|
|
في رثاء منتصب القامة ، نبي الغضب الثوري سميح القاسم
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4552 - 2014 / 8 / 23 - 18:53
المحور:
الادب والفن
مات سميح القاسم حادي الوطن والثورة ، وقيثارة فلسطين وحجرها ومتراسها ، وسفير الشعر الوطني الجميل المغنى دون أن" يستأذن أحداً " . غاب أبو وطن فارس النضال والكلمة المقاتلة المتوهجة الغاضبة ، وشاعر الشعب والكفاح والمقاومة والعروبة والغضب والنبوءة الثورية . رحل شاعر الحب والألم والأمل والوجع الإنساني المبشر بالغد ، الذي لم يخف الموت ويهابه ، بل كان يكرهه ، وقاومه بكل شدة وصلابة وكبرياء ، وخاطبه قائلاً : " أنا لا أحبك يا موت ، لكني لا أخافك " ولكن في النهاية انتصر عليه . رحل الشاعر القديس ، والصوت الوطني الشامخ الصداح المدوي ، الذي تخطى الحدود ، وطالما شدا للوطن والتراب ، وهتف للوطن والإنسان ، وغنى للعامل والفلاح . مات سميح القاسم صاحب السربية وكولاج و"نشيد الصحراء" و"غزاة لا يقرأون " و"دمي على كتفي" و"تقدموا " وغيرها من القصائد المنبرية والجماهيرية الحماسية ، التي كان يلقيها بصوته الجميل العذب المجلجل ، فسكنت وجدان الناس واحتلت قلوبهم ، وكانت بمثابة بيان شعري سياسي . غادر سميح " منتصب القامة يمشي .. مرفوع الهامة يمشي .. في كفه قصفة زيتون ، وعلى كتفه نعشه ، وهو يمشي وهو يمشي ". ترجل عن صهوة القصيدة قبل أن يكمل نصه الأخير عن انتصار المقاومة في غزة الصمود والعزة ، ودون أن تتكحل عيناه بتحرير الوطن من المحتلين . مات شاعر الانتفاضة الذي كرس حياته في الدفاع عن الحق والعدل والحرية ، وضد الجور والبطش والقهر والاحتلال والظلم التاريخي الذي لحق بشعبه . رحل نبي الغضب ، وخبز الفقراء ، وأنيس المقهورين والمعذبين ، ولسان الفلسطينيين وأبجديتهم ، والعاشق الأبدي لتراب الجليل وزيتون الرامة ، الذي سما بشعره فوق الجراح والعذاب . سميح القاسم هو احد أعمدة الشعر السياسي الاحتجاجي المقاوم ، ومن ابرز واهم الأصوات الشعرية الفلسطينية والعربية المعاصرة ، ويعد من الجيل المؤسس للكلمة المقاتلة في فلسطين التاريخية ، وشكل قوس قزح لثقافة الصمود والمواجهة ولشعر المقاومة والالتزام السياسي مع توأم روحه محمود درويش ورفاق دربه ومجايليه توفيق زياد وراشد حسين وسالم جبران وحنا أبو حنا وسواهم . عرفناه والتقيناه في ميادين النضال وساحات الكفاح والمواجهة مع السلطة ، واستمعنا لقصائده في مهرجانات يوم الأرض وأول أيار وعيد المرأة العالمي وفي الندوات الشعرية ومهرجانات الأدب والفكر ، وكان كابوساً لسياسات الاحتلال بكلماته القوية وصوته وظلاله . ومنذ نشأته الأولى التزم سميح القاسم خط النضال ومقارعة الظلم ومقاومة التجنيد الإجباري المفروض قسراً على أبناء الطائفة المعروفية ، وارتبط نشاطه السياسي والاجتماعي والثقافي والأدبي بالحزب الشيوعي وتعاليمه ومفاهيمه ومنابره وأدبياته . سجن واعتقل أكثر من مرة ووضع تحت الإقامة الجبرية ، وتعرض للملاحقات والمضايقات السلطوية ، وفصل من التدريس بسبب قصائده ومواقفه السياسية والوطنية والقومية ، ورغم ذلك واصل درب الكفاح والنضال ، ولم تهزه التهديدات ، ولم تزعزعه المضايقات ، ولم يدع أي فرصة اجتماعية أو سياسية أو وطنية دون أن يشترك فيها مادام الغاية من ورائها مصلحة الوطن والقضية ومستقبل الشعب . كان سميح القاسم يكره الطائفية والتعصب الديني والعرقي والمذهبي ، ويمقت التكفير والقمع الفكري ، وكان يدعو دائماً للتسامح والوحدة والتآخي بين الأديان والطوائف وصيانة النسيج الاجتماعي والوطني لشعبنا . حظيت أشعار سميح القاسم وقصائده وكتاباته السياسية والفكرية بشهرة واسعة ، واعتبر من كبار الشعراء والمبدعين الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط أدبهم بالثورة والمقاومة والحياة . ومن موقعه القيادي في دنيا الشعر والفكر والنضال وقف أبو محمد وأبو وطن سميح القاسم ، رمزاً وطنياً وعلماً ساطعاً فياض العطاء ، حاملاً المشعل والرسالة قولاً وعملاً ، مغمساً قلمه في قلبه ، ودمه على أكفه ، مضمخاً بالحب والحنان والمحبة ، كابن لهذا الوطن الذبيح الجريح والشعب الأصيل ، الذي كان يستمد منه قوته وأصالته وشموخه وإبداعه . وعلى مدى عمره الحافل بالعطاء والإبداع الشعري والتوهج ، ظلت فلسطين حلمه وهاجسه الكبير وهمه الأول والأخير . وجسد في كتاباته هموم وطنه ، وعبر عن آمال شعبه الفلسطيني بالحرية والانعتاق والاستقلال والخلاص من ربقة الاحتلال . وتشهد على ذلك قصائده الوطنية الثورية الملتزمة ، التي تحاكي الواقع ، وتناجي الوطن ، وتتغنى بالزيتون والتراب المقدس وكل سنبلة في ربوع وطننا الحبيب والغالي ، وتصور بطولات الشهداء وصمود المقاتلين والمعتقلين . وقد تحولت قصائده إلى أغان وطنية وأناشيد وهتافات ثورية ترددها حناجر الجماهير في معارك التحرر والاستقلال الوطني ، وأصبحت جزءاً من التراث الحي لأناشيد الثورة وأغاني المقاومة الفلسطينية . وفي كل كتابات سميح القاسم المتنوعة ، نلمس البعد الوطني والإنساني والتاريخي والنقدي والمستقبلي ، ونحس بالدفء وحرارة القلب ونبضاته ، ونلمس الأمل والتفاؤل والاستشراف المتطلع إلى غد أجمل ومستقبل أفضل متجدد . وغني عن القول ، أن سميحاً كان دائماً الشاعر المتفائل ، رغم الألم والمعاناة اليومية ومصاعب الحياة وقهر الاختلال . إن إنساناً بحجم وعظمة المتماوت سميح القاسم ، الذي كرس عمره وأدى دوره كمثقف عضوي وثوري رسولي من خلال الجبهة الثقافية ، ووظف شعره وجنده للتعبير عن الروح النضالية والإنسانية المنافحة التي تدعو للمحبة والسلام بين الشعوب ، إنساناً كهذا لا يمكن أن يغيب لحظة واحدة عنا ، وسيبقى خالداً في وجدان وعقل أبناء شعبه ومثقفيه ، ولن يموت أبداً. سميح القاسم مبدع كبير ، وقامة شعرية سامقة ، ومصباح توهج بنور العمل والأمل ، تجسدت فيه قيم الصدق والتواضع والخير والعدل والإنسانية وشموخ جبالنا الفلسطينية وروابيها وصلابة صخورها ، وسيظل يملأ سماءنا وفضاءنا بروائعه الشعرية الأصيلة . طوبى لسميح القاسم في الحياة والممات ، ووداعاً يا شاعر القضية ، ويا لوركا فلسطين ، ورسول المحبة والجمال والذوق الرفيع، والصوت الهادر الصارخ المعبر عن آلام وهموم شعبنا الظامئ للحرية والشمس والفرح .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عدد آب من -الإصلاح- الثقافية
-
داعش حركة فاشية وصناعة أمريكية ..!
-
سورية يا حبيبتي ..!
-
دور المثقف في مواجهة العدوان على غزة ..!
-
الموقف المصري تجاه العدوان على غزة - بعض الاستنتاجات
-
عذراً غزة، يا جرحنا الباقي
-
غزة / ستالينغراد وإرادة شعب لا يقهر
-
الأعنية الوطنية الفلسطينية في المعركة ..!
-
غزة .. الجرح النازف !
-
مجلة -الإصلاح- الثقافية تحيي ذكرى الشاعر والمناضل توفيق زياد
-
لتتوقف جرائم التطهير العرقي ضد المسيحيين في العراق ..!
-
رفعت السعيد والموقف من العدوان على غزة ..!
-
غزة تنزف وتحترق والعالم يتفرج ..!
-
-لن تقبروا شعباً فجر المقابر وانبعث عملاقاً -..!
-
إنها حرب عدوانية شاملة على شعبنا الفلسطيني بأكمله وليس على -
...
-
غزة تتحدى وتقاوم العدوان ..!
-
حسين عبد اللطيف سراج الشعر الذي انطفأ مبكراً
-
لطيف دوري والحنين إلى بغداد ..!
-
مع الكاتبة والمناضلة المصرية الراحلة فتحية العسال
-
الكاتب محمد كمال جبر نورس فلسطيني آخر يودع الدنيا
المزيد.....
-
من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال
...
-
التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
-
الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي
...
-
مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
-
-المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
-
روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي
...
-
إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
-
هوس الاغتراب الداخلي
-
عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
-
مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با
...
المزيد.....
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|