرصة للعيش وفق اسس الديمقراطية ؟
. وتجمعت بشكل غريب تهديدات داعش وهذا التعاطف المخفي معها من قبل جزء كبير جدا من المشاركين بالعملية السياسية حتى بات من الصعب تصور هزيمة هذا الفصيل المتشدد الأرهابي والفاشي والذي اكتسب صفته الأرهابية من طابعه الوهابي , وصفته الفاشية من طابعه البعثي المتأتي من مشاركة حشد هائل من البعثيين وقيادات التشكيلات الصدامية السابقة .
تجمعت تهديدات داعش وانتظمت الى جانب التقاعس الأمريكي ورفضه تسليم الطائرات والأسلحة المتفق عليها , والمدفوعة الثمن , الى الحكومة العراقية قبل هجوم داعش وبعد الهجوم صارت الأدارة الأمريكية تعلن عن إنها تدرس قوة داعش وأماكن تجمعاتها وطال كثيرا أمد ووقت هذه الدراسة فيما داعش تتقدم وتتوسع في أراضٍ هي في حقيقتها الأراضي الواقعة ضمن الأقليم السني الذي حدده مشروع جو بايدن سيء الصيت حتى بات الجميع يدرك أن الوقت قد حان لتنفيذ هذا المشروع ولكن داعش , كأي تشكيل إرهابي مهمته القتل والسلب والنهب والتهجير, بات يعاني من صعوبة التوقف عند حد معين . فاقترب من حدود كردستان عندها صار على الأدارة الأمريكية أن تسرع في التواجد بالقرب من مكان الصراع لئلا يفلت الزمام تماما فلا يعود من الممكن السيطرة عليه فكان الطيران الموجه الأستطلاعي والطيران المقاتل الضارب لدرء الخطر المتمثل بتمدد الأقليم السني (وفق مشروع بايدن) على الأقليم الكردي (وفق ذلك المشروع ايضا) .. هذا في الجانب التنظيمي .. إلا إن الأدارة الأمريكية وجدت ان توقيت الضربات الجوية الأمريكية لداعش مع اقتراب نهاية المهلة الدستورية لتكليف تشكيل الحكومة يبعث على الأرتياح إذ إن مثل هذه الضربات تجعل الأقليم يفهم جيدا أهمية التحالف الوثيق مع العم سام , وأيضا يمكن لهذا التواجد الأمريكي أن يؤدي مهمات عديدة في حالة عدم استجابة العراقيين , وخاصة حكومتهم , لتوجهات ومتطلبات الأدارة الأمريكية , خاصة مطلبها بتشكيل حكومة تضم الطيف العراقي كله دون استثناء أو "تهميش أو إقصاء" هاتين السمتين اللتين مارسهما المالكي وجعل العراق يفقد النشاط الخلاق للكثير من الشخصيات الفذّة في العملية السياسية مثل السيد اياد علاوي وطارق الهاشمي والمطلك الذي فقد وقتا طويلا مهمشا ومُقْصى في موقع نائب رئيس الوزراء ... لقد اكتشف الناس خصلة غريبة عند المالكي وهي تهميش العبقريّات وإقصاءها الى مناصب غير مهمة مثل رئاسة البرلمان ونيابة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووكالة الوزير الفلاني بالأضافة الى المجالس البلدية والمحافظين وباقي الدرجات الأدارية التي أمسك بها المئات من الموظفين الذين يجأرون بالشكوى من التهميش والأقصاء .
أصبح مجمع الضغط الأمريكي جاهزا تماما لدفع الأمور بالأتجاه المطلوب .. الرئيس الأمريكي يصرح بأن القوات الجوية الأمريكية لن توجه الضربات لداعش ما لم يتفق العراقيون على حكومة ذات قاعدة واسعة وهو ما يعني إن على المالكي أن يأخذ بالحسبان هذا الأمر بجدية .. وبما إنه متهم من قِبَل الأمريكان بأنه اقصى وهمّش الآخرين فإن أمر الولاية الثالثة أصبح مشكوكا به في البدء ومن ثم أصبح غير مسموح به عندما أصبح وجود سلاح الجو الأمريكي يعني الكثير بالتلازم مع رواج اشاعات تقول ان قوات من النخبة العراقية قد انتشرت في بغداد واغلقت مداخلها بالأضافة الى مداخل المنطقة الخضراء فما كان من الأمريكان الا ان نشروا أخبارا مفادها ان الخلايا النائمة لداعش المنتشرة في بغداد من الممكن أن تتحرك خاصة وهي تُعَدّ بالآلاف (هكذا) وأكبر الظن إنهم صادقون ولكنها ليست بالضرورة داعش فقط وإنما قوات قد تكون من أية جهة ولكن الأكيد إنها تأتمر بالأوامر الأمريكية فالأمريكيون متواجدون في العراق منذ امد طويل وبشكل معلن ومباشر منذ اثني عشر عاما والى جانبهم عشرات الآلاف من عناصر شركات الأمن والحماية الخاصة بالأضافة الى ستة عشر ألفا من موظفي السفارة وهؤلاء ليسوا كلهم من الدبلوماسيين بالتأكيد وأضيفَ لهذا الحشد ثلاثمائة من المستشارين العسكريين وهناك حشد لا حدود لأعداده من المتعاونين السريين مع الوكالات الأستخبارية الأمريكية والذين جرى تجنيدهم عبر سنوات الأحتلال وقبلها ايضا . وهناك عشرة آلاف جندي على أهبة الأستعداد في الكويت وقاعدتهم تحتل حوالي ثلث مساحة الكويت .. وقاعدة انجرلك في تركيا وسبعة قواعد في المملكة السعودية أهمها قاعدة الملك عبد العزيز في الظهران.. كل هذا يجعل من يعتقد أن الأمريكان غادروا العراق حقا معرضا لاتهامه بالسذاجة.
- نحن الأمريكان لن نستطيع أن نقدم الدعم للعراق ما لم يجر تشكيل حكومة شاملة لا "تقصي ولا تهمّش" أحدا .
- نحن الأمريكان لا نستطيع ان نقاتل داعش بدون أن نرى العراقيين متفقين تماما على مقاتلتها (دون الأخذ بنظر الأعتبار ان هناك في العملية السياسية من هو داعشي حتى النخاع وبوده لو يرى داعش وقد اعلنت الخلافة اياها في المنطقة الخضراء) إذ إن فيهم من أغمض عينيه عن الفروق بين أبي حنيفة النعمان واعتداله الثوري حيث يتوجه سنة العراق وبين محمد بن عبد الوهاب حيث يتقلب على فاشيته الدينية وارهابه العقائدي , العائلة السعودية وأتباعها وخدمها , فصار يتمنى التخلص من شركائه الشيعة حتى ولو على ايدي الأرهاب الوهابي .
- نحن الأمريكان قمنا بترحيل النواب التابعين للكتل الكردية الى اربيل تحت حمايتنا بعد ان جرى تطويق فندق الرشيد حيث يتواجد السيد رئيس الجمهورية لأن هناك شائعات تسري في الشارع تتحدث عن تحرك آلاف الخلايا النائمة (وطبعا هذا يمثل تهديدا كافيا لمن لا يجد في نفسه الرغبة في الألتزام بما تريده الولايات المتحدة) .
الرئيس الأمريكي أوباما ووزير خارجيته كيري والمختص بالشأن العراقي ماكغورك كلهم أثنوا على الرئيس معصوم لأنه لم يختر المالكي ولأنه حامي الدستور ووحدة البلاد ( وفي هذا تطمين لكل معارضي المالكي أنْ أبشروا فقد جاءكم المدد الأمريكي من حيث لاتشعرون أو تأملون) .
الرئيس الأمريكي ورجاله حثوا المالكي على عدم القيام بقلاقل تؤدي الى ما لا تحمد عقباه هكذا قال جون كيري وزير الخارجية مرددا ما يشير اليه بشكل مبطن رئيسه . (وعندما يقوم وزير خارجية الدولة العظمى بحث رئيس حكومة الدولة المنتهكة بالأحتلال على الهدوء فإنه يعني أن قوانا المتواجدة على الأرض وبالقرب منكم جاهزة لتلقينكم درسا قاسيا ومكلّفا لا قِبَلَ لكم به وبمواجهته وسيكون معنا وإلى جانبنا الكثير من الضباع المحليين المستعدين لتمزيق لحومكم تحت يافطة الديمقراطية التي سنعلن انكم انتهكتموها وربما تحت يافطة الدين الذي سيعلن بعض المشايخ إنكم مرقتم منه) .
لماذا كل هذا الحشد والتآمر واللف والدوران والتهديد , المبطن منه والصريح؟ هل كل هذا لأزاحة المالكي؟ ولكن الأمر بهذا الشكل يثير الكثير من التساؤلات .. لأن أمريكا صرفت الأموال الطائلة وقدمت دماء الآلاف من جنودها تحت شعار بناء الديمقراطية في العراق وقد اوصلت هذا الشعار الى كل أمريكي ولكنها كانت تضيف اليه ما يشير الى ارباح الطاقة الهائلة امام رأسمالييها الشديدي الجشع فيتحمس الجميع لهذا البناء الديمقراطي في بلاد الرافدين ويجد المرء نفسه مضطرا لتوجيه سؤال بسيط عن مآل الديمقراطية لو كان البديل عما تقوله صناديق الأقتراع كل هذا الحشد والتهديد بالدواعش والطيران وترك العراق الى مصير مجهول بعد أن جرى تحطيم قواته المسلحة وتدمير مؤسساته وتركها للنهب حتى بات العراق فاقدا للحول والقوة تماما وبحاجة في الصغيرة والكبيرة للمحتل الأمريكي .
ولكن ألا يتساءل المواطن الأمريكي عن السبب في كل هذا العداء للمالكي ؟ ولو وجه أحدهم مثل هذا السؤال الى الرئيس الأمريكي بماذا سيجيب ؟
هل سيقول له إن المالكي جلس على عرش الوزارة لدورتين وهذا يكفي حتى لو لم يقل الدستور ذلك؟ طيب وما قيمة الأنتخابات أذن؟
ولكن ماذا سيقول الشعب الأمريكي لو عرف بأن كل هذا التشدد ضد المالكي كان للأسباب التالية لا غير؟
الأول .. إنه رفض منح الجنود الأمريكان الحصانة فيما لو أرادت الولايات المتحدة الأبقاء على جزءٍ من القوات الأمريكية في العراق بعد انسحاب الجزء الأساسي منه .
الثاني .. إنه رفض بقاء أي جندي أمريكي في العراق بعد موعد الأنسحاب وهو اليوم الأخير من العام 2011 .(وكان واضحا ذلك الصلف وتلك اللاأبالية الأمريكيّيْن النابعين من الرغبة في ترك العراق بدون جيش وبدون مؤسسات دولة والأبقاء عليه هكذا نهبا للفوضى التي يعتقدون انها ستلجئه يوما لطلب المساعدة منهم) .
الثالث .. كان المالكي ينتظر من الأمريكان تزويده بالسلاح لمواجهة خطر الأرهاب ولكن الأمريكان تباطأوا في تنفيذ ما اتُّفِقَ عليه في الوقت الذي بدأ يتصاعد خطر الأرهاب الداعشي وفي هذه الحال وجد إن من مصلحة العراق أن يحوّل وجهته الى روسيا المستعدة دائما للعمل مع العراق واستئناف العلاقات القديمة التي بدأت بعد الرابع عشر من تموز عام 1958 وكانت حصيلتها الكثير من الأنجازات بالرغم من ان روسيا اليوم هي غير الأتحاد السوفييتي بالأمس .. وكان التوجّه الى روسيا خطّا أحمرَ جرى تجاوزه وهو من النوع الذي لا يمكن غفرانه .
الرابع .. هو ان هذا الرجل ادرك مبكرا الخطر الذي ينطوي عليه الصراع في سوريا على العراق وأدرك ايضا إن الخطر يأتي من المعارضة السورية التي تحصل على التمويل من السعودية وقطر وهما صندوقا المال اللذان تنفق منهما الولايات المتحدة على كل مغامراتها العسكرية والسياسية هنا وهناك . وقد كان ادراكه لهذا الخطر في محله وقد أثبتت الأيام ما كان يخشى منه فها هي داعش تتمدد في اراضٍ عراقية وتتصرف بحرية كافية طالما هي تحصل على الدعم من الأمريكان وحلفائهم .. وقد يكون تواجدها بهذا الشكل الغريب نوعا من العقاب على ذلك الموقف الذي حرم الأمريكان من التمتع بانتصار لامع في موضوع الطاقة والحرب الصامتة على روسيا التي تزود اوربا بالغاز وتمنع تفتّت سوريا وتحوّلها الى ممر للغاز القطري والسعودي وربما الغاز الأنباري .
كان مطلوبا من المالكي ان يتحول الى سد يمنع المساعدات من ايران الى سوريا ويمنع الطيران من المرور من ايران الى سوريا عبر الأجواء العراقية , ولكن كما يبدو أن المالكي رفض الأمر بشكل من الأشكال ورفض ايضا أن يقف بوجه من يريد التطوع للقتال في سوريا ضد المتشددين هناك فكان هذا خطا أحمرَ آخرَ غير قابل للغفران أيضا .
كل هذا (التجاوز) من المالكي جعل أمر معاقبته واجبا أمريكيا من الطراز الأول فكان احتلال الموصل والتمدد الى المحافظات الأخرى والبدء بتهديد بغداد وربما ابعد من ذلك .
لم تتخذ أمريكا موقف العداء من المالكي لأنه أهمل كثيرا في موضوع التصدي لواحد من أخطر أمراض مرحلة الأحتلال ألا وهو الفساد الأداري الذي استشرى إلى حدٍّ أفسد معه كل تفاصيل حياة العراقيين .
وهي لم تعمل على إزاحته لأنه أستخدم الكثير من عناصر البعث ضمن تشكيلته الأدارية فصاروا يقومون بعملهم الوظيفي بنفس أسلوب البعث السابق وربما عملوا انطلاقا من مبدأ استفد وخرّب وليذهب الجميع الى الجحيم .
وكذلك أمريكا لم تعادِ المالكي لأنه أهمل المشاريع العديدة التي تمتلكها الدولة ولا لأنه أهمل الأقتصاد الأنتاجي برمّته وصار يردد في مناسبات عديدة إنه يريد اقامة اقتصاد السوق ومثل هذا الأقتصاد بحاجة الى تفكير وسلوك جديدين .
وهي بالتأكيد لم ترفض توليه رئاسة الوزراء للمرة الثالثة لأنه وقف متباهيا بأنهم , حزب الدعوة , واجهوا المد الأحمر بعد ثورة 14 تموز الوطنية , إذ إن موقفا كهذا يجعلها تعتز به أيّما اعتزاز .
بل هي حاربته ورفضت بقاءه للأسباب الأربعة التي ذكرتها سابقا , واستندت في رفضها له على أطراف تحالف واسع كان في مركزه نفس أطراف التحالف الذي تشكل ضد عبد الكريم قاسم ... رجعيو الموصل واقطاعيو كردستان ومراجع دينية سنية وشيعية وبعثيون وبقايا النظام الملكي وممثلوه من رؤساء العشائر الأقطاعيين ... والجميع كان يستلم تعليماته من السفارة الأمريكية (بالرغم من إنها لم تكن تضم ستة عشر ألفا من الموظفين) ولكنها كانت تضم واحدا من ألمع المتخصصين بالأنقلابات في العالم الثالث هو وليم لوكلاند مساعد الملحق العسكري في السفارة .
وماذا لو كان كل هذا الهرج الأمريكي بقصد إعادة القوات الأمريكية الى العراق ؟ وأيضا ماذا لو كان الهدف من العودة الى العراق بهدف التحضير لمواجهة عالمية خطيرة ؟
بالأمس كانت الطائرات الأمريكية لضرب داعش (التي اوجدتها المخابرات الأمريكية ورعتها ببركات خادم الحرمين) وقبلها المستشارين الثلاثمئة ( وكأن ال16 ألف موظف في السفارة لا يملكون القدرة على تقديم المشورة) وبعد ذلك جرى استقدام مائة وثلاثين من الجنود الأمريكان وهو عدد ضئيل ولا معنى حقيقي له ولكن سيكون له هذا المعنى الحقيقي لو اعتبرناه طليعةً لحشدٍ أكبر من الجنود .. وبالفعل حط أخيرا على أرض العراق ثلاثمئة آخرون من القوات هذه المرة وليس المستشارون والحجة هي لحماية السفارة الأمريكية في بغداد وموظفيها .. والغريب أن هذا كله جرى بعد الأعلان عن استعداد بريطانيا لأرسال طائراتها المروحية من طراز شينوك للمساهمة في الأعمال (الأنسانية) لضحايا داعش (التي أوجدتها أمريكا وحلفاؤها) وقد سبق وزير الخارجية الفرنسي الجميع باستعداد بلاده للمساهمة ذاتها في الأعمال (الأنسانية) .. وأخيرا اجتمع قادة دول حلف الأطلسي وحلفاؤهم المحليين من ملوك وأمراء الخليج والأردن وربما شمال أفريقيا كلهم اجتمعوا في ويلز لدراسة استراتيجية مواجهة هذا الكائن الشديد الخطورة الذي هبط على الأرض من كوكب بعيد ولا يعرف أحدٌ على الأطلاق من أوجده ومن أين يأتي له التمويل بالدولارات التي تفوح منها رائحة النفط ومن أين يحصل على السلاح الأمريكي الذي جعله يبدو ماردا لا قِبَلَ لأحدٍ بمواجهته حتى ان حلف الأطلسي يشعر بالكثير من الحيرة عندما يقرر مواجهته وها هي القوات الأمريكية وطيرانها والبيشمركة وأسلحتها والقوات العراقية الأتحادية وحشد شعبي لا مثيل له وكتائب وعصائب وسرايا .. وبريطانيا وطائراتها الشينوك وفرنسا واندفاعها الأنساني جدا وآخرون كثيرون ... كل هؤلاء أعلنوا نيّتهم لمواجهة داعش .
من الواضح إن أمريكا سائرة الى ذات المغامرة لأعادة احتلال العراق ولكن هذه المرة سيكون الهدف مختلفا . ففي المرة الأولى كان الهدف هو إعادة (بناء) الشرق الأوسط الكبير وكان من المؤمّل جعل العراق منصة لتوجيه العمل لتنفيذ هذا المشروع وقد رأينا كيف إن المشروع قد تلكّأ حتى لامس حدود الفشل التام مما استوجب, كما يبدو , تأجيل العمل به الى وقت آخر مع الأحتفاظ بالنتائج المتحققة .. أما في هذه المرّة فسوف يكون الهدف الأوّلي تأكيد حقيقة غير قابلة للجدال مفادها إن العراق منطقة نفوذ أمريكية بالدرجة الرئيسية , وسيكون هذا الهدف المعلن غلافا لهدفٍ آخرَ . إذ إن القوات الأمريكية ستتمركز بكثافة في العراق وربما في باقي أطراف المنطقة استعدادا لما تتوقعه منظمة حلف شمال الأطلسي من إحتمال أن تقوم روسيا بغزو أوكرايينا .. وقد صرح بهذا أندرس فوغ راسموسن الأمين العام للحلف . وهذا الأمر يعني بوضوح إن على الغرب أن يبني استراتيجية واضحة إزاءه , تتمثل في التواجد بكثافة في المناطق التي تمثل أهمية بالغة لآلة الغرب الصناعية والعسكرية وقطع الطريق على روسيا وحلفائها من أن تتمدد أكثر الى العراق بشكل خاص بالأضافة إلى أهمية أقتراب القوات الغربية من روسيا المعنية أكثر من غيرها بالنزاع الأوكراييني وبالتالي فإن الأمر يبدو كما لو إنه استعدادٌ لمواجهة عالمية يتطلع إليها الغرب عموما باعتبارها الطريق الأمثل للتخلص من الأزمة العالمية التي تمسك بخناق الأقتصاد الرأسمالي وتلقي بظلال ثقيلة جدا على مجتمعاته وقد جرّب الغرب الرأسمالي هذه الطريقة مرتين وقد نجح فيهما مقابل أرواح الملايين من الأبرياء التي قدّمت كضحايا حرب ضروس . الأولى في أزمة مطلع القرن العشرين والتي ترافقت مع صعود القوة الأقتصادية لألمانيا ومطالبتها بحصتها في مناطق النفوذ الأستعماري , فكانت الحرب العالمية الأولى.. والمرّة الثانية في أزمة العام 1929 والتي أوصلت هتلر الى السلطة وإعادة تسليح ألمانيا واندلاع الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بالخروج من تلك الأزمة الأقتصادية الطاحنة بعد أن طحنت ما يزيد على ثمانين مليونا من البشر .
هذه المرة بإمكان المرء بسهولة بالغة ملاحظة الأهتمام الفريد بمنطقة كردستان . إذ إن تقدم داعش الى الموصل وتكريت والرمادي وبعقوبة هذه المحافظات المهمة , لم يكن يثير الحماس الأمريكي لتوجيه الضربات لداعش وقواتها المجهزة بأحدث الأسلحة والموجهة بأفضل النصائح العسكرية التي لا يتقنها سوى الأمريكان في العادة . وهناك أحاديث تشير الى تواجد الكثير من المستشارين الأمريكان بين صفوف داعش بالأضافة الى مقاتلين أمريكان ربما تقول الولايات المتحدة إنهم خارجون على القانون ولا علاقة لها بوجودهم بين صفوف داعش . ولكن حماس الأدارة الأمريكية أستثير بشكل غريب عندما اقتربت قوات داعش الى أربيل وهو ما أثار استغراب الكثيرين ولكن استغرابهم تراجع عندما تحدثت الأدارة الأمريكية عن نيّتها توجيه ضربات مركزة الى قوات داعش للحفاظ على منشأتها المهمة وأرواح مواطنيها وبعد ذلك فهمنا أن هناك منشأت أمريكية تضم بين جوانحها مراكز استخبارية ومواقع من الممكن ان تتحوّل في مستقبل قريب الى قواعد عسكرية مهمة وهذا الأمر يعكس تماما الفكر والسياسة المنهجية اللذين تنتهجهما الأدارة الأمريكية والأدارة الكردستانية في تحويل جزء مهم من الأرض العراقية ذات السيادة الى قواعد عسكرية تمثل انتهاكا لتلك السيادة هذا من الناحية القانونية اما من الناحية الأستراتيجية فإن الأمر يبدو اقترابا خطيرا من خاصرة الدولة الروسية ولكن الأهم من كل ذلك هو الأقتراب من مخزن الطاقة الأعظم في المستقبل ألا وهو بحر قزوين . إذ لايبقى أمام الأمريكان المتواجدين في كردستان العراق سوى رقعة صغيرة من شمال ايران تفصلهم عن الساحل الجنوبي الغربي من بحر قزوين . وليس هذا فحسب إذ إن الرئيس الأمريكي أعلن إنه سينتهج ستراتيجية طويلة لمقاتلة داعش وهو ما يعني بالضبط تواجدا أمريكيا طويل الأمد وبحثا عن فرص ربما تتيحها هذه الستراتيجية تسمح بالنفاذ الى سوريا أو بلدان أخرى محيطة بمنطقة النزاع وتقع ضمن دائرة المخططات الأمريكية للشرق الأوسط . وامّا الضربات على داعش فسوف يكتشف الجميع إنها ستكون موجهة في العراق الى بعض النقاط غير المهمة ولن تشكل هذه الضربات ثقلا حقيقيا أكثر مما تشكله ضربات القوات العراقية وطيرانها , بل إنها ستهتم بمنع التجاوزات على الحدود الأقليمية للأقاليم التي حددها مشروع بايدن , وقد يمتد النشاط العسكري الأمريكي هذا الى الأراضي السورية لمحاولة تصفية القوى المتشددة لصالح المعارضة التي تسميها (معتدلة) هناك وتعيد الصراع في سوريا الى نقطة البدء أي قبل أن تحقق القوات السورية انتصارات واضحة ضد المعارضة المسلحة .وأغلب الظن أن المعارضة المتشددة في سوريا وربما في العراق سيجري توجيهها الى شمال القوقاز للضغط على روسيا.
الآن أين كل هذا من موقف المالكي الرافض لأي تواجد عسكري أمريكي ؟ أليس معقولا أن تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشكل (المنطقي) و(العقلاني) والمحافظ على المصالح الأمريكية فتصر على رحيل المالكي في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر العالمي بين الغرب الرأسمالي المتصدع من الأزمة الأقتصادية التي لا تريد أن تغادر مكانها على صدر النظام الرأسمالي وبين العالم الآخر الذي تمثله روسيا والصين وحلفاؤهما الآخرون ؟ ومع رحيل المالكي سيرحل أيضا معه إصراره على عدم السماح بعودة قوات الأحتلال تحت أية ذريعة .. كان يطالب بتنفيذ عقود التسليح وفق اتفاقية الأطار الأستراتيجي ولم يكن يطالب بعودة الجنود الأمريكان كما كانت تأمل الأدارة الأمريكية . ولكن هذه الأدارة وجدت في كردستان بديلا عن باقي أجزاء العراق فصارت ,هي وحلفاؤها الغربيون , شديدي الكرم في إرسال السلاح الى حكومة الأقليم متخطين بذلك أبسط القوانين الدولية التي لا تبيح التعامل العسكري مع أجزاء من الدولة دون الرجوع الى الحكومة المركزية . والهدف كما يراه البعض ليس مساعدة الشعب الكردي في كردستان العراق , إذ إن للولايات المتحدة تاريخا يعرفه الكرد جيدا إذ لم يمر سوى أقل من أربعة عقود على اتفاقية الجزائر وأقل من هذا الوقت على مجازر الأنفال وحلبجة على يد الدمية الأمريكية صدام حسين . أما الهدف الحقيقي من هذا الحماس الأمريكي والغربي لتقديم السلاح لكردستان مباشرة فهو لتكريس النزعة الأنفصالية لحكومة الأقليم وهذه خطوة مهمة جدا على طريق التقسيم الحقيقي للعراق خاصة وإن هذه النزعة ترتبط بالقوى الإقطاعية والقبليّة والرجعية المرتبطة بشكل وثيق بالمصالح الغربية وبعيدة كل البعد عن مصالح كادحي كردستان وتطبيق حق تقرير المصير على أسس ديمقراطية تخدم كادحي كردستان وكادحي العراق عموما.
سيستمر الأمريكان بحرصهم على الأبقاء على صراع طائفي في العراق لا يمكن التكهن بحدوده , صراعٌ بين مكونات كرستها السياسة الأمريكية منذ تقرر احتلال العراق وبرزت حدودها بشكل واضح بعد الأحتلال في العام2003 وقد يقود هذا الصراع الى التقسيم ..وسيبقى الأمريكان يلوّحون من باب التهديد باحتلال داعش لبغداد وباقي اجزاء العراق وما يعنيه هذا من مجازر وعودة القوى الأنتقامية للنظام السابق بكل شرورها . وقد كان هذا التهديد الأمريكي واقعيا تماما لو لم يتنح المالكي .
------------------------------------------------------------------------------------------



#أسعد_محمد_تقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيدفن العراقيون مشروع بايدن ؟
- ماذا يحصل لو توقف الإرهاب؟
- حديث عن التقسيم
- نابوكو و تحرير أوربا عبر تدمير العراق وسوريا
- ويحدّثونك عن الربيع العربي
- الدكتور عبد الخالق حسين بين النوايا الطيبة والموقف من اليسار
- النكتة الأمريكية
- ماذا يحدث ؟
- حول تشكيل الحكومة العراقية الدستوريّة الثانية..آراء وملاحظات
- من سيكون الأقدر على الوصول الى منصب الإدارة... منصب رئيس الو ...


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أسعد محمد تقي - العملية السياسية وديمقراطية العصا والجزرة