أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم عامر - إنطبعات متظاهر















المزيد.....

إنطبعات متظاهر


كريم عامر

الحوار المتمدن-العدد: 1284 - 2005 / 8 / 12 - 07:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


على الرغم من كون الإقدام على إجراء التجربة الأولى فى حياة الفرد يشوبه قدر من الحذر والخوف والترقب ، إلا أنه يكتسب أهمية خاصة لإحتلاله مكانا متميزا فى ذاكرة الإنسان يصعب معه نسيانها .
فعلى الرغم من معارضتى المزمنة للنظام الديكتاتورى المصرى ، إلا أن هذه المعارضة قد أخذت منحى نفسيا مختلفا قبل البدء فى كتابة هذه السطور ، فلقد أتيحت لى الفرصة للمشاركة فى المظاهرة التى نظمتها الحركة المصرية من اجل التغيير " كفاية " فى ميدان سعد زغلول بالإسكندرية إحتجاجا على الممارسات القمعية التى تقوم بها قوات الأمن المصرية ضد المتظاهرين ، وعلى الرغم من أن الآثار النفسية التى خلفتها تلك المشاركة لم تتبلور بعد ، إلا أننى وجدت أنه من الأجدر بى تسجيل إنطباعاتى اللحظية عن هذا الحدث الهام والجديد - على الأقل - بالنسبة لى .
فلم يكن إتخاذ قرار بالمشاركة فى مثل هذه المظاهرة عملية سهلة ، لأن الإنسان يتأثر بكل ماحوله ، وغريزة البقاء تدفع الإنسان إلى إعطاء الأولوية لما يحفظ حياته ويبقى على كيانه سالما من الأضرار ، فما أقرأه يوميا وما أشاهده فى وسائل الإعلام عن الأساليب الإجرامية التى تنتهجها وزارة الداخلية المصرية تجاه المتظاهرين تدفع الإنسان إلى أن يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على إتخاذ قرار بهذا الصدد ، فكان لزاما على أن آخذ بعين الإعتبار إحتمالية التعرض لهجوم وحشى من قبل بلطجية النظام ، وربما أضطر لخوض معارك طاحنة مع الكلاب البوليسية التابعة لوزارة الداخلية والتى يطلق عليها مجازا " قوات الأمن المركزى " ، وكان يجب أن أفكر فى ورود إحتمالية إعتقالى لفترات طويلة دون توجيه إتهامات أوتلفيق تهم لى ، كما أنه من غير المستبعد أن يتم تفريقنا بالغازات المسيلة للدموع والهراوات أو فى أسوأ الأحوال بالعيارات النارية المكسوة بالمطاط الى غير ذالك من الممارسات التى تعبر بوضوح عن " أزهى عصور الديمقراطية " !!! ، ثم إتخذت قرار ثوريا - إن جاز لى إستخدام هذا التعبير - بالمشاركة فى هذا الإحتجاج .
ربما يكون إتخاذ مثل هذا القرار من قبيل المغامرة التى لا تهمنى عواقبها ، وربما يكون من باب الفضول وحب الإستطلاع والتطلع الى نيل " الثمرة المحرمة " ، وربما يعد محاولة مستميتة لتحطيم أقفال زنزانة نفسية محكمة الإغلاق ، للخروج منها الى عالم نفسى رحب متسع الآفاق .
المشاهدات فى الطريق إلى موقع المظاهرة لها أهمية كبيرة عند تناول مثل هذا الحدث ، ذالك انها قد تدفع بالإنسان الى العدول عن القرار الذى إتخذه وإيثار السلامة والإبتعاد عن مصادر التكدير والمنغصات ، فعلى بعد حوالى مائتى متر من المكان المحدد للمظاهرة كان بإنتظارنا إثنتى عشرة سيارة مصفحة من تلك المخصصة لنقل عساكر الأمن المركزى الى مواقع عملهم القمعى ، لم آبه بهذا العدد الكبير من السيارات المحملة بالجنود ، ووليتها ظهرى متجها نحو موقع الظاهرة الذى بدا لى أشبه بثكنة عسكرية بالغة التحصين ، وحين مررت بجانب احد أفراد الشرطة لفت إنتباهى إستفسار طرحه عليه أحد المارة عن السبب وراء هذا التواجد الأمنى الكبير فى هذا المكان ، فرد الشرطى بسذاجة لا يحسد عليها : " أصل حزب كفاية عايز يعمل مظاهرة هنا " !!!! ، فكفاية ليست حزبا سياسيا ذو إتجاه معين وإنما هى حركة تضم كافى القوى الوطنية على إختلاف إنتماءاتها السياسية والدينية والمطالبة بإسقاط حكم الديكتاتور " مبارك " وعدم السماح بتمديد فترته أو توريثه لنجله جمال ، ولكن الجهل المستشرى حتى بين أفراد الشرطة جعل هذا الرجل يضفى على الحركة صفة الحزبية ، المهم أننى - بقلق بالغ - توجهت الى المكان المحدد للمظاهرة أسفل تمثال الزعيم المصرى سعد زغلول ، ثم إتجهت صوب تجمع المتظاهرين الذى بدا للوهلة الأولى محدود العدد للغاية ، فى بداية الأمر أرهبنى التواجد الأمنى الكثيف عن الإنضمام الى جموع المتظاهرين غير ان ما أنقذ موقفى هو أننى لمحت إحدى الصديقات من الحركة تقف أمام التجمع لإلتقاط بعض الصور ، عندها وجدت نفسى أتحرك تلقائيا ناحيتها ولم أشعر بنفسى إلا وأنا أقف بين جموع المتظاهرين .
بدأت المظاهرة بشكل صامت برفع بعض الشعارات الرافضة لمبارك ولنجله جمال والمطالبة برحيل النظام المصرى الحالى ، وعلى الرغم من حدوث بعض الخلافات البسيطة بين المتظاهرين بسبب الإنتماءات الحزبية التى حاول البعض إبرازها ، إلا أن الدكتور محمد عباس منسق الحركة بالإسكندرية تمكن من تهدأة الموقف وإعادة الأمور الى مسارها الطبيعى .
تراوحت الشعارات التى رفعها أنصار الحركة بين الهجوم الحاد على النظام المصرى إلى التهكم على الرئيس مبارك إلى الإشادة بموقف رجال القضاء المصريين ، فعلى سبيل المثال دون أحدهم على لافتة رفعها عبارة تقول : " وظائف خالية : مطلوب رئيس جمهورية خبرة على الأقل 24 سنة " وإحدى اللافتات قال محتواها: " إدفع خمسين الف جنيه لتلتحق بكلية الشرطة " ، والبعض الآخر كان يشيد بالقضاء قائلا " إنتفاضة القضاة تاج على رؤوسنا " .. و .. " الشعب المصرى ياقضاة .. بيقولكم الله الله " إلى غير ذالك من الشعارات المدونة التى كانت تعبر عن موقف الحركة تجاه النظام الفاسد المسيطر على الحياة العامة فى مصر ، وبعد قليل من الصمت بدأ دوى الهتافات يعرف طريقه نحو الخروج من الحناجر منددا بقرار الرئيس مبارك ترشيح نفسحه للإنتخابات لفترة خامسة : " جاتو خيبة على إيه ... جاى يترشح تانى ليه " !! ، ثم أخذت الهتافات المطالبة بسقوط نظام الرئيس مبارك تتوالى " يسقط .. يسقط .. حسنى مبارك " ... " يا سوزان قولى للبيه ... ربع قرن كفايه عليه " ... " ياجمال قول لأبوك ... شعب مصر بيكرهوك " ... " ياحرية فينك فينك ... حسنى مبارك بيننا وبينك " ، وفى النهاية غنى الجميع سويا نشيد " كفاية " وهو مبنى على لحن سيد درويش للنشيد الوطنى المصرى " بلادى " .
من الملاحظات التى لفتت إنتباهى أثناء المظاهرة هو أننى لم ألحظ وجود أى من الفتيات المحجبات يشاركن فيها ، بل كانت كل المشاركات لا يرتدين حجابا أو يضعن أى نوع من أغطية الرؤوس الأمر الذى أعطانى إنطباعا قويا عن السلبية التى تميز الفتاة المحجبة عند تعاملها مع القضايا المصيرية ، ومن جانب آخر فقد لمست قدرا كبيرا من الحماس والجرأة بين الفتيات المشاركات فى هذا الإحتجاج على قلتهن إتضح لى هذا جليا فى مبادرة البعض منهن بقيادة المتظاهرين فى الهتاف ضد النظام .
لا حظت أيضا لدى مرور بعض السياح ذوى الملامح الجنوب شرق آسيوية شيئا من الإعجاب إتضح فى نظراتهم المشجعة تجاهنا خاصة عندما صوبوا عدساتهم لأخذ صور لنا ، شعرت بأننا لسنا فقط الذين نتطلع الى الحرية والفكاك من الأنظمة الظالمة القمعية بل يشاركنا فى هذا الحلم الجميل كثير من شعوب العالم ، ويتضامن معنا فى مطالبنا هذه الكثيرون ممن حصلوا على حريتهم ، وما تضامن الشعب الكورى مع حركة كفاية فى مظاهرته أمام السفارة المصرية فى العاصمة سيول عنا ببعيد .
بالنسبة للإجراءات الأمنية المصاحبة للمظاهرة ، لم تحدث أية مصادمات بين المتظاهرين ورجال الأمن ، ولم ألمس أى محاولة للتدخل والتحرش ، لم يمنعوا احدا من الإنخراط فى المظاهرة ، ولم أشهد أدنى قدر من الإستفزاز أو إستخدام العنف ضد المتظاهرين ، بدأت المظاهرة تحت حراستهم بسلام ثم إنتهت كما بدأت ولم يحدث أى شىء مما كنت أخشاه .
تحدث فى النهاية الناطق الرسمى بإسم الحركة عبدالحليم قنديل متحديا الرئيس مبارك أن يكون قد أصدر قرارا طوال مدة حكمه الطويلة لم يكن يحظى برضى الإدارة الأمريكية !!! .
إنتهت المظاهرة وإنصرفنا جميعا بعد أن تمكنا من إخراج شحنة من الكبت النفسى والغضب المكتوم داخلنا ، فبصرف النظر عن مدى تأثير هذه المظاهرة على الشارع بشكل عام ، إلا أن الشعور بالراحة النفسية بعد المشاركة فى مثل هذا الإحتجاج هو شعور لا يضاهيه شعور آخر ، فالإحساس بإمكانية التعبير الحر عن الرأى وإمكانية رفض الخضوع للطاغية هو بداية الطريق نحو التحرر الكامل من كافة القوى المهيمنة .
تميزت المظاهرة بالعفوية والبساطة وطغيان الطابع الشعبى على شعاراتها ، إضافة الى الحماس والتلقائية المميزين للشباب المشاركين فيها ، إلا أن الأثر الذى خلفته داخلى لا أعتقد أن محوه وإزالته من السهولة بمكان .



#كريم_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن المرأة ... دفاع عن الذات
- تعليم الإناث وأثره فى إنهيار الفكر الذكورى .
- فتش عن القاعدة
- النظام الأسرى بين المساواة والقوامة .
- من واقع رسالة طالب أزهرى : الأزهر والقاعدة ... وجهان لعملة و ...
- إعدام الشريف إعلان حرب ضد مصر
- صيفى ... ولكن حافظى على حجابك !
- الزواج والبغاء ، إطلاقات متباينة لسلوك واحد !
- ثورة العبيد .... ضد الحرية !
- حركة كفاية ... ومواجهة الإستبداد
- عفوا أختى الفاضلة ... لقد غيبوا وعيك
- هل نحن ولدنا أحرار ؟؟!!
- شبكة الإنترنت .... وتحطيم الأبواب المغلقة للمجتمع الذكورى ال ...
- الصحف المصرية الصفراء تتهكم على رموز المجتمع المصرى - صحيفة ...
- هند الحناوى : الفتاة التى أسقطت هيبة الذكور
- فى يومها العالمى : تحية الى رمز النضال النسوى المصرى - د / ن ...
- عزيزتى المرأة : قليل من العتاب - دعوة لتكوين جبهة عربية لموا ...
- الباحثات عن الحرية : إيناس الدغيدى وعمل إبداعى بكل المقاييس
- إلى كل أنثى : أنت الحياة !!!
- الغزوات الفكريه : كيف نتعامل معها ؟


المزيد.....




- الرئيس الصيني يستقبل المستشار الألماني في بكين
- آبل تمتثل للضغوطات وتلغي مصطلح -برعاية الدولة- في إشعار أمني ...
- ترتيب فقدان الحواس عند الاحتضار
- باحث صيني عوقب لتجاربه الجينية على الأطفال يفتتح 3 مختبرات ج ...
- روسيا.. تدريب الذكاء الاصطناعي للكشف عن تضيق الشرايين الدماغ ...
- Meta تختبر الذكاء الاصطناعي في -إنستغرام-
- أخرجوا القوات الأمريكية من العراق وسوريا!
- لماذا سرّب بايدن مكالمة نتنياهو؟
- الولايات المتحدة غير مستعدة لمشاركة إسرائيل في هجوم واسع الن ...
- -لن تكون هناك حاجة لاقتحام أوديسا وخاركوف- تغيير جذري في الع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كريم عامر - إنطبعات متظاهر